ضمن ندوات المهرجان العربي للمسرح الحسيني وحبيب والضبع يكشفون عن بدايات عمل المرأة في الفن

ضمن ندوات المهرجان العربي للمسرح الحسيني وحبيب والضبع يكشفون عن بدايات عمل المرأة في الفن

العدد 601 صدر بتاريخ 4مارس2019

حملت إحدى جلسات الندوة الفكرية لمهرجان المسرح العربي، الذي أقيم بالقاهرة مؤخرا، عنوان (جدلية الصوت النسوي والثقافة الذكورية) وتحدث فيها د. سامية حبيب، د. محمود الضبع، المؤلف إبراهيم الحسيني، ود. وفاء كمالو لإدارة الجلسة.
قدم إبراهيم الحسيني ورقته البحثية بعنوان (النسوية الغائبة في المسرح النسوي المصري) بادئا بعدة تساؤلات أولية وهي؛ هل جاءت اللحظة التي نتحدث فيها عن المسرح النسوي والآخر الذكوري؟ هل توجد هذه الفروق الواضحة بين إبداع المرأة والرجل؟ وهل يمكننا أن نصنف هذا بمعزل عن ذاك؟ أضاف: أسئلة كثيرة أخرى تتدافع عن النسوية سواء كانت إبداعا أو نقدا، كتابات تحررية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، نفسية.. هل تكتب المرأة نفسها أم تتجاوز شرطها كأنثى متناسية جسدها ونفسيتها كامرأة؟ ونظرتها لنفسها وللآخر؟
تابع: وعلى مر التاريخ هناك ميراث طويل من الأفكار والعادات والتقاليد والرؤى التي تنظر إلى المرأة بوصفها كيانا منقوصا عقليا ونفسيا ومهاراتيا، وأنها لا تصلح إلا لأشياء ووظائف معينة، هذا الميراث الطويل من القهر الفكري والنفسي تحول مع الزمن من كونه قهرا واضحا إلى نوع من العادات والتقاليد البديهية ولم يعد العامة ينشغلون بمناقشة ذلك، لأن الموضوع بدأ كما لو كان بديهيا، وإحدى دعائم الفهم داخل المجتمع والشكل التراثي له يقوم على ذلك، كما ساعدت الثقافة الذكورية التي هيمنت على المجتمع في بلورة ذلك الأمر، وساعدت على ترسيخ هذه النظرة؛ والمرأة لم تقاوم، بل استسلمت وتماهت داخل المجتمع الأبوي الذي يهمشها ويقلل من تفاعلها داخله وكأنها بذلك تشعر بالذنب من شيء ما وتكفر عن هذا الذنب، وبأنها الأضعف ولذا يجب عليها أن تجد ما يحميها من غابة الرجال؛ وأنها بحكم تكوينها لا تستطيع أن تفكر بمفردها، لذا فهي تحتاج لمن يفكر لها ويرتب لها الأشياء في حياتها.
واصل: وأما في الإبداع الأدبي بصفة عامة فلم تشكل المرأة ظهورا متميزا ولا وجهات نظر خاصة بها وكأنها اكتفت بالصورة التي يرسمها لها الرجل في أعماله ولم تقدم على تقديم إنتاج ملحمي، قصصي، روائي، شعري، مسرحي، تعبر به عن نفسها وتقدم عبره رؤيتها للعالم. وكانت صورة المرأة التي يقدمها الرجل تظهر في معظم الوقت كجسد مثير قادر على الغواية والفتنة، ولذا تقام الكثير من الصراعات والمؤامرات بين الرجال على ذلك الجسد أو تظهرها ككيان شرير يتجاوز أنوثته ورقته لتصبح صانعة الشر، ويعقد العمل الإبداعي حبكته بما فيها من مؤامرات وصراعات على ذلك.. ولكن هل المرأة قادرة على التعبير عن نفسها بقدر أكبر من الحرية والصدق مما لو عبر عنها الرجل؟ المرأة نفسها ترى في فعل الإبداع المجرد انتصارا لها على تبعيتها وعلى تاريخ وميراث القهر الذي تعرضت له. إنها تتصور أنها بإبداعها وبتحكمها الكامل في شروطه تضيف إلى صورتها لدى الرجل رصيدا جديدا.
