محمد سرور: الجائزة تكريم كبير لأنها صادرة عن مؤسسة تعنى ببناء وعى الطفل العربى

محمد سرور: الجائزة تكريم كبير لأنها صادرة عن مؤسسة تعنى ببناء وعى الطفل العربى

العدد 953 صدر بتاريخ 1ديسمبر2025

فى مشهد أدبى يتجدد فيه حضور الكلمة ووهج الخيال، يواصل الكاتب محمد سرور تأكيد حضوره الإبداعى بفوزه بالمركز الثانى فى مسابقة تأليف النص المسرحى الموجه للطفل من سن 3 إلى 18 عامًا، التى تقيمها الهيئة العربية للمسرح، تحت شعار «أطفالنا أبطال جدد فى حكايتنا الشعبية». يجمع سرور بين الكتابة الروائية والمسرحية فى تنقل فنى يعكس اتساع رؤيته وتنوع أدواته. فمن الإسكندرية التى وُلد فيها عام 1987، انطلقت رحلته مع الأدب لتثمر عن أعمال لافتة مثل روايتى «لعبة السادة» و«أرض الكراميل»، ومجموعتيه القصصيتين «قط يعرى العالم» و«ثلاثة فخاخ لذئب أعور»، فضلًا عن إبداعاته فى أدب الطفل مثل قصة «أبى.. هل ترانى؟» وكتاب «سارة والدمية شموسة» الصادر عن دائرة الثقافة بالشارقة هذا العام. تُوجت مسيرته بعدد من الجوائز الأدبية المرموقة، من بينها جائزة ساويرس الثقافية، وجائزة الهيئة العربية للمسرح، وجائزة ديوان العرب، إلى جانب وصوله إلى القائمة القصيرة لجائزة كتارا للرواية العربية. وبين الرواية والقصة والمسرح، يمضى محمد سرور فى مشروعه الإبداعى بخطى واثقة، مؤمنًا بأن الأدب فعل مقاومة للجفاف والجمود.
فى هذا الحوار، نقترب من عالمه الإبداعى، ونستكشف تفاصيل رحلته، ومعنى الجوائز فى مسيرته، وعلاقته بعوالم المسرح والطفل.حدثنا عن جائزة أفضل نص مسرحى للأطفال عن الهلالى الصغير من الهيئة العربية للمسرح، وما الذى يعنيه هذا الفوز بالنسبة لك؟
فوز نص الهلالى الصغير بجائزة الهيئة العربية للمسرح بالنسبة لى لحظة تقدير وتكريم وتتويج فنى كبير. وذلك لأنها صادرة عن مؤسسة تعنى حقًا ببناء وعى الطفل العربى. وتضع المسرح فى مكانه التربوى والثقافى الصحيح. أؤمن دائمًا بأن الطفل العربى قادر على استقبال كل الأفكار الكبرى إذا قدمت له بصدق وفن، وأنه ليس من أى متلق فى العالم. فقط يحتاج إلى لغة يهضمها جيدًا. 
حين وصلنى نبأ فوز النص، شعرت بسعادة كبيرة، لكننى فى اللحظة نفسها تمنيت لو فاز عدد أكبر من النصوص، فالقائمة تزخر بأسماء ثقيلة فى مجال مسرح الطفل، وأنا على ثقة بأنهم قدّموا نصوصًا عظيمة.

وما الذى يميز جائزة الهيئة العربية للمسرح عن غيرها من الجوائز التى حصلت عليها؟
الهيئة العربية للمسرح تمتلك خصوصية لا تشبه أى جهة أخرى؛ فأرى أن جوائزها لا تُمنح لمجرد جمال النصوص فحسب، بل لأنها حريصة على رعاية مشروعات مسرحية تربوية تُسهم فى بناء وعى الطفل العربى من خلال المسرح. ويظهر ذلك فى حرصها على تحديد ثيمات محددة ولم تترك المجال مفتوحًا.
أرى أن الهيئة لا تتعامل مع الأطفال بوصفهم جمهورًا صغيرًا، لكنها تنظر إليهم كمبدعين صغار قادمين. لذلك أشعر بالفخر لفوزى معهم مرة أخرى، فهى جهة حريصة على اختيار نصوص قادرة على الإضافة إلى مكتبة مسرح الطفل العربى. وفوزى معهم مرة أخرى يُلقى على عاتقى مسئولية كبيرة، تحتم على أن أقدم الأفضل دائمًا.
