رائد المسرح الراقص .. الأستاذ ..محمود رضا

رائد المسرح الراقص .. الأستاذ ..محمود رضا

العدد 672 صدر بتاريخ 13يوليو2020

كان الفنان الكبير محمود رضا طوال فترة مسئوليته عن فرقة رضا أو طوال حياته الوظيفية كوكيل لوزارة الثقافة ومسئولا عن قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية لا يتعامل بمنطق انه موظف كبير ومسئول بوزارة الثقافة بل كان يتعامل بصفته رائد الرقص الشعبى فى مصر، ولم لا وهو صاحب أول فرقة محترفة فى هذا المجال. كما كان يتعامل بمنطق أنه صاحب فرقة اضطرته الديون إلى “تأجيرها“ للدولة، لذا كانت قراراته وأفعاله وأقواله لا تخضع للمناقشة أو المراجعة، وكثيرا ما سمعنا عن صداماته برؤسائه، النابعة من إحساسه بذاته كفنان والتى يترجمها سلوكه المعتد، وطريقة مشيه التى تشبه الطاووس والتعامل مع الفرقة وكأنها ما زالت ملكا له. والقصص المروية كثيرة سواء ما تداولتها الصحف، أو التى خفت عن الأسماع.
ومن هذا المنطلق استطاع محمود رضا الانطلاق بفرقة رضا إلى آفاق أرحب وأوسع وأشمل وقدم تجارب كانت جديدة على المسرح المصرى .
فبرغم ريادته المعترف بها والمشهود لها فإن البعض يعتقدون أن ما قدمه محمود رضا ليس فنا شعبيا خالصا، بل أضاف للرقصات الشعبية حركات من الباليه و تشكيلات لا ينتهجها أصحاب الرقصات الأصليين، وهنا فنحن أمام مدرستين فى تناول الفنون الشعبية: إحداها تصر على تقديمه كما هو دون اضافات أو محسنات من أى نوع وحبذا لو كانت بشخوصه الحقيقية، والمدرسة الأخرى ترى أنه لا عيب فى بعض من تحسينات وتدخلات تفرضها طبيعة الفن .
والحقيقة أننى أرى لمحمود رضا ريادة أخرى لم ينتبه لها كثيرون، فالرجل لم يكن مصمما للرقصات فقط، بل كان مخرجا لجميع عروض فرقة رضا منذ نشأتها و =حتى منتصف التسعينات، كما أنه أخرج أوبريت تم تقديمه عام 1974 باسم “حبيبتى يا مصر“ و بذلك هو أول من أخرج عروضا للفنون الشعبية، و هو أمر يختلف – ولو قليلا – عن عروض الدراما ولكن تلك الريادة ليست التى أقصدها أيضا فعن أى ريادة نتكلم ؟
فى أوائل السبعينات قدم محمود رضا عرضا دراميا راقصا من البداية إلى النهاية هو “على بابا والأربعين حرامى“ خلط فيه بين الرقص الشعبى (المأخوذ من الفولكلور بتصرف) والرقص التعبيرى والإيمائى، وكان من الواجب ان يذكر التأريخ المسرحى هذا العرض كأول تجربة مسرح راقص فى مصر وخاصة انه اعتمد على أصول مصرية فى الحركة والألحان . ولكن السادة النقاد لم ينتبهوا لهذا العمل ولم يوضع فى مكانته الصحيحة، وعندما أتى إلينا آخرين فى التسعينات بمسرح غربى راقص ليقدموه فى مصر وبراقصين مصريين اعتبرنا إنهم الرواد .
والمسرح الراقص تعود بداياته الى اوائل الخمسينات من القرن الماضى . وسطع على يد مارتا جراهام و آخرين يعتبرون أن الجسد هو المنبع الاساسى للفعل الإنسانى ومنبع الوعى أيضا، وعندها حولوا قدسية فن الباليه الى شعبية حركة الإنسان فى حياته اليومية واستخدموا هذا فى التعبير عن مختلف أحاسيس البشر فى عروض راقصة فقط من الألف إلى الياء تختلف عن الباليه فى الموضوعات المتناولة وطريقة الحركة. أما المدرسة الألمانية فى المسرح الحركى أو المسرح الراقص – حسب تعريفنا للمصطلح – فقد سمحت باستخدام مشاهد درامية تعتمد على الكلمة وسط العرض.
والحقيقة أن الأستاذ محمود رضا قدم عدة أعمال راقصة من ثلاث فصول منها: وفاء النيل، رنة الخلخال، و فى التسعينات كانت له تجربة ثانية لما يمكن أن نسميه مسرح راقص تحت اسم : “ قلب فى الروبابيكيا “ قدمها لفرقة رضا أيضا، و لكننا نعتقد انه تأثر ليس فقط بالمسرح الراقص وإنما أيضا بـ“ الروك أوبرا“ أو الأوبرا الشعبية التى كانت منتشرة – وما زالت – فى المسرح الغربى، حيث تختلط فنون الغناء والموسيقى والاستعراض فى بوتقة عرض واحد، مُغنى وراقص من البداية إلى النهاية وكل هذه تجارب قدمها لنا محمود رضا ولم تكن مسبوقة فى مصر أو العالم العربى.
 إلى جانب ان الرجل كانت له مكانة مشهودة فى استخدام الإضاءة المسرحية وله أيضا الريادة فى استجلاب أحدث تقنياتها . فأول استعمال لجهاز (الفلاشر) كان فى فرقة رضا وفى مشهد من اجمل المشاهد تصميما و إخراجا فى عرض (على بابا) حين تدور المعركة بين دودة القطن والفلاحين، حيث استخدم رضا المسرح الاسود وإضاءة الألترا بالاضافة الى الفلاشر لينتج لنا معركة رائعة . ولذا لا عجب ان يضم كتابه (فى معبد الرقص) فصلا خاصا عن الاضاءة المسرحية وهو الكتاب الذى صدر فى وقت كانت المراجع عن الاضاءة باللغة العربية قليلة و نادرة .
واليوم ونحن نودعه كان لا بد أن نثبت له السبق فى ريادات عدة ولم يلتفت لها السادة النقاد .

عن موقع شهريار النجوم


عصام السيد