نظريات التمثيل المتنافسة (2)

نظريات التمثيل المتنافسة (2)

العدد 750 صدر بتاريخ 10يناير2022

 ربما يكون الانتقال من لعب دور راعي البقر إلى لعب دور روي روجرز أو ديل ايفانز مجرد جزء مما يحدث في الشرط الذي يأخذنا من ألعاب التظاهر العادية إلى تلك الألعاب التي يشارك فيها البعض منا أمام الآخرين. لنفترض ذلك الآن، ودعونا نبقي هذا التغيير آمنا بالنسبة لنا نحن الذين نريد أن نقول ما نريد عن نظرية التظاهر، وتحديدا أن الشخصيات هي التي تؤكد وتصدر الأوامر وتطرح الأسئلة وتصرخ. فماذا يفعل المؤدي إذن؟. قلنا توا أن الممثلة تتظاهر بأنه جرترود وتقول ما تقوله جرترود وتفعل ما تفعله جرترود. وعند هذه النقطة يطلب النص، مثلا، من جرترود أن تقول «لقد أساءت إلى أبيك كثيرا يا هاملت». وهذا يوحي بجزء من مرادنا: تؤكد جرترود علي بعض الأشياء، وتفعل أشياء أخرى أيضا – تنظر إلى نفسها في المرآة مثلا. 
 تؤدي هذه الحركة إلى استنتاج مزعج قليلا للبعض، هو أن المتفرجين يرون جرترود عندما تنظر إلى المرآة، وأن هؤلاء المتفرجون يسمعونها وهي تقول «لقد أساءت إلى أبيك كثيرا يا هاملت». ربما يُعتقد أن هذه المخاوف تؤدي إلي شرط ثان في تطوير نظرية التظاهر، بالإضافة إلى نظرية التظاهر بالفرجة pretense theory of spectatorship. وفي هذه النظرية يشارك المتفرجون والمؤدون أيضا في التخيل أو التظاهر: يتظاهرون بأن هذه الممثلة التي هي جرترود تفعل هذه الأشياء وتقولها. 
 ولست مقتنعا تماما بأن هذا الشرط ضروري. أولا، من غير الواضح أن المخاوف التي أدت إلى هذا الشرط علي أسس سليمة. ثانيا، أن ما أسميه قصة التظاهر في المشاهدة بها مشاكل تخصها . فمن الجدير بالملاحظة، مثلا، أنه إذا كان من المعتقد أن يشارك المتفرجون في لعبة التخيل أو التظاهر بأن الممثلين هم شخصيات لكي يتابعوا أي عرض مسرحي سردي، فعندئذ إما أن تكون العروض السردية كلها قصصية أو أنه يجب تأمل قصة التظاهر كلية باعتبارها استراتيجية لمهمتها الناشئة. وهذا يثيرني كنتيجة غريبة. لذلك ربما ينبغي علينا القيام بالمهمة الثانية. أو ربما يجب التخلي عن نظرية التظاهر في المشاهدة. 
 ولكن لأن حل مثل هذه المسائل ليس جزء من المقالة الحالية، فسوف أميزهما في مناقشة منفصلة واستمر وكأنه لا توجد مشكلة. لذلك دعونا نقول إن الأمر جيد حتى الآن (علي الأقل الآن). 
 يبدو أن نظرية التظاهر تعمل بشكل سيء في توضيح ما يفسر بالضبط لماذا يقول الممثل السطر التالي أو يشارك في الجزء التالي من عمل خشبة المسرح. التفسير الأكثر منطقية الذي دفع الممثل الذي يلعب دور هاملت لكي يقول «لقد أساءت إلي أبي كثيرا يا أمي» وأن هذا ما يتطلبه النص بعد جملة «لقد أساءت إلى أبيك كثيرا يا هاملت». ولعل حد طرق التفكير في أن النص يتطلب أن يحدث شيء هو التفكير في الممثلين الذين يتم دفعهم لنطق سطور النص بترتيب معين من خلال الترتيب الذي تظهر به هذه السطور في النظام الذي تطور في التدريبات. فالفرق المسرحية تطور مثل هذا النظام من خلال دراسة القصص في النصوص، ودوافع الشخصيات في القصص، واتجاهات السرد عموما. ولكن بمجرد أن ينشأ النظام، فان هذا هو الذي سوف ينفذه المؤدون عندما يدخلون في الأداء. 