وبالحديث عن الثيمات المحددة التى تطرحها الهيئة فى مسابقتها فكيف يمكن أن يؤثر ذلك على إبداع الكتاب؟
بالإضافة لما ذكرته سابقا، فهى حين تختار ثيمات محددة اجتماعية أو ثقافية سواء فى مسرح الكبار أو الطفل، فإنها لا تقيد الإبداع، بل توجهه نحو هم إنسانى مشترك. وتدفع الكاتب للتفكير بأن المسرح فعلًا اجتماعيًا ذا رسالة وتأثير قوى. أعتقد أنها تعيد للكاتب وعيه بأنه مفكر وليس مجرد صانع حكايات مسلية. لكن المهم هنا أن يتعامل الكاتب مع تلك الثيمات بخياله الحر، أى أن يتخذ الثيمة نقطة انطلاق لتحويل النص إلى تجربة إنسانية إبداعية فنية، وأن يكتبها عبر شخصيات حية، بعيدًا عن الوعظ والتلقين. وهذا بالظبط ما تفعله الهيئة، تختار ثيمات يمكن لكل كاتب أن يعبر عنها بأسلوبه وفكره.
تُعد الفئة العمرية التى تخاطبها المسابقة مرحلة انتقالية حساسة، فكيف حرصتَ فى نصك (وفى كتاباتك عمومًا) على مخاطبة ذكاء هذه الفئة، وتقديم عملٍ مسرحى بعيد عن الوعظ والمباشرة؟
الكتابة لهذه الفئة العمرية شديدة الحساسية، فهى مرحلة انتقالية صعبة بالفعل، لأننا لا نخاطب طفلًا صغيرًا يمكن سحره بالخيال وحده، ولا مراهقًا ناضجًا يستطيع فهم الرموز بسهولة، بل نخاطب عقلًا فى طور التكوين، يختبر العالم الحقيقى. لذلك حاولت أن أتعامل مع هذه الفئة بميزان حساس يجمع بين المتعة والفكرة، لأن الطفل فى هذه المرحلة يرفض الوعظ بطبعه، لكنه يستسلم للفكرة عندما يراها متجسدة فى موقف درامى. يمكن القول أننى حاولت الارتكاز على ثلاثة محاور أساسية: أولًا، الابتعاد عن الخطابة المباشرة، فكل فكرة أردت قولها عبرت عنها من خلال موقف درامى، كما فى شخصية الطفل «زيد» الذى لا يُلقى محاضرة عن التغيير، وإنما يعيش مغامرة تُمكنه من اكتشاف المعنى بنفسه، فيتعلم من التجربة. ثانيًا، اللغة، أهم وسيط للنص، وجسر مهم لعقل الطفل، حاولت استخدام فصحى بسيطة دون أن أتنازل عن جمالها، الطفل ذكى بالفطرة، ويستطيع أن يتذوق الجمال اللغوى إذا قُدم له فى قالب فنى جذاب، فحرصت على تجنّب المصطلحات الثقيلة المقعرة وفى نفس الوقت دون الوقوع فى التبسيط الزائد. ثالثا، لجأت إلى الرموز بدلًا من المباشرة، فبدلًا من قول «لابد أن نتغير»، جعلت حارسة الكتب رمزًا للجمود الفكرى، و»دنيا زاد» رمزًا للخيال، و الطفل «زيد» رمزًا للوعى الجديد، وهكذا تصل الفكرة إلى الطفل دون أن تُقال حرفيًا.

حدثنا عن نصك الفائز «الهلالى الصغير»، وما الرسالة الجوهرية التى رغبت فى إيصالها من خلاله؟
نصى الهلالى الصغير يمثل بالنسبة لى تجربة فنية جميلة أكثر من كونه عملًا مسرحيًا عاديًا. كتبته وأنا أطرح على نفسى السؤال: كيف يمكن إعادة فتح أبواب التراث أمام الطفل العربى، بحيث يراه بفكر جديد؟ أى ليس مجرد إعادة حكى الحكايات المعروفة للجميع، لكن أن يراها الطفل من منظور آخر، ويكتشف بنفسه أن لكل حكاية منظور آخر.
من هنا وُلد زيد، أعنى الطفل. طفل معاصر بسيط، جريء فى تساؤلاته، يقرأ السيرة الهلالية وعقله يرفض قبول الحكاية كما هى، فيمد يده لتغيير النهاية ليس بالطبع ازدراءً للتراث، لكن محاولة للبحث عن معنى جديد. ومن خلال رحلته، يتحول من مجرد قارئ إلى صانع حكاية، ليصبح بذلك رمزًا للطفل العربى المعاصر القادر على التفكير والاقتراح والإبداع.
