«جنة هنا».. وسرير الذكريات

«جنة هنا».. وسرير الذكريات

العدد 701 صدر بتاريخ 1فبراير2021

 يقدم البيت الفني للمسرح – فرقة مسرح الغد - على قاعة عبد الغفار عودة العرض المسرحي جنة هنا للمؤلفة صفاء البيلي ، الفكرة مستلهمة من الواقع الحياتي حول معناة المرأة  من القهر نتيجة الموروث الثقافي والعادات والتقاليد السيئة بأن يتحكم فيها رجل أو امرأة مما يؤدي إلى إصابتها  باضطرابات نفسية . تدور الحكاية بين الأم هنا ( عبير الطوخي ) وابنتها جنة ( هالة سرور ) فقبل ميلاد البنت يسافر الأب وتصبح الأم هي جناحي الأسرة وقامت بمفردها بتربية البنت إلي أن حصلت على الشهادة الجامعية في الفلسفة وتزوجت وطلقت وأصبح عمرها ثلاثون عاما ، ويتفجر الصراع بين جنة وهنا من خلال حديثهم حول سرير قديم ، يشكل السرير للأم  قيمة كبيرة ، لكنه عند البنت لا قيمة له وتنادي البنت بائع روبيكيا ( أحمد الشريف ) لشراء السرير وتحاول أن يشتريه باعلي سعر حتى تقبل الأم ببيعه لكن الصفقة لم تتم ، لدرجة أنها تقرر أن تفكه وترميه أو تعطيه لأى شخص دون مقابل  . السرير بالنسبة لهنا سرير ذكريات جميلة لأسعد اللحظات حيث تتذكر حنان الزوج ، ونوم جنة عليه منذ الميلاد وهو ميراث من الجدات فيرمز للجذور والقيمة والحياة ، لكن السرير يمثل لجنة ذكريات مؤلمة خاصة عندما تم ربطها فيه أثناء عملية الختان التي تركت لديها عاهة مستديمة أثرت علي علاقتها الزوجية وأصبحت مطلقة فهو يمثل التعاسة والشقاء ، تتصاعد الأحداث ونعلم أن الأب مات وأخفت الأم خبر موته عن الجميع حتي لا يتحكم أخاها فيها وفي ابنتها ، تصدم الابنة وتحتد على الأم لكن الأم تموت على السرير وينتهي العرض

فجرت الكاتبة كل ما يقع على المرأة من قهر ( الختان ، الطلاق ، العنوسة ، التحرش ، التحكم الذكوري أو النسوي، الحرمان من الحب ) . ونص العرض غير محدد بزمان أو مكان معين ، فالمكان منزل بسيط في بلد ما لعبت المؤلفة علي البعد النفسي للشخصيات ففكرة انتظار البنت للأب مليئة بالمشاعر المختلفة ، فهل عندما يعود تحبه أم تكره ، تغضب منه او تفرح بقدومه نظر  لطول الانتظار . أثر العرض على مشاعر المتلقي كلا حسب نشأته وثقافته . دقت المؤلفة ناقوس الخطر بإرسال إشارات إلى كل أفراد المجتمع سواء مواطن أو مسئول بان يضرب بيد من حديد لمنع العادات والتقاليد والموروثات السيئة في المجتمع

عندما دخلنا قاعة العرض وجدناها قسمت قسمان،  قسم لمقاعد المشاهدين والأخر لمنطقة التمثيل وأول ما يلفت الانتباه في منطقة التمثيل الخطوط البيضاء المرسومة على الأرض والتي تشبه المتاهة فهذه المتاهة تعيش فيها البنت وكان الديكور ( مي زهدي + الملابس ) عبارة عن  بانوهات تعتبر لوحات مرسوم عليها بعض الرسومات التعبيرية علي اليسار واليمين كل منهم يمثل جزء من قصة حياة هذه الأسرة فالأم تجلس علي كرسي والأب في صورة غير واضحة المعالم والأبنة علي شكل دمية أسفل اللوحة فألاب غير موجود في حياة البنت منذ أن كانت جنين في بطن الأم ، فالأم هي كل شيء في حياتها ، ولوحة أخرى مليئة ببعض الخطابات وهي العلاقة التي اخترعتها الأم لربط البنت بابيها وثالثة للطفلة تلعب بالعجلة ونري شجرة ليس لها جذور أو أوراق وصورة الأم في إشارة بأن هذه الطفلة لن يساعدها في الحياة سوي أمها فقط وعلى الجانب الآخر نشاهد صورة للبنت تجلس ويتساقط منها خطوط حمراء على فستان زفاف في إشارة لعملية الختان جعلتها لا تصلح كزوجة ، أما في المنتصف نري نصفي بانوه على اليمين واليسار يربط بينهما ستارة تعبر عن شاشة يعرض من خلالها سلويت للتأكيد على ما يحدث في منطقة التمثيل وعند وضع  نصفي البانوه بجوار بعضهما تجمع صورة للبنت ويرسم الشمس والقمر تعبيرا على الأب والأم وتعلق صورة للأب علي أحدهم وترفع البنت علي النصف الآخر صورة الأم بعد موتها ، ويوجد تسريحة صغيرة علي اليمين واخرى على اليسار ويوضع علي اليسار السرير وعلى اليمين كرسي هزاز أستخدمه المخرج للتعبير عن سجن البنت داخل مشاعرها المتناقضة . أما الملابس فنري بائع الروببكيا يرتدي ملابس قديمة والبنت والأم ترتدي كل منهما فستان أبيض واكمام سوداء  ويزداد اللون الأسود في ملابس الأم معبرا عن الهموم الثقيلة لتي تحملها على كتفها والبنت ترتدي الاسود في كمها ووسطها إلى أسفل في إشارة بأنها محبوسة داخل ذكرياتها التعسة ، والابيض الناعم مع الأسود يعبر عن عدم تمتعهما بأنوثتهما ، أما الإضاءة فكانت عبارة عن بؤر ضوئية عبرت في بداية العرض على مرور الزمان عندما تحركت من منتصف الستارة إلى أعلى تم تختفي عدة مرات ، وعبر اللون الأزرق عن الكآبة وبرودة الأحداث واستخدمت الإضاءة الكاملة للتعبير عن الحالة العامة ،   أما الموسيقي والالحان ( أحمد الناصر ) سيطرت الالات الوترية وكذلك الفلوت للتعبير عن حالة الحزن ، وكانت الموسيقي تعلوا وتنخفض في بعض الأحيان كبطانة للأحداث ، أما أشعار ( مسعود شومان ) من النسيج الدرامي
( ولكل طير شجر ميال ولكل جرح بينتهي موال ...، ...قلبي فردته حنان وناديتك قنديلي في ليالي العتمة شلتك في ضلوعي وخبيتك ، أول لقائنا وداع وغربة ماتتلم .... ويعمل أيه القدر باعت جوابات الفراق) وحققت حالة من الشجن فكانت اضافة ، وبالنسبة للاستعراضات أو التعبير الحركي ( حسن شحاتة ) فكان بعضها حلية للعرض لبراعة الاستهلال أما في مشهد السبوع ومشهد حركات السرير فكانت إضافة للعمل ، وإذا تحدثنا عن الأداء التمثيلي فنجد أن الفنان القدير أحمد الشريف أضاف من خلال دوره لمحة كوميدية لتخفيف حدة الكآبة التي فرضت على المتلقي من خلال الأحداث ،  ونشاهد مباره في فن الأداء التمثيلي بين الفنانتين عبير الطوخي وهالة سرور ، أما المخرج ( محمد صابر ) أهتم بكل تفاصيله  واستخدم كل أدواته كي تصل رسالة النص وتؤثر في المتلقي بسهولة ويسر فنجد التمثيل داخل التمثيل باستخدام هنا قطعة قماش بيضاء تعتبر كوفية للتعبير عن أخاها أو طرحة رأس أثناء الدعاء ، ونشاهد جنة تقلد جدتها ، كما استخدام السرير بتعبيرات رمزية فاصبح مقاما ( السيدة زينب ) هنا تدعوا الله أن يرزقها الولد ، شاهد قبر عندما تموت هنا وتنزع جنة الشرائط البيضاء من أعلي أعمدة السرير ،  بلكونة لنداء هنا على جنة من الشارع ، وعبرت حركة السرير في مشهد بين هنا وجنة عن الدوامة والصراع النفسي داخلهم خاصة جنة ، ونجد هنا تقف بجوار الشماعة وتترك منطقة التمثيل لجنة لتعبر عن ارتباطها بالماضي وملابس الزوج وأحلامها وإهمال الحاضر متمثلا في جنة التي تعيش معها فهما يعيشان أغراب فكريا ، والعكس عندما تختفي جنة خلف الكرسي لتعبر عن سجنها الداخلي ، كما أنه  أهتم بتدفق إيقاع العرض

والحق أقول لكل مسئول عن قرار الإنتاج في الحركة الفنية عودوا لمشاهدة المسرح لاختيار أفضل العناصر الفنية،  فالحمد لله مازال فن المسرح في مصر يقف شامخا  ، ولذلك التحية واجبة لمدير مسرح الغد الفنان القدير المخرج سامح مجاهد لاختيار العروض المتميزة . وشكرا لكل من ساهم في ظهور هذا العرض للنور .


جمال الفيشاوي