باداركوش - Padarkush/ قاتل أبيه وريادة المسرح الأوزبكي

باداركوش - Padarkush/ قاتل أبيه  وريادة المسرح الأوزبكي

العدد 806 صدر بتاريخ 6فبراير2023

 شجع الاتحاد السوفيتي الكُتَّاب في آسيا الوسطى على تطوير فنون الأدب من شعر وقصة وغير ذلك طالما أن الكاتب يمتدح الحزب الشيوعي، وإذا ما غير الكاتب موقفه تجاه الاشتراكية السوفيتية فإنه مستهدف من قبل حملة التطهير التي نالت من رقاب الكثيرين من كُتَّاب الجديدية، وفي الوقت الذي أسهم فيه النظام السوفيتي في تطوير الرواية واللغة الأدبية في أوائل القرن العشرين، حد بشكل عام من دراسة التراث العلمي والأدبي للمفكرين التقدميين، وحاول ذلك النظام الفصل التام بين المواطنين من شعوب آسيا الوسطى وتراثهم العلمي والتاريخي والحضاري، لأن هذا التراث كان يمثل هاجسا لدى النظام السوفيتي، خوفا أن تستحضر هذه الأمم مكامن قوتها فيستفيق الشعب ضد الاحتلال، لكن ما لاشك فيه أن هذه الأعمال الأدبية التي نشرت أوائل القرن العشرين أسهمت- دون أن تلتفت سلطات الاحتلال إلى ذلك- إلى تطوير اللغات القومية الخاصة بشعوب آسيا الوسطى، فالمتتبع يمكنه أن يتلمس مساهمة الكُتَّاب المسرحيين المعاصرين لهذه الحقبة مثل محمود خوجة بهبودي، عبد الله أفلوني، حاجي معين، نصرتيلا، عبد الله قادري في تطوير اللغة الأدبية الأوزبكية. لكن لسوء الحظ مازال علماء اللغة الأوزبكية يتجاهلون إسهامات عمل بهبودي، ومازال عدد الدراسات محدودا جدا في هذا المجال، لكني أذكر تلك الدراسة الأكاديمية المميزة التي أُنجزت في جامعة سمرقند عام 2002 لـ”بابادجانوف فاركساد كوربانبايفيتش”، بعنوان: المميزات اللغوية للدراما الأوزبكية (على أساس الدراما البوذية والأفلونية) التي قدمت تحليلات لغوية وافية استنادا إلى عمل بهبودي التاريخي “باداركوش” (قاتل أبيه)، وأعمال أخرى لهذه الفترة.
كان محمود خوجه بهبودي (1875 -1919) حلم تركستان في مطلع القرن العشرين، ومؤسس حركة الجديدية (Jadidism) في تركستان، ورائد الحركة الثقافية الأوزبكية الحديثة، وأحد أكبر ممثلي الحركات الاجتماعية والثقافية والسياسية في عصره، أول كاتب مسرحي، وناشر، مارس مهنة الصحافة باقتدار، أسس صحيفتي (سمرقند) و(أوينا Oyna / المرآة) كذلك هو رحالة عظيم سافر إلى القوقاز واسطنبول والجزيرة العربية والقدس وبورسعيد ورصد مشاهداته فيما يشبه أدب الرحلات، وهو مجدد عظيم اتصل بإسماعيل غاسبرالي المولود في القرم (1268هـ، 1851 م) وتأثر بالشيخ محمد عبده، وربما التقاه حسب بعض الروايات، وعين مفتي تركستان، ودافع قدر المستطاع عن شرف مسلمي تركستان، وفي سنوات الثورة رفع راية المقاومة حتى نالت تركستان الحكم الذاتي في نهاية حقبة الامبراطورية الروسية 1917. أما بهبودي المسرحي فقد انطلق في عام 1911، التاريخ الذي كُتِبَتْ فيه «باداركوش»، وقد نشرت في صحيفة «تورون» في العام التالي لكتابتها 1912، ونُشرت ككتاب في عام 1913، وقد واجهت صعوبات كبيرة، ومعارضة شديدة حتى ظهرت على المسرح في سمرقند في 15 يناير 1914، ثم جاءت بعد ذلك فرقة مسرح تورون، التي أسسها عبدالله أفلوني لتقدم المسرحية في طشقند في 27 فبراير 1914، فيسجل التاريخ ذلك اليوم بوصفه يوم تأسيس المسرح الوطني الأوزبكي. وكان لهذا العمل الرائد دوره المهم في تحفيز الأمة وتنويرها، وفي الوقت ذاته انطلاقة للمسرح الأوزبكي المحترف الذي ظهر فيما بعد بأعمال عبدالله قادري (العريس التعيس) وما تلاه من أعمال. قدم بهبودي حياته ثمنا من أجل التنوير فقد واجهت الجديدية في النهاية حملة تطهير من قبل السوفييت فأعدموا رموز الجديدية، وأُعدموا المجدد والمصلح الكبير محمود خوجه بهبودي في مدينة (كرشي) بولاية (قشقاداريا) الأوزبكية بأوامر من حاكم بخارى 1919، ولكن بعد استقلال أوزبكستان تحظى الجديدية ورموزها باحترام كبير، وتحيي الدراسات الأكاديمية ذكراها من جديد.