يمكن تلخيص الرسالة الجوهرية للنص إذا أردت فى جملة «الخيال ليس ضد العقل، وإنما يعتبر الطريق الصحيح إليه»، وأن تراثنا يجب علينا أن نجعل أبنائنا يعيدوا اكتشافه بطريقتهم الخاصة ولغتهم. كل يوم نرى كتبا للأطفال «تعيد وتزيد» من نفس قصص التراث، دون تقديم جديد، لذا علينا النظر لتلك المسألة بوعى.
يحمل عنوان «الهلالى الصغير» إيحاءً تراثيًا واضحًا، فكيف كانت منهجيتك فى اختيار العنصر التراثى وإعادة صياغته ليناسب عقلية الأطفال والفتيان؟ وكيف تجنبت السرد التقليدى لتقديم بطلًا جديدًا معاصرًا؟
حين اخترت عنوان الهلالى الصغير كنت أدرك تمامًا أن كلمة «الهلالي» محملة بذاكرة ثقافية وجماعية، لكنها فى الوقت نفسه قد تبدو بعيدة عن عالم الطفل المعاصر. لذا تعاملت مع السيرة الهلالية ليس بوصفها سيرة تاريخية، بل اخترت منها ما يناسب وعى الطفل: الصداقة، الشجاعة، الغيرة، الوفاء، والبحث عن الحق، هذه قيم إنسانية خالدة يمكن لأى طفل أن يتفاعل معها. أيضا لم أقدم التراث بلغة فخمة أو تقاليد شعرية جامدة، بل استخدمت لغة سلسة ذات إيقاع جميل، قادرة على تُغرى الطفل بالاستماع والتخيل. وأدخلت الخيال داخل الخيال، فطفل من زمننا، يدخل السيرة القديمة، فيحاور أبطالها ويغيّر مسارهم، ولأن عقل الطفل يميل إلى التجريب، جعلت زيد يعيش التجربة بنفسه دون سماعها من راوٍ، فيتعلم منها بالعيش لا بالسمع. 
كما ابتعدت عن أسلوب الراوى الواحد الذى يروى الأحداث بالتتابع، وهو ما اعتدنا عليه فى السير الشعبية واستبدلت به بنية مسرحية ديناميكية تقوم على الحركة، والمفارقة الزمنية، والمشهد القصير.

تهدف المسابقة إلى تجسير الهوة بين الموروث والأجيال الجديدة، فهل ترى أن المسرح هو الوسيط الأمثل لتحقيق هذه المهمة الثقافية؟ ولماذا؟
 بكل تأكيد، أرى أن المسرح هو الوسيط الأصدق لتحقيق هذا الجسر بين الموروث والأجيال الجديدة، لأنه الفن الوحيد الذى يجمع بين الحكاية والإنسان واللحظة الحية فى مكان واحد. الطفل أو الفتى حين يشاهد عرضا مسرحيًا لا يقرأ التاريخ من وراء زجاج، بل يعيشه بكل حواسه؛ يرى الشخصيات تتحرك، يسمع أصواتها، يشاركها المشاعر، فيتحول الموروث من نصٍ جامد إلى تجربة حية، لهذا فالمسرح يملك ما لا تملكه الكتب. 
المسرح أيضا هو أكثر الفنون قدرة على إعادة تأويل التراث، لأنه يقوم على الفعل والتجسيد لا على النقل الحرفي؛ فهو يسمح للكاتب والمخرج والممثل بأن يقدموا التراث فى صور متعددة: رمزية، معاصرة، فكاهية، أو شعرية، دون أن يفقد جوهره. بهذه المرونة يمكن للمسرح أن يُقدم الموروث بروح اليوم ولغة العصر، فيتفاعل معه الطفل دون أن يشعر بالغربة. حين يجتمع الأطفال لمشاهدة عرض مستوحى من التراث، فإنهم يعيشون تجربة اجتماعية مشتركة تعيد إليهم معنى الانتماء والهوية. ومن هنا يصبح المسرح جسرا لا بين الماضى والحاضر فقط، بل بين الفرد وجماعته، بين الخيال والواقع، بين ما كان وما يمكن أن يكون.
