الكوميديا فى المسرح الأمريكي

الكوميديا فى المسرح الأمريكي

العدد 953 صدر بتاريخ 1ديسمبر2025

وسط المشاكل التى يعانيها الشعب الأمريكي هذه الأيام من جراء سياسات الرئيس دونالد ترامب يصبح هذا الشعب فى حاجة إلى شئ ما يرسم الابتسامة على شفتيه ولو لبعض الوقت.
ولا يوجد وسيلة افضل لهذا الأمر من المسرح من خلال الكوميديا . وهذا ما حدث منذ أيام فى سان فرانسيسكو وبالتحديد على مسرح “اكزيت” الذى يضم 49 مقعدا فقط. 
كان المسرح على موعد مع عرض كوميدى ساخر تميز بالبراعة والنفاذ إلى عمق عدد من مشاكل المجتمع الأمريكي برؤية كوميدية. 
وكانت هذه الرؤيا موزعة على 3 مسرحيات كوميدية قصيرة للكاتب المسرحى دانييل ليمان وعرضت كلها تحت اسم رئيسى واحد  هو “أن تصبح مظلما “ مع عنوان فرعى لكل مسرحية بعدها وتغيرات بسيطة فى الديكور.
ويطمئن ناقد لوس أنجلوس تايمز قراءه إلى أن العرض حافل  بالمواقف المرحة التى تبعث على الضحك من أعماق القلب على حد تعبيره.  
ويساعد على ذلك أن مخرجة العرض ويندى باتلر  اختارت طاقما من الممثلين يتمتع بالموهبة وقادرا على إضحاك الجمهور بغير حدود. ويتمتع الطاقم بلياقة بدنية عالية تساعدهم على تجسيد شخصياتهم والقيام بمجهود شاق فى ساعة واحدة فقط .
وهذا الطاقم تكون فقط من ستة ممثلين  نجحوا فى تجسيد الشخصيات والوصول إلى أعماقها. وكانوا يجسدون شخصياتهم بتلقائية رائعة كما لو كانوا يجسدونها فى فيلم سنيمائى.

جوهرة
وكان الجديد هنا أن المسرحية الواحدة التى وصفها الناقد بالجوهرة  تستمر  20 دقيقة دون فواصل أو دون الحاجة إليها على حد تعبيره.
الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في الشخصيات نفسها هو أن المشاهد يضحك من قلبه  حتى عندما يكون سلوك هذه الشخصيات  أنانيًا بشكل واضح وغير “لطيف”  فيضحك عليهم بسهولة  وشعر أنها شخصيات يمكن أن يتعامل معها فى حياته العادية أو انه تعامل معها بالفعل. 
وعلى أية حال فان متابعة الأحداث سوف تجعل المشاهدين يفهمون معنى الاسم الغريب للمسرحية أو المسرحيات الثلاث. 
عرض
وننتقل بعد ذلك إلى عرض سريع للمسرحيات الثلاث التى تقدم فى مسرحية واحدة. وبدلا من اختيار اسم للمسرحية الأولى نجدها تطرح سؤالا يقول  “هل هو مريض؟”. ويدور هذا السؤال  حول شخصية يوري .و تدور أحداث المسرحية حول ما يحدث له في منزله صباح عيد ميلاده الثاني والستين. بمجرد استيقاظه ودخوله غرفة المعيشة، عليه أن يُقنع زوجته نادية   وابنته ميلا   بأنه مريض.
وبالرغم من إصراره على إخبارهما بما يشعر به، إلا أنهما ترفضان ما يقوله وتؤكدان انه فى حالة صحية ممتازة وتذكران له أسبابا وعلامات تدل فى رأيهما على انه غير مريض. وبدوره يرفض يورى هذا التبسيط لحالته  وكلما ازداد اعتراضه، زادت أعراضه سوءًا وزادت الزوجة والابنة تمسكا بموقفهما الغريب. واخيرا تستدعى الزوجة والابنة  الطبيب فورًا لتشخيص حالته المرضية.
 وبمجرد أن يصل الطبيب  تعجب الاثنتان به وتتناسيان حالة الأب والزوج المريض وتسعى كل منهما إلى نصب شباكها حوله. 
ويريد المؤلف هنا السخرية من بعض الناس الذين يستغل بعضهم الآخرين فى إنكار ما يحدث ويسعون إلى إجبار الآخرين على الالتزام برؤيتهم لما هو حقيقى وماهو زائف واستغلال ذلك من اجل تحقيق مأربهم التى تكون غالبا غير شريفة.

