اسمها أنثي متلازمة الضفدع المغلي

اسمها أنثي  متلازمة الضفدع المغلي

العدد 787 صدر بتاريخ 26سبتمبر2022

اسمها انثي عرض مسرحي من انتاج نوادي المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة وحصد جائزة المركز الثالث ( العروض القصيرة ) في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في نسخته ال29 والمقامة في سبتمبر 2022 علي مسارح القاهرة - ( دورة بيتر بروك ) - بمشاركة العديد من العروض المسرحية من شتي بقاع العالم واقيم اسمها انثي في ليلتي العرض بالمهرجان التجريبي بقاعة صلاح عبد الصبور بمسرح الطليعة في أيام المهرجان، مساء الأحد والإثنين 4، 5 سبتمبر ليجسد محيا الانسان وعذاباته في فضاء آمن ضمنيا باحادية الصوت ولا حياديته فانبرت الاثني لتقاوم هذا التوجه حكيا وسردا ومحاكاة حركية لذات الفعل المناوء للفعل السادي المسيطر فاختبأ وراء السلويت مقاوما وقاهرا واختبات الأنثي وراء جسدها قاهرة ومسيطرة في احايين عدة لتمرر فكرة الاستقلال والقدرة علي الفعل ما استطاعت الي ذلك سبيلا تلك الافكار التي طالما سعت اليها النساء لتأصيلها وتأطيرها باطارها الخاص بعيدا عن هيمنة الرجل وبعيدا عن الخطاب الابوي المسيطر علي عقول وافئدة النساء. 
هو عرض مسرحي نتاج ورشة ارتجال وخلق جماعي فكرة وصياغة واخراج همت مصطفي في اول تجربة اخراجية لها الا انها اوضحت بشكل جلي همها الثقافي والايدولوجي والانتماءات الفكرية التي تؤمن بها وتسيطر علي كيانها كأنثي من جهة وكمبدعة من جهة اخري واتضح من خلال الطرح السيمولوجي ايمانها وايمان فريق عملها بقضيتهن وعدالتها وضرورة الخروج خارج الاطار النمطي والبحث عن نموذج دلالي قادر علي التفاعل والاحتواء فانتهجت الحكي والارتجال منهجا امنا للوصول الي السيطرة علي جمهور النظارة وابتعدت عن نمطية الدراما فدنت من الاحساس ودنا منها الايقاع فمرت مرورا امنا هي وافكارها في اطار مغاير وساعدها بطبيعة الحال البناء المعماري لقاعة صلاح عبدالصبور بمسرح الطليعة فعد مكان العرض مناسبا بشكل كامل لمناسبة الحديث والحديث واتضح احتواء المكان للممثلات الصانعات للتجربة واحتوائهن للمكان في نفس اللحظة . 
بدء العرض المسرحي اسمها انثي من خارج قاعة العرض الاساسية التي تهيأت وتحضرت لاستقبال الالفة الدلالية والايدولوجيه والسيمولوجيه فالفتيات استقبلن الجمهور خارج القاعة واعلنوهم بشروط وضوابط المشاركة في العرض كمتفرجين فاعلين قادرين علي التواصل مع الاخر والتواصل الي الاخر ومع دخول الجمهور الي قاعة العرض الي منصة الاداء احتوي الجميع ممثلات وجمهور اصوات شجية وعزف منضبط لالتي العود والكمان حمل العود رجل في صدر شبابه وعزف بحب وخيلاء وحملت الكمان فتاة في اوج شبابها وجاذبيتها وعزفت في تحدي واشتياق وكانت الروح الموسيقية المتدفقة ذات حوار شجي يسطر صراعا شيقا فالفيولينا تحاول ان تغلظ من صوت نغمها فهي الاخري قادرة علي فرض الرأي وسطوته والعواد حاد النبرات احيانا حنون احيانا في محاولة الي تسطير الوجود الابوي للذكر الاب / الاخ/ الحبيب الفاعل في كل الاوقات وتستمر اللحظات الي ان يستقر الجمهور في اماكنه والفتايات في اماكنهن لتبدء ( الفضفضة ) فهن خمسة فتايات سادستهن عازفة الفيولينا واحدة تنسج خيوط التريكو التي تؤطر مكان التشخيص واخري تغرق في صمتها وثباتها وثالثة تذوب