سمات وملامح المسرح السياسي في أعمال السيد حافظ

سمات وملامح المسرح السياسي في أعمال السيد حافظ

العدد 803 صدر بتاريخ 16يناير2023

تنوعت أعمال السيد حافظ للمسرح السياسي في موضوعاتها وأشكالها حتى صارت تمثل مشروعا مسرحيا باحثا عن العدل والحرية وعن رفعة الوطن ومجاهدا في سبيل تحقيق الحلم القومي العربي ولنصرة القضية الفلسطينية. وقد كتب السيد حافظ تلك الأعمال في سنوات متتالية من خلال عصر سياسي واحد ووضع استراتيجي وطني واحد، بما شمل من نكسة ثم حرب استنزاف حتى نصر أكتوبر وما تلاه من محاولات للم شمل الأمة. فهي تمثل دفقة شعورية وطنية وقومية في زمن الحلم والهزيمة، في عصر الأمل والانكسار حتى جاءت أسماؤها أيضا معبرة عما شملت من معاني ودلالات تبعث على الحلم والانتظار وعشق الأوطان. فشمل المشرع السياسي للسيد حافظ مسرحيات: «(6) رجال في معتقل 500/ب شمال حيفا” - “الخلاص يا زمن الكلمة الكذب الكلمة الخوف” - “الحانة الشاحبة العين تنتظر الطفل العجوز الغاضب “ - “  والله زمان يا مصر” - “الأقصى في القدس يحترق” - “أحبك يا مصر” - “حكاية مدينة الزعفران»- “حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث”- “مصطفى كامل- “ “العزف في الظهيرة» - «عبدالله النديم» . وكتب لمسرح الأطفال عن القضية الفلسطينية: “سندس”.- “أولاد جحا. – «”الشاطر حسن”. ولم تكن تلك المسرحيات وحدها هي المسرحيات السياسية بل هي فقط ما تضمنت الخوض المباشر في القضايا السياسية، لكن الحقيقة أن معظم أعمال السيد حافظ سواء السياسية منها والكوميدية والتاريخية والتجريبية والنسوية وحتى مسرحيات الأطفال كلها ذات مضامين سياسية بالدرجة الأولى.
 يعد الكاتب المسرحي/ السيد حافظ كاتبا مسرحيا سياسيا ناضجا بشكل كبير في لغته الدرامية وهو يملك مهارات وخاصة من الوعى السياسي والدراسة والمهارات في التحليل السياسي الدرامي. وبما أن المسرح الفكري السياسي يعتبر وسيلة للصراع من أجل حياة أفضل. فقد تناول السيد حافظ في مسرحياته قضية الصراع بين المواطن والسلطة وتبنى من خلالها الدعوة إلى أهمية إرساء الديمقراطية الشعبية والتعددية السياسية والاقتصادية. باعتبار أن الخطاب المسرحي السياسي هو لغة التبصير ولغة التنوير وهو يمكن من خلاله مساعدة الفرد على فهم دوره ومدى إسهامه بالعملية السياسية ومناداته من خلال فكره بالمجتمع السياسي.
كما تناول السيد حافظ في مسرحه السياسي مسائل السلطة والقيادة من ناحية علاقاتها بهؤلاء الذين يتبعونها والأوامر الموجهة من ناحية علاقتها بهؤلاء الذين يقومون بتنفيذها. موضحا كيف أن السلطة تفسد الفرد يطرح في مسرحية حكاية مدينة الزعفران قضية العلاقة بين الراعي والرعية، أو بين الحاكم والمحكومين وفكرة الاختيار، والبحث عن مكتسبات الديمقراطية. من خلال شخصية البطل «مقبول عبد الشافي» كرمز مجسد للأمل والخلاص، في مواجهة «الوالي» رمز السلطة الغاشمة المتسلطة المستبدة فى حكمها وفى رأيها. حيث تشبه تلك الشخصية شخصية «أبي ذر» في مسرحية «ظهور واختفاء أبي ذر الغفاري» حيث يمثل الأمل والخلاص للفقراء والبسطاء:
وأجوع وأعرى
وأصرخ، وأنادى :
يا فقراء،
يا مظلومين،
يا جائعين،
اضربوا بسيف الجوع
يا “ أبا ذر” .. لم نسمع نصيحتك إلا الآن.. فى هذه اللحظة؟ هل تقبل هذا العذر؟؟
لقد أصمنا الجوع، وأخرسنا الفقر
(مسرحية ظهور واختفاء ابي ذر الغفاري ص11،12)

