«الحكاية روح» ليس عرضا مسرحيا فحسب لكنه رسالة إنسانية

«الحكاية روح» ليس عرضا مسرحيا فحسب لكنه رسالة إنسانية

العدد 591 صدر بتاريخ 24ديسمبر2018

في سبعينات القرن الماضي حدثت في اليابان قصة أيقظت اليابان حكومة وشعبا حيث خرجت سيدة فاقدة للبصر بمفردها من منزلها متجهة إلى محطة القطار لتستقله، وكانت معها العصا الخاصة بها، وعندما دخلت المحطة انزلقت قدمها فوقعت على شريط السكة الحديد فصدمها قطار وتوفت في الحال. ثار الشعب الياباني من أجلها، وقدمت الحكومة استقالتها، وتشكلت حكومة جديدة بدأت بوضع خطة فورية متكاملة وعاجلة لذوي الاحتياجات الخاصة وليس فاقدي البصر فحسب، وتم تعديل جميع الشوارع، ومداخل محطات القطارات، وتخصيص حارات وطرق خاصة وعلامات وإشارات مرور تُصدر أصواتا لعبور ذوي الاحتياجات الخاصة وذلك في جميع أنحاء اليابان، وعندما تذهب إلى اليابان اليوم تجد كل طريق مجهزا لهؤلاء مكتوب عليه عبارة (تخليدا لمن أيقظت ضمير الشعب الياباني).
لم نكن بحاجة لحادثة مثل هذه كي نبدأ في الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، فقد أعلن الرئيس السيسي أن عام 2018، هو عام ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد بدأنا المشوار بالفنون، حيث إنشاء فرق وإقامة ملتقيات منها ملتقى أولادنا الدولي لفنون ذوي القدرات الخاصة الذي ترأسه السيدة سهير عبد القادر، من أهم الفرق الفنية التي أنشأت لهذا الغرض فرقة مسرح الشمس برئاسة الفنانة وفاء الحكيم، التي تقدم حاليا العرض المسرحي «الحكاية روح».
الحكاية ليست ذراعا أو قدما بل قدرة، ولم تكن بصرا بل بصيرة، بالإرادة وحدها يستطيع الإنسان أن يتغلب على صعوبات الحياة، فالحكاية ليست الجسد لكنها الروح التي تسكن الجسد، هذه هي الرسالة الرئيسية التي يتناولها العرض المسرحي «الحكاية روح» لفرقة الشمس برئاسة الفنانة وفاء الحكيم بالحديقة الدولية. تأليف وأشعار مصطفى زيكو، إخراج محمد متولي، بطولة رحمة، إيناس نور، وائل أبو السعود، ماهر محمود، ألحان أحمد الناصر، استعراضات شريف فؤاد، ديكور محمد هاشم، إضاءة عز حلمي، ويتناول مسيرة ثلاثة من أعلام الفن والثقافة، هم: عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والموسيقيان الكبيران عمار الشريعي وسيد مكاوي، الذين استطاعوا التغلب على فقد البصر وأن يصلوا لأشياء لم يستطع المبصرون الوصول إليها، وأصبحوا من العلامات الهامة في تاريخ مصر، وذلك من خلال شخصية شمس التي تجسدها «رحمة» الكسولة والتي تكره الذهاب للمدرسة فتظهر لها الملاك التي تصطحبها في رحلة تقابل فيها هذه الشخصيات عمار الشريعي وطه حسين وسيد مكاوي، وتتعلم منهم دروسا تجعلها تحب المدرسة وتحرص على الذهاب إليها من دون مباشرة، المسرحية غنائية استعراضية وبها كل أشكال المتعة البصرية والمحببة للأطفال من أراجوز وخيال ظل وموسيقى وملابس وغيره.
رسالة العرض تتجاوز بكثير التعامل مع فقد عضو أو حاسة، فهو يعمل أولا على تكوين قيم إيجابية مجتمعية تجاه المعاقين وتشجيع الأطفال على التحدي وقهر الظروف الصعبة، كما أنه من خلال الاستعانة بذوي إعاقات ذهنية، التي أثبتت التجربة أنهم ذوو قدرات خاصة، فالموضوع ليس مجرد عرض مسرحي لكنه رسالة إنسانية بالدرجة الأولى وتتطلب الكثير من القائمين عليها منها دراسة السيكودراما والتوحد والعمل بآليات جديدة ومختلفة، لذا يجب الإشادة بالدور الكبير الذي بذله المخرج ليخرج لنا هذا العمل الذي نراه بعد اكتماله من دون أن نعلم شيئا عن هذا الجهد، فقد يتطلب التعامل مع هذه الفئة إلى قدرات خاصة منها أن يتحول المخرج لطبيب نفسي، ففي المسرح يستطيع ذوو الاحتياجات الخاصة التعبير عن أنفسهم وهذا هو الدور الحقيقي والهام للفن وخصوصا المسرح الذي يؤهلهم للتعامل والاندماج داخل المجتمع والاحتكاك بأفراده، وعدم الشعور بالاغتراب وبالتالي الانعزال.
فالتعامل مع هذه الفئة لم يكن بالطريقة نفسها الذي يتم التعامل بها مع الأصحاء، فهم لم يتقبلوا التعليمات بنفس الدرجة والسهولة التي يتلقاها الأصحاء، ويتطلب ذلك مهارات خاصة لا بد أن يتدرب عليها المخرج، وكذلك إدارة الفرقة المتمثلة في الفنانة وفاء الحكيم وفريق العمل الذي يعمل معها.
الحقيقة من الصعوبة التعامل مع هذا العرض بنفس الآلية التي نتناول بها العروض المسرحية العادية، فالموضوع كما سبق وأشرت إنساني وعلاجي ليس للمشاركين فيه فحسب بل للمتلقين أيضا من ذوي القدرات الخاصة، فقد سمعت من الفنانة وفاء الحكيم عن الطفلة غير القادرة على الكلام وتشارك في الاستعراضات، التي فاجأت الجميع أثناء تحية الجمهور بنطق اسمها.
كذلك «رحمة» بطلة العرض التي نراها طفلة طبيعية تتمتع بأداء يتميز بالبساطة والتلقائية والبراءة، وكأنها ممثلة محترفة، تمارس التمثيل منذ زمن، طبعا هذا إن دل على شيء فيدل على مدى قدرة المخرج والفنانين المحترفين الذين يشاركون في العرض، الفنانين يوسف أبو زيد، وائل أبو السعود، ماهر محمود، إيناس نور.


نور الهدى عبد المنعم