امام لوحاتها الرافضة القادرة علي الصراغ في مجتمع اصم والاخري ولدت من صندوق الهدايا بعد تشخيص و تجسيد كريوجرافي لامع ل لحظة الميلاد ومقدماته بعد ان تم تحييد الزمان والمكان وتبدء الهدية حياتها بالمحو للفعل والزود عن الكينونة والرضوخ الي الصوت القادم من الاخر والا فقدت وجودها المفقود اساسا في ثنايا العلاقات المشوهة ومع البدء ومع استقرار المتفرجين في اماكهن اخذت الفتيات تتخفف من ملابس الاستقبال وتخلع القطعة وراء القطعة دون اثارة او ابتذال لنفاجأ بان فتايات التشخيص الثلاث بملابس سوداء للتحييد ربما وللحداد ربما ولكنهن ارتدين السواد علي اي حال وبقيت الانثي الصامتة في عمق التكوين بملابسها كاملة وبثبات حقيقي وبقيت الطفلة في صندوق الهدايا لم تولد بعد .
ومع تدفق الحكي والارتجال تبوح كل فتاة باسرارها وهمومها وقدرها ومقدورها والتي ما ان تسرد الانثي وتنتهي من السرد الا وجدنا انفسنا امام ذات الانثي بشكل مختلف تسرد نفس السر والهم والقدر بصوت متطابق المعاني مختلف النبرات ومع انتهاءها تنبري الاخري في سرد اخر لمكان اخر وزمان اخر بصوت متطابق المعاني مختلف النبرات فالحبكة الرئيسية في هذا العرض وفي توجه الانثي في هذا العرض او هذا الوقت هو رفض متلازمة الضفدع المغلي او قبولها ومتلازمة الضفدع المغلي هي انه ان وضع ضفدعا في قدر فانه اي الضفدع يتكيف مع الماء في القدر حتي اذا وضع الاناء علي النار وازدادت حرارته وجدنا الضفدع يقاوم الماء ويتكيف مع درجة الحرارة حتي يتقبلها حتي اذا وصل الماء الي درجة الغليان وجد الضفدع ذاته قد انطفأت وخبت قوته المستهلكة في محاولة التكيف وكان حري به ان يقفز من القدر وقت ان كان في قوته والا يبذل المجهود في محاولة التكيف وهذا بالتحديد ما حاولت همت ورفيقاتها في العرض المسرحي اسمها انثي ان تنوء له انه حال اختلاف الظروف اشتداد قسوتها علي الانثي ان تقفز من الموقف اذا كانت مهيأة وقادرة علي القفز والا ترضخ ثانية لتكيف يستنزفها ويفقدها القدرة علي اختيار لحظة القفز من الاشكالية المدمرة لكيانها وكينونتها وفي ذلك منتهي الرجاء .
سيطرة المخرجة همت مصفي علي فضاء العرض سمعيا بخلق مستوي سمعي / ايدلوجي / نغمي لذالك الصراع المحكم بين الفيولا والعود فالفيولا تشبه الانثي بشكلها وهيئتها وجاذبيتها وناعمة الصوت والنغم ومتعددة الطبقات اللحنية ان احتاج الامر ذلك وتستطيع اصدار اصواتها ونغماتها في درجات صوتية وطبقات صوتيه متعددة والجدير بالذكر انه تم اقتطاع مكان للكمان والعود والايقاع في منطقة عمياء تختبأ خلف الجمهور وامامه في نفس اللحظة فعد اللحن فردا فاعلا في الحدث الدرامي وفي التلقي في نفس ذات اللحظة اما عن العود فهو ذلك الناعم الهادي ان تطلب الامر الواضح القاطع ان احتاج الموقف هو الرومانسي وهو الغادر والموقف يستخرج ما يحتاج وتبارت النغمات طارحة الدلالات ومسيطرة علي الافكار والايدولوجيا الخاصة بالحكي عموما دون ان يتنافر او يفقد قدرته علي التأثير فلم تكن موسيقي العرض الا حوارا اخر غير ملفوظ او مكتوب قالته الالات الموسيقية وعازفيها باقتدار دون محاولة لتجميل او تزيين الجمل التمثيلية فاثبت بما لا يدع مجالا للشك ان اختفاء هذه المفردة الزاخرة بالمعاني المستقلة كانت ستخبوء بها جذوة العرض اجمالا وتفقد التواصل الحادث مع موسيقي تعزف هنا والان .