 عند هذه النقطة يبدو أن نظرية التظاهر في كلام الممثلين وأفعالهم قد اختفت تماما. وبعكس تفسيرات ألعاب التظاهر الفعلية، حيث نشير إلى التعديلات التي يتم إجرائها علي الفور عن طريق اقتراح صريح بأن الأجزاء تعدل التظاهر في العروض المكتوبة في نصوص، إذ لا حاجة بنا إلى أن نشرحها بقولنا «هنا والآن» يوجد تظاهر بالتصديق أو قصد فعل شيء أو قول شيء ما. وبدلا من ذلك نحصل علي كل ما نريد للعروض المكتوبة من فكرة أن هنا والآن يوجد شيء يقال أو يحدث، لأن ذلك يؤدي إلى المتابعة، في ظل نظام التدريبات، بعد ذلك الذي حدث هناك وآنذاك. وسواء فسرت قصة التظاهر لماذا يقول الممثل «لقد أساءت إلى أبي كثيرا يا أمي»، أو فسرناه نحن بالإشارة إلى النظام الذي طوره المؤدون وتدربوا عليه. فان الأمر يبدو وكأن الأخير يقود التفسير. 
 ربما تكون هذه النتيجة اصطناع لفكرة مغلوطة لما تفسره نظرية التظاهر. إذ يمكننا تفادي هذه النتيجة غير المتوقعة من خلال الاعتقاد التالي: «أننا نفسر لماذا تفعل الشخصية ما تفعله بالإشارة إلى القصة المجسدة؛ ونفس لماذا يفعل المؤدي ما يفعله بالإشارة إلى النظام الناتج من التدريبات؛ وتفسر نظرية التظاهر لماذا ما يقوله المؤدي وما يفعله يعد مثل ما تقوله الشخصية وتفعله. 
 تساعدنا هذه الطريقة في طرح المسألة أن نفهم النقطة التالية. لقد لاحظت آنفا أن هناك عدة أشياء لم تفعلها الممثلة التي لعبت دور جرترود. وها هو شيء آخر: بما أنها لا تقصد أن يفهمها هاملت ويرد عليها ويفسر لها، فإنها كذلك لم تتوقع أن يفسر هاملت السبب لجرترود. فالنص يدعو إلى حدوث ذلك في القصة عند هذه النقطة. ولأن القصة المكتوبة في النص تدعو إلى حدوث ذلك – رغم أن الممثل الذي يؤدي دور هاملت يتعهد بهذه المهمة – فلا بد أن نقول أن الممثل الذي يؤدي دور هاملت ينفذ المهمة من خلال فعل شيء يرقى إلى التظاهر بأنه يفسر ذلك لجرترود. أي أن الإشارة إلى النظام تشرح لماذا يقول الممثل ويفعل الشيء لتالي في لحظة بعينها ثم نستحضر فكرة التظاهر لكي نشرح كيف يصبح ذلك الفعل أو القول هو فعل وقول جرترود أو قول وفعل هاملت. 
 ولإنجاح ذلك، يجب أن نحدد الشروط التي تجعل قول أو فعل شيء مثالا للتظاهر بقول أو فعل شيء آخر. غالبا ما يعتقد منظري التظاهر ( كوري 1990، والتون 1990) في شيء مماثل لملاحظة جون سيرل: 
 السمة العامة لمفهوم التظاهر أنه يمكننا أن نتظاهر بأداء ترتيب أعلى أو فعل مركـب من خـلال القيام فعليـا بأداء ترتيب أقل أو أفعال أقل تعقيدا والتي أجزاء تأسيسية من ترتيب أعلي أو فعـل مركب. 
ولذلك، مثلا، ربما نتظاهر بشرب الشاي من خلال رفع يدك لكي نمسك بمقبض فنجان الشاي، ونحرك يدنا بشكل ملائم، ونقربها من رأسنا مع تحريك عضلات الحلق وكأنك تشرب. وعندما نتأمل ألعاب التخيل كمصدر لحالاتنا في توضيح نظرية التظاهر في التمثيل، تبدو اقتراحات سيرل صحيحة تماما. 
 ولكن هذا لا يفي بالغرض. ففي حين أن الفعل الموصوف هو طريقة شائعة بدرجة كافية لتمثيل شخص ما يشرب الشاي، إلا أن هناك آخرين، نظرا لسياق معين لن يستخدموا أيا من الأجزاء المكونة لهذا الفعل المركب. وعلي الرغم من شيوع التظاهر في ألعاب التخيل، فلا يعد التناسق ولا حتى التشابه المقلد لفعل ما ترتيبا أعلى أو إجراء أكثر تعقيدا أمرا ضروريا أو كافيا لتمثيل فعل ما بواسطة آخر. إننا نحاول فقط أن نشرح لماذا لا يمكن لأي شخص أن يستخدمه في التدريبات، هذه العصا هي منشفتي عندما أنكزها في الأرض فإنني أجفف ظهري. 