أضاف الحسيني: هل لدينا ما يمكن أن نسميه “المسرح النسوي”؟ أتحفظ على ذلك، مرجع هذا التحفظ أن ما يعنينا في المقام الأول ونحن بصدد حالة مسرحية هو سؤال (هل هناك حالة إبداعية حقيقة أم لا؟)، (هل هناك مسرح أم لا؟)، وإذا ما اتفقنا على وجود هذه الظاهرة الفنية النسوية يمكن لنا بعدها الاتفاق أو الاختلاف على تأويلاتها المتعددة.
تابع: ومن داخل هذا الفهم يمكن لنا أن نقول إنه لا يوجد مسرح نسائي خالص سواء صنعت هذا المسرح سيدات، أو تحدث في قضاياهن. النوع الأول، سنقول إن هذا المسرح أبدعته نساء، وفي النوع الثاني سنقول إن هذا مسرح يتحدث عن النساء، وفي اعتقادي أن المناداة الأخيرة بوجود مسرح نسائي تماثل نزعة المطالبة بضرورة وجود رواية نسائية، شعر نسائي، سينما نسائية، وصولا إلى ما أثير قبل سنوات في بعض الصحف والقنوات الفضائية؛ بعد ارتداء النجمة حنان ترك ومن قبلها النجمة حلا شيحا للحجاب بما سموه بسينما المحجبات، ويمكننا أن نقول إن حضور المسرح النسائي في العالم كان له تأثير واضح على منطقة الشرق الأوسط، كما يوجد سمات عامة في الإخراج المسرحي النسوي؛ فكلهن يتدخلن في كتابة النص المسرحي سواء بكتابته من الأساس أو بالعمل على تعديله، أو بالقيام بإعداده سواء بالحذف أو بالإضافة؛ ومعظمهن ممثلات، ومن ثم يأتي الإخراج المسرحي بعد ذلك.
أضاف: ربما ما يدفعها إلى ذلك هو حب المرأة للظهور وإحساسها بنفسها، فهناك ميل للتفاصيل الأنثوية الخاصة، بالهموم الذاتية وفكرة القهر الذكوري أحيانا والقهر المجتمعي العام؛ وهناك ميل أكبر لوجود الغناء في عروضهن.
تابع: فكرة النسوية المطروحة في مجال المسرح غير محددة؛ فهل المقصود بها تلك الكتابات التي تقدمها المرأة؟ أم تلك الكتابات المعبرة عن حقيقة صورة المرأة ووضعيتها داخل مجتمع ما؟ وبناء على ذلك تبدأ الدراسات الأدبية والمسرحية تحديدا فهمها منذ البداية لفكرة النسوية. وعليه، تبني مساراتها البحثية بعد ذلك، كما أن المتابع للكتابات الإبداعية يلحظ وجود كتابات نسوية تتبنى قضايا المرأة التحررية وتتبنى قضايا المجتمع ككل.
فيما أوضحت د. سامية حبيب في ورقتها البحثية (المسرح في مصر: قراءة في مذاكرات وذكريات الرائدات في النصف الأول من القرن الـ20)، أوضحت أن المرحلة الأولى للمسرح في مصر بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر، عندما كان يعقوب صنوع يقدم مسرحياته على مسرح الأزبكية. أضافت: كان يكتب عن عمل الفنانات معه في مسرحه وهما (ليزاو ماتيلدا) بعد أن علمها بنفسه القراءة والكتابة والتمثيل في أقل من شهر ويقول «كان لظهورهما على المسرح رنة عظيمة، واستقبلهما الجمهور في المسرح بالتصفيق الشديد وحياهما تحية حارة مما دعاهما لمواصلة التمثيل وحفظ أدوار أطول وأهم.