وعلى الرغم من أن عمل بهبودي المسمى (باداركوش) بسيط للغاية في محتواه، وقصير جدا من حيث الحجم، (المسرحية من ثلاثة فصول وأربعة مناظر)، على الرغم من ذلك فإن المسرحية تكتسب أهمية بالغة لأسباب عدة، أولها: أن (باداركوش) هو المثال الأول للدراما الأوزبكية المقبولة عالميا. ثانيا: أن عرضها الثاني على المسرح -أقصد بعد العرض الأول في سمرقند- جاء العرض الثاني في طشقند في السابع والعشرين من فبراير 1914 الذي سُجل في التاريخ باعتباره يوم تأسيس المسرح الوطني الأوزبكي، ثالثا: قدم هذا العمل نموذجا للغة القومية في أوائل القرن العشرين وهي مرحلة ذات صعوبة في تاريخ هذه اللغة الأدبية التي اكتسبت كثيرا من ملامح التطور في ذلك الوقت، رابعا: لعبت مسرحية بهبودي دورًا مهمًا في تحفيز الأمة على التنوير والتنمية، خامسا: كان عمل بهبودي دافعا وحافزا لانطلاق المسرح والدراما الأوزبكية المحترفة. فرأينا بعدها دراما عبد الله قادري «العريس التعيس» و»السعادة الجديدة» ثم توالت الأعمال لكثير من الكُتَّاب.
 الحقيقة أني في الغالب لا أنظر إلى السياق التاريخي للعمل الأدبي، بوصفه انعكاسا يحاكي الواقع، وأن كل عمل أدبي يملك من الحداثة ما يكفي أن يعبر به عن نفسه، فتفاعلات اللغة الأدبية واعتمالها داخل أي نص ينتج ما ينتج من دلالاته الخاصة، لكن في مثل عمل بهبودي تحديدا لا يمكن التغاضي عن الجانب التاريخي للعمل أثناء ممارسة تشريح النص، لكني لا أنظر إليه بوصفه وثيقة تاريخية، وإنما هو منتج فني هدف إلى خلق حراك للأمة الأوزبكية في وقت هو الأصعب في التاريخ، ويتميز ببناء درامي معين، ولغة مخصوصة، يظل التاريخ الأدبي أو تحديدا السياق التاريخي لعمل بهبودي مهما من منظور ما يسمى في علوم اللغة paralanguage، بصفته النص الموازي للنص اللغوي، وأحيانا كثيرة ما يكون النص الموازي للعمل يحمل من الدلالات والتفسيرات ما يحمله النص اللغوي نفسه، ومصطلح النص الموازي أو paralanguage يعني كل ما يحيط بالنص في ظروف إنتاجه وتلقيه، وفي هذا السياق ذكرت الصحف المحلية أنه وقت العرض الأول لـ(باداركوش) في سمرقند أن ثلاثمائة إلى أربعمائة شخص لقوا حتفهم من الزحام الشديد من قبل الجماهير التي ترغب في مشاهدة العرض، وليس لديهم تذاكر ولا توجد لهم مساحات كافية، وأكدت الصحف آنذاك أن عددا من الشباب كانوا ينامون أمام المسرح قبل يومين من بيع التذاكر ليحصلوا على تذكرة، بل إن بعضهم باع تذكرته قبيل العرض بساعات قليلة بثلاثة أضعاف سعرها لآخرين راغبين في مشاهدة العرض، فإذا صحت الأنباء الصحفية التي نشرت عن وفاة هذا العدد أثناء العرض الأول فإنه يمكن القول بأن مأساة (باداركوش) انتقلت من الواقع الأدبي إلى الواقع المعاش، فمأساة الأب الذي قتل بيد ابنه الجاهل الذي لا يفكر في غير نزواته خرجت من خشبة المسرح إلى راغبي مشاهدة العرض لتتحقق بينهم في الواقع الملموس. لكن على ما يبدو كان الأداء على مستوى عالٍ. وقد «أثنى عليها الروس واليهود والمسلمون، وهذا المستهدف الذي يقصده بهبودي أن يتفق الروس واليهود والمسلمون حول شيء واحد من أجل الوطن، ولم تكن فكرة الوحدة لديه هي الوحدة الإسلامية لأنه لم يكن ليغفل طوائف أخرى تعيش على أرض تركستان.
