الانتظار والوحدة

الانتظار  والوحدة

العدد 798 صدر بتاريخ 12ديسمبر2022

ضمن مسابقة العروض القصيرة التي قدمت بقاعة صلاح عبد الصبور بمقر فرقة الطليعة ضمن فاعليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي لدورته التاسعة والعشرون ، شاهدت عرض المونودراما “ الانتظار “ ، تأليف وإخراج / عبد الرحمن الديب ، ومن إنتاج المعهد العالي للفنون المسرحية بالإسكندرية ، والذي بدأ منذ دخول المشاهدين باحتفال شخص ما بعيد ميلاده بمفرده ينتظر شخص آخر مجهول الهوية ، وحوله ألعابه وكل مظاهر الزينة والاحتفال ، مسترسلا لنا ذكريات مناسبات أعياد ميلاده في الأعوام السابقة ، حيث نلاحظ معامل الربط الشرطي بينه وبين جميع آلامه من وفاة والده فنان العرائس في حريق بني سويف منذ 17 عامًا، وبالتحديد في يوم 5 سبتمبر 2005، ومن الجدير بالذكر أن هذا الحريق قد حدث أثناء تقديم العرض المسرحي «من منا عن نص حديقة الحيوان «، لفرقة نادى مسرح ثقافة طامية بفرع ثقافة  الفيوم  . حيث انه بعد بداية العرض قام الحارس المكلف بالمسرح بإغلاقه من الخارج على المشاهدين والفرقة، وتسبب لهب أحد الشموع في حريق امتد من ديكورات المسرح إلى فرن بقاعة الفنون التشكيلية المجاورة لبوابة المسرح ، وفيما هرول الحاضرون نحو الباب  بسبب «شمعة» سقطت من خلفية ديكور العرض أحدثت حريقًا في القاعة بأكملها وعدة انفجارات متتالية، وحدثت محاولات سريعة وقت الحادث لإخماد الحريق، لكن ألسنة اللهب التي ارتفعت وأحرقت الستائر والسجاد والديكور المكون من الخيش والورق صعّبت السيطرة عليها، وساعدها في ذلك استخدام مواد سريعة الاشتعال في تجهيزات المكان، فسقط السقف المكون من «الفوم» ليتحول إلى نيران سائلة تتساقط فوق رؤوس الجمهور والممثلين، واشتعلت الحوائط الخشبية لتحتضن النيران المتواجدين من جميع الجهات. مما أسفر ذلك عن استشهاد قرابة خمسون فنانا ، وأُصيب ثلاثة وعشرون من فنانى ومبدعى المسرح المصري ؛ ذلك الأمر الذي اعتبر مأساة من العيار الثقيل  .
ثم نجد البطل يسترسل لنا الذكرى الثانية لعيد ميلاده يسترسل لنا . حيث مرض والدته بالكانسر مما أدى إلى وفاتها ، وفي تلك الأثناء نلاحظه يحاور زوجته تليفونيا شارحا لها مدى حاجته لها ، بل وحاجة ابنتها لها رغم عدم ظهورهما أمامنا هما أيضا ، ومع هذا الى أنه بعد الانتهاء من تلك المكالمة يستكمل استرساله عن ذكراه مع أحداث عيد الميلاد فيتضح لنا الأمر أيضا أن تلك الزوجة والابنة هما ايضا قد وافتهم المنية اثر حادث أليم ، وأنه يعيش وحيدا منظرا أن يأتي إليه هو أيضا ملاك الموت ، ويذهب معه الى العالم الأخر ، عالم والده ووالدته وزوجته وابنته ليأنس برفقتهم جميعا .
فقد كان فضاء القاعة رغم بساطته أو فقره بشكل أدق إلا أنها كانت ملائمة ومناسبة لحالة وطبيعة العرض الذي كان في منزل بسيط لا يحتاج الى المبالغة أو التصنع لشخص يعيش منعزل بمفرده وحيدا كئيبا رغم جميع مظاهر الاحتفال ، ولا سيما الإضاءة فقد كانت هي أيضا في حالة مناسبة لأن تصير إضاءة منزل داخلي غير متكلفة أو متصنعة أو مبالغ فيها ، فظهرت وكأنها إضاءة ذاتية ،وذلك أيضا عبر تخلل مشاهد السيلويت التي استخدمها المخرج في تجسيد ذكرياته الأليمة مع أعياد الميلاد . ذلك باعتبار السلويت  نوع من انواع الفنون يعتمد على استعمال اللون  الناجم عن سقوط خيال المجسمات على خلفية بيضاء لإظهار الحدود الخارجية لتحدد شكلها ، ويطلق عليه أحياناً التصوير التضادي لأنه ينفذ بطريقة عكسية للإضاءة أو الرسم ، هذا بالإضافة الى ارتداء الممثل ملابسه المنزلية البسيطة الذي كان من خلالها يؤكد لنا دائما معلومة أنه منعزل وحيد بالمنزل دائما في الانتظار ، فبجميع العناصر نرى أن العرض قد نجح في إيصال تلك المعلومة وتأكيدها للمتفرج كيفما كانت الحالة .


نهاد السيد