«المادة المظلمة» لا تغطي تكاليفها

«المادة المظلمة» لا تغطي تكاليفها

العدد 591 صدر بتاريخ 24ديسمبر2018

تساؤلات كثيرة يثيرها عرض مسرحية “مادة مظلمة جدا جدا جدا” التي تدور حول حياة أو أحد جوانب حياة الأديب الدنمركي هانز كريستيان أندرسون (1805 - 1875) التي تقدم حاليا على مسرح بريدج في لندن. وتم افتتاح المسرحية قبل أيام. ومن المحتمل ان تكون قد أغلقت أبوابها عندما يطالع القارئ العزيز هذه السطور. واهم التساؤلات تدور حول العلاقة بين جودة العمل المسرحي وبين الإقبال الجماهيري عليه. فنحن هنا أمام عمل مسرحي متميز يدور حول حياة الأديب الدنمركي العالمي الذي ترجمت أعماله ولا تزال تترجم إلى معظم لغات العالم لما تتميز به من ابتكار وسعة خيال تحقق المتعة لقارئها. ويعد أندرسون من العلامات المميزة في الأدب الدنمركي والأوروبي والعالمي حتى إن الحكومة الدنمركية كانت تدفع له راتبا سنويا تقديرا لأعماله لأكثر من عشرين عاما.
وهذا العمل المسرحي أشاد به النقاد حتى إن الناقد المسرحي للجارديان البريطانية المعروف بتشدده في نقد الأعمال المسرحية، أعطاه 4 نجوم في مقياسه المكون من خمس نجوم بعد أن شاهده في العرض الخاص. وفي الوقت نفسه كان الإقبال الجماهيري على العرض ضعيفا لم يغطِ الحد الأدنى من نفقاته وبات من المتوقع أن يغلق العرض أبوابه ما لم تزيد الإيرادات.
وهنا تتعدد التساؤلات: هل تقديم عمل يتناول سيرة أديب رحل منذ 150 عاما يناسب المسرح؟ أم أنه موضوع جاف لا يناسب المسرح كوسيلة تواصل وتفاعل مباشرة مع الجمهور؟
المهم الزاوية
الحقيقة كما يقول ناقد الجارديان إن أي موضوع قابل للتناول والمهم الزاوية التي يتم التناول بها. وهو يعتقد أن العمل المسرحي حقق المعادلة الصعبة وأنها معالجة بشكل يمكن أن يجذب جماهير المسرح. لكن الجماهير لم تقتنع بذلك بعد. وهو ينصح الفرقة التي تقدم المسرحية بالتحلي ببعض الصبر حتى يقبل الجمهور على العرض المسرحي بعد فترة يعتقد أنها لن تطول.
وأبسط عناصر الجودة في العمل أنه مقدم برؤية فكاهية يمكن أن يوحي بها اسم العرض برع فيها الممثل البريطاني المخضرم جيم برودبنت (69 عاما) الذي عاد إلى المسرح بعد انقطاع عدة سنوات انشغل خلالها بأعماله السنيمائية والتلفزيونية. وهذا الممثل يتمتع بطاقات لا حدود لها تمكن من إطلاقها في العرض الكاتب المسرحي مارتن ماكدون صاحب المعالجة المسرحية وماتيو دونسر مخرج العمل. وتعاون معه في إبراز فكرة العمل عدد من الممثلين الجيدين الذين أحسن المخرج اختيارهم مثل جونيتا ماي التي جسدت مارجوري الشخصية النسائية الثانية في المسرحية أو السيدة الفقيرة العجوز التي يقع أندرسون في حبها.
من هنا لم تكن المسرحية عرضا تقليديا لحياة الكاتب بل عرض لجانب بسيط مرح من حياة الأديب انتزع ضحكات من حضروا في العرض التجريبي بمن فيهم الناقد شخصيا.
اتهام مرفوض
ويرفض الناقد الاتهامات التي كالها للعمل المسرحي عدد من النقاد في الدنمرك وعدد من النقاد الإنجليز أنفسهم بأن هذا العمل أظهر الأديب الدنمركي العالمي في صورة شخص تافه أحمق يحب الدعاية لنفسه.
يقول إنها مجرد مسرحية فكاهية اعتمدت على شخصية تاريخية لإثارة الضحكات. ولو تحدثنا عن التاريخ والوقائع لوجدنا المؤرخين يقولون إن أندرسون رغم إبداعاته الأدبية لم يكن بالشخصية المثالية بل كان معروفا ببعض الحماقات فالعمل الفني إذن لم يجانب الصواب كثيرا.
وهذا الأمر ينطبق على مبدعين كثيرين لم يكونوا مثاليين في سلوكهم وطباعهم مثلما توحي أعمالهم. ومن هؤلاء الأدباء على سبيل المثال لا الحصر تشارلز ديكنز الذي كان معاصرا لأندرسون وصديقا له الذي زار لندن في حياته لمدة خمسة أسابيع. فقد كان فظ الطباع عكس ما توحي به أعماله.
عظم الركبة