واصلت: فرقة يوسف الخياط (عام 1879) تترك الإسكندرية وتأتي إلى القاهرة وتمثل في الأوبرا رواية، وخصص دخل هذه الليلة للممثلة الأولى بالفرقة، مع عدم ذكر أسباب هذا التخصيص: هل كانت الممثلة الأولى تمر بظروف خاصة تحتاج إلى المال أم كانت تشترط على الفرقة دخلا ماديا كبيرا أم غيرها من الأسباب؟
أضافت حبيب: تلك المعلومة تدل على مكانة مهمة للممثلة الأولى داخل الفرقة، وفي فرقة أبو خليل القباني هناك معلومة تقول إن: في فبراير 1890 ذهبت الفرقة لتقديم عروضها في المنيا بعد أن ضمت إلى أعضاء الفرقة الممثلتين الشقيقتين مريم ولبيبة سماط. أشارت إلى أن اسم مريم سماط سوف يستمر معنا لمدة خميس سنوات من ذلك التاريخ؛ حيث تصفها المراجع بأنها من أولى الممثلات التي ظهرن على المسرح، فكانت جميلة رشيقة القوام قوية الصوت سليمة العبارة، اضطلعت بأدوار البطولة في أغلب روايات الشيخ سلامة حجازي، وقد استمر عملها حتى ساهمت في وجود أول فرقة على يد ممثل درس المسرح في الأوبرا، وهو جورج أبيض.
علقت حبيب: ربما لهذا تعود الضجة التي صاحبت ظهور منيرة المهدية ومنحها لقب أول ممثلة مصرية عام 1915، حينما طالع أهل القاهرة الإعلانات تغطي شوارعها عن ظهور أول ممثلة مصرية وكانت تلك الممثلة هي منيرة المهدية التي لم تبدأ العمل في المسرح بأدوار نساء، بل جاءت لتحل محل المطرب الشهير الشيخ سلامة حجازي بعد مرضه وتقاعده عن التمثيل والغناء؛ حيث قامت منيرة المهدية بتمثيل وغناء أدوار الشيخ سلامة حجازي لمدة عامين كاملين.
تابعت حبيب: المسرح لا ينفصل عن السياسة؛ فقد ظهر ذلك أثناء الأحداث الكبرى (الثورات والحروب). أشارت إلى أن في مذكرات الرائدات تسجيلا لبعض المواقف السياسية مثل مظاهرة فنانِي المسرح من أجل الإفراج على المناضل سعد زغلول عند اعتقال الاحتلال الإنجليزي له، فتحكي روزا اليوسف عن هذا الحدث، ومن المعروف تاريخيا أن الفرقة القومية أول فرقة حكومية جادة أنشأت عام 1935 كثمرة لجهد هؤلاء الرواد والرائدات.
أضافت: وتورد فاطمة رشدي بعض الفوائد التي عادت على الفن من منافسة فرقتها مع فرقة رمسيس، ومن ذلك: اهتمام الحكومة بالتمثيل ورصده إعانات مادية للفرق مما خلق وعيا فنيا بين أبناء الشعب، وأيضا انتشار الصحافة الفنية وتعدد أقلام النقاد، وإقبال المثقفين المصريين على تأليف الروايات المسرحية.
وأوضحت حبيب أن نتائج البحث كانت كالآتي: بدأ المسرح في مصر عبر الفرق الخاصة والكيانات الأهلية التي لم تعتمد على مخطط فني واضح أو منظم، وتراوح العمل بين النحاج والفشل، وبمرور الزمن زادت الخبرات وتطور العمل المسرحي. وأن بعض الفنانات بدأن العمل بالمسرح بتشجيع من أصدقاء عائلاتها؛ وخصوصا مريم سماط التي شجعها والدها بعد إقناع صديقه إسكندر فرح له، والبعض الآخر بدأن بقرار شخصي وبتحفيز فنان له تجربة مثل فاطمة رشدي، وسيد درويش، ومثل روزا اليوسف، وعزيز عيد، وكذلك زينب صدقي، ويوسف وهبي، وأمينة رزق التي تشجعت من رفقة خالتها الفنانة أمينة محمد. إن أكثر الأدوار التي مثلتها الرائدات في البدايات كانت في مسرحيات أجنبية شهيرة مترجمة؛ ويعود تمثيل نصوص أجنبية بالطبع إلى قلة النصوص العربية حينها، وإلى رغبة بعضهن مثل فاطمة رشدي في تقليد كبار فنانات عصرها “سارة برنار”، كذلك كانت الفنانات صاحبات قرار وقد انسحبن من الفرق التي لم تتفق آراؤهن فيها مع المخرج، أو صاحب الفرقة، مثل انسحاب روزا اليوسف من فرقة رمسيس وعكاشة، وأيضا انسحاب فاطمة رشدي وعزيز عيد من فرقة رمسيس، كما تركت مريم سماط فرقة سلامة حجازي.