أو لماذا لم تستطع الممثلة الانخراط في التصوير الذي يجعل هذا التأكيد فعالا. الاستجابة المثيرة هو وضع شرط آخر يتعلق بالتظاهر العادي الذي يقودنا إلي ما نريد: 
 يتطلب التظاهر وجود التقاليد التي يتم بموجبها أداء فعل من نوع ما علي أنه التظاهر بالانخراط في فعل من نوع آخر .
هذا يساعدنا في استخدام منشفة الحمام. علاوة علي ذلك، فانه يعكس الطريقة التي يمكن أن نتعامل من خلالها مع أفعال رمزية أخرى، مثل تلك التي تحيط بالتالي: هذه العصا هي معيار لبلادي عندما أضعها على الأرض فإنني أطالب بهذه الأرض. 
الفرق بين الحالتين هو أننا نفهم في الحالة الأخيرة ما يحدث لأننا معتادون علي تقاليد الادعاء (وأفعال اجتماعية أخرى)، بينما في الحالة الأولى نفهم ما يحدث لأننا معتادون علي تقاليد التظاهر. 
 يسمح هذا الشرط أيضا لنظرية التظاهر أن تتمسك بحقيقة أن بعض الممثلين يقصدون بدقة ما يفعلون وما يقولون، بالطريقة التي تجعلنا ننوي شراء الحديقة في لعبة الاحتكار. في غياب الاقتراح الحالي، لا يتضح كيف يمكن لبعض صياغات نظرية التظاهر التقاط هذه الحقيقة. ومن المنطقي أن نتوقع أنه مهما كانت وجهة النظر التي نتبناها فلا بد أن تفسر حقيقة أن الممثلين يفعلون ويقولون ما يبدو أنهم يفعلونه ويقولونه، وما يقصدونه وما يعتقدون فيه – وأنهم يشاركون بصدق في هذه الجهود. فالشرط الذي يقول إن شيئا ما يمكن اعتباره شيئا آخر عندما تكون تقاليد التظاهر فعالة تسمح باحتمال أن الأمر كذلك أيضا عندما لا تكون تقاليد التظاهر غير فعالة، فربما كان الشيء الأول علي ما هو عليه وربما يؤثر، إن جاز التعبير، باعتباره ذاته. 
 عند هذه النقطة وضحنا كيف يُعتقد أن ألعاب التظاهر تولد السلوك المسرحي الذي نسميه التمثيل. وهذا يتأتى بعدة شروط. 
تصل نظرية التظاهر بما يفعله الممثلون إلى شرط أن بعضنا (نحن الممثلين) يمارس ألعاب التظاهر أمام آخرين (المتفرجين). وبدون تحليل افترضت أن هذا الشرط يوصلنا إلى خصوصية الشخصيات التي يحضر أمامها المتلقون لمشاهدة الأداء ويشيرون أليهم في وصف العرض. 
اشترطنا أن الانفصال بين ما يفعله المؤدي وما تفعله الشخصية، يقدم تفسيرا مختلفا للسبب الذي يجعلهم يفعلون أشياء ويقولونها بالترتيب الذي يفعلونها ويقولونها من خلاله، ويحددون بدقة ما يجب تفسيره بالإشارة إلى التظاهر. 
اشترطنا، اتفاقا مع ألوارد Alward، وجود تقاليد للتظاهر لتقديم ذلك التفسير المطلوب. 
 لاحظت بشكل عابر أن البعض يعتقد أننا نحتاج أيضا أن نشترط نظرية تظاهر في المشاهدة والتي تسمح لنا بالاحتفاظ بفكرة أن الشخصيات هي تؤكد وتنكر وتتساءل وما إلى ذلك بدون أي عواقب مزعجة فيما يتعلق بأن المتفرجين يرون ويسمعون. ولكننا طرحنا هذه المناقشة جانبا، وأنها لا تؤدي دورا فيما يلي. 
 قبل أن نبحث مدى نجاح وجود تقاليد التظاهر بالقيام بالمهمة التي نطلبها، دعونا نعرج قليلا علي حقيقة فهم التقاليد. 

الهوامش:
• نشرت هذه المقالة عام 2009 في مجلة معهد الفلسفة – العدد رقم 4 . 
• جيمس هاملتون يعمل أستاذا للفلسفة في جامعة ولاية كنساس . وقد سبق أن قدمت له مسرحنا العديد من المقالات.


ترجمة أحمد عبد الفتاح