الطفل المصرى والعربى اليوم يعيش فى فضاء ثقافى هجين بين المحلى والعالمى، فكيف عكست أعمالك هذا التمازج دون الوقوع فى المحلية الضيقة أو العولمة الممسوخة؟
حسنا، أنا أؤمن بأن الحل لا يكمن فى تحصين الطفل من العالم، بل فى تعميق وعيه بنفسه داخل العالم، ولذلك انطلقت فى أعمالى من الأفكار الكبرى التى يتشاركها الإنسان فى كل مكان- كفكرة الحرية، والسؤال، والمعنى، والعدالة، والبحث عن الذات - ثم ألبستها ثوبًا عربيًا مألوفًا فى لغتها وصورها ومناخها الثقافى. هكذا لا يبقى النص أسير المحلية الضيقة، ولا يذوب فى العولمة الممسوخة، بل يصبح جسرًا فلسفيا بين الذات والآخر. أتعامل مع الطفل ككائن مفكّر يطرح أسئلته الأولى عن الوجود، فكل نص عندى يبدأ من سؤال فلسفى بسيط، أو أسئلة هى عالمية بطبيعتها، لكنها حين تُطرح بلغة عربية ومن داخل بيئة مألوفة، تصبح جزءًا من الوجدان الجمعى للطفل العربى. وبدل من أن أستعين بالشعارات أو الخطابات التربوية، أترك الفكرة الفلسفية تعمل من الداخل.
الطفل يكتشف القيم لأنه اختبرها من خلال الحدث والمفارقة والموقف. فعندما أكتب مثلًا عن التسامح، أو عن الصراع بين الثابت والمتغير، أو عن حلم الإنسان بأن يغير مصيره، فأنا أكتب عن قضايا تخص الطفل فى القاهرة كما تخص الطفل فى باريس أو طوكيو، وبهذا يصبح النص عربيا فى لغته، عالميًا فى فكرته.
هل جربت توظيف تقنيات مسرحية مختلفة فى الكتابة لتنمية الوعى النقدى لدى الطفل؟
نعم جربت، اخترت عدد من التقنيات التى قد تحفز الطفل وتثير خياله، فمثلا استخدمت فى الهلالى الصغير فكرة المسرح داخل مسرح، حيث يبدأ العمل فى مدرسة يجهز فيها الأطفال عرضا عن «أبى زيد الهلالي»، ثم تنقلب اللعبة ليدخل البطل الصغير داخل الحكاية نفسها.
هذه التقنية تمنح الطفل وعيا مزدوجًا؛ فهو يرى الحدث ويشارك فى تأمله فى الوقت ذاته، فيدرك أن الحكاية يمكن أن تُروى من أكثر من زاوية، وأن الحقيقة ليست واحدة مطلقة.
وتعمدت أن تتحدث بعض الشخصيات - مثل دنيا زاد - إلى الجمهور، تسألهم وتستمع لإجاباتهم، مما يجعل الطفل شريكا فى الفعل المسرحى لا متفرجا. هذه المشاركة الحيّة تزرع فى وعيه الإحساس بالمسؤولية الفكرية. دمجت أيضا العالَم الواقعى للطفل (المدرسة، التكنولوجيا، الهاتف المحمول) بالعالم الأسطورى (السيرة الهلالية، الشخصيات البطولية) جعلت العرض يدور فى زمنين متداخلين. هذا البناء الزمنى المركب يُشجّع الطفل على المقارنة بين الماضى والحاضر، ويدفعه إلى التفكير النقدى فى السؤال: أيهما أصدق؟ وأيهما أصلح؟ وكيف يمكن أن نأخذ من أحدهما ما يخدم الآخر؟

فى رأيك، هل لا يزال الكتاب الورقى يحتفظ بمكانته أمام زحف المنصات الرقمية ووسائل التواصل؟ وكيف نجذب طفل هذا العصر للقراءة؟ 
لا شك أننا نعيش اليوم تحولًا ثقافيًا عميقًا، لم يعد فيه الكتاب الورقى هو الوسيلة الوحيدة للتعلم والمتعة، بل صار ينافسه عالم رقمى واسع وسريع الوتيرة. ومع ذلك، أعتقد أن الكتاب الورقى لم يفقد مكانته تماما، فالكتاب الورقى ما زال يحمل ما لا تستطيع الشاشات أن تقدمه(الملمس، الرائحة، الهدوء، والحميمية).
