العلاقات المسرحية والفنية بين مصر وتونس (4) الفنان سيد شطا نموذجا

العلاقات المسرحية والفنية بين مصر وتونس (4) الفنان سيد شطا نموذجا

العدد 735 صدر بتاريخ 27سبتمبر2021

الفنان المصري والمطرب الشهير «سيد شطا 1897 - 1985»، عاش في تونس أكثر مما عاش في مصر، وأعطى لتونس من فنه الكثير، لذلك يعرفه التونسيون أكثر مما يعرفه المصريون، وكتب عنه التونسيون أكثر مما كتبه عنه المصريون!! ومن يطلع على ما كُتب عنه من قبل التونسيين والمصريين سيجده يدور حوله بوصفه مطرباً، وأغلب المعلومات المنشورة، والأغاني المحفوظة والمنتشرة في الإنترنت عنه، تدور حول ألحانه وأغنياته، وخصوصاً في تونس! وعندما تتبعت أخبار هذا الفنان في الدوريات المصرية، وجدت معلومات مهمة غير معروفة، وأنشطة مسرحية مجهولة، وتاريخاً لم يُكتب من قبل، لذلك سأخصص هذه المقالة عن الجديد غير المعروف عن سيد شطا، وعن تفاصيل بعض الأمور المعروفة عامة؛ والتي تثبت أن «سيد شطا» نموذجاً فريداً في العلاقات المسرحية والفنية بين مصر وتونس.
غناء وتمثيل
احتجب سيد شطا فترة من الزمن، ثم عاد إلى الظهور سنة 1924 في كازينو «البوسفور» بجانب فرقة زكي سعد المسرحية، وفرقة الجزايرلي، وكان شطا يغني بين فصول المسرحيات مع المطربة فاطمة قدري. وفي عام 1926 بدأت أسطواناته الغنائية تباع بجانب أسطوانات نعيمة المصرية، وصالح عبد الحي، وزكى مراد. ومن هنا اختاره أمين صدقي ليكون ممثلاً ومطرباً لفرقته المسرحية، فظهر شطا لأول مرة في مسرحية «ليلة في العمر»، فكتب عنه الناقد «محمد عبد المجيد حلمي» كلمة في مجلة «المسرح» في أغسطس 1926، قال فيها: «.. أما سيد شطا مطرب الفرقة، فلا أقول عنه شيئاً من وجهة التمثيل، لأن هذه أول مرة ظهر فيها على المسرح. أما صوته كمنشد مسرحي، فلا شك أن فيه قوة كامنة لم تظهر كلها. ولكن التمرين والتهذيب كفيلان بأن يجعلا سيد شطا في مقدمة المنشدين المسرحيين».
واستمر شطا في فرقة «أمين صدقي»، حيث شارك بالتمثيل والغناء في مسرحيات منها: «الكونت زقزوق»، و«عصافير الجنة»، و«مملكة العجائب»، و«خالتي عندكم»، التي قالت جريدة «المطرقة» عن دوره فيها – في يناير 1927 – «لا يسعنا إلا تسجيل تقدم سيد شطا في التمثيل، فقد كان تقدماً كبيراً بالنسبة لما مضى. ونحن نتنبأ له بأنه سيكون المطرب والممثل الأول على مسارح الكوميدي». 
وبعد عام واحد وجدناه يغني في صالة «بديعة مصابني»، ثم بطلاً أمام «منيرة المهدية» في فرقتها، ليؤدي أدوار البطولة في مسرحياتها، مثل: «تاييس، وكرمن، وكيد النسا، وقمر الزمان، وصلاح الدين، وصاحبة الملايين»، ومثال لإعلانات هذه الفترة، ما نشرته جريدة «المقطم» في يناير 1928، قائلة: «جوق السيدة منيرة المهدية بتياترو برنتانيا، الأحد أول يناير 1928 الساعة 6 ونصف بعد الظهر رواية «كليوباترا ومارك أنطون». تمثل دور كليوباترا ملكة الإنشاد والطرب السيدة منيرة المهدية، ويمثل دور أنطوان لأول مرة الأستاذ مطرب الشعب «سيد أفندي شطا»، ويمثل أستاكيوس مدير الجوق الفني الأستاذ عبد العزيز أفندي خليل. كل أحد حفلة نهارية والثلاثاء نهارية للسيدات».
