عرض التجربة بين النقد وآليات الإنتاج

عرض التجربة بين النقد وآليات الإنتاج

العدد 543 صدر بتاريخ 22يناير2018

صراعات التجربة
في الحقيقة لا أبدو مندهشاً من كم الهجوم الذي أثير حول العرض المسرحي التجربة والذي قمت بإخراجه بمنحة إنتاجية قيمتها 10000 جنيها مصرياً أي ما يقارب 400 دولار أمريكي من مكتبة الإسكندرية، وقمنا بتقديم لعرض لمدة ليلتان متتاليتان على مسرح القاعة الكبرى بالمكتبة، ومن ثم قمنا بالتقدم به للمشاركة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر في دورته الرابعة والعشرون، وأخيراً شاركنا في المسابقة الرسمية بأيام قرطاج المسرحية في دورتها التاسعة عشر بتونس.
لم أنزعج كثيراً عندما نال العرض ما ناله من هجوم شرس بعدما قدم في ختام التجريبي على مسرح الجمهورية بالقاهرة، وذلك لأن العرض قدم في ظروف ما كان يجب علينا أن نقدم العرض بها، وأن نعتذر عن تقديم العرض وذلك بسبب ما حدث حيث وضع العرض في مناخ غير مناسب تماماً له، ولأن العرض يحتاج إلى طبيعة جغرافية خاصة لتقديمه، مثلاً أن يكون في مسرح يُمَكِنْ الجمهور من رؤية المشهد المسرحي بشكل رأسي، وأن يكون الجمهور في وضعية تلاحم مع المنظر المسرحي وهذا ما لم يتوفر إطلاقاً في ختام التجريبي، وللحق حدث ذلك عن طريق خطاً غير مقصود بل كان بهدف سامي من إدارة المهرجان، حيث أشادت لجنة اختيار العروض المشاركة في المهرجان بالعرض وأنه تجربة نوعية وأنه يليق بالمشاركة في المهرجان التجريبي، كنا نظن أننا سوف نقدم العرض على إحدى خشبات مسارح القاهرة حيث تتلائم وطبيعة العمل، لكن إدارة المهرجان فضلت أن يكون العرض في ختام المهرجان حتى يتسنى للضيوف والمكرمين مشاهدة العرض، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فلعب الظرف الزماني والمكاني للعرض دور الخصم وأدى إلى ظهور العرض بشكل غير جيد مما أثار أقلام السادة النقاد ومخضرمين الحركة المسرحية المصرية مستنكرين وجود هذا العرض كختام للمهرجان حتى أن البعض وصفه بأنه فضيحة!
تقدمت بالعرض للمشاركة في أيام قرطاج المسرحية وبالفعل أشادت لجنة اختيار العروض بـ «التجربة» واختارته للمشاركة في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية، ولكن لم يكن هذا على هوى السادة المسرحيين متخذي القرار، فكيف لإدارة المهرجان ولجنة اختيار العروض اختيار عرضاً آخر غير تلك التي تم ترشيحها من خلال البيت الفني للمسرح، وهي عروض من إنتاج الفرق التابعة للبيت الفني للمسرح، وعلمت بأن هناك من كتب تقاريراً وصل فيها الأمر إلى التشكيك في إدارات المهرجانات التي هي على شاكلة مهرجان قرطاج من حيث الحجم والأهمية كمهرجان المسرح الحر بالأردن، ومهرجان ليالي عمان، ومهرجان الهيئة العربية للمسرح، وأيام قرطاج المسرحية متهماً إياها بأنها تختار عروضاً مصرية لا تقوى على المنافسة أمام العروض الأخرى، وهذا الاتهام ذاته لا ينم إلا عن خلل،
غير أني صدمت بأن العروض المرشحة للسفر يجب أن يتم تقييمها من عدة جهات أخرى غير لجنة المسرح التابعة للمجلس الأعلى للثقافة، وهذا ما أرفضه بشدة لأنه وببساطة الجهات التي من شأنها مشاهدة العروض ثم كتابة تقرير عن العرض، ليست إلا جهات إنتاجية هي الأخرى، فماذا لو كانت هذه الجهات متقدمة للمشاركة في المهرجان ذاته ولم يتم قبولها؟، كيف لها أن تكون الخصم والحكم في الوقت ذاته؟، ولماذا يتم تقديم العروض المرشحة للمشاركة في أحد المهرجانات الدولية لعرضها على جهات أخرى ومخرجين آخرين وهم يمتهنون نفس المهنة التي أمتهنها؟، ومن يشاهد عروضهم في حالة سفرهم؟، وماذا لو كانت نوعية العرض لا ترضي ذوق هذا الشخص الذي يشاهد هذا العرض بالرغم من إنه مناسب لفلسفة وطبيعة المهرجان الذي اختاره؟ -بالمناسبة كل هذه الملابسات حدثت-وكادت أن تفضي بعدم مشاركة العرض، وبالفعل قد سافرنا متأخرين عن افتتاح المهرجان ومما أدى إلى تأخر أحد الممثلين إلى ليلة العرض لولا تدخل الأستاذ الفاضل أسامة عمران رئيس قطاع مكتب الوزير.