لكن أهم ما يدعو إليه المسرح السياسي عند السيد حافظ  كما يرى الناقد  «مازلي الماحي» هي دعوته الدائمة للمجتمعات بعملية التكامل الاجتماعي والتي تجد من الثغرات بين الصفوة وجماهير الشعب وبين المدينة والريف وبين أصحاب الامتيازات والذين حرموا من الامتيازات كما أن هناك دعوة خالصة في مسرحه تدعو إلى وجود عملية تغلغل اقتصادي بين طبقات المجتمع وقطاعاته المختلفة .كما أننا لا نستطيع أيضاً أن نغفل جانباً مهما في دعوته إلى عملية الامتزاج الثقافي والمعياري لكى نستطيع أن نضمن بناء أمة تخفى الخير والصلاح لأبنائها (1).
فالسيد حافظ يعبر عن وعيه بمجتمعه من خلال المعايشة والإحساس بكافة قضاياه ومعاناة الطبقات الدنيا التي يقف دائما في صفوفها مجابها سطوة الطبقة الحاكمة الغاشمة، ولولا تلك المعايشة لما اتسم إبداعه بالصدق الواقعي والوجداني في آن واحد:
مقبول: خدعوني.. لقد خدعوا كل الناس.. خدعتنا التصريحات.. الكلمات البراقة.
الخداعة. خدعنا التجار في الأسواق.. كل شيء يخدعنا ونحن لا ندرى.
الشاب: (في فزع) لقد اثروا عليك.. صارت نفسك مريضة..
مقبول: كلنا انفسنا مريضة في هذا المجتمع نهرب من واقعنا في نكتة، في كأس،
 في امرأة .. في ثرثرة.. لقد حضرت ولا داع للجدل.
المرأة: (تمسه) صارحني.. أنا زوجتك.. أنا حبيبتك.. لحمك.. ودمك.. حلمك ماذا
حدث لك يا مقبول.
مقبول: صارحتك بكل شيء.. بكل شيء.. هاجر قلبي منى وذهب الوعى إلى الساحات
والطرقات والأكواخ وحاولت أستعير من عقلي حوار الناس.. حب الناس..
صداقة الناس.. لكنني لم أجد إلا الصمت.. هبط وجهى إلى السوق وغنت
عيون أغاني الفقراء وعلمت البلابل أن تنشد الأناشيد البيضاء آه. في
ليالي الشتاء يدخل الفقراء تحت جلدي.. احميهم من البرد والحراس.. مزق
الجنود جسدي فجرى الناس في دمى.. وحاصرني السكوت.
(حكاية مدينة الزعفران، ص11)
 وكما يذهب د. مفتاح خلوف أستاذ الدراما والنقد بجامعة بوضياف بالجزائر حيث يرى أنه لا يمكن لكاتبنا السيد حافظ أن ينفصل عن عالم منح المعنى الإبداعي لوجوده، كما لا يمكن أن يحيد عن مجتمع يحيا في كنفه ويعايش مجمل قضاياه ومشاكله الاجتماعية، وتبعا لذلك فإنه يعبر عن وعي مجتمعه ويجسد رؤاه الكائنة في سياق زماني ومكاني محددين، ثم تتجلى وظيفته الخلقية التجديدية إبداعيا، في تقديم رؤية شمولية لما سيكون عليه الواقع ضمن الإطار الجمعي (2).
وقد كتب السيد حافظ عدة نصوص تنتمي إلى مسرح المقاومة، يقول عنها في مقدمة كتابه «المسرح السياسي»: في عام 1967 (5 حزيران) حدثت النكسة. وفى يناير 1968 كتبت مسرحية 6 رجال في معتقل 500/ب شمال حيفا. وفى 6 أكتوبر 1973 حدث انتصار حرب أكتوبر المجيد وفى نفس الشهر كتبت مسرحية (والله زمان يا مصر). أقدم للقارئ مسرحيتين عن الهزيمة والنصر حباً للوطن الجميل النبيل الغائب عنا والذى مازال في نفوسنا يحيا وبه نحيا. إذن فالسيد حافظ مندمج مع هموم الوطن الخارجية وصراعاته مع أعداءه، يبحث عن الانتماء ومعنى الكرامة الوطنية منطلقا من خلال الدراما المسرحية نحو واقع سياسي وعسكري يستخرج منه ويرد إليه صيحات الجماهير دفاعا عن الأرض وتحقيق القومية العربية وعزة الوطن، مؤمنا برسالته الإنسانية والفنية وواجبه الوطني.