قبل العرض تحدث مونافار كري الشهير عن دور المسرح في الحياة العامة ودوره في العمل. ولعب دور الرجل الثري عبد الله أفلوني نفسه. وقد كتبت الصحف المحلية آنذاك أن هذا اليوم هو «يوم تاريخي» وبعد عرضها في طشقند 27 فبراير 1914 طافت بها فرقة تورون وادي فرغانة، بل أكدت الصحف أنها لم تغادر المسرح طوال فترة تركستان المضطربة. وأثنى على العرض كثير من النقاد. يكتب سامويلوفيتش: «وصل الأدب الجديد إلى تُرْكِستان وأصبح مركز الأدب الجديد هو سمرقند... وكبير الكتاب الشباب هو مفتي سمرقند محمود خوجة بهبودي».
 لا يمكننا قراءة «بادركوش»منفصلة عن مؤلفها، خلافا لمفهوم النقد الحديث الذي ينظرإلى العمل الأدبي على أنه منتج لغوي يستيطع أن يقول أكثر مما أراد أن يقوله مؤلفه، وكثيرا ما يقرأ النص بعيدا عن مقصديات منتجه، لكن في حالة بهبودي فإن العمل بسيط للغاية في محتواه، ومباشر جدا في البوح بدلالاته، بل إن المتلقي يستطيع استهلاك دلالاته دون مشقة التفسير المحتمل، لذلك فإن شخصية بهبودي المجدد المصلح هي جزء من العمل، وعلينا أن نستمع لبهبودي نفسه، ولرؤيته للمسرح، فكثيرا ما يخرج الكاتب بما يشبه البيان النقدي فيساعدنا على فهم النص، لذلك نقترب من شخصية بهبودي المسرحي عبر رؤيته هو نفسه للمسرح، ويرد بهبودي على سؤال ما هو المسرح؟ فيقول: «المسرح هو مثال، والمسرح عظة، المسرح هو مرآة يتم فيها تجسيد وإظهار عامة الناس. فالمسرح لديه المثال الذي يتحقق فنيا ويحاول أن يرتقي بالواقع الحقيقي إلى درجة هذا المثال، والمسرح هو عظة في شكلها الذي يستهدف تغيير سلوك الناس، وكذلك هو المرآة التي يبحث عنها بهبودي ليكشف لمجتمعه سوءاته حتى يتخلص منها، فهو المسرح بكل جوانبه التعليمية والتوجيهية، الغرض منه إصلاح الشعوب ودرء الجهل، والعمل على تنويرها في مواجهة المستعمر. البيان النقدي لبهبودي يوضح لنا رؤاه الحقيقية، كذلك يرى الممثل ليس مهرجا، بل يراه معلما، الممثلون لديه ليسوا لاعبين ومهرجين بل يعلِّمون الناس الأخلاق، هم يؤدون في هذه المدرسة من أجل الأمة، وهم في عملهم هذا عرضة للموت.