وفي العام التالي عاد شطا إلى فرقة أمين صدقي ومثل معه مسرحية «يا رايح قول للجاي»، وكتب ناقد مجلة «المصور» عن دوره قائلاً: «وكان الأستاذ سيد شطا ناجحاً كل النجاح في دور حسن، لاسيما وقد اشترك مع الأستاذ إبراهيم فوزي في تلحين الرواية، فكانا فرسي رهان في التجلي في حلبة الموسيقى، لدرجة أنني طربت من كل أغنية سمعتها، حتى من أصوات المجموعة فلهما كل تهنئة وكل إعجاب». وفي عامي 1930 و1931 تنقل شطا بين عدة فرق؛ بوصفه ممثلاً ومطرباً وملحناً، مثل فرقة حياة صبري وعبد اللطيف جمجوم، ثم وجدناه ضمن فرقة «فوزي منيب» أثناء رحلتها إلى الشام، ثم عاد وانضم إلى فرقة «علية فوزي» بكازينو مونت كارلو بروض الفرج، ثم انضم إلى صالة «رتيبة وأنصاف رشدي».
باريس وتونس ومصر
بعد ذلك لم نقرأ شيئاً عن سيد شطا طوال عامين، ثم وجدنا إحدى المجلات تنشر صورته، وتكتب أسفلها: «هذه صورة المطرب المصري الشهير سيد أفندي شطا، الذي انتشرت شهرته في كثير من الأصقاع حتى أن باي تونس سيد محمد باشا بن الحبيب استدعاه ثلاث مرات إلى الغرب ليطرب بصوته، وليعلّم له مطربيه هناك. وقد تفضل فأنعم عليه هذه المرة بنيشان الافتخار».
وبناءً على ذلك قمت بالبحث في الدوريات المصرية من عام 1933 إلى 1952 - ومنها: أبو الهول، والصباح، والكواكب، والبلاغ، والفن – فوجدت أن شطا أقام حفلات غنائية عام 1933 في تونس بمشاركة الآنسة رتيبة، مع عزف بعض الموسيقيين التونسيين، مثل: رحمين بالكمنجة، والشيخ حسن البنان بالرق، وبرامينو بالقانون، وبشيري بالعود، وصيون بالدربوكة. وفي هذا العام سافر شطا من تونس إلى باريس، حيث قوبل بحفاوة كبيرة «من الوجيه السنوسي السيد حمودة باصوم صاحب قهوة ومطعم وسوق وحمام جامع باريس فقد استضافه وأكرم وفادته». وقد أبانت مجلة «الصباح» عن مهمة شطا في باريس، قائلة: «أهدانا المطرب المعروف الأستاذ سيد شطا أسطوانة من الأسطوانات التي عبأ منها نشيد جلالة ملك مصر في تونس لحساب شركة أم الحسن التونسية، وهو من نظم الأديب الكبير الأستاذ عبد الله عفيفي وتلحين الأستاذ شطا، وقد أهدى هذه الأسطوانة إلى السراي الملكية العامرة».
وفي عام 1934 أوضحت المجلة نفسها أن شطا ذهب للقصر الملوكي العامر في تونس، وحظى بمقابلة الأمير سليم الجزيري – رئيس الدائرة السنية العلية – ثم بدأ بإحياء حفلاته بصالة «بن كاملة» بمشاركة المطربة التونسية «فليفلة الشامية»، ثم تعاقد مع «البشير المتهني» وكيل «فرقة المستقبل التمثيلي» للقيام بدور أنطونيو في أوبرا «كليوباترا» بجانب السيدة «فضيلة ختمي» والسيد «عبد العزيز العقربي». هذا بالإضافة إلى قيام شطا بتلحين نشيد تحية لمسو الباي، وعندما سمعه الباي أمر بأن تنشده الفرقة الموسيقية الخاصة به!
