حتشبسوت.. وسحر رحايا الأنثى وسيطرة الإله

حتشبسوت.. وسحر رحايا الأنثى وسيطرة الإله

العدد 832 صدر بتاريخ 7أغسطس2023

الفرق ما بين المذكر والمؤنث تاء:
مع بداية عرض حتشبسوت -بمسرح الجمهورية والذى هو ضمن فاعليات مهرجان المسرح القومى – تدور الرحايا فى يمين مقدمة المسرح لتقص علينا حكايات الزمن وأسراره الخفية وتدخلنا فى عوالم إنسانية..إلهية مختلفة وأهمها عالم الملكة والمراة حتشبسوت التى أتت إلى الأرضى لكى تعلمنا دروسآ قوية فى الحياة ودون أن ندرى ننساق بروحنا داخل العرض مع سيدة الزمن والتى هى موجودة طيلة العرض لتنوه وتشير بكلماتها دون أن تتدخل فى الاحداث –كما هو حال الجوقه قديما-وتبدأ الرقصات والموسيقى لتقدم لنا أجمل قصة عشق حقيقية للحياة والموت ولتقدم لنا صراعآ أزليآ بين الجسد والروح...قصة حياة حتشبسوت مليئة بالألم والحب وقوة الروح ،أمرآة قدرها وضعها لتكون ملك،جسد أمرآة وروح ملك عظيم ،حيث لايوجد فى معجم الأنثى أحلام صماء.فكان التتويج بالرغم من الصعوبات والمعاناة لانها أمرآة ولا يحق لها أن تتوج لتحكم البلاد،ولكن التحدى فى أن الحياة نفسها هى نبض المرآه وهى الهبه الممنوحه من الرب لتولد منها كل الأشياء وتحتويها ،حتشبسوت نفحة الآلهة وروح الكون تعانى حتى الموت ،وكانت الخطيئة أنها نست أمتلاكها لجسد أمرآة فكان التحدى لها فى مواجهة الرجل بكل أشكاله ..كاهن ..حبيب..عدو..ناصح أمين..جسد المرأة الذى تخلت عنه ظاهريا واستخدمت الاشكال المستعارة لتبدو رجل لتتلائم مع محيطها من الرجال لتدخل عالم القوة ...ولكنها كانت أقوى فى حقيقة الأمر حينما قررت التحدى وحينما وضعتها الأقدار منذ الميلاد وحتى الموت...وجميع ذلك يتم فى إطار عرض مسرحى موسيقى راقص مفعم الحيوية قدم من خلال فرقة فرسان الشرق للتراث فى سياق فنى درامى وتتميز هذه الفرقه بتقديمها للعروض التراثية والتاريخية المصرية الصميمة ،والتى لها عروض مميزة منذ نشأتها حتى وقتنا هذا.وحينما شاهدت حتشبسوت وجدت روح لها وحدة قوية تروى لنا حكاية مليئة بالشغف والتحدى تشمل مجموعة كبيرة من الأبطال من الراقصين والممثلين والمؤديين مندمجين فى روح واحدة لتقدم جمال ممزوج بالالم والقوة فى مقابل التحديات والصعوبات ليحكوا لنا ليس بأجسادهم فقط ولكن بأرواحهم أيضا قصة الملكة والحبيبة والمرأة حتشبسوت والتى أصبحت رجلآ لتشارك فى الحكم ولكنها تتمزق جريرة هذا التحدى لتموت ولكنها لاتخشى الموت لأنها تعتبره الخلاص من تلك الحياة الزائفة والتى لن تستطيع أن تحيا فيها بلا أقنعة .

الميلاد الإلهي الواقع والأسطورة:
“كان الإيمان بالأصل الإلهى للملكية أحد المفاهيم الرئيسية فى مصر القديمة،وحول هذا المحور تطورت وأنتظمت الحضارة الفرعونية على مدار تاريخها ،فمنذ الأزمنة الأولى نجد أن الملك  لمجرد كونه ملكآ ،يمثل فى حد ذاته وجود الإله الحى والوسيط بين الآلهة الأخرى والبشرية.فقد كانت البروتوكولات الملكية تمنح ملوك مصر طبيعة الإله حورس ...ولهذا فإن شخصية الفرعون كانت تتمتع بالسمات التى يترتب عليها سلطان يجعل منهم ومن شخصياتهم أناسا يتسامون بها بشكل لا نهائي،فى عيون المصريين،على طبيعتهم كبشر،إلا أنه كانت هناك فرص متاحة لتجعل هذه الأسطورة تكتسب قوة لتأكيد شرعية من يجلس على العرش ،وفى هذه الحالة كان ينظر إليهم على انهم الأبناء الجسديين ومن دماء الإله الذى يحميهم ويساندهم...وعندما نتحدث عن حتشبسوت يبدو أن قدرها كان مرسومآ لها منذ البداية فى طريقها إلى الملكية،وينتهى بها المآل لتكون مليكة مصر وتمارس السلطة طوال ما يقرب من أثنين وعشرين عامآ جالسة على عرش الأرضين.»(1)
هناك ظروف خاصة أحاطت بميلاد وطفولة وشباب حتشبسوت مما أدى إلى نتائج ليست ببعيدة أنتجت إنعكاس للواقع المصرى فى فترة حكم تحوتمس الأول ،حينما طلب أن يكون هناك -غطاء مقدس- يبرر وجود حتشبسوت كعاهل،ومنها قبل أن تتولى العرش وتكون فرعون مصر بدورها كأبنة متجسدة للأله الأعظم آمون .-وهى الحبكة الصوفية والدينية –التى استخدمتها الملكة لتبرير جلوسها على العرش كملك فعلى لكل من مصر العليا والسفلى رغم كونها أمرأة.

مفاتيح الحياة داخل العرض المسرحى:
الحب..الحرية..الموت ..الأختيار ...الصراع بين اللأنا والآخر جميعها مسميات تتجسد داخل العرض المسرحى لتعبر عنها الحركة الدرامية الممزوجه بالمشاعر والأنفعالات والتى نجحت فى جعلنا نترقب فى شغف ينقل أنفعال الى قلوبنا مصاحب بموسيقى معبرة عن الدراما داخل العرض ،ففى الصراع فى النصف الأخير من العرض نجد يتجسد بين الحب والسلطة عند التحول والتخلى لحتشبسوت عن كونها أمرأة وكأنها تسير إلى قدرها(الموت،الخلاص،التحرر من الجسد) والذى تحكيه الرحايا منذ البداية.لم تكن الرقصات فقط هى المعبرة عن الاحداث الدرامية فحسب ،بل جاء الديكور ليكون مشارك بوجودة بقوة فى أطلاق العنان للمشاهد ولتوصيل الحالة الشعورية لأحداث المسرحية والتعبير عن الحالة العامة لأزمات حتشبسوت وصراعاتها النفسية والإجتماعية والدينية...حيث تم تقسيمة إلى ثلاثة مستويات ،مقدمة المسرح وهى الواقعية التى تشمل مكان للرحايا ولتواجد سيدة الزمن –فى معظم الأحيان- لتشهد على الأحداث وتروى وتفسر-ومستوى العمق وهومايمثل الجانب الأنسانى أوالواقعى والذى يحتدم فيه الصراع فى معظم الأوقات ،وهناك المستوى الثالث والذى يمثل الجانب الألهى أو الدينى أو الروحى ..ولعل هناك مشاهد تم أستخدام الأضاءة المعتمة فيها بشكل يضفى عمق لحالة سطوع الروح حينما تم عمل رقصه درامية بالدفوف المنيرة كضوء القمر وهو ما تم أظهاره بوضوح فى أستخدام القمرو الشمس بالإضاءة معظم مدة المسرحية مما اضافها روح خاصة وأظهر جماليات العلاقات داخل العرض (بين الانسان والآلهه) جاءت المخرجه كريمة بدير بعمل أستعراضى درامى ممتع ومريح للنفوس يصل للقلب،عبرفريق العمل بسلاسة وجمال ووحدة عن الدراما بالتعبير الحركى والذى جسد روح الدراما داخل المسرحية وساعدت على ذلك الموسيقى...ولكنى لدى ملاحظة كانت من الممكن أن تساهم فى هذا الابداع بشكل أكثر تناسق وتعميق،حيث أن الفواصل بين الرقصات وبعضها البعض كان ولابد ان تكون مشدودة الإيقاع أكثر مما حدث حتى لايحدث توقف للحدث الدرامى المتدفق والذى كنا نلاحقه بأنفاس لاهثه ، فيحدث توقف ما فى لحظات الاظلام يحس بالرغم من صغر مدته ولكنه كان ولابد ان يتدارك بحل درامى ما ...بالأضافة أننا حينما نحاكى الدراما بالرقص علينا أن نقوم بعملية إختزال للحركة المكررة والتى تعبر عن مثيلاتها داخل المشهد الواحد حتى لايتشتت المشاهد دراميا ..وخاصة أننا نحكى بأجسادنا فعل درامى ما ،وهنا تتحكم فينا عدة شروط وتحكمنا ومنها التوضيح والإختصار والأتجاه مباشرة نحوالمراد قولة حتى لايتحول العرض من درامى حركى إلى إستعراضى تتخلله الدراما ،ولكن هذا لايجعلنا ننكر أننا أستمتعنا بمجهود واضح ومبذول له خصوصية مشوبة بالصعوبة والجمال ،كان فريق العمل يحتوى على الشخصيات سيدة الزمن (رجوى حامد)-حتشبسوت(ياسمين سمير بدوى) - خنوم (فاطمة محسن) - سننموت (إبراهيم خالد - باسم مجدى)-معلم الحكمة (محمد هلال) –معلم الحرب (أشرف كوداك) الجسد (حبيبة إبراهيم) - أم تحتمس الثالث (حبيبة إبراهيم) تحتمس الثالث (محمد سالم)-الأم (مى رزيق)-ملك بلاد بونت(هانى حسن)، وهناك مجموعة حاشدة من فرسان وفارسات الشرق وكذلك فريق العمل مساعدا الاخراج (يارا ربيع راشد،زينب لطفى)والكثير من الجنود المبدعة ورائع ذلك العمل المسرحى الابداعى الراقى وعلى رأسهم المخرجة الواعدة (كريمه بدير )والتى قدمت لنا صراعآ تاريخيآ على مر العصور والازمنة متجسدآ فى شخصية حتشبسوت بين الآسطورة والواقع.
المراجع
1-تيريسا بيدمان فرانثيسكوخ – مارتين فالنتين-حتشبسوت من ملكة إلى فرعون مصر-ترجمة على إبراهيم منوفى – مراجعة المصطلحات الأثرية علاء الدين شاهين-المركز القومى للترجمة-القاهرة-العدد 2277-الطبعة الاولى 2015.


لنا يوسف