حجب جائزة أفضل عرض، وهزيمة المسرح المصري.
هذا المانشيت الذي كتبه الدكتور حسن عطية الذي حضر المهرجان، والذي كتب مقالاً عن أيام قرطاج المسرحية وعن العرض المصري الغير احترافي حسب زعمه، هناك عدة اسأله أريد أن أوجهها للدكتور حسن، ما هو مفهوم الاحترافية من وجهة نظرك؟، فإذا كنت تقصد احترافية فريق العمل، أود أن أبلغ سيادتك بأن فريق العمل مكون من طلبة وخريجين ومدرسين سواء بالمعهد العالي للفنون المسرحية أو قسم الدراسات المسرحية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وأن أحدث من كانوا على المسرح لديهم من الخبرة المسرحية ما يكفي ليجعلهم محترفين وهم بالفعل كذلك كما أن الفريق التقني  ومصممين العرض من مهندسي الديكور والإضاءة والمؤلف الموسيقى ومصممة  الملابس وكوريوغراف العرض هم أيضاً يعملون في مجالاتهم بشكل احترافي سواء داخل مصر أو خارجها، كما لهم رصيد فني كبير ، وهم حاصلين على العديد من الجوائز في مجالاتهم، فلا غبار على أنهم محترفين، اما إذا كنت تقصد احترافية جهة الإنتاج، فإن لمكتبة الإسكندرية رصيد فني من العروض المسرحية والمشاركات يكفي لأن يجعلها جهة احترافية، ونحن بالأساس نعمل بشكل مستقل وقد حصلنا على منحة إنتاجية من المكتبة للمشاركة في إنتاج هذا العرض، وإذا تحدثنا عن ما إذا كان المسرح المستقل احترافي أم لا فإننا لن ننتهي، فلم يتبق سوى العمل الفني الذي تم تقديمه على المسرح فلا أعتبر أن الاحترافية يمكن أن تكون معيار من الأساس، لأن جميع نظريات التذوق الفني تنفي وجود معايير أو وسائل قياس فهي ترجع إلى المتلقي بشكل خاص، وإذا طبقنا هذه القاعدة على العرض ذاته فسنجد أن هذا العرض قد تم اختياره من قِبل لجنة اختيار العروض المؤهلة للمشاركة بالمهرجان التجريبي وأيام قرطاج وملتقى الرقص على الحافة بهولندا وقد تم اختيار العرض للمشاركة في المهرجانات الثلاثة التي سبق ذكرها من خلال تلك اللجان والتي من المؤكد أن أعضاء تلك اللجان هم فنانين يعملون بالحقل المسرحي سواء في مصر أو خارجها ولهم قيمتهم الفنية التي تؤهلهم ليكونوا أعضاء في تلك اللجان وهذا ما توافقني الرأي فيه حسب ما جاء بالمقال، فلماذا تراءى لهم أن العرض جيد غير أن التذوق الفني لا معيار له؟
أصدقك القول يا دكتور حسن أن هناك كارثة بكل ما تحمله المعنى في آليات إنتاج المسرح المصري، وهذا ما جعل المشهد المسرحي المصري باهتاً، فرغم تلك القوانين والآليات المهترئة التي يرجع بعضها إلى ستينيات القرن لم تفرز من مئات العروض المسرحية التي تنتج سنوياً إلا عدداً من العروض يمكن حصرها على أصابع اليد الواحدة، فلماذا لم تهتم برصد المشهد المسرحي من هذه الزاوية، وخاصة أنك قيمة مسرحية كبيرة حيث أنك رئيساً للمهرجان القومي للمسرح المصري وأستاذاً بأكاديمية الفنون وناقداً مسرحياً، أي أنه إذا ما حللت هذا المشهد المتراجع في الآونة الأخيرة سيسهل عليك رصد المشكلة ومحاولة علاجها أو بترها، ولا أقصد أنك المسئول عن تردي المشهد وحدك فكلنا في هذا الركب مسئولين وهذا إذا اعتبرتنا جزء من الصورة المسرحية من الأساس.