وعلى مسرح آخر في مانشستر تم افتتاح مسرحية أخرى لها موضوع غريب بعض الشيء يعرض في إطار كوميدي. اسم المسرحية غريب بعض الشئ وهو بالإنجليزية The Kneebone Cadillac وتعني الكلمة عظم الركبة. إلا أنها لا تترجم لأن كني بون هو اسم رجل أعمال بريطاني راحل – حسب المسرحية. وعلى ذلك يترجم اسم المسرحية إلى «كاديلاك كني بون».
وتدور المسرحية حول رجل أعمال كون ثروة طائلة من تجارة الخردة. وعندما توفي ترك لابنته مادي سيارة كاديلاك من طراز قديم وترك مذكراته التي شرح فيها تجربته كوالد مع أبنائه ويوجه فيها بعض النصائح إلى أبنائه.
وتضمنت مذكراته وصية إلى أبنائه بالبحث عن كنز من الذهب كان يخفيه في ولاية أريزونا الأميركية على الجانب الآخر من الأطلنطي في أيام شبابه الأولى عندما كان يعيش في الولايات المتحدة. وتذهب الابنة بصحبة شقيقيها إلى أريزونا حيث تدور بعض المواقف الضاحكة والهزلية التي تميزت بحماقات إلى أن يعثر الأبناء على الكنز ويعودون إلى بريطانيا ويتمسكون بالسيارة القديمة.
مبالغة
يستمر العرض 95 دقيقة فقط. وقد نال استحسان النقاد ولم يأخذوا عليه سوى المبالغة في الديكورات التي أثرت على حرية الحركة لدى الممثلين خاصة وجود سيارة حقيقية في الديكورات. وقال البعض إن الديكور كان أقرب إلى الفوضوية بغير هدف محدد. وأخذ النقاد أيضا على العرض بعض العبارات الحادة التي لا تناسب طبيعة المسرح كأداة يتفاعل فيها الممثلون مع الجماهير بشكل مباشر.
رحيل نجم مسرحي
قد لا يعرف كثيرون من عشاق المسرح أن هناك حركة مسرحية نشطة في كندا حيث يوجد بها الكثير من الفرق القوية التي تقدم أعمالا مسرحية متميزة. لكن لا يشعر بها الكثيرون لأنها قليلا ما تقدم عروضها في الولايات المتحدة سواء في برودواي عاصمة المسرح أو في المدن الأخرى. وهذه الأيام يشعر الكثير من عشاق المسرح في كندا بالأسف لرحيل دوجلاس رين أحد رواد المسرح الكندي عن عمر يناهز 90 عاما.
أعلنت وفاته فرقة ستراتفورد فستيفال المسرحية الكندية على حسابها على موقع «تويتر». وقالت الفرقة إنها تنعي هذا الفنان الذي شارك في تأسيسها عام 1953 وكان المدير الفني لها لمدة 37 عاما حتى تقاعد بعد أن تقدمت به السن. وكان طوال هذه الفترة يشارك بالتمثيل والإخراج أيضا في عروض الفرقة. وقد ترك الإدارة فقط لكنه استمر في الإخراج والتمثيل. ولم تذكر الفرقة سبب وفاته.
فيفات ريجينا
وكالعادة مع الفرق المسرحية الكندية، لم تكن الفرقة تحت إدارته تقدم عروضها في الولايات المتحدة كثيرا. وفي المرات القليلة التي قدمت عروضها كانت تحقق نجاحا كبيرا. وفي عام 1972 رشحت مسرحية “فيفات.. فيفات ريجينا” التي قدمتها الفرقة على مسارح برودواي لجائزة توني المسرحية المرموقة. وكانت المسرحية من إخراجه وبطولته. وتم ترشيحه شخصيا لجائزة أحسن ممثل عن شخصية وليم سيسيل التي قام بتجسيدها.
وأدى نجاحه في عالم المسرح إلى تهافت مخرجي السنيما على التعاقد معه، يدفعهم إلى ذلك أداؤه المتميز وصوته المعبر. وكان أشهر أفلامه فيلم الخيال العلمي “2001 – ملحمة فضائية” الذي عرض في عام 1968 وحقق نجاحا كبيرا حتى إن إيراداته زادت عن ميزانيته أكثر من 15 ضعفا.
في هذا الفيلم جسد دوجلاس صوتيا فقط شخصية الحاسوب هال 900 وحقق نجاحا كبيرا. وبلغ من نجاحه أنه في العرض الأول للفيلم لفت النقاد الأنظار إلى طول مدة عرض الفيلم وهي 161 دقيقة. وعندما بدأ اختصار الفيلم تمت مراعاة ألا يشمل الحذف أي من فقرات الفيلم التي يظهر فيها هال 900 رغم أنه لم يكن من أبطال الفيلم. وتم في النهاية اختصار الفيلم إلى 142 دقيقة. وعندما قرر مخرج الفيلم ستانلي كوبريك إنتاج سلسلة من هذا الفيلم عام 1984 ولأكثر من عشر سنوات حرص على الاحتفاظ بشخصية هال 900 وأن يجسدها صوتيا دوجلاس رين.


ترجمة هشام عبد الرءوف