أما د. محمود الضبع فحملت ورقته البحثية عنوان «الوعي والوعي المضاد: البدايات الأولى لتشكيل هوية المرأة في المسرح المصري» التي أشار فيها إلى أن هناك فترة زمنية مبهمة في بدايات القرن التاسع عشر في ثقافتنا العربية، وأن الجهود التي بذلت فيها ربما ليست معرفة لدى الكثير من المتخصصين حتى لحظتنا الحالية. أضاف الضبع: وعلى الرغم من هذا الظلام فإن الصحافة والدوريات بدأت منذ عام 1813م، وأكد على أنه حتى نهاية هذا القرن وفي عام 1899م كان هناك 170 صحيفة ودورية تصدر في أركان الوطن العربي (الشام، مصر، المغرب، العراق، تونس).
وقام الضبع بتوضيح الفرق بين مصطلحي “النسوية” و”النسائي”، فقال المصطلح الأول “النسوية” يعني تبني قضايا المرأة الخاصة بالفقر والتعليم والصحة والوعي؛ حتى لو قدمت من قبل الرجل، فبديع خيري تبنى قضايا المرأة وهو نسوي وليس نسائيا، أما «النسائية» فهي الكتابة التي تكتبها المرأة، حتى لو كانت تكتب في قضايا عامة وليست تخصها فقط. كما ذكر مشاركة المرأة في الحياة الأدبية والفنية في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، ومنها صدور المجلات النسائية عام 1892، وتعدد المجلات النسائية في عام 1908م لتصدر ثلاث عشرة مجلة، بدأت بمجلة “الفتاة” لهند نوفل، ثم “مرآة الحسناء” لريم مزهر، ومجلة “المرأة” لأنيسة عطالله. أوضح الضبع أن من الأسباب التي ساعدت على ظهور هذه المجلات حركة تعليم الفتيات الأغنياء في المنازل لإدارة شؤون الوالد الثري، ودخول المدارس التبشيرية مصر.
وكشف الضبع أن أول رواية عربية هي “غادة الزهراء” لزينب فواز وصدرت عام 1899م وليست «زينب» تأليف محمد حسين هيكل التي كتبها عام 1914م.
تابع الضبع تحت عنوان “وعي المرأة والوعي بها”: كانت المرأة مظلومة أو تقع تحت ظلم في هذه الفترة، وأنه يجب التفرقة بين المرأة التي لم تَنل حظها من التعليم، والمرأة المتعلمة التي استطاعت الوصول لمناصب مرموقة وكان لها رأي وفكر كـ”لبيبة هاشم” المعارضة السياسية التي كانت ستسجن بسب آرائها المعارضة، وكان منهن عائدات من باريس ودول أوروبية أخرى ومثقفات ومتابعات للموضة الأوروبية ومنفتحات على العالم الغربي. كما أشار الضبع إلى “الزهرة” وهي شخصية امرأة كانت تكتب أسبوعيا لمجلة
“الرسالة” منذ تأسيسها حتى الخمسينات من القرن العشرين، ما بين نصوص قصصية أو مسرحية أو روائية، مشيرا إلى أن هذه النصوص قدمت صورة عن المرأة ولها، ولم تعرف من هي “الزهراء” حتى يومنا هذا.
 

 


شيماء سعيد