مقالك يا دكتور حسن جعلني أرى بوضوح أن هناك العديد من الصراعات القائمة والتي تحسب على جميع من يعملون في المسرح المصري بشكل عام، فماذا لو كان العرض المشارك في قرطاج كان عرضاً قاهرياً أي من القاهرة، وأنت تعرف القائمين عليه، حتى وإن لم يعجبك العرض فهل كانت ستثار تلك الضجة؟، وماذا عن العروض المصرية التي شاركت في الدورات السابقة من عدة مهرجانات ورجعت دون الحصول على جائزة أو حتى ذكر اسمها في حفل الختام –كما حدث معنا-فلماذا لم تكتب عن تلك الهزائم؟ ولماذا لم يتكلم من تكلم عن تلك العروض بهذا الشكل عن عرض التجربة؟
دكتور حسن عطية أعرف أنه قد لا يهمك في شيء أن تعلم أنني قد حصلت من قبل على جائزتين دوليتين في الإخراج المسرحي أحدهم من مهرجان الكويت الدولي للمسرح الأكاديمي والأخرى في مهرجان مسرح الشباب بروسيا، فضلاً عن عدة جوائز أخرى وشهادات تقديرية داخل مصر، فلماذا لم ينتفض أصحاب الأقلام بتهنئتي كما يحدث الآن؟، التجربة يا دكتور حسن لم تكن سوى تجربة حقيقية جنت منا جهد وتدريبات وتفكير على مدى ستة أشهر لم تقضي منها سيادتكم سوى ساعة جالساً على كرسي في الصفوف الأولى لتخرج بهذا الانطباع، فلماذا لم تقم بمناقشتي حول العرض رغم وجودك في المهرجان حتى نهايته، ولماذا يتم إغفال هذا المجهود والتعب؟، بهذه المناسبة أود أن تعلم أنه بإمكاني تقديم عرضاً مسرحياً تقليدياً يصفق له الجمهور بحرارة كالتي تقدم على مسارح الدولة وبإنتاجات مالية ضخمة، فما أسهل أن أأتي بنص عالمي مترجم أو حتى لمؤلف مصري وأقوم برسم خطوط حركية، ولكن لأن هذا الأمر بالنسبة لي لا يعني سوى أنه ثبات على الفشل والتقليد والحفاظ على الشكل القديم المستهلك فطوال الوقت أبحث عن تقديم أشكال مغايرة جديدة مدروسة بعناية وبدقة ومع ذلك ولأني بشري فأخضع لقوانين النجاح والإخفاق ولكن أرجو أن تكون متأكداً من أن كل هذا ورائه تعب وبحث وتفكير وتدريبات حتى يخرج عرضاً غير احترافي من وجهة نظرك، فلا استحق على الأقل حواراً أو توجيهاً أو إرشاداً أو شكراً على الجهد المبذول فور انتهاء العرض؟ بالمناسبة هذا ما حدث مع العروض المسرحية الأخرى التي شاركت في الأيام بل وصل الأمر إلى تشجيعات من أعضاء لجان التحكيم للفرق التي تنتمي لنفس الدول القادمة منها، لم أكن أنتظر ذلك على الإطلاق منكم وهذا ما حدث فلا عتب بيننا في هذه النقطة.