وفي عام 1935 قررت فرقة «المستقبل التمثيلي» تمثيل مسرحية «ست البدور» لصالح سيد شطا على المسرح البلدي، وهذا يعني أن ريع الحفلة بأكمله سيكون من نصيبه، وذلك بمناسبة عودته إلى مصر لرؤية أولاده، لذلك أقام له «بشير المتهني» حفلة وداع ساهرة في منزله، وصفتها مجلة «الصباح» في يونية، قائلة: «أقامت فرقة المستقبل التمثيلي مهرجاناً فنياً دعت إليه رجال الحكومة والأعيان يتقدمهم السادة محمد الملكي رئيس محكمة الاستئناف، ومحمد سعد الله مدير الأوقاف، ومحمد المندوب عضو الدائرة المدنية، وذلك توديعاً للأستاذ سيد شطا. وبعد أن اختلف المدعوون على موائد الطعام والشراب ألقى الأساتذة البشير المتهني، والشاذلي السنوسي، ومحمد بورقيبة، والطيب بن عيسى كلمات عبروا بها عن شكر التونسيين للمطرب المصري الكبير، ومثل أفراد الفرقة قطعة من رواية «كليوباترا»، وظلت الحفلة إلى الساعة السادسة صباحاً. هذا وقد جاءنا ثناء عطار من الأستاذ البشير المتهني رئيس الفرقة على أخلاق الأستاذ سيد شطا وإعجابه بالمجهود الذي قام به على المسرح التونسي، إذ أدخل على مسارحها أنواع الأوبرا والأوبرا كوميك والأوبريت والفودفيل، حتى منحته الحكومة نيشان الافتخار من الدرجة الثالثة».
وبعد عدة أشهر وجدنا «طلعت باشا حرب» يدعم سيد شطا للسفر إلى باريس - ليتفق مع «شركة كريستال» على تعبئة مجموعة أسطوانات - تشجيعاً له وتقديراً للدعاية الفنية التي يقوم بها في الأقطار الشقيقة عن مصر والفن المصري. وبعد فترة سافر طلعت حرب إلى باريس، وزار شطا أثناء غنائه الشعبي في قهوة مسجد باريس. هذا بالإضافة إلى إحياء شطا حفلة في محطة راديو باريس، ثم قام بتعبئة الأسطوانات. والجدير بالذكر أن شطا أرسل إلى الصحف المصرية كلمة شكر فيها «حمودة باصوم» الوجيه التونسي صاحب قهوة جامع باريس – التي غنى فيها شطا - والأستاذ «حقي الشبلي» عضو بعثة العراق للتمثيل في فرنسا لحفاوتهما به في باريس.
وفي نوفمبر 1936 قالت مجلة «الصباح» تحت عنوان «الأستاذ سيد شطا في تونس ونشيد طلعت حرب باشا»: «أذاع المطرب المصري المعروف الأستاذ سيد شطا مدة النصف ساعة بمحطة تونس فألقى نشيد سمو باي تونس المعظم، ثم عقبه بنشيد رجل مصر العظيم وزعيمها الاقتصادي محمد طلعت حرب باشا، وهما من تلحينه. وقد أصبح لطلعت حرب باشا في قلوب التونسيين جميعاً نفس المكانة التي له في قلوب إخوانهم أبناء الشرق جميعاً، ولهذا قابلوا نشيد طلعت حرب باشا بالسرور العظيم. وقد اتفق الأستاذ سيد شطا على العمل في شهر رمضان بصالة الجزائر بتونس لصاحبها السيد حسان الجزيري.
بعد ثلاث سنوات نشرت مجلة «الصباح» عام 1939 خبراً قالت فيه: «حينما كان الأستاذ سيد شطا في مصر، آخر مرة أخذ زوجته وأولاده حين سفره إلى تونس، ليسهر على سعادتهم، وهم إلى جانبه. ولكن مساوئ المصادفات أو الحظ السيء عرضه إلى كثير من المحن. إذ مرضت زوجته مرضاً طويلاً، ثم شفيت زوجته فمرض ابنه، ولما شفي ابنه مرضت ابنته. وهكذا كان لا ينتهي من محنة حتى يجد محنة أخرى، وكان يخفف من هذه المحن المتتالية حنو التونسيين وإشفاقهم عليه. وهو يعمل الآن ملحناً ومطرباً لفرقة الاتحاد المسرحية القومية في تونس، ويذيع بعض حفلات غنائية بمحطة تونس، فنرجو له النجاح الكبير والصحة الكاملة مع أفراد أسرته».
وبعد سبع سنوات – ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية - وتحديداً في إبريل 1946 نشرت إحدى المجلات خبراً بعنوان «المطرب المشهور سيد شطا في الطريق إلى مصر»، قالت فيه: «جاءنا من تونس أن الهيئات الأدبية والفنية احتفلت بتوديع المطرب المشهور الأستاذ سيد شطا لعزمه على العودة إلى مصر، بعد أن غاب عنها عشر سنوات. وكانت آخر إذاعة له في راديو تونس قصة المولد النبوي تأليف المرحوم الشيخ عبد الله عفيفي».