 هكذا جاءت (باداركوش) في محتواها مرآة تظهر قبح الجهل مع الثراء، وقبح عقوق الوالدين والسفاهة، لتظهر للمجتمع قيمة العلم ورفعة المدرسة ودورها في الحياة، من خلال ولد سفيه غير مهذب لأب ثري جاهل، ينصحه رجال الدين والمتعلمون بضرورة أن يُلحق ابنه بالمدرسة، لكن الثري الجاهل لا يعبأ بكلامهم، ولا يرى ضرورة للعلم طالما أنه يمتلك المال، ويعامل ناصحيه بغلظة، وتدور الأحداث في الحانة لابنه السكير الذي يتفق مع أصدقاء السوء لسرقة أبيه من أجل الشرب والدفع لفتاة لعوب، وفي الوقت الذي يُيسر لأصدقائه الدخول إلى البيت ودخول حجرة أبيه النائم ليلا، يستقيظ الأب على وقع أقدام اللصوص فيلقى طعنة بسكين من أحدهم فيرتد قتيلا، وتصرخ الأم، ويهرب الابن مع القتلة، وفي النهاية يلقى الابن جزاءه ويخضع لحكم قانوني بالنفي في سيبيريا، هذه هي المرآة التي يرى فيها المجتمع خطورة الجهل الذي يؤدي إلى القتل والضياع، هكذا الجهل أيضا يودي بالأوطان، ويهلك الأمم.
 تظل (باداركوش) لها خصوصية في التناول وحتى في التحليل اللغوي، فلا ينبغي قراءتها في غير السمات اللغوية للفترة التي أنتجت فيها، ويؤكد علماء اللغة الأوزبك أن مطلع القرن العشرين يمثل مرحلة صعبة جدا في تطور اللغة الأوزبكية، فمن المعروف أن أي لغة تمر بمراحل تطور عبر التاريخ، خلال هذه الرحلة تتشكل دلالات وتختفي دلالات أخرى، وتهمل كلمات وتدخل أخرى في حيز الاستعمال، وتتغير أصوات، بل إن بعض اللغات ينتابها تغير في البنى المعجمية والتراكيب النحوية، فكل لغة تمر بمراحل مختلفة في تاريخ تطورها. ويثبت علماء اللغة الأوزبك أنه في أوائل القرن العشرين أنه لم تكن هناك حدود فاصلة بين اللغة الأدبية واللغة التداولية، وهذا بدوره ينعكس على لغة الإبداع ولغة الدراما. كان استخدام الوحدات المعجمية الجدلية وأشكال الكلمات الخاصة بالكلام العامي في الأعمال الدرامية أمرًا قانونيًا للغة تلك الفترة، وهو ما يفسره حقيقة أنه في أوائل القرن العشرين لم يكن هناك حد واضح بين اللغة الأدبية والكلام العامي. وهذا يفسر وجود عدد من الوحدات المعجمية العامية في مسرح بهبودي. لذلك من المهم دراسة أعمال كتّاب الجديدية في مجال علم اللغة كمرحلة من مراحل تطور اللغة الأوزبكية، و لا ننسى الهدف الأول من العمل وهو الهدف التربوي وعظة الناس، فيبقى المسرح عنده مدرسة. وكما يذكر بابادجانوف: كان الهدف الرئيسي للكتاب المسرحيين في حركة جديد هو تبسيط اللغة الأوزبكية قدر الإمكان ورفعها إلى مستوى اللغة الأدبية العالمية من خلال الاقتراب من الناس الأحياء. ولا توجد قاعدة علمية في استخدام الأشكال النحوية في نص الأعمال الدرامية: تُستخدم الأشكال النموذجية للغة الأوزبكية القديمة واللغة الأوزبكية الأدبية الحديثة، وكذلك أشكال اللهجة في خليط.
 تأثر محمود خوجة بهبودي باللغة التركية العثمانية وهو ما يشير إليه بوضوح بابادجانوف، ويرصده في (باداركوش)، يقول: لوحظت عناصر من اللغة التركية العثمانية في عدة أماكن. لا يتم رؤيتها فقط في البنية المعجمية، ولكن أيضًا في المقاطع المورفولوجية والنحوية. الوحدات العثمانية التركية موجودة في (باداركوش)، خاصة في خطابات الشخصيات الأرمينية والتتار، وكذلك في خطابات المثقفين.
 الشخصيات التي تنبني عليها الأحداث الدرامية في (باداركوش) هي:
شيخ (غني)- رجل 50 من العمر
ابن الرجل الغني ، يتراوح عمره ما بين 15 و17 عامًا.
الشيخ (الإمام ) رجل ذو عقلية جديدة (متفتحة)، يتراوح عمره ما بين 30-40 سنة.
رجل مثقف (بالزي الأوروبي)، ذو ثقافة روسية، مسلم قومي.
خير الله هو كاتب الرجل الغني، يتراوح عمره ما بين 18 - 20 سنة.
(تنجري قول) (صديق ابن الرجل الغني) هو قاتل الغني.