هل هو صراع بين الأجيال؟ وهنا لا أقصد أن الجيل الذي تنتمي إليه ليس متصلاً بالأجيال الجديدة التي أنتمي أنا إليها، ولكن لماذا جاء حكمكم سريع على أن هذا العرض هو عرض هاوي أو غير احترافي أو عرضاً جاء بالمصادفة مثلاً؟ أعتقد أن الإجابة هنا لأنه ليس من نوعية العروض التي تستهوي ذوقك الفني، أو لم تجد له إطار داخل دائرة معرفتك الواسعة لتضعه فيه فتبدأ في تقييمه فنياً، نعم يا سيدي هناك فجوة كبيرة بين الأجيال، وبالتالي فجوة في التناول الفني، وبالتالي فجوة في الأشكال المسرحية، فنحن بلا أدنى شك نعرف كل أنواع المدارس المسرحية القديمة منها والمعاصرة سواء من دراستنا للمسرح أو من المشاهدة والاطلاع، ولذا نحاول جاهدين الخروج بشكل مسرحي مغاير، لا ندعي أنه جديد أو أننا بارعين فيه، ولكن يكفينا شرفاً المحاولة للخروج عن المألوف لأننا كما ذكرت لك سابقاً أن ما أسهل أن نفعل عرضاً مسرحياً مألوفاً يعجب الجمهور والنقاد ليكتبوا عنه الأشعار ويحصد الجوائز في أعتى مهرجانات هذا البلد المتأخر والذي يحتاج مننا جميعاً جهوداً مضاعفة للنهوض بالثقافة بشكل عام والمسرح بشكل خاص، ولكن هناك الكثير من يحمل هذه الراية فلا مزاحمة عليها من طرفنا، وللإسكندرية وضعاً خاص في ذلك، أولهم أننا وكالعادة مهمشين من قبل العاصمة وهذا للعنة المركزية القائمة في قوانين ونظم البلد، والثاني لأننا مدينة تنتمي للمدن المطلة على البحر الأبيض المتوسط وبالتالي جسور التواصل مع أوروبا متينة بشكل كبير والفضل يرجع للقائمين على المسرح في الإسكندرية وهم قامات كبيرة، وبالتالي نعمل مع فرق أوروبية، نتبادل الثقافات بشكل حقيقي، نتبادل الفن بشكل موضوعي، نبحث ونفكر ونجرب وننجح ونخفق وفي الآخر ليس سوى محاولات نأمل أن نخرج في نهايتها بشكل جديد كنا نأمل أن ننسبه يوماً إلى المسرح المصري ولكن لم نجد منكم سوى الهجوم اللاذع الغير مبرر على رغم من الاكتفاء بالصمت أمام محاولات فاشلة عدة وأخرى تقليدية جداً تقدم يومياً على مسارح العاصمة، فهل تسمحون لنا بالانفصال عن العاصمة؟
في النهاية ربما أكتفي من تقديم التجربة وربما لا، على كلٍ أريدك فقط أن تعرف أن هذا العرض لم يأت بمحض الصدفة، ولم يأت من مجموعة هاوية كما ذكرت، ولم يأت من مجموعة تجهل مفردات المسرح، فلكم مسرحكم ولنا مسرحنا، لكم مطلق الحرية في تناوله بهذا الشكل، ولنا الحرية في رؤية أن المسرح المصري سيطول انحداره ما دامت هذه هي طرق التفكير، ما دامت آليات الإنتاج على نفس شاكلتها، ما دامت المؤسسات المعنية بنهوض المسرح مهتمة بأشياء أخرى غيره.


أحمد عزت الألفى