بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (12) الرعاية الملكية

بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (12) الرعاية الملكية

العدد 729 صدر بتاريخ 16أغسطس2021

مما سبق نشره في المقالات السابقة، أقول: إن علاقة جمعية أنصار التمثيل والسينما بالملك فاروق ازدادت ترابطاً في هذه الفترة، وتمثل هذا في إقامة الجمعية لحفلة سمر في مقرّها بمناسبة عيد ميلاد سموه في فبراير 1937، دعت إليها كثيراً من الأدباء والصحفيين وبعض الممثلين والممثلات، وألقى سليمان نجيب كلمة – نشرتها له جريدة «البلاغ» - قال فيها: «تحتفل الأمة المصرية في هذا اليوم السعيد بعيد ميلاد جلالة مليكنا المعظم فاروق الأول. وفي هذا اليوم الذي يهتز فيه الشعب طرباً من الإسكندرية إلى أسوان تشارك جمعية أنصار التمثيل الأمة في سرورها بهذا العيد وهي لم تدع إلا أصدقاءها المنتمين لها. لهذا نشعر أننا محوطون بجو كله إخلاص وكله وفاء لصاحب الجلالة الملك «.
وفي هذا الاحتفال ألقى عبد الوارث عسر زجلاً طريفاً عن هذا اليوم السعيد، وألقى عبد القادر المسيري كلمة طريفة عن مزايا هذا اليوم المبارك، وألقى محمد كامل عضو الجمعية منولوج تحية سوداني لجلالة الملك فاروق. وقد أحضرت الجمعية تخت طرب مؤلف من أشهر الموسيقيات فأنشدن نشيد جلالة الملك الذي أُلف خصيصاً لهذه الحفلة، ثم أطربت الحضور بعض المطربات إلى ساعة متأخرة من الليل. ثم انتهت الحفلة بالسلام الملكي وخرج الجميع وهم يدعون بطول حياة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول. وقد أرسل عبد الوارث عسر باسم الجمعية إلى صاحب السعادة أحمد حسنين باشا رائد جلالة الملك البرقية الآتية: «أنصار التمثيل والسينما المحتفلون الليلة ابتهاجاً بميلاد مولانا صاحب الجلالة يلتمسون من سعادتكم رفع أسمى عبارات ولائهم وابتهاجهم». فجاء الرد في برقية، هذا نصها: «حضرة المحترم عبد الوارث عسر أفندي سكرتير جمعية أنصار التمثيل والسينما: رفعت إلى المسامع العلية الملكية تهانيكم بمناسبة عيد ميلاد جلالته السعيد فنالت حسن القبول وأني أتشرف بإبلاغ ذلك إلى حضرتكم وحضرات الأعضاء مع الشكر السامي. [توقيع] «كبير الأمناء»».
وبعد خمسة أشهر وتحديداً في نهاية يوليو 1937، شاركت الجمعية في مظاهر الاحتفال بتتويج الملك فاروق – بعد بلوغه سن الرشد ليكون ملكاً على مصر دون الاستعانة بمجلس الوصاية – لذلك «أرسلت محافظة العاصمة كتاباً إلى جمعية أنصار التمثيل والسينما تطلب فيه أسماء الذين سيشتركون في تلك الحفلة التي ستقيمها الجمعية في القصر الملكي أيام حفلات التتويج. وقد ألف الأستاذان عبد الوارث عسر وسليمان نجيب رواية خاصة بالتتويج ستعرضها الجمعية في تلك الحفلة». وقالت جريدة «الجهاد» يوم 7/8/1937 تحت عنوان «الفنانون يهنئون جلالة الملك»: «أرسلت جمعية أنصار التمثيل والسينما التلغراف الآتي إلى حضرة صاحب المعالي كبير الأمناء: حضرة صاحب المعالي كبير الأمناء بسراي عابدين، جمعية أنصار التمثيل والسينما المجتمعة الليلة بكامل هيئتها احتفالاً بمباشرة مولانا صاحب الجلالة فاروق الأول – أيده الله – سلطته الدستورية نلتمس أن تتفضلوا معاليكم برفع ولائها الصادق وأملها الباسم وعبوديتها الخاضعة [توقيع] «السكرتير عبد الوارث عسر». فجاءها الرد التالي من حضرة صاحب المعالي كبير الأمناء: حضرة المحترم عبد الوارث عسر أفندي سكرتير جمعية أنصار التمثيل والسينما: أتشرف بإبلاغ حضرتكم وحضرات أعضاء الجمعية الشكر السامي على تهانيكم وما أعربتم عنه من الولاء والإخلاص بمناسبة مباشرة حضرة صاحب الجلالة مولانا المعظم سلطته الدستورية [توقيع] «كبير الأمناء»».