وسيطرة المخرجة بطبيعة الحال علي فضاء  منصة العرض بتعدد مستويات الرؤية ماديا بتباين وتماثل اجساد الممثلات فكانت الممثلات باجساد ممتلئة نسبيا الا انهن امتلكن رشاقة حقيقية وقدرة فائقة علي الحكي حركيا وبساطة الحوار الملفوظ مكنهن من التعويض بالتعبير الجسدي المغاير للمألوف والمقترب من البساطة اقتراب اكد حرفيتهن في التعبير الحركي وقدرتهن الفائقة في التجسيد والتشخيص والتفاعل الخلاق وامتازت شيماء محمد باضافة روح الفنانة التشكيلية المجردة الي روح الانثي المقهورة الطامحة الي كسر القيود والخروج الي العالم الموازي حيث الانثي تتحكم مع امتلاكها خفة ظل لافته وقدرة علي الاداء الحركي المغاير واختيارها ( تسريحة شعر ) منطلقة ومميزة وخارجة عن الاطار التقليدي فاصبحت مميزة ومتمردة شكلا وقدرا وسعيا و لم تبتعد ماريانا نشأت عن ذات التميز بوجهها الهادي الرافض المنطلق الي افق اكثر رحابة عن ذاك الافق المحاصر للانثي اما فاطمة هشام التي جسدت الطفلة الخارجة من صندوق الهدايا فقد امتازت ببناء جسدها الصغير نسبيا والمعبر عن الرضوخ والاستكانة لضعفه ومحاولته الخروج من الاطار وضعف صوتها وحنوه اكد المامها بالقضية و وعيها بالقهر الناتج عن الرضوخ طول الدهر وخروج الطفلة من صندوق الهدايا هو اشارة سيمولوجية من المخرجة ان رحم الام ليس الا صندوق لهدايا عيد الميلاد ومحقق للاماني وما ان تتحقق الامنية حتي يحكم عليها بالرضوخ والاستكانة واتباع التعليمات والا فقدت ما سعت اليه ومع تنوع النماذج النسائية المحققة للثراء الفكري للعرض بقيت شخصيتين لعبت احداهما المخرجة وهي شخصية الكاتبة او الشاعرة او ايا ما كان مسماها فهي انثي تهمس دائما بمكنونها الي الورق وبات جليا ثقتها بقدرة الاوراق علي احتواء الاحلام فكانت الاوراق في يد الممثلة همت مصطفي في اغلب الاوقات وسعت الي ملاها بالافكار بل والتفاعل بها مع الجمهور الجالس مستكينا والفاعل قهرا من اناث العرض والمتقبل قولا وفعلا والمشارك اراديا ولا اراديا واخر الاناث المشاركات في التجربة المغايرة للبناء المسرحي التقليدي هي ( هنادي محمود ) الانثي الجميلة البيضاء المستكينة في ركن القاعة دائما وابدا والصامته طوال العرض والمرتدية ملابس تقليدية مصرية عربية تشبهنا والمغطاه وراء تلك الملابس وصاحبة النظرات المعبرة والوجه الرافض والمستكين والمستسلم والمقاوم في كل الاوقات تلك الانثي التي فاجت الجميع بتخليها عن ملابس في نهاية التجربة وخلعها لكل تلك الملابس لتظهر مفاتنها وتغطي وجهها بالمكياج المعبر المؤجج جمالها رفضا لما ال اليه حالها او تلذذا بحالها ولكل متلقي تفسيره كما يرغب ويرتضي وفجأة تدخل الساكنة الهادئة المستسلمة في وصلت