القراءة الورقية تجربة حسية وتأملية؛ لحظة يصغى فيها القارئ إلى نفسه، ولكن انا معك أن الأمر الآن مع وتيرة الحياة السريعة أصبح أصعب، ولكن دعينى أقول إنه من الخطأ أن نحاول استعادة مكانة الكتاب بالمقاومة وحدها، بل علينا أن نجعل الورق والرقمية حليفين لا خصمين. أرى أن الطريق إلى عقل الطفل الحديث هو الدمج الذكى بين الكتاب والمنصة.
يمكن مثلا أن نقدّم النص الورقى مصحوبا برمز تفاعلى (QR code) يقوده إلى مقطع صوتى، أو مشهد تمثيلى، أو لعبة ذهنية مرتبطة بالقصة. علينا أيضا الاهتمام بالمحتوى، إذا كانت القصة صادقة ومليئة بالمغامرة والأسئلة والدهشة، فسيتبعها الطفل أينما كانت. فعلت ذلك مع ابنى مالك حينما منحته كتب الغاز المغامرون الخمسة، فصار يعشقها وفى كل معرض كتاب يبحث عن الغاز لم يقرأها، فما الذى دفعه إلى التعلق بها؟ والبحث عنها بشغف؟ المحتوى بالطبع. علينا أن نكتب نصوصًا تتحدث بصدق عن عالمه، عن مشاعره وأسئلته، لا عن عالمٍ مثالى لا يراه عندها سيعود للكتاب بنفسه.

بصفتك كاتبا، كيف ترى الفارق بين نص فائز و نص جيد؟ وهل تعتقد أن معايير المسابقات تختلف أحيانا عن معايير النجاح مع الجمهور؟
النص الجيد هو الذى يحقق توازنه الداخلي؛ مثل يتقن لغته، ويضبط إيقاعه، ويقدم فكرة ذات عمق إنسانى أو جمالى، حتى لو لم يلتفت إليه أحد. أما النص الفائز فهو الذى يحقق كل ذلك، ويجد صداه فى عين لجنة تمتلك معيارًا محددًا للتميز معيارا قد يكون فكريًا ، أو فنيًا، أو ثقافيًا، بحسب طبيعة الجائزة، بمعنى آخر، كل نص فائز جيد، ولكن ليس كل نص جيد يفوز.
ثانيًا، نعم، أعتقد أن معايير المسابقات ليست دائمًا هى معايير النجاح الجماهيرى، والاختلاف هنا طبيعى ومطلوب، فالمسابقة تنظر إلى النص بعين فنية دقيقة، البناء، اللغة، الأصالة، الرؤية، الفكرة. أما الجمهور فينظر بعين العاطفة والتجربة، فهل لامسنى النص؟ هل أدهشني؟ هل وجدت نفسى فيه؟كثير من الأعمال الفائزة تقدر لعُمقها الفنى لكنها لا تصل إلى الجمهور الواسع،وفى المقابل، هناك نصوص بسيطة فى شكلها لكنها تلامس وجدان الناس بصدقها فتخلد دون أوسمة رسمية.
وهل هناك نصوص فعلا لاتصلح للعرض على خشبة المسرح، وكتبت لتقرأ فقط؟ 
أعتقد نعم. هناك نصوص كُتبت لتُقرأ لا لتُرى، وهى ما يُعرف بـ المسرح الأدبى أو المسرح المقروء - أعمال تُبنى لغتها على الشعر والفكر والتأمل أكثر من الفعل والحركة، هذه النصوص تقدم متعة فكرية ولغوية عظيمة، لكنها تفتقر إلى الدراما الحية التى تحتاجها الخشبة: الصراع، الإيقاع، المفاجأة، وتفاعل اللحظة. نجد ذلك مثلا فى بعض نصوص توفيق الحكيم (كمسرح الذهن)، أو فى أعمال رمزية لألبير كامو. 
بعض الكتّاب يقصدون أن يكتبوا مسرحا يُقرأ؛ يريدون للنص أن يكون مساحة تأمل، أو حوارًا فلسفيا داخليا. النص المقروء يعيش فى ذهن القارئ، بينما النص المعروض يعيش فى ذهن المتلقى، وهناك أيضا نصوص جميلة فى فكرتها لكنها تعجز عن التحوّل إلى عرض لأن بنيتها غير درامية حيث حوار طويل بلا صراع، وشخصيات فكرية بلا أفعال، أو غياب للتطور الزمنى والمكانى. مثل هذه الأعمال تحتاج إعادة صياغة مسرحية إذا أُريد لها أن تُقدم حية.