هذا مكانى
وتحمل المسرحية الثانية عنوان  “هذا مكاني!”،  ونجد فيها يورى ونادية  (بعد تغيير سريع في الكواليس يُحوّلهما إلى زوجين جديدين).
 لكن هذه المرة، ينتميان إلى “الطبقة الراقية” ويتناولان الطعام في مطعمهما الفاخر المُفضّل.وبينما يتحدثان ببرود عن قلة تواصلهما وعلاقتهما مع أطفالهما “المتورطين دائمًا في جلسات علاج أسري فاشلة” (والذين يلومونهم على كل شيء، ولا يلومون أنفسهم)، ويُشير الزوجان  إلى مائدة   في هذا المطعم ظلت مكانهما المُفضّل لتناول الطعام، على الرغم من أنهما ثريان بما يكفي لتناول الطعام في أي مكان.
ومع ذلك، بينما يُناقش الثنائي مزايا الرأسمالية بلا مبالاة، هناك شخصيتان إضافيتان تجلسان على كلا الجانبين. كلاهما شخصان ذوا مظهر سيء نسبيًا، وهما دوج وجيك. 
يؤكد هذا أنهم ليسوا مشردين فحسب، بل قضيا مؤخرًا عقوبة بالسجن (أكثر من مرة)، مع دوج الذي يكاد يكون غاضبًا دائمًا، والذي يكون على وشك اللجوء إلى العنف حتى لو استُفز قليلًا (بسبب أو بدونه).
لذلك، فإن موضوعي الزوجين المختلفين، القادمين من مستويين مختلفين تمامًا من “المجتمع” اللذين تتم مناقشتهما، يختلفان اختلافًا جذريًا بطرق متصاعدة ساخرة. والفكاهة هنا حادة للغاية مع تصاعد السخرية والحدة. مرة أخرى، تظهر الغطرسة والأنانية، بالإضافة إلى كيف يمكن أن يؤدي عدم الثقة والارتياب إلى ما هو أسوأ بكثير إذا لم يتفق أحد  على  من ينتمي إلى  “المكان”.
الجذع
أما المسرحية الثالثة والأخيرة فتأخذ الجمهور في رحلة أكثر هدوءًا مع الزوجين   تيد،  وإيلينا.  كان عنوانها “الجذع”، في إشارة إلى وجود جذع خشبي حقيقي في وسط غابة غير مرئية بالطبع.
فى المسرحية يجلس تيد على الأرض مرتديا نظارة ويدون ملاحظات بعناية  بينما يدون تيد، الذي يرتدي نظارة، ملاحظاته بعناية بقلمه وورقة وهو يحسب عدد “حلقات العمر” للجذع الذي كان في السابق شجرة كاملة. ويتضح أنه “أستاذ جامعي مهووس بالأشجار”.
 يُقاطع فجأة في سعيه الهادئ وراء هذه المعرفة من قبل امرأة فاتنة تمارس رياضة الجري، ولديها هاتف محمول  يرن بشكل مزعج.
وكانت هذه المرأة  إيلينا، وخلال سلسلة من المكالمات الهاتفية المتواصلة والمزعجة، تكشف لتيد أنها “تعمل في مجال الأزياء، وتملك متجرها الخاص، ولديها موظفون سيئون، بالإضافة إلى أطفال مزعجين” هم من يُجرون المكالمات. بالطبع، عندما يُطلعها تيد على هويته وما يفعله (ما يُحبه وما يكرهه)، يتضح أنه لا يوجد بينهما أي شيء مشترك.
ومع ذلك، شيئًا فشيئًا (في خضم حركات إيلينا الرياضية المثيرة للاهتمام)، يُظهر الحديث بين هذا الثنائي المُحتمل، الذي كان من غير المُتوقع، تلميحات أكثر  دقة (وربما غير ذلك في النهاية) إلى المزيد من اللقاءات المُتعمدة عند جذع الشجرة في الغابة. ويتزوج الشخصان ولس بينهما اى شئ مشترك ويعيشان رغم ذلك حياة سعيدة.


ترجمة هشام عبد الرءوف