ديك.. صرخة رجل يبوح باللعنة على مشعلو الحروب

ديك.. صرخة رجل يبوح باللعنة على مشعلو الحروب

العدد 789 صدر بتاريخ 10أكتوبر2022

في إطار الدورة الخامسة من مهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما قدمت فرقة تراتيل المسرح والفنون من المملكة الأردنية الهاشمية العرض المسرحي ديك تأليف وإخراج وتمثيل وديكور وملابس الفنان أياد الريموني وتدور الفكرة الرئيسية للعرض عن مأساة رجل يعيش تحت وطأة الاحتلال، وقدم لنا العرض قصة الرجل وهو يجتر ذكرياته، ويتذكر أنه كان يعيش سعيداُ في قريته ولكن تبدل الحال، وتدور الأحداث حول عذبات هذا الرجل الذي وقع تحت وطأة الاحتلال، وسيطرة المحتل الغاصب على بلاده، فالمستعمر ينظر إليه نظرة دونية ويلقبه بالمغفل وأذله وتلذذ بتعذيبه، وأعتبره أول شخص أجريت عليه تجارب التعذيب الحديثة، فهذا الرجل ليس  له أي حق في الحياة  ويذكره المحتل بأن «من يتجرأ على المطالبة بحقوق لم نقدرها له جزاؤه الموت أو السجن والعذاب الأليم» فيقرر الرجل أن يكون حراً وليس عبداً وبالتالي يقرر مقاومة المحتل ويقول «ما أقبحك أيتها الحرب، نهايتك بمسير أقدام الشرفاء» ثم يصيح بأعلي صوت بأنه لن يخلع حذاء الحرب .
وعند قراءتنا للنص الدرامي فالعنوان هو عتبة النص فعل الرغم من مأساوية النص الممتلئة بالظلمة إلا أن العنوان يحمل بشائر الأمل وظهور شعاع من النور فالديك يصيح معلنا عن ميلاد فجر جديد، فالرجل ينتظر الخلاص من العبودية والذل، فربما يأتي هذا الفجر المفعم بالأمل بالخلاص من المغتصب الغاشم، ولم يكتب المؤلف أي أسم صريح لشخصية بطل عمله أو الشخصيات التي ذكرت على لسانه بل ذكر أن بطل عمله رجل وأن له صديق، وتعلم على يد المعلم، وكانت شكواه للحكيم، وهدد المغتصب أمرأة، وخاطب زوجته بأم الجنين.. وهكذا مما يعبر عن أن الحكاية تحدث في أي زمان أو مكان، وفي وصفه المكان قال «حجرة، سرير في منتصف أعلى المسرح، وسط السرير قطعة حديدية مربعة كبيرة مغطاه بالكامل بقطعة قماش، جانب السرير وعاء حديدي متوسط مملوء بالماء .. برميل الأول يمين منتصف المسرح، الثاني يساره، سلم حديد طويل في منتصف المسرح، مكنسة في يمين مقدمة المسرح، مجرفة في مقدمة يساره، سقف المسرح مملوء بالشواهد المعلقة كدليل على القبور، رجل جالس على دلو فارغ وسط مقدمة المسرح يبدو عليه الإجهاد (...)”
عند دخولنا صالة العرض وجدنا العديد من الأحذية تملأ الفراغ المسرحي تتدلي من سقف المسرح (السوفيتا)، فكل فردة مربوطة في خيط وتتدلي من أعلى لأسفل وعند بداية العرض قام الممثل إياد الريموني بضرب الأحذية بيده حتى تتحرك كبندول الساعة في إشارة على الماضي والحاضر ودوران الزمن «دعه يتطهر بصيص النور الذي تخافه ليروي لنا خفايا الماضي بقسوته والحاضر بجبروته والمستقبل بظلامه»، ونجده لحظات الاستذكار يضرب حذاء بقوة فيدل على أنه العدو أو يداعب حذاء فيشير إلى الصديق أو المعلم أو الحكيم (وهم من أهالي القرية وعاش الرجل بينهم) أو يشير الحذاء إلى المستعمر فكلها أحذية ويرتديها كل البشر، لكن يشير على هذه الأحذية والتي ارتداها الإنسان كي يمشي بها على الأرض، فهناك نوعان من البشر إنسان مسالم وآخر عدواني، فكانت هذه الأحذية تعبر عن شخصيات ماتت ودفنت في القبور. وقد وضع في الفراغ المسرحي  أثنين من السلام الخشبية ذات الارتفاع المتوسط يمين ويسار وسط المسرح، وكرسي بعجل مبطن بالجلد ومقشة وقد أستخدم الكرسي للتعبير عن أشياء كثيرة منها: المرأة في ليلة زفافها فاختار كرسي جديد يلمع حيث تتجمل المرأة في ليله العرس، وأم الجنين (المرأة أثناء الولادة) فقد قلب الكرسي واستخدمه كسرير، كما عبر عن المستعمر المغتصب ويطلب منه الرجل صاحب الوطن أن يطلق صراحه ويكف عن تعذيبه بعد أن طلب منه المستعمر أن يقلد صوت الحمار (قلد لي صوت الحمار وهو يغني .. إياك والرفس وإلا طلبت من بقى في الحظيرة إلى هنا)، ويكرر طلبه بعد أن طلب منه تقليد القرد، ومرة ثالثة عندما طلب منه تقليد البطريق (وقد اجتهد إياد الريموني وتميز في إصدار صوت الحمار أو تقليد القرد أو البطريق)، كما عبر الكرسي أيضاً عن الرجل صاحب الوطن المقهور والذي تلذذ المغتصب في تعذيبه ببشاعة وجسدت أفكار المستعمر في التعذيب فوضع الكرسي في وضع مقلوب وأستخدم يد المقشة ليعبر بها على أنها خازوق بوضعها على الكرسي المفترض أنه يمثل الرجل، أما عن عدد أثنين من السلالم فصعد عليها وكان يناجي الصديق ناحية اليسار (قتلك الفراق لا رصاص الحرب.. أردت إلباسك الأبيض لأول مرة في حياتك وأنت من عشاق السواد .. أخبروني أن من تسال دماءه في الحرب يدفنون كما هم .. تذكرت قولك يوماً أن وجودنا في هذه الدنيا كأوراق الخريف) واتجه للمعلم ناحية اليمين (عذراً أيها المعلم فحروفك الأبجدية أصبحت لا تستعمل إلا للرثاء وعند الانتصار مرة بعد كل ألف للهجاء) ويناجي الحكيم بوقفه في منتصف وسط المسرح على أصابع قدميه ويقول «أطلعني على سر النجاة أيها الحكيم أجب  أرح قلبي، كيف لنا أن نتجنب الدمار؟ لا تخف .. من كانت سمعتهم البطش لربما أصبحوا كحالك الآن. ونستطيع القول بأن إياد الريموني المخرج انتصر على نفسه كمؤلف حيث أن المونودراما شكل من أشكال المسرح التجريبي وهذا ما شاهدناه بفكرة استبدال المكان الذي تم وصفه في النص الدرامي بالمكان الذي نفذه في العرض المسرحي، فالرجل  الذي يعيش في المكان الذي وصفه في النص الدرامي يعتبر من وجهة نظرنا رجل منغلق على نفسه يعيش في منزل يأويه ويجتر ذكريات الماضي، أما مكان نص العرض نستطيع القول أن هذا الرجل بلا مأوى يعيش في العراء ليس لديه مكان يعيش فيه فلم يجد إلا المقابر للعيش فيها ويجتر ذكرياته مع الموتى والتحدث معهم، فما زال المستعمر المغتصب يعيش في بلاده والذي يختار من بينهم أقواهم ليخلق منه رجل متسلطا عليهم، فقرر الرجل المقاومة وأنه لن يخلع حذاء الحرب .
وعن الملابس ارتدى إياد الريموني في الجزء الأسفل شورت جينز وهاف بوت في قدمه وهو يعبر عن رجل هذا الزمان، أما الجزء العلوي ارتدى قطعة من القماش تشبه الريش ومفتوح من الصدر إلى أسفل البطن وارتدى بالكوع ما يشبه الريش أيضا معبراً به عن عنوان النص في إشارة إلى الديك، ثم استخدام قطعة القماش التي تغطي الجزء الأعلى لتدل على خوذة أحد أفراد جيش المستعمر ويصبح الرجل عاري الجسد في إشارة إلي وضعه المأسوي. 
وكانت الموسيقى والمؤثرات الصوتية متناغمة مع العرض ففي بداية العرض استخدام الدف مع الناي التعبير عن الألم والحزن الذي يعيشه الإنسان تحت وطأة الحرب وتعذيب المستعمر له، كما عزفت موسيقى شبه حزينة باستخدام الجيتار والدف على الرغم من الموقف السعيد الذي يتذكر فيه الرجل حبيبته وأن الطيور تغرد وتعزف بصوتها أنشودة الحياة ولكن الواقع أن حبيبته ماتت، وعندما تحدث عن الأم التي تسقي الأطفال اللبن وكل هذا الحب دون مقابل لكنه مغلف بالحزن، وكانت المؤثرات الصوتية تعبر عن بعض المواقف منها: صوت البوم المعبر عن الشؤم والسواد، وصوت الخطوات المنتظمة دلالة على قدوم جنود المستعمر إلى قريه الرجل وانتشارها والسير في كل مكان وفي أي وقت، وصوت الديك يدل على بزوغ فجر جديد وقد مزج صوت صياحه بصوت قدوم طفلا رضيع ويعني ذلك أنه يوجد بصيص من الأمل بولادة شخص سيصبح رجل في المستقبل ويطرد المستعمر وينتصر ويحرر بلاده.
أما الإضاءة (أبوبكر الشريف) كانت عبارة عن بؤر ضوئية فكان اللون البرتقالي للتركيز على إضاءة وجهة الممثل لإيضاح تعبيرات وجهة المختلفة، كما كان التركيز على إضاءة منطقة الفعل المسرحي بشكل عام لكنها في بعض الأحيان كانت تضاء بشكل غير تام بمعنى أن بها جزء معتم وذلك مقصوداً لعدم وضوح الرؤية طبقا لطبيعة الموقف الدرامي، وبشكل عام تعتمد المونودراما على  هذا النوع من الإضاءة (البؤر الضوئية) كنا تم تسليط الإضاءة على الأحذية حتي لو كانت خافتة في دلالة على موت من كان يرتديها فتم استخدام اللون الأزرق لتحقيق هذه الرؤية.
اهتم إياد الريموني بالإيقاع وهو ما يميز هذه النوعية من العروض وتم التركيز عليه، فمن الممكن أن نشاهد عرض لا يتفق مع ذائقتنا الجمالية ولكننا ننجذب إليه من قوة الإيقاع وحركة الممثل وتشابك عناصر العرض، وعلى عكس ذلك نشاهد عرض نتفق معه حيث أنه معبراً عن ذائقتنا الجمالية ولكن عناصر العرض مفككة والإيقاع مترهل ويصل الأمر إلى أن يترك المتلقي قاعة العرض .
التحية واجبة لصانع هذا العرض إياد الريموني الذي قال في تحيته للجمهور أنه يقدم هذا العرض لأول مرة في الدورة الخامسة لمهرجان أيام القاهرة للمونودراما وشكر إدارة المهرجان.


جمال الفيشاوي