فمسرحية «6 رجال في معتقل» تعرض علينا تفاصيل العلاقات بين ستة جنود مصريين (ثلاثة ضباط وثلاثة عساكر) وقعوا في ظروف الأسر في معسكر إسرائيلي بما يحمل من معاناة التعذيب ثم الملاطفة أحيانا لاستدراجهم واستيعابهم من قبل العدو. وذلك في أعقاب نكسة 1967. وهم ينتمون إلى شرائح اجتماعية مختلفة، حيث وظف السيد حافظ في محالة لعمل تشريح طبقي يعمل من خلاله على تحليل ونقد التدرج المجتمعي بينهم. كما يستعرض العلاقات بين الإسرائيليين والأسرى وكذلك بين الإسرائيليين وبعضهم البعض. في محاولة لتفسير أسباب الهزيمة ونقدها وبيان حالة الاحباط والانكسار التي أصابت الجنود المصريين ووصلت ببعضهم إلى حد التشاؤم وفقدان الأمل في الحياة في مقابل تفاؤل البعض وأملهم في عودة الحياة بالانتصار القريب:
محمد : الهى ربنا يعمر بيتك أمي تعبانة لازم أطمنها على.
يوسف: (يدفعه إلى الأرض) أنت مجنون أكيد.
محمد : (وهو منهك القوى) أمي عيانة الهى ربنا يعمى أمك ويجيبلها الدوسنتاريا ولا يخدش بيتها أبداً ويذلها ذل العبيد.. يا فحل يا جبان.. (يخرج يوسف أثناء ذلك)
عبد القوى : قوم يا محمد.. هات ايدك (يمد يده ويمسكه) تعالى يا محمد تعالى.
محمد : ادينى جايم.. جايم يا عم عبد الجوى.
عبد القوى : بكره الصليب الأحمر يجى و...
محمد : (مقاطعاً) هو شفنا أبيض ولا أحمر وقولنا حاجة.. وادينا مستنيين بس يبعتلها الجواب (فى هذه الأثناء يصل حسين إلى السلم مع الجندى)
حسين: (فى أثناء صعود حسين على السلم يعود بالزمن إلى ما كان عليه منذ أول دخوله أو بأول نشأته.. عودة للزمن لبدء حياته)
أنا يابه عارف أنك تعبان لكن لازم يابه أسافر علشان أقدم فى الحربية الجيش فى دمى يابه معلش يابه كلها يومين وتهون معلش يابه والنبى (يتحايل عليه) والنبى يابه ربنا يخليك والنى يابه.. خلاص يا حبيبى يابه (يصعد خطوة أخرى) يا بابا احنا مش لازم نسكن فى الحى ده.. الحارة والدوشة معلش ما أنت عارف أن مركزى ما يسمحش إنى أسكن هنا قلت إيه؟ وكمان بالمرة ما فيش داعى تروح الدكان بتاعك ده خليك قاعد هنا فى البيت مفيش داعى توصلنى إنت حر أمسك الشنطة زى ما أنت عايز (يصعد خطوة أخرى) أهلاً يا كابتن.. ده البواب بتاعنا.. راح يوصلنى المحطة (يصعد خطوة أخرى) “ابعدوا عنى الولية دى.. مش أمى أنا ما اعرفهاش متصدقهاش.. دى كدابة.. دى مجنونة.. أنا معمريش شفتها” (يصعد خطوة أخرى) أنا النقيب حسين سلام.. أنا من عيلة سلام أحسن العائلات (يصعد خطوة أخرى) أنا لازم أترقى.. لازم أعمل عمل كبير.. يا حسنين يا حسنين.
(مسرحية ستة رجال في معتقل، ص41)
 كما تحدث في والله زمان يا مصر عن مرارة الهزيمة والبحث عن أمل الانتصار القريب:
فايد: (مقاطعاً) فدائي يعنى إيه؟ يعنى تخطف النصر.. يعنى تهزم العدو.. مستحيل الكلام ده.
رياض : لا.. فدائي يعنى مقاومة.. يعنى لا.. فدائي يعنى الروح جسر تعدى بيه للنهار.. تفتكر لويس التاسع لما انهزم في حوارى المنصورة.. كان كلب من غير ثمن لأنه من غير حق أى مهزوم يبقى كلب.
فايد : يعنى إحنا كلاب.
رياض : لا.
أمل : اللى بيدافع عن الظلم وهو مهزوم ما يبقاش كلب لأ.. الفلاحين اللى هزموا لويس فى المنصورة هم هم الفلاحين اللى هزموا فريزر فى رشيد.
مصطفى : أنت ما دقتش طعم المقاومة والرصاص والحرب؟
فايد : لا أنا دقت.. أنا جندت مرة واتنين واتدربت ووقفت علشان أضرب قالوا لى انسحب.. انسحب.. انسحب.. دايماً الأوامر.. استعد.. استعد.. النصر لنا.. انسحب وهكذا هزيمة وراء هزيمة.
مصطفى : ما واجهتش عدوك؟
فايد : المواجهة يعنى إيه؟
رياض : يعنى لما تنهزم تقول لا ما اتهزمتش.. لا مش بالكلام بالعمل.. يعنى تهزم الهزيمة.. يعنى تقف بره بيتك وفى أيدك سلاح تحمى ولادك ومراتك والعلم.. يعنى ما تنامشى وفى جتتك طعم الراحة.. يعنى تبقى قلقان طول ما فيه على صدرك البلد استعمار.. والقلق يعنى تفكر يعنى تعرف.. يعنى تمسك سلاح وتقتل العدو بره وجوه.
( مسرحية والله زمان يا مصر ص292)