رقص شرقي مبهر لتطرح فرضيه تسليع الانثي بشكل مفاجئ علي نفس درجة ومساواه فرضية تحرر المرأة من القيود فمكياج الانثي وملابسها المثيرة وتمايلها هي وسيلة جذب الرجل وسلاح المرأة الذي لم يفشل في السيطرة اللحظية حتي انتهاء الشهوة وهي وسيلة المرأة للرفض عند بعض اصحاب الافكار المتحررة فالفرضية السيمولوجية المطروحة بطبيعة الاحوال لا تكتمل الا باليات التلقي والتي بدورها تختلف من فرد لاخر فهل نجحت الانثي الصامتة المهادنة في نهاية القول من القفز من القدر اثناء غليان الماء بداخله ام خارت قواها بغية التكيف حتي اذا غلي ماء القدر انهارت قوي الضفدع المحبوس بداخلق فتحققت مقولة متلازمة الضفدع المغلي .
وفي كل الاحوال نري نجاح مخرجة العرض في السيطرة علي فضاء العرض الايدلوجي ببساطة الطرح وعمقه فدنا منها الايقاع محققا تدفقا في المنظور الجمالي والفكري دون افتعال او تعقيد فكما كانت بداية العرض في الطرح الايدولوجي والسيمولوجي مختلف وباعث علي المشاركة التفاعلية كانت نهاية العرض هي الاخري مختلفة وتحتمل التأويل باكثر من دلالة تفاعلية فالانثي المتعددة الرؤي والافكار والجسد اتفقت علي الرفض واتخذته منهجا وكل فتاة من الفتايات المتباريات في الحكي والتفاعل انبرت توضيحا وتشخيصا وتجسيدا للوصول الي نتيجة تمنتها المرأة عادلة بضرورة المشاركة والتواجد والظهور جنبا الي جنب ليس يعلوها الذكور اعلاء لمحاولات الأنثى في منحها فرصًا أكبر في التواصل والتفاهم بينها وبين شريك الحياة الرجل، وخروجها  من القيود والمعتقدات المتعارف عليها التى كانت تخنقها.
ونجحت اضاءة عز حلمي في خلق صراع الأنا والاخروحافظ علي الايقاع المتدفقة للعرض بالتوزيع الجيد لمصادر اسقاط الضوء وزوايا الاسقاط والالوان التي تناسبت مع الطرح والدلالة فبدا الحكي حلما في بعض الاحيان وبدا وهما في احيان اخري وبدا حقيقة وواقع في اغلب الاحيان واستخدمت الاضاءة في اكمال السينوغرافيا وتأكيد الدلالة عن طريق الظلال المتباينة خاصة في تقنية ( السلويت ) التي جاهدت فتيات العرض في تأكيد اهميته واستخدم في تفاعل الجمهور مع فريق التمثيل فبدا الجمهور ممثلا فاعلا في الاحداث قادرا علي التواصل والتفاعل . 
مسرحية «اسمها أنثى» تمثيل وأداء فاطمة هشام، همت مصطفى، شيماء محمد فوزي ، ماريانا نشأت، هنادي محمود، موسيقى الملحن  والموسيقار محمد فوزي،  والموسيقي مارسيل خليفة، والثلاثي جبران، عزف حي أحمد نبيل وإيرين شوقي، مساعدو الإخراج محمد فتحي، كريم صقر ومدحت صبري، تصميم بانفلت ودعايا د. سراج محمود، تصميم إضاءة إهداء الفنان عز حلمي، فكرة وصياغة وإخراج همت مصطفى.


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