ما أهم التحديات التى تواجه كُتاب أدب الطفل، سواء الرواية أو القصة أو المسرح؟ وفى ظل استخدام بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى الكتابة هل تشكل تهديدا على الإبداع المؤلف؟ 
فى رأيى، كاتب أدب الطفل اليوم يواجه مرحلة صعبة من تاريخ هذا الفن وذلك لتغير طبيعة المتلقى نفسه. الطفل صار يعيش وسط عاصفة من الصور والمعلومات والخيارات، مما يجعل مهمة الكاتب شديدة الحساسية والتعقيد، لذلك أرى على الكاتب أن يقدم نصا ممتعا يدهش الطفل، وأن يقدم رسالة تربوية دون أن يتحول إلى واعظ، وهذا الخط الرفيع بين الفن والتعليم هو أصعب ما يواجهه الكاتب اليوم، فهناك فجوة بين لغة الأدب المدرسية ولغة الحياة اليومية. مهمة الكاتب أن يبتكر لغة وسطى تحافظ على الجمال والثراء دون أن تنفصل عن روح العصر.
ثانيًا:الذكاء الاصطناعى يشكل خطرًا فى الطريقة التى يُستخدم بها. فهو لا يهدد الإبداع الأصيل، لأن الإبداع الحقيقى لا يقوم على الصياغة اللغوية فحسب، بل على الوعى والتجربة. وهذه أشياء لا يمكن لأى تطبيقات ذكاء أن تمتلكها. أيضًا الخطر يكمن فى أن يُستعمل الذكاء الاصطناعى بدل الخيال البشرى، فمثلا حين يصبح الكاتب آلة تُنسّق الكلمات التى تقترحها آلة أخرى، وقتها يفقد الأدب روحه الإنسانية، أما إذا تعاملنا معه كأداة مساعدة فى البحث، أو فى توليد الأفكار، أو فى تجريب الأساليب فإنه يتحول إلى شريك فى الإبداع.
إذا تحدثنا عن النقد الأدبى فى مصر فهل يواكب حركة النشر والإبداع، أم أنه تراجع عن دوره التنويري؟ 
بصراحة، أرى أن النقد الأدبى فى مصر يعيش مفارقة كبيرة، حيث لدينا نقاد على درجة عالية من العمق والوعى والمنهج، لكن حضور النقد فى المشهد العام تراجع عن دوره التنويرى والتفاعلى، وأصبح فى كثير من الأحيان حبيس المنابر الأكاديمية أو الصفحات المتخصصة، بعيدًا عن الفضاء الثقافى الحى الذى تتكون فيه حركة الإبداع، فالقارئ لم يعد ينتظر مقالة نقدية متأنية، بل يبحث عن رأى فورى، وهذا غيّر طبيعة التفاعل بين الناقد والنص. أيضا هناك أزمة فى لغة الخطاب النقدى فكثير من الدراسات النقدية اليوم تُكتب بلغة جامدة أو نخبوية، تبتعد عن الجمهور، ففقد النقد قدرته على الوصول والتأثير. رغم ذلك، هناك جيل جديد من النقاد الشباب بدأ يعيد الحياة إلى النقد التطبيقى عبر وسائط جديدة، كالمدونات، البودكاست، الندوات المصورة، وحتى القراءة المشتركة على المنصات، وهذا التحول- إن نُظِّم واحتُضن مؤسسيًا- يمكن أن يُعيد للنقد دوره الحيوى بوصفه مساحة تفكير وحوار بين المبدع والمتلقى.
ختاما هل هناك مشروع أدبى جديد تعد له وهل سنرى قريبا الهلالى الصغير على خشبة المسرح؟
فى الوقت الحالى، انتهيت بالفعل من مجموعة قصصية جديدة موجهة للكبار، من المقرر أن تصدر قريبًا - بإذن الله - فى معرض القاهرة الدولى للكتاب القادم، وهذه المجموعة تمثل بالنسبة لى مرحلة مختلفة من الكتابة؛ فهى تطرح أسئلة عن العزلة، والتحوّل، والبحث عن المعنى.
أما عن الهلالى الصغير فلم أتلق حتى الآن عرضًا رسميًا لتحويله إلى عمل مسرحى على الخشبة، لكننى أبحث بجدية عن الجهة أو الفريق المسرحى القادر على تبنى النص وتقديمه بالرؤية التى كُتب من أجلها - رؤية تحترم عقل الطفل العربى، وتقدّم له التراث فى ثوب حيّ ومعاصر؛ فالنص فى جوهره لا يزال يحمل طاقة عرض قوية، وأتمنى أن يجد قريبًا من يمنحه الحