بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (9) عروض مسرحية ناجحة

بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (9) عروض مسرحية ناجحة

العدد 726 صدر بتاريخ 26يوليو2021

بعد انتهاء قضية الهواية والاحتراف في التمثيل – التي تحدثنا عنها في المقالة السابقة - بدأت الجمعية في تنفيذ تعليمات وتوجيهات رئيس لجنة تشجيع الجهود المصرية للتمثيل والسينما، وبدأت بالمحاضرات التي حددت لها موعداً أسبوعياً بمقر الجمعية وهو مساء يوم الثلاثاء من كل أسبوع. ومن هذه المحاضرات محاضرة بعنوان «نشأة التمثيل في مصر» وألقاها «توفيق حبيب» - الشهير بلقب «الصحفي العجوز» – كما ألقى «حسني وهبي» محاضرة عن «الرومانزم»، وهو لون من الأدب الذي يُطلق على الحركة الأدبية في أوروبا من عام 1820 إلى 1850 ويمتاز بغلبة العاطفة والخيال. كما ألقى «محمد توفيق وهبي» الموظف بوزارة الخارجية محاضرة عن «الحركة الفنية في السودان»، كما أخبرتنا جريدة «المقطم» في مارس 1934.
وفي مجال المسرح، قدمت الجمعية مجموعة من المسرحيات وفقاً لتعليمات اللجنة أيضاً، وأولى هذه المسرحيات كانت «طرطوف» لموليير التي ترجمها «أحمد الصاوي محمد» ونشرتها وزارة المعارف، وعرضتها الجمعية بدار الأوبرا الملكية في حفلة جمعية المواساة الإسلامية في شهر إبريل 1934، وقام بتمثيلها: محمد عبد القدوس، توفيق المردنلي، حنا وهبي، عبد القادر المسيري، أمينة شكيب. وقد حضر المترجم عرض المسرحية، فكتب كلمة نقدية عنه، نشرتها مجلة «الكواكب» هذا نصها:
«هل كان يزعم موليير عندما وضع هذه القطعة التمثيلية الخالدة أنها ستعيش على مرّ الدهور وأنها ستتغلغل في جميع أنحاء المعمورة؟! فبالأمس مُثلت بعد ثلاثمائة عام، على مسرح دار الأوبرا الملكية بالقاهرة، من جماعة أنصار التمثيل والسينما، وتجلت على الناس في ثوب قشيب كأنها وضعت لهذا البلد، وفي هذه الآونة. وهذا هو سر الخلود لأنها رواية وضعت لكل زمان وكل مكان. ولقد أخرجها موليير في وقت كانت فيه سلطة رجال الدين منبسطة على مصالح الدولة تتصرف فيها وتستبد بها كما طاب لها، وكانت السراي تؤيد «موليير» تحدياً لتلك السلطة الغشوم ولو لم تتظاهر بهذا التأييد جهاراً. فكانت «طرطوف» معمولاً هائلاً يضرب بقوة ضرباً متواصلاً على الأيام، على الأجيال. «طرطوف» هو التقي الزائف الذي يستبيح كل منكر ويستهتر بكل محرم تحت مسوح التقى والصلاح. فهو قديس متبتل أمام الخلق ولكنه في السر أثيم زنيم. رآه مرة «أورجون» الرجل الطيب في الكنيسة يذوب تعبداً فتقرب منه وأنزله بيته يأكل ويشرب ويأمر وينهي ما شاء، ويلقي في روع أهله أنه البركة التي حلت عليهم والنعمة التي آثرهم بها خالقهم! ثم يتجلى لهم جميعاً ما انطوت عليه نفسه من الشر ويرون ذلك رأي العين من خلال رب البيت أورجون الذي تظل عيناه أشد إقفالاً من لباب السنديانة! فهو يمضي في كرمه وحبه لطرطوف يريد أن يزوجه بابنته «ماريان» في الوقت الذي ينظر فيه طرطوف إلى الزوجة الشابة «ألمير» بعين خائنة يطارحها الهوى ويبثها لوعة الجوى وهي تتمنع عليه وتستنكر ذلك من رجل الدين وتسأله كيف يخفي ذلك على السماء فيقول لها إن ذلك عليه هين لأن حب أمثاله هو الذي يكفل للمحبوب الصون والستر وليس مع السر والخفاء وزر! أما هي فقد كانت عفيفة حقاً فقالت لزوجها إن هذا الرجل لا يستحق كل هذه النعم التي تغدقها عليه، وهذه المنزلة التي آثرته بها، فينكر عليها ما تدعيه فتتعهد له بالبرهان. ويؤيدها ابنه الذي رأى طرفاً مما جرى ولكنه يستنكر هذا «التوقح» ويطرد ولده من البيت شر طردة ويقرر زواج طرطوف بابنته ويهبه ماله وما ملكت يداه! ثم تأتي مطارحة غرام جديدة بين طرطوف وألمير بينما يكون «أورجون» مختفياً يرى ويسمع. ولما يبلغ السيل الزبى ويأبى طرطوف من الزوجة إلا ما يؤكد له غرامها ويشفي غليله من هيامها، يخرج له أورجون مستبشعاً هذا الجحود والكفر من «رجل الله» ويأمره بالخروج وعدم العودة، فيرد عليه طرطوف إن هذه دسيسة منهم وأنهم هم الأولى بالطرد لأنه صاحب البيت! وبعد ذلك يحاول تنفيذ ما لديه من الوثائق وانتزاع الدار من صاحبها. ولولا عطف أمير البلاد وخبرته بسرائر الناس ومعرفته باقتدارهم وأعمالهم لكان جزاء الخير الشر كله. إن وزارة المعارف لتُشكر أولاً على تكليفها بعض رجال الأدب بترجمة آيات الغرب وروائعه في اللغة العربية السليمة ثم تكليفها بعد ذلك الفرق التمثيلية بإخراجها حتى ينتفع الجمهور بها انتفاعاً شاملاً. ولما دعتني جماعة أنصار التمثيل والسينما إلى مشاهدة «البروفات» في دارها بعمارة الإبراهيمية، كاد اليأس يساورني لأنني وجدت الفرقة موزعة في الحجرات في مناقشات ومحاورات، ولولا بسمات ألمير «أمينة شكيب» الفاتنة وسذاجة أورجون «محمد عبد القدوس» المسلية وصلوات طرطوف «توفيق المردنلي» الظريفة لذهبت ولم أعد. ثم تجلت الفرقة على مسرح الأوبرا بشكل رائع. وكان المكياج والأزياء والإخراج عامة غاية في الاتقان. ولم يكن قبيحاً إلا صوت الملقن! وحقيقة أنه مما يسجل بالفخر لفرقة من الهواة أداء رواية كلاسيكية مثل طرطوف مترجمة ترجمة كلاسيكية أيضاً بكل هذه المقدرة، فإن بعض الفرق المحترفة لا تحفظ أدوارها مثلما حفظت فرقة أنصار التمثيل والسينما. فرأينا الأستاذ توفيق المردنلي في مسوح «طرطوف» يخلع عليه وقاراً ويجعله في الوقت نفسه ينضح بالخبث والاشتهاء. ورأينا السيدة «أمينة شكيب» تسيل عذوبة وحناناً فإذا تمنعت على طرطوف وهو يلح عليها إلحاحه الحار المستهام، كانت أشد فتنة وإغراء، ورأينا الأستاذ عبد القدوس غارقاً لأذنيه في عبطه وسذاجته لا يرى ما يراه الأعمى ولا تشعر لحظة بأنه ممثل. وكان ممثل «كليانت»، الأستاذ عبد القادر المسيري متجلياً في شممه وإبائه، كريماً في طبعه قديراً في إلقائه. وكان التوازن بين أعضاء الفرقة شاملاً جديراً بالارتياح بشيراً بالمستقبل. ولقد شهدت رواية موليير في «بيت موليير» «الكوميدي فرانسيز» بباريس منذ سنين، وأستطيع أن أبدي ارتياحي لإخراج «طرطوف» وأن أهنئ مخلصاً جماعة أنصار التمثيل والسينما. [توقيع] «أحمد الصاوي محمد»».
والمسرحية الثانية – وفقاً لتعليمات اللجنة – كانت «الأم بين جيلين» من تأليف «محمود طاهر لاشين»، وقدمتها الجمعية في الأوبرا الملكية، وكتب «عبد الشافي» صاحب مجلة «الصباح» مقالة نقدية عنها، نشرها في مايو 1934، وعلمنا منها أن موضوع المسرحية يدور حول المعلم بدوي «عربجي الكارو»، الذي تأمره «حماته» بإحضار «الداية» لأن زوجته في حالة ولادة، فيخرج ملبياً نداءها فتقابله «دولت» الفتاة المتعلمة وهي بنت الجيران فتؤنبه لإحضار «الداية» لأنها امرأة جاهلة لا تعرف الولادة على قواعدها وأصولها وترشده إلى جمعية رعاية الطفل التي أنشأتها مصلحة الصحة وهي التي ترسل إليه «دكتورة» متعلمة إلى منزله دون أن تتقاضى أجراً؛ ولكن المعلم بدوي يضرب بكل هذه النصائح عُرض الحائط لأنه رجل «جدع» و«يشحت» لإحضار «الداية» ولا يقبل تبرع الحكومة له! وتحاول «دولت» أن تقنعه بنظريتها وتأبى إلا أن ترشده على كره منه وتعرفه ميزة رعاية الطفل والفرق بين عمل يقوم على أساس العلم وعمل قوامه «التخريف» فأرسلت شحاتة أفندي الكاتب العمومي لإبلاغ مركز رعاية الطفل ليرسل مندوبة عنه لعمل اللازم. فإذا كان الفصل الثاني نرى المعلم بدوي قد أحضر «الداية» التي تعمدت تبخير الزوجة بـ«كناسة العطار» و«عين العفريت» وهنا تحضر طبيبة رعاية الطفل مع ممرضتها. فيشعر المتفرج إحساساً دقيقاً بين «داية» جاهلة تتقاضى أجراً وبين «طبيبة» متعلمة تقوم بعمل إنساني. هذا هو موضوع مسرحية «الأم بين جيلين»، الذي أظهر فيه المؤلف الجانب النافع من هذا الموضوع الصحي في أسلوب فكه أدخل السرور على جمهور النظارة.
وقام كاتب المقالة «مصطفى القشاشي» بنقد العرض، قائلاً: « كان بودنا أن نرى الدقة في الحبكة المسرحية كما رأينا المغزى في الموضوع، وأن نرى مجهوداً ظاهراً في الإخراج كما رأينا براعة في التمثيل؛ ولكن مع الأسف الشديد كانت الحبكة المسرحية مفككة والإخراج كثير الأخطاء وقد تجلى ضعف الإخراج بوضوح في الفصل الأخير حينما حضرت «الدكتورة» ومعها الممرضة إذا نزلت الستار بمجرد دخولها وبعد أن خرج الجمهور رفعت ثانياً ليرونا صورة «المولود» .... بقي التمثيل وبطل هذه الرواية هو الأستاذ توفيق المردنلي قام بدور المعلم بدوي «عربجي الكارو»، فكانت فيه تلك الشخصية التي ظهرت على حقيقتها، ويليه يحيى أفندي نجاتي في دور «شحاتة أفندي» الكاتب العمومي، وهو دور دقيق قام به بإجادة ونال فيه الإعجاب. والشخصية المرحة الطروبة الطبيعية هي شخصية حنا أفندي وهبي الذي مثل «أبو سريع» الولد الشقي شقيق زوجة المعلم بدوي يشكو منه «أولاد الحارة» لشدة ضربه إيام وأذاه. وعلى الرغم من أنه رجل لكنه مثل دور الطفولة كاملاً بما فيه من «عباطة وشيطنة». ومثل عبد الوارث أفندي عسر دور «الداية» فكان حديث الجميع، وشتان بين عبد الوارث «الرجل» وبين عبد الوارث «المرأة» ولا أدري إلى الآن ما هو السر في أن يخفي عبد الوارث عسر نفسه فيكتب في البرنامج اسمه «عبد الوراث عيد»؟ وقامت السيدة أمينة شكيب بدور «الطبيبة» وهو دور صغير في ختام الرواية ولعله تواضع من أمينة أن تقوم بمثل هذا الدور الصغير لكنه لا ينقص من قدرها فمواهبها معروفة شهدها الجمهور في الليلة نفسها برواية «الواجب». وقامت الآنسة شويكار رفعت بدور «دولت» الفتاة المتعلمة التي تحارب الجهل وتبث الدعاية لمركز رعاية الطفل ضد «الدايات» فكانت موفقة ولا نأخذ عليها إلا خجلها الكثير. ومثلت «ثريا فخري» دور الزوجة، وكادت تنجح لولا بعض الأخطاء اليسيرة، ومنها عدم اتقان «الماكياج» الذي أظهرها بصورة لا تتفق مع سيدة تعاني آلام الوضع. وقامت بدور «الحماة» السيدة «زاهية أمين» وكأنها خلقت لتمثيل هذا الدور».
والمسرحية الثالثة كانت «الست الكبيرة» تأليف «أمين صدقي»، والرابعة مسرحية «حادثة الطربوش» اقتبسها سليمان نجيب والدكتور وصفي عمر، وتم عرض المسرحيتين في يوم واحد؛ حيث تم عرض الأولى نهاراً على مسرح حديقة الأزبكية، والأخرى مساء بدار الأوبرا الملكية، وذلك في الحفلة السنوية المعتادة للجمعية الخيرية الإسلامية. وقام بتمثيل «الست الكبيرة» كل من: أمين وهبه، توفيق المردنلى، عبد الوارث عسر، عماد الدين حمدي [وهو الفنان الشهير عماد حمدي]، فردوس محمد، لطيفة نظمي، نجمة إبراهيم، إخلاص عبد العزيز. أما مسرحية «حادث الطربوش» فقام بتمثيلها: محمد عبد القدوس، داود عصمت، محمد فاضل، عبد القادر المسيري، عبد الحميد زكي، يحيى نجاتي، عباس رحمي، أمينة شكيب، فردوس حسن، عايدة حسن، ماري كفوري. وقام بإخراج المسرحيتين «السيد بدير» وعاونه «أحمد ضياء الدين». والجدير بالذكر أن مسرحية «حادثة الطربوش» مقتبسة من مسرحية «القطار الشبح» التي مثلتها الفرقة الإنجليزية على مسرح الأوبرا الملكية منذ عام مضى، لذلك أهدت الفرقة لجمعية أنصار التمثيل المناظر وأسطوانات الفنوغراف وجميع المعدات والأدوات الخاصة بهذه المسرحية .. هكذا أخبرتنا مجلة «المصور»، ومجلة «الصباح»، وجريدة «المقطم»، وجريدة «البلاغ» في شهري نوفمبر وديسمبر 1934. 
والمسرحية الخامسة كانت مسرحية «السكرتير الفني» التي مثلتها الجمعية بالأوبرا الملكية في حفلة «جمعية المرأة الجديدة»، وقد حضرها رئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا، وأحمد زيور باشا رئيس الديوان الملكي، والدكتور طه حسين، والدكتور محمد صلاح الدين، والأستاذ زهير صبري. وقد اهتمت جمعية المرأة اهتماماً خاصاً باختيار الممثلات فأسندت دور المُدرسة إلى الآنسة «فتحية شريف» التي ظهرت لأول مرة كممثلة، وهي ابنة السيدة «شفيقة جبران» التي مثلت هذا الدور في فرقة نجيب الريحاني، التي مثلت المسرحية نفسها من قبل تحت اسم «الجنيه المصري». والجدير بالذكر إن المطرب «صالح عبد الحي» أطرب الحضور بأغانيه الشجية، كما أخبرتنا جريدة «الاتحاد».
أما المسرحية السادسة فكانت «المخاطرة الكبرى The great adventure»، وقررت الجمعية تمثيلها باللغة العربية وأيضاً باللغة الإنجليزية، وستستعين في ذلك بفتيات إنجليزيات من الأسر المقيمة في مصر. وهذه المسرحية قررتها وزارة المعارف العمومية على طلاب شهادة البكالوريا في هذا العام، وقام بتعريبها «صلاح الدين ذهني» أحد أعضاء جمعية أنصار التمثيل والسينما. ورغم ذلك لم نقف على دليل قاطع يفيد أن هذه المسرحية عرضتها بالفعل الجمعية في هذا الوقت، أو في أي وقت آخر إلا إذا كانت هي مسرحية «المشكلة الكبرى»، وهذا ما أرجحه. والمسرحية السابعة والأخيرة – في هذه الفترة - كانت «أبطال المنصورة» لإبراهيم رمزي، وعرضتها الجمعية بالأوبرا في احتفال جمعية طولون الخيرية الإسلامية، ومثلها كل من: توفيق المردنلي، عبد القادر المسيري، محمد فاضل، أحمد البدوي، عبد الوارث عسر، سليمان نجيب، أمينة شكيب، زوزو حمدي الحكيم، حكمت فهمي. وأخرجها توفيق المردنلي.
خلافاً لما سبق، قامت الجمعية بإعادة عرض بعض مسرحياتها القديمة، مع التفكير في مشاريع أخرى! فعلى سبيل المثال عرضت الجمعية مسرحية «المشكلة الكبرى» بالأوبرا الملكية في حفلة ملجأ الأيتام القبطي في إبريل 1934. ومثلها كل من: سليمان نجيب، وعلوية جميل، وأمينة رزق، وشويكار رفعت. أما مسرحية «نابليون» التي كتبها «السنيور موسوليني» فكانت ضمن مشاريع الجمعية، حيث قام بتعريبها «يوسف تادرس» عضو الجمعية، ومن مشاريع الجمعية أيضاً التفكير في عرض مسرحية «رصاصة في القلب» لتوفيق الحكيم، كذلك كانت مسرحية «عملية تنظف» ضمن مشاريع الجمعية وقد مصّرها سليمان نجيب. أما مسرحية «إلى الأبد» فقد عرضتها الجمعية في الحفلة السنوية لنقابة موظفي الحكومة المصرية.


سيد علي إسماعيل