 دولت ونار (ولدان) - يحتاجان إلى 4 دنانير في جيوبهما.
 (ليزا) امرأة روسية، في شكل شرير.
أرتون- هو بائع النبيذ الأرميني.
العمدة، شرطيان، حارسان 3 رجال من جيران الغني.
زوجة الغني، يتراوح عمرها ما بين 35-40 سنة.
عدد الشخصيات في العمل تسع عشرة شخصية، منهم خمس شخصيات أساسية، وست شخصيات مساعدة، وثماني شخصيات ثانوية، وشخصية البطل التي أداها أفلوني على المسرح تكتسب أهميتها من صفاتها، حتى إنها لم يرد لها اسم طوال العمل الدرامي، واكتفى بهبودي بصفتها (الرجل الغني)، ثم يحاول أن يزيد عليها صفة الجهل والعجرفة وتبدو هذه الملامح من الحوار الذي يدور بينه وبين الشيخ الإمام، وكذلك حواره مع الشاب المثقف.
 الشخصية المحورية الثانية وهي الشيخ الإمام، يطالعنا بهبودي بطبيعة هذه الشخصية قبل الدخول إلى المتن (النص) وهو يعدد شخصيات الدراما في البداية، المهم أنه يخلع على هذه الشخصية صفات مهمة تكاد تتطابق مع الشخصية المثالية التي يطمح إليها بهبودي نفسه على أرض الواقع من خلال دعوات الإصلاح التي يتبناها، وأسلوب التعليم الجديد الذي أسس له، فهو يطمح إلى تلك الشخصية المثقفة المتدينة، على علم بعلوم الدين والحياة، شخصية ذات عقلية متفتحة، عصرية حتى في ملابسها وطريقة تفكيرها، يبحث عن رجل الدين غير التقليدي، الذي يكتسب قداسته من مظهره الخارجي، لذا نجد بهبودي يخلع هذه المواصفات تماما على شخصية الإمام في هذا العمل الدرامي، حتى إنه لا يسميه باسم خاص به، بل تُعرف هذه الشخصية في العمل بصفتها فقط (الشيخ الإمام) وهو كما يصفه بهبودي نفسه: «الشيخ (الإمام) رجل ذو عقلية جديدة، يتراوح عمره ما بين 30-40 سنة.
 خير الله الخادم المطيع الذي يمتثل لأوامر سيده سواء كانت لائقة أو غير لائقة. أما شخصية طشمراد فهي هذا الولد الأحمق غير المهذب الذي لا تحكمه سوى نزواته، ولن أتمادى في وصف كل شخصية كما وصفها العمل وكما تظهر من خلال الحوار، لكني أتوقف عند مفهوم الشخصية الغائبة والنص الغائب، هي شخصية يغيب وجودها في النص، ولا تتمثل جسدا على المسرح، ولكنها تؤدي دورا مهما وإن كانت غير ناطقة، وتتوجه لها شخصيات المسرح بالحديث المباشر، هذه الشخصية هي الجمهور، نراها تتدخل صامتة في العمل، ويُتوجه إليها بالحديث المباشر، فها هي هذه الشخصية تحفظ للشيخ الإمام ماء وجهه، بعد أن يعامله الغني باستهانة وغلظة وسوء الأدب، ويقوم بطرده من بيته عندما يأمر خادمه خير الله بإغلاق حجرة الاستقبال، يخرج الشيخ الإمام من هذا الموقف المهين بحديثه إلى الجمهور، «الإمام: (ينظر إلى الناس) قائلا: «هذه هي حالة الأغنياء، إذا استمرت هذه الحالة سنشهد الإذلال في الدنيا والآخرة والعياذ بالله»، ويستمر ناصحا: «العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. أين هذه الفريضة؟ أوه، ويل لنا! (ينظر إلى الغني). أيها الغني لقد أمرت بالمعروف وأسقطت عني الواجب الذي تتطلبه الشريعة. إن شاء الله سنرى حالة ابنك الذي كبر ولا يفرق بين الألف والعصا، وستكون مذنباً بعدم تعليمه». فالجمهور هنا شخصية حاضرة تؤدي دورها حتى وإن كانت صامتة غير ناطقة، وفي أكثر من مرة تلتحم شخصيات المسرح بهذه الشخصية الصامتة/ الجمهور المتفرج.


د. أحمد موسى