وفي نوفمبر 1937 – كما نشرت المجلات والصحف - أقامت جمعية المواساة الإسلامية حفلتها السنوية في مسرح الهمبرا بالإسكندرية، وهي الحفلة التي حضرها الملك فاروق، لذلك أحيتها جمعية أنصار التمثيل والسينما بعرض مسرحية «المشكلة الكبرى» من إخراج السيد بدير، وتمثيل: سليمان نجيب، توفيق المردنلي، حنا وهبي، عبد الوارث عسر، أمين وهبة، فاطمة رشدي، نجمة إبراهيم، روحية خالد، ماري كفوري، الآنسة إيزابيل. وفي نهاية الحفلة سمح الملك للممثلين «بالمثول بين يديه الكريمتين فذهبوا جميعاً وحظوا بشرف مصافحته لهم. وقد وجه إليهم الكلام قائلاً: برافو، برافو، حقيقة لقد تعبتم الليلة جميعاً، أنا متشكر جداً. وعندما صافح جلالته الأستاذ توفيق المردنلي قال له: والله أن النصائح التي نصحتها لابنة أخيك الليلة لم أسمعها ولا من أستاذي الخاص. ولما صافح جلالته الأستاذ عبد الوارث عسر قال صاحب السمو عمر طوسون: يا مولاي هذا الأستاذ الحقيقي، فقال جلالته موجهاً كلامه إلى الأستاذ عبد الوارث: أما أنت فتصلح لأن تكون معلماً لمعلمي. وعندما استأذن الأستاذ سليمان نجيب في انصراف الممثلين قال جلالته: إن شاء الله سأراكم في العام القادم ناجحين متفوقين إن عشت».
وبعد شهر واحد – وتحديداً في منتصف ديسمبر 1937 – قام الملك بدعوة جمعية أعضاء التمثيل والسينما لإحياء حفلة تمثيلية في قصر عابدين بمناسبة دعوته لأعضاء المؤتمر الدولي للرمد إلى حفلة ساهرة في سراي عابدين، وفي حضور أصحاب الدولة والمعالي الوزراء. وفي هذه الحفلة مثّل أعضاء الجمعية مسرحية «عزة بنت الخليفة» لإبراهيم رمزي. وقام بتمثيلها: سليمان نجيب، ومحمد عبد القدوس، وتوفيق المردنلي، وعبد الوارث عسر، وعبد القادر المسيري، وداود عصمت، وفاطمة رشدي، وسرينا إبراهيم. وتحدثت الصحف عن مسرح القصر، قائلة: «إنه مشيد على أحدث طراز، وبه آلة حديثة للإضاءة جلبت أخيراً من ألمانيا وليس لها مثيل في مصر حتى ولا في الأوبرا. ومن خصائصها أن أي عامل من عمال المسرح يستطيع بواسطتها أن يضيء المسرح تدريجاً وأن يطفئه كذلك تدريجاً، وهي ميزة كبيرة يقدرها المشتغلون بالشئون الفنية. فكم من المناظر تقتضي في أثناء التمثيل أن يدخل المساء تدريجاً. أو أن يبزغ الفجر طبيعياً فيزداد الضوء شيئاً فشيئاً إلى أن تطلع الشمس فتنبلج أشعتها وتملأ الكون نوراً».
الاستعداد لليوبيل
في أواخر ديسمبر 1935 أشارت جريدة «البلاغ» أن جهود جمعية أنصار التمثيل بدأت عام 1911، وقالت إن «توفيق المردنلي» ألقى - قبل عرض مسرحية «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» - «خطبة عن تاريخ جمعية أنصار التمثيل منذ أن أنشئت في سنة 1911 حتى الآن ثم عن جهودها طول هذه السنوات لخدمة المسرح المصري تأليفاً وتمثيلاً ثم لخدمة فن السينما في مصر أيضاً». وفي عدد آخر قالت الجريدة نفسها وتحت عنوان «العيد الفضي»: «يبلغ عمر جمعية أنصار التمثيل والسينما 25 سنة في مايو من العام القادم إذ أنها تألفت في شهر مايو سنة 1911، ولهذا ستحتفل بهذا العيد الفضي احتفالاً كبيراً في دار الأوبرا الملكية وينتظر أن يكون هذا الاحتفال في شهر إبريل القادم».
وبالرغم من مصداقية الجريدة، ومصداقية «توفيق المردنلي» بوصفه من أعضاء الجمعية القدامى، فإن عام 1911 بوصفه عام التأسيس غير صحيح! لأن الجمعية تأسست عام 1913 - كما مرّ بنا - وموعد اليوبيل الفضي هو عام 1938. ومن المحتمل أن الأعضاء المؤسسين للجمعية جاءتهم الفكرة، أو فكروا في الجمعية عام 1911، وظلت الفكرة تراودهم حتى تم تحقيقها عام 1913. وهذا الأمر مرّ علينا فيما قبل، عندما تحدثنا عن أن «إبراهيم رمزي» و«حسين فتوح» هما أول من فكرا في تكوين هذه الجمعية، قبل «محمد عبد الرحيم»!! وبناءً على هذا التفسير، احتفلت الجمعية في دار الأوبرا الملكية بيوبيلها الفضي في يناير 1938، وتمثلت مظاهر الاحتفال – التي ظلت قائمة ومؤثرة في الصحف عدة أشهر - فيما يلي:
تمّ الاتفاق على أن يكون الاحتفال في الأوبرا الملكية من خلال تخليد ذكرى أول رئيسين للجمعية وهما «محمد عبد الرحيم، ومحمد تيمور»، وذلك بتمثيل مسرحية لكل منهما، مع تصنيع ميدالية ذهبية بمناسبة اليوبيل يتم تقديمها إلى الملك فاروق الذي تفضل بوضع هذه الليلة تحت رعايته، وسيشرفها بحضوره. وتصنيع مجموعة من الميداليات الفضية يتم توزيعها على من أسهموا في نشاط الجمعية طوال ربع قرن.
وقبل إقامة الاحتفال بشهر تقريباً، نشر «سليمان نجيب» كلمة عن تاريخ الجمعية – في جريدة «البلاغ» - ذكر فيها أسماء لبعض المؤسسين لم يُذكروا من قبل، كما تحدث عن تفاصيل مهمة لم نعرفها، قائلاً: «تأسست الجمعية في سنة 1913، برئاسة المرحوم الأستاذ محمد عبد الرحيم الذي كان مدرساً بالمدرسة السعيدية، وكان عدد الأعضاء حوالي 30 عضواً كان البارزون منهم المرحومين: محمد تيمور بك، وشريف وصفي، ومصطفى غزلان بك، وشفيق منصور. والأساتذة: إبراهيم رمزي، ومحمد عبد القدوس، وفؤاد درويش، وصادق عفيفي بك، وداود عصمت، وكاتب هذه الكلمة. وكان الغرض من تأسيس الجمعية العمل على إنهاض فن التمثيل ورفع شأن الهواية الفنية بدون النظر إلى المسائل المادية. وقد بدأت حياة الجمعية بتمثيل رواية «الممثل» التي وضعها رئيس الجمعية في أربعة فصول عن حياة الممثل الشهير «دافيد جريك»، وقد مثلت على مسرح دار التمثيل العربي، وحضرها أكبر جمهور مثقف في القاهرة يتقدمه المرحوم أحمد حشمت باشا ناظر المعارف إذ ذاك، وقد نالت هذه الرواية نجاحاً باهراً فمثلت على هذا مسرح مرتين بعد ذلك، ونالت في كل منهما نجاحاً تاماً، وكان عدد الجمهور الذي أقبل على مشاهدتها كبيراً يفوق في كثرته الجمهور الذي شاهدها في المرة الأولى. وفى مدة الحرب [يقصد الحرب العالمية الأولى] تعطلت أعمال الجمعية قليلاً وتوفى رئيسها في خلال هذه المدة؛ ولكنها عادت بعد الحرب لاستئناف العمل الذي بدأته فأصبح رئيسها الأستاذ إسماعيل وهبي. وفى سنة 1916 مثلت رواية «عزة بنت الخليفة» أمام عظمة المغفور له السلطان حسين كامل على مسرح الأوبرا السلطانية. وقد شملنا رحمه الله بعطفه وكان لحضوره حفلتنا أكبر الأثر. واستمرت الجمعية في عملها فكانت تمثل ليالٍ متقطعة تحت رئاسة المرحوم تيمور بك [يقصد محمد تيمور]. وكان معقلنا إذ ذاك النادي الأهلي فقد كنا أعضاء فيه، وهناك كنا نجتمع وننفذ مشاريعنا الفنية. وفي هذا النادي بدأ محمد عبد القدوس رسالته الجديدة في المونولجات والديالوجات الموسيقية، ويمكن القول بأن عبد القدوس كان العامل الأول في بناء هذا الفن في مصر ويقرني على هذه الحقيقة الأستاذ محمد لطفي جمعه المحامي. فلا أنسى إعجابه في ليلة من ليالي النادي الأهلي الصيفية وتصفيقه الحاد لما قام عبد القدوس. وشاء القدر بعد ذلك بأن يهتم الدكتور فؤاد رشيد بك وهو من بناة المسرح المحلي بإعادة تكوين الجمعية وتنظيمها فاستضافنا في عيادته أكثر من ثلاث سنوات عمل ما في وسعه لإعادة الحياة الحقة إليها وبذلك جرى ماء الحياة في عروق الجمعية من جديد فأمكنها السير في عملها صحيحة سلمية نقية. وقد اهتمت بنا وزارة المعارف العمومية إذ رأت مقدار أهمية العمل الذي نقوم به فساعدتنا مالياً وأصبح لنا وجود. ومن الروايات التي مثلناها بعد ذلك: «المرأة المجهولة» و«ابن السماء»، وهما من الروايات المترجمة. و«الواجب» التي ألفها الدكتور فؤاد رشيد للرعاية الطبية. و«الأم بين جيلين»، التي ألفها الأستاذ طاهر لاشين عضو الجمعية. وقد مثلت لي الجمعية الروايات الآتية: «667 زيتون، الدكتور، المشكلة الكبرى، إلى الأبد، حادث طربوش، إنقاذ ما يمكن إنقاذه». وجميع هذه الروايات مقتبسة، وقد نالت كل واحدة منها قسطاً وافراً من النجاح، ومثلت عدة مرات. وقد أظهرت جمعيتنا اهتماماً خاصاً في العهد الأخير بالسينما، فقام أعضاء منها بإخراج بعض الأفلام، كما اشتغل البعض الآخر بالأعمال الفنية في هذه الأفلام، وقد اشترك كثيرون منا في تمثيل أدوار الأفلام التي أخرجت في الأعوام الأخيرة، فوجدوا من التوفيق شيئاً كثيراً. ومما يدعو إلى السرور والاغتباط إننا مثّلنا أمام صاحب حضرة الجلالة الملك عدة مرات بدأت بتمثيلنا رواية «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» في حفلة جمعية المواساة في سنة 1936 بالإسكندرية. ثم كان لنا شرف التمثيل في هذه الحفلة مرة أخرى في نوفمبر من العام الماضي، وقد شرف جلالته هذه الحفلة وشملنا بعطفه السامي، فكان ذلك أكبر مشجع لنا على الاستمرار في عملنا حتى نجعله كاملاً بقدر المستطاع «.
وجاء يوم الاحتفال باليوبيل الفضي للجمعية، ووصل الأوبرا «محمد محمود باشا» رئيس الوزراء و«علي ماهر باشا» رئيس الديوان الملكي، و«إسماعيل تيمور بك» الأمين الثاني، وأصحاب الدولة والمعالي الوزراء وكبار رجال القصر الملكي، ثم وصل الملك فاروق فعزفت الموسيقى السلام الملكي وافتتحت الحفلة بنشيد «عاش الملك» من فرقة موسيقى الحرس الملكي، ثم ألقى «عبد الله فكري أباظة» كلمة عن تاريخ الجمعية. ثم رفعت الستار عن أحد فصول مسرحية «الممثل» أو «دافيد جريك» لمحمد عبد الرحيم. ثم ألقى «عبد القادر المسيري» قصيدة لأحمد شوقي حول جمعية أنصار التمثيل. ثم مثلت أجزاء من مسرحيات: «عبد الستار أفندي» لمحمد تيمور، و«حادث الطربوش» لسليمان نجيب، و«الواجب»، و«إلى الأبد». وكانت مكافأة الملك للجمعية بهذه المناسبة موافقته على رعايته السامية لها بصفة دائمة!
وقد نشرت جريدة «البلاغ» في إبريل 1938 صورة الخطاب الذي أرسله علي ماهر باشا رئيس الديوان الملكي إلى الأستاذ سليمان نجيب رئيس الجمعية، ونصه يقول: « رفعت إلى المسامع العلية التماسكم شمول الجمعية بالرعاية السامية الملكية فتفضل مولاي حفظه الله وأصدر نطقه السامي بإجابة هذا الملتمس، وإنه ليسرني أن أبلغ ذلك لحضرتكم مهنئاً الجمعية بما نالته من الشرف العالي لهذا العطف الملكي الكريم راجياً لها دوام النجاح والتوفيق».


سيد علي إسماعيل