بيدلام .. من اسكتلندا الى نيويورك

بيدلام .. من اسكتلندا الى نيويورك

العدد 561 صدر بتاريخ 28مايو2018

نعرض اليوم لتجربة فريدة فى عالم المسرح الامريكى وهى تجربة “بيدلام “ .وبيدلام كلمة انجليزية تحمل معان عديدة تكسبها نوعا من الغموض والايحاءات المتعددة مثل الفوضى والحيرة والاضطراب. والمقصود هنا فرقة مسرحية تكونت مؤخرا فى نيويورك لتقديم العروض المسرحية التقليدية برؤية جديدة مختلفة.  
وتستوحى الفرقة اسمها واسلوبها فى الاداء  من اسم فرقة اخرى اسكتلندية على الجانب الاخر من الاطلنطى يقع مقرها فى ادنبرة وتقدم عروضها المسرحية على مسرح مكون من تسعين مقعدا فقط . وقد زارت هذه الفرقة الولايات المتحدة عدة مرات وقدمت عدة عروض ناجحة  فى برودواى وعدد اخر من المدن الامريكية الرئيسة.
 وفى اول عروض الفرقة  الامريكية  التى اسسها مجموعة من الشباب قدمت الفرقة عرضين وليس عرضا واحدا. وكان  العرض الاول    “هاملت” لشاعر الانجليزية الاول وليم شكسبيرعلى قاعة تجريبية فى مسرح سانتا مونيكا بلوس انجلوس واخ. اما العرض الثانى فهو”  القديسة جان “ لعميد المسرح الغربى وربما العالمى الاديب الايرلندى جورج برنارد شو (1856-1950 ). وهذه المسرحية كتبها شو –صاحب اكثر من  60 مسرحية – عام 1923 واثارت وقتها قدرا كبيرا من الجدل. فهى تدور حول البطلة الفرنسية التى قاومت الانجليز  جان دارك واعدمها الانجليز فى القرن الخامس عشر حرقا .وقد كتبت المسرحية وبدا عرضها بعد ثلاث سنوات من  اعلان الكنيسة الكاثوليكية اعتبارها قديسة.
وعلى غرار المسرح التجريبى تم اختصار بعض الشخصيات فى العملين واسناد اكثر من شخصية لكل ممثل من الممثلين الاربعة وهم اندرية براون (الفتاة الوحيدة من الاربعة)وسام ماسارو وخليل جارسيا الذى لعب دور هاملت وشخصيتين اخريين فى مسرحية هاملت وهما بولونيوس وليرس  - واوبى ميريليس ليقدم لنا الاربعة الذين اشاد النقاد بادائهم عرضين متميزين على درجة صعوبة عالية غير مالوفة . فى وقت واحد كما يقول الناقد المسرحى لجريدة لوس انجلوس تايمز.
ويذكرنى ذلك بعرض الملك لير الذى شاهدته  على مسرح الطليعة عام 1991 حيث اختصر المخرج الشخصيات من 15 الى 12 فقط .وقام ببطولة العرض التجريبى 6 ممثلين فقط جسد كل منهم شخصيتين   احداهما باستخدام الاقنعة. وكانت فكرة طيبة اشاد بها النقاد فى حينه.
عروض تجريبية
وهناك جوانب أخرى للتجريب فى العرضين سوف تلتزم بها الفرقة فى عروضها منها تقليص الاعتماد على الديكورات الى ادنى حد ممكن على ان يقوم الممثلون بتعويض هذا الامر من خلال ادائهم كما يحدث فى فن التعبير الصامت (البانتومايم). كما يرتدى الممثلون ملابس عادية وليست ملابس الفترة التى تدور فيها احداث المسرحيتين. وهذا ما حدث ايضا فى مسرحية الملك لير فى مسرح الطليعة .
وكل ما سبق لاغبار عليه . لكن ما ياخذه الناقد على الممثلين انهم كانوا يدخلون فى حوارات وقفشات مع المشاهدين لا تناسب طبيعة العمل المسرحى. وياخذ على العمل ايضا ان من جسد شخصية هاملت لم يكن موفقا فى ابراز الملامح النفسية المركبة لشخصية هاملت التى تعد ركنا مهما فى هذا العمل من اعمال شاعر الانجليزية الاول. ولم يكن هذا العيب قائما فى عرض قدمته الفرقة الاسكتلندية على نفس المسرح قبل سنوات. ويعوض هذا العيب اجادة  الممثلة السمراء اندرية براون وهى الفتاة الوحيدة بين الاربعة لشخصية جان دارك فى مسرحية برنارد شو ولشخصيتى اوفيليا وجرتيتيود فى مسرحية هاملت.
ماراثون
 ومما اثار اعجاب الناقد المسرحى حجم الطاقة العالية التى تمتع بها الممثلون والتى يشبهها بقدرات لاعبى الماراثون.  فقد استغرق كل عرض ثلاث ساعات على فصلين وكان الابطال الاربعة يتحدثون لغة انجليزية جيدة ومبسطة  ولم يقع اى منهم فى اخطاء الا نادرا بفضل الصياغة المتقنة والمحكمة.  كما ان قيام الممثل باكثر من شخصية لم يؤد الى الخلط بين الشخصيات حتى عندما يجسد الممثل الواحد شخصية الاب وابنه كما هو الحال مع خليل جارسيا. هذا رغم ما يحتاجه ذلك من مجهود نفسى وبدنى.
ويقول ناقد لوس انجلوس تايمز اننا عندما نتصدى للمقارنة بين العرضين لايكون الامر سهلا لان عناصر الاجادة واحدة، وكلاهما يتحدث عن موضوع مختلف. لكنه سيعتبر ان القديسة جان هو الافضل. ويسوق حيثيات هذا الحكم وهو ان شخصيات العرض غير مالوفة للمشاهد الامريكى على الاقل وكان لابد من مزيد من المعالجات لتصبح مالوفة للمشاهد. وكان التحدى هنا تجسيد عدد من رجال الدين والقادة العسكريين والسياسيين الانجليز  الذين يحاولون مناقشة الخادمة الفرنسية البسيطة فيما تقوله من ان وحيا جاءها من السماء بان تقود ابناء بلاد الغال (الاسم القديم لفرنسا) لطرد المحتل الانجليزى . ويلاحظ هنا ان شو كان ايرلنديا وكان ينقم على الانجليز احتلالهم لايرلندا. وقد عاصر جلاء  بريطانيا من ايرلندا عام 1916 بعد ان اقتطعت سدس مساحة الجزيرة وهو ما يعرف حاليا بايرلندا الشمالية  واطلقت عليها اولستر  وقننت لتمزيق بلاده باجراء استفتاء سبقه تهجير اعداد كبيرة من البروتستانت بحث صوتوا لصالح البقاء فى اطار بريطانيا بعد ان شكلوا غالبية سكان . وبذلك صارت هناك ايرلنديتين وليس واحدة . وهو يعتقد ان المخرج وطاقم التمثيل كانوا موفقين فى ذلك والتعبير عن افكار شو بالنسبة لما حدث لبلاده.  .   
ويعود بعد ذلك فيقول ان العرضين التزما بالافكار والروح الاصلية للنص الاصلى ولم نجد شيئا مختلفا يحمل نفس إسم العرض بينما يبتعد فى الحقيقة عنه كثيرا.
هاملتون تحصد الجوائز ،ولا تحقق الرقم القياسى
فازت المسرحية الموسيقية  الامريكية “هاملتون”   بنصيب الاسد فى النسخة الاخيرة من  جوائز السير لورنس اوليفييه البريطانية المعادلة لجوائز تونى المسرحية الامريكية  وهو سبع جوائز.جاء ذلك  بعد ان كانت مرشحة ل13 جائزة . فازت المسرحية بجائزة افضل عمل موسيقى يقدم على مسرح بريطانى حيث انها استوفت الشرط الرئيسى وهو ان تكون قد عرضت على مسرح بريطانى حيث عرضت فى لندن فى ديسمبر الماضى. وفازالعرض ايضا بجائزة احسن ممثل واحسن اضاءة واحسن موسيقى واحسن رقصات.
وتدور المسرحية حول حياة الكسندر هاملتون الذى يعد احد المؤسسين للولايات المتحدة رغم انه لم يتول رئاستها خلال عمره القصير(1755 -1804) بل كان وزيرا للخزانة فقط . فقد ساهم فى وضع الدستور الامريكى والنظام المالى وتاسيس الاحتياطى الفيدرالى .وكان ايضا صحفيا وساهم فى تاسيس صحيفة نيويورك بوست.
والت ايضا جائزة احسن ممثل الى الممثل البريطانى جيلز تيريرا الذى جسد شخصية ارون بار الخصم اللدود لهاملتون وهو ايضا مؤلف موسيقى ومنتج سنيمائى. ابدى تريرا سعادته لاختياره لتجسيد تلك الشخصية من جانب فرقة امريكية لم تغلق نفسها على الممثلين الامريكيين.
والمسرحية  التى عرضت لاول مرة عام 2015 فى برودواى عاصمة المسرح الامريكى من الحان الموسيقار البورتريكى لين مانويل والذى لا يمكن اعتباره امريكيا لان بورتريكو لم تصبح بعد عضوا كاملا فى الاتحاد الامريكى. وقد جسد مانويل (38 سنة) بنفسه شخصية هاملتون فى بعض العروض خاصة فى العروض التى اقيمت فى مسقط رأسه فى بورتريكو. وفاز بجائزة احسن ممثل مساعد مايكل جيبسون عن شخصية الملك جورج الثالث.
ولا يعد هذا الرقم قياسيا فى جوائز لورنس اوليفييه حيث فازت مسرحية هارى بوتر والطفل الملعون بتسع جوائز العام الماضى.
وتحمل الجائزة اسم الممثل والمخرج البريطانى المسرحى الراحل السير لورنس اوليفييه (1907 -1989). وتمنح الجوائز لجان مشتركة بين  نقاد المسرح والمشاهدين العاديين.
والمسرحية عبارة عن استعراض سريع على فصلين لحياة هاملتون منذ نشأته فى اسرة فقيرة فى منطقة الكاريبى وكفاحه فى الحياه بعد ان تركه ابوه وماتت امه ثم انخراطه فى الكفاح ضد الاستعمار الانجليزى وسعيه الى تثبيت دعائم استقلال الولايات المتحدة بسبل عديدة منها وضع الدستور ووضع النظام المالى وبناء قوة بحرية.


ترجمة هشام عبد الرءوف