وبعد أيام نشرت مجلة «الصباح» بعض التفاصيل، قائلة: «وصل إلى القاهرة عائداً من تونس المطرب المصري المعروف الأستاذ سيد شطا، بعد أن قضى هناك مدة تزيد عن العشرة أعوام، لاقى فيها الحفاوة والإكرام من الشعب التونسي، وقد قال الأستاذ سيد شطا لأحد مندوبينا إن الحرب قد أثرت في النهضة الفنية هناك تأثيراً كبيراً، إذ وجد فنانون وفنانات غير الذين كانوا يشتغلون بالفن قبل الحرب كما أن ذوق الجمهور هناك ارتقى جداً».
وبعد أيام أخرى أضافت المجلة تفاصيل فنية أكثر، تحت عنوان «المطربة المشهورة ليلى حلمي والألحان التونسية»، قائلة: «عندما وصل إلى القاهرة المطرب المصري المعروف الأستاذ سيد شطا عائداً من تونس بعد أعوام طويلة، طلبت إليه محطة الإذاعة أن يقدم إليها بعض الألحان التونسية، لتكتسب المحطة لوناً فنياً جديداً من الألحان. وقد رشح الأستاذ سيد شطا المطربة المشهورة ليلى حلمي، لكي تقدم هذا اللون الجديد من الألحان، نظراً لما تمتاز به من حسن التأدية الفنية الكاملة، إلى جانب ما لها من سمعة طيبة بين شعب تونس منذ أحيت حفلاتها هناك. وسيستمع جمهور الإذاعة في القريب إلى المطربة الفنانة ليلى حلمي في الألحان التونسية الجميلة، التي تقوم بعمل البروفات عليها الآن مع المطرب والملحن المعروف الأستاذ سيد شطا، علاوة على الألحان الأخرى التي ستقدمها لكبار الملحنين».
وبعد ست سنوات، وتحديداً في أغسطس 1952 – أي بعد قيام ثورة يوليو – نشرت مجلة «الفن» كلمة بعنوان «فتحية خيري وسيد شطا»، قالت فيها: «وصلت إلى القاهرة المطربة التونسية المعروفة السيدة فتحية خيري وفي صحبتها المطرب والملحن المصري سيد شطا، وقد زارا دار «الفن» عند وصولهما. ومما هو جدير بالذكر أن المطربة التونسية فتحية خيري طلبت عدة مرات الحضور إلى مصر للسياحة، وعندما كانت تكتب في طلب حضورها أنها «فنانة» تجد عدم الموافقة من المسئولين في مصر، فعندما رفعت كلمة «فنانة» من طلبها سمح لها بالحضور! فإلى متى نرى مثل هذه العجائب؟ ألم تنته مثل هذه المهازل بانقضاء عهد الفساد؟».
عبد الغني بن طارة
منذ فترة تواصلت مع الصديق التونسي الفنان «عبد الغني بن طارة»، وطلبت منه معلومات عن بقايا أسرة سيد شطا، عندما علمت أنه كان على تواصل ببعض أفرادها! فكتب إليّ رسالة بها بعض المعلومات - أحسبها خير ختام لهذه المقالة – هذا نصها: 
المرحوم سيد شطا قد ولد سنة 1897 بمصر، وتوفي بتونس في السابع من شهر أغسطس سنة 1985 حسب ما جاء في شهادة الوفاة. خلّف المرحوم: ولداً اسمه حسني سيد شطا، وقد وُلد في الخامس من شهر ديسمبر سنة 1929، وتوفي في 24 أغسطس 1993، وقد زاول مهنة تدريس الموسيقى بالكونسرفاتوار بتونس. والملاحظ أنه قدم إلى تونس في 2 مايو 1968. كما خلّف سيد شطا ثلاث بنات: الأولى اسمها عطيات، وقد توفيت بمصر في 24 مايو 1998. وكانت متزوجة من تاجر تونسي يدعى حسني بنعلي الريان، وخلفت بنتاً اسمها فوزية مولودة يوم 20 أكتوبر 1945. أما الابنتان الباقيتان من بنات سيد شطا، فلم تتوفر لدي معلومات غير اسميهما «بسيمة وحكمت». أما حفيد سيد شطا وابن ابنه حسني شطا فاسمه محمد شطا، وهو مقيم بتونس.


سيد علي إسماعيل