أرض زيكولا.. رواية مُمسرحة عن أرض خيالية

أرض زيكولا.. رواية مُمسرحة عن أرض خيالية

العدد 555 صدر بتاريخ 16أبريل2018

جرت العادة أن يقتبس مخرج المسرح نصوصا أو روايات ويعيد تقديمها بشكل ورؤية مختلفة على خشبة المسرح، فتلك النصوص والروايات قوالب مرنة يستطيع المبدع أن يشكلها كما يريد، فقد اعتاد المتلقي المصري أن يرى التناولات المختلفة لهذه النصوص أو الروايات التي طالما رأها المتلقي برؤى وتأويلات مختلفة، ولكن تعد الرواية أصعب في تقديمها على خشبة المسرح من النص المسرحي حيث إن الرواية تعتمد في الأساس على خيال المتلقي، فلا يُعد استخدام الروائي للكثير من الأماكن والانتقال عبر الأزمنة عقبة في أي رواية، فتلك الأماكن والأزمنة المختلفة يخلقها المتلقي بخياله فقط، ذلك الأمر الأخير الذي يجعل الروائي يقوم بكتابة الأحداث بشكل مفسر، هذا عكس النص المسرحي الذي يُكتب في الأساس ليقدم على خشبة المسرح، وهنا يطرح السؤال نفسه كيف يعد المبدع الرواية ذات الأحداث والأماكن الكثيرة على خشبة المسرح؟! بالطبع، لكل مبدع رؤية لا يمكن أن نضع لها قواعد وحدودا، ولكن تأتي سقطة المبدع حين لا نجد هذه الرؤية المختلفة، حين نجد أننا نشاهد فقط رواية مُمسرحة كما لو كان أراد أن يقدم الرواية فقط ليطمس خيال المتلقي.
وتأتي رواية "أرض زيكولا" للكاتب عمرو عبد الحميد، واحدة من الروايات التي تستند في أحداثها على الفانتازيا والخيال – حيث تدور أحداث الرواية في أرض خيالية – كما تنتقل أحداث الرواية بين الكثير من الأماكن المختلفة، فهي رواية تعتمد في الأساس على خيال المتلقي، خاصة لتلك الأرض الخيالية. تدور الرواية حول شاب في مقتبل العمر يُدعى خالد، يُقرر أن يذهب ليرى «سرداب فوريك»، ولكنه لم يعلم كم المفاجآت التي تنتظره، فما السرداب سوى ممر لأرض أخرى، إنها أرض زيكولا، تلك الأرض التي لا قيمة للمال بها، فالغني ليس من يمتلك المال بل الغني من يمتلك وحدات الذكاء، بمحض الصدفة يدخل خالد إلى زيكولا وما اأن يرى ما يحدث داخل هذه الأرض حتى يقرر خالد الخروج منها، ولكن دون جدوى، فقد أغلقت زيكولا أبوابها ولن يستطيع أحد الخروج إلا بعد سنة بيوم زيكولا الذي تختار فيه طبيبة زيكولا أفقر سكان المدينة ليقتل – الفقر هنا ليس فقر المال بل فقر نسبة الذكاء – وبعد ما يعيش خالد كواحد من سكان زيكولا ويمر بالكثير من الأحداث في هذه الأرض الغريبة، يعود إلى منزله بمساعدة صديقة يامن والطبيبة أسيل التي عادت إلى بلادها قبل أن تغلق زيكولا أبوابها.
وقد جاءت فرقة تياترو المسرحية بقيادة المخرج عبد الله الشاعر بالعرض المسرحي أرض زيكولا الذي قدم على خشبة مسرح الهوسابير، دون أن يبدع المخرج في طرح رؤية مسرحية أو حتى تسليط الضوء على خط درامي خفي في الرواية، ولكن نجد أن عبد الله الشاعر اهتم بالخط الدرامي الأساسى للرواية – محور أحداث الرواية – دون أن يقدم رؤية أو تناولا جديدا للرواية، فقد قام فقط بتجسيد الرواية على خشبة المسرح مُهتما بالإطار الخارجي الذي تدور من خلاله الأحداث، ولأن رواية "أرض زيكولا" مثلها مثل أي رواية أحداثها تدور في نطاق واسع من الأماكن، حاول المخرج عبد الله الشاعر الذي قام ذاته بالإعداد المسرحي للرواية أن يضع مبررات درامية سريعة للأحداث المُجسدة على خشبة المسرح، وذلك فقط حتى لا تصبح الأحداث مُفتعلة، فيمكننا القول إن الإعداد الدرامي للرواية لم يكن سوى حذف لبعض الأحداث والحوارات الدرامية – تلخيص – ربما لصعوبة تجسيدها على خشبة المسرح أو لأنه محكوم بمدة محددة للعرض ليس إلا، وهو ما يؤخذ على عبد الله الشاعر فالإعداد المسرحي هو خلق رؤية وتأويل جديد في كل مرة يقدم فيها العمل الفني وليس تلخيصا لبعض الأحداث ليجسد العمل على خشبة المسرح.
أما عن الصورة الجمالية للعرض، فقد استطاع عبد الله الشاعر أن يتخفى وراء السينوغرافيا ويعطي صورة بصرية جمالية مُتخيلة عن تلك الأرض؛ حيث جاء محمد زكريا بتصميم ديكور عبارة عن لوحة كبيرة مجسمة 3D)) وضعت في عمق المسرح لتعبر عن الفضاءات الدرامية التي تدور بها أحداث العرض مثل الصحراء السرداب وأرض زيكولا، تاركًا خشبة المسرح فارغة ليترك المساحة الأكبر للتمثيل حتى إنه لم يستخدم إلا القليل من الإكسسوارات المسرحية البسيطة فقط لاستكمال الصور البصرية لمكان الحدث الدرامي.
أما الملابس فقد جاءت دينا نور الدين وأحلام سليمان بملابس تشبه العصور القديمة - زمن الملوك والأمراء - كما لو كان المتلقي بداخل فجوة زمنية، فنحن في عام 2018 كما جاء على لسان بعض سكان زيكولا، ولكن نحن ببلد تختلف في كل شيء فما أن تنتقل الأحداث داخل أرض زيكولا حتى يجد المتلقي مدينة كبيرة أشبه بالمدن القديمة ذات الأسوار العالية بداخلها سكان أيضا يرتدون نفس الملابس القديمة، مستخدمًا بعض الأغاني والاستعراضات لخلق طابع مسرحي على أحداث الرواية.
ومن ثم يمكننا القول إن العرض هو فقط مسرحة للرواية مقدمة بسينوغرافيا يطغى عليها الطابع الجمالي ليس إلا، وتبقى إجابة السؤال منفية هل يكتفي المُعد للنصوص أو الروايات بتقديم سينوغرافيا جيدة دون أن نجد رؤية جديدة أو تناولا مغايرة عن العمل الأصلي؟
بطاقة العرض
اسم العرض: أرض زيكولا
جهة الإنتاج: فرقة تياترو المسرحية
عام الإنتاج: 2018
أعداد وإخراج: عبد الله الشاعر

 

 


رنا أبو العلا