   يكتب المخرج سعد أردش عن رؤية الأمل وتحقيقه في المسرحيات السياسية للسيد حافظ قائلا: فمسرحية «6 رجال في معتقل 500/ شمال حيفا» تحاكم  المؤسسة العسكرية، ومسرحية «مدينة الزعفران» تحاكم المؤسسة المدنية. على أن المحاكمة لا تعكس اليأس كل اليأس، وإنما تحمل خيطاً دقيقاً من الأمل يمكن - لو تحقق - أن يحمل إلى الأبناء والأحفاد بشرى التحرير، والعتق والعدل الاجتماعي. والأمل على أية حال يمكن أن يتحقق إذا عولجت السيئات التي يشير إليها الكاتب في أحداثه وفى شخصياته المسرحية، وفى كلماته.
كما تصدر السيد حافظ لفكرة التزييف والخداع والمساومة في مصير الوطن، ودعاوى الانفتاح والمهادنة والمسالمة والتخاذل. وركز على مشكلة الإنسان المعاصر والضغوط الاجتماعية والاقتصادية الملقاة عليه بحثا عن الوسيلة المباشرة المؤثرة والفعالة في عملية التقويم والتغيير في المجتمعات.
قسام : بعتونى وأنا منكم يا أندال.. أنا شامى زيكم.. منكم.. رحتم للعزيز
الفاطمى وبعتونى.. وفتحتوا ثغرة فى البلاد بالمال والرشوة وبعتوا دمشق الحزينة
وبعتونى.. آه يا دمشق باعوكى الكبار والزبالين حموكى.
(مسرحية ملك الزبالة، ص56)

 وتبرز قضية العدل والحلم بالحرية كقضية أساسية تمثل هموم الإنسان في رحلته نحو الارتقاء بالذات الإنسانية مؤكدا على ذلك د. مصطفى حشيش أستاذ الإعلام بجامعة السادس من أكتوبر بأن قضية السيد حافظ هي الاهتمام بالإنسان وحلمه بالحرية ومحاولة تجاوز اغترابه في واقعه، فالعدل والظلم والموت والحرية، كلها معانى وقيم أهمته وشحذت هممه ليحاول أن ينتصر لهذا الإنسان ضد كل عوامل قهره سياسية أم اقتصادية أو اجتماعية أو حتى ذاته الداخلية. فمُحاور السيد حافظ أو قارئ أعماله  يستشرف في حلقه وقلمه مرارة مصدرها هموم الإنسان العربي وحسرته على واقعه الذى يبغى له السيد حافظ الأفضل دوما، باحثا عن كل السبل والطرق التي توصله إلى مبتغاه سواء بترويض التراث، وركوب بساطه السحري استشرافا للواقع وطيرانا على الواقع المعاش (3).
شرطي 1 : تعترفون بمروقكم.. وخروجكم على الإجماع؟؟
- نعم .. ولن نغنى
شرطي 2 : سينالكم عقاب شديد؟؟
- نحن لم نخطئ
-  أتريدنا أن نبايع؟؟
شرطي 1: نعم
- وأن نغنى
شرطي 2 : نعم
- وأن تثبت ولاءنا؟؟
شرطي 3: نعم
- وبماذا تعدوننا؟؟
شرطي 1 : بالأمان،
شرطي 1 : والعفو،
شرطي 3 : وعدم مساسكم بأى سوء
- وهل هنا تهمة قد تثبت ضدنا؟؟
شرطي 1 : نعم
- ما هى ؟
شرطي 2 : عدم الغناء؟؟
-  وهل هذه تهمة؟؟
شرطي 3 : نعم
-  لماذا؟؟
شرطي 1 : لأنها تعنى عدم الولاء
- لمن؟؟
شرطي 2 : للسلطان طبعاً
- وإذا غنينا؟؟
شرطي 3 : نطلق سراحكم فوراً
- هل نحن الآن فى حوزة القبض؟؟
شرطي 1: لا تسأل
شرطي 2: ليس هذا من شأنك
شرطي 3 : لا تتكلموا حتى لا تعكروا صفو الأمن العام
- قلنا لكم أن أصواتنا قبيحة
شرطي 1: لا يهم
- ربما يعترضون الآخرون على أصواتنا؟؟
- أو غنائنا؟؟
-  وربما تسول لهم أنفسهم أمراً
إننا مثلاً.. نزاحمهم في الغناء لنقاسمهم الغنيمة
(مسرحية ظهور واختفاء أبي ذر الغفاري، ص32،33)

ويرى السيد حافظ أن الدراما السياسية إنما هي إثارة للوعي وتحريك للفكر وتنشيط للإدراك حيث يذكر في مقدمته للجزء الثاني من كتاب المسرح السياسي قائلا: ذُبحت كل أشيائنا الصادقة من خلال الاندفاع والحماس والفن المشوه الناتج من خلال إجهاض صناعي للخطة غير العادية في حياتنا، ولأننا أيها العرب نعى كل الأشياء بعمقها ولكن نسيء إلى أنفسنا بتقديم صورة باهتة ذات صراخ تفقد المنطق، ولا نعرف كيفية الهبوط إلى قاع الصدق لنرتقي بكل الأشياء من خلال فن حقيقي صادق، وإذا حاول البعض منا سقط فى الرمزية المجحفة، وعالم مشوه بلا حياة، ولما كان الفن هو رؤية وفى رأيي أن الرؤية تجمع ما بين وجهات النظر السياسية والاقتصادية والتاريخية والنفسية، ويمكنها أن تثقب الوعى من خلال صدق بلا توظيف وبلا بلاهة.
يمكن أن نقدم الإنسان الواعي المدرك من خلال الفنان الصادق لمشكلته الحقيقية، يمكن أن نقدم من كافة وجهات النظر إلى الإنسانية جمعاء من خلال دراما فنية تجريبية جديدة، يمكن أن نقدم عملاً جديداً في الشكل والمضمون لأشياء الإنسان العربي المعاصر الذى يعي نفسه ويعي العالم كله. يمكن أن نقدمه بهدوء وبإقناع بسيط قوى، وترسيب أشيائه الحقيقية التي يعانى منها والتي يمكن للعالم أن يراها وأن يسانده بكل ما يملك من خلال صدق وبلا هتاف أو افتعال وانفعال أعمى. وتتساءل الناقدة المغربية د. سميرة أوبلهي إلى أي حد وجهت الممارسات الاجتماعية الحقل الثقافي الذى يمثله السيد حافظ؟ بمعنى آخر إلى أي  حد استطاع أن يكثف اللحظة الاجتماعية من خلال معالجته الفنية؟
ثم تجيب قائلة: إن السيد حافظ بما له من خصوصيات وتلوينات مميزة استطاع أن يبسط لنا جهازاً مفاهيمياً جديداً تبرز من خلاله إدانته لأساليب العالم القمعية والمزيفة. وهذا ما يجعل جل كتاباته تدور في فلك واحد، هذه الدورانية والتكرارية هي طابع تأكيدي على منظومة رئيسية هي الطابع الإنساني الذى يبصم جميع إنتاجاته دون استثناء (4).
المرأة: قل لي يا حبيبي.. ماذا حدث .. ماذا فعلوا بك.؟
مقبول: تركوني فى جب يوم.. يومين.. شير.. شيرين.. عام.. عامين.
الشاب: والتيمة!
مقبول: لا شيء.
الشاب: والقاضي !
مقبول: تزوجت العدالة بأفكار السلطان فأنجبت المهزلة .
المرأة: ماذا قالوا لك؟
مقبول: لا شيء.. على أن أخبرك بأنني كنت فى رحلة خارج البلاد وأن تخبري
الجيران بذلك.
الشاب: لقد علمت أنهم عزلوك حتى لا تسمم أفكار الغير.
مقبول: عزلوني.. فتعلمت التأمل.
(مسرحية حكاية مدينة الزعفران، ص11)،

كما نلحظ في كتابات السيد حافظ دعوته  الدائمة للمجتمعات لعملية التكامل الاجتماعي والتي تحد من الثغرات بين الصفوة وجماهير الشعب وبين المدينة والريف وبين أصحاب الامتيازات والذين حرموا من الامتيازات.
ابو ذر : وأجوع وأعرى
وأصرخ، وأنادى :
يا فقراء،
يا مظلومين،
يا جائعين،
اضربوا بسيف الجوع
صوت (4) : يا “ أبا ذر” .. لم نسمع نصيحتك إلا الآن.. فى هذه اللحظة؟ هل تقبل هذا العذر؟؟
صوت (5) : لقد أصمنا الجوع، وأخرسنا الفقر
ابو ذر : لا.. لا.. لم يكن الجوع ولم يكن الفقر (يحدق فى وجوههم، ثم تتغير نبرة صوته)
لا.. لا يا أصحابي
الخوف.. الخوف هو الذى اصمكم وأخرسكم
لقد رأيته بعيني يدخل بيوتكم في الليل
مدعياً أنه من رجال الشرطة السرية
مدعياً أنه من رجال العيون السرية..
(مسرحية ظهور واختفاء أبي ذر الغفاري)

إن أعمال السيد حافظ السياسية موجهة لإدانة النظام الفاسد مع كل الشرائع الفاسدة التي تتعلق بأهدافه بلهجة تحذيرية غاضبة ومن علو صوتها الغاضب تتدفق حركتها الانسيابية في تصعيد القيمة الفكرية.

 المراجع
1- مازلي الماحي، مقال (الوعي السياسي في مسرح السيد حافظ)، السيد حافظ، (الأشجار تنحني أحيانا)، الإسكندرية، مركز الوطن العربي (رؤيا).
2 - مفتاح خلوف، دراسة (أعمال السيد حافظ  المسرحية من الفهم والتفسير)، جمع وإعداد د. نجاة صادق، التجريب والمسرح في الوطن العربي، القاهرة، مركز الوطن العربي (رؤيا)، 2018.
3- مصطفى حشيش، السيد حافظ وهموم الإنسان العربي دراسة حول مسرح السيد حافظ والتزامه لقضايا الوطن والمواطن كهم أثير لديه، دراسة، جمع وإعداد د. نجاة صادق، المسرح التجريبي بين المراوغة واضطراب المعرفة، القاهرة، مركز الوطن العربي للنشر والإعلام (رؤيا)، 2018.
4- سميرة أوبلهي، (الشخصيات التراثية في مسرح السيد حافظ وظيفتها الفكرية والفنية)، جمع وإعداد د. نجاة صادق، إشكالية  الحداثة والرؤى النقدية في مسرح السيد حافظ، القاهرة، مركز الوطن العربي (رؤيا) 2018.
5- السيد حافظ، مسرحية ظهور واختفاء ابي ذر الغفاري.
6- السيد حافظ، مسرحية حكاية مدينة الزعفران.
7- السيد حافظ، مسرحية ستة رجال في معتقل.
8- السيد حافظ، مسرحية والله زمان يا مصر.
9- السيد حافظ، مسرحية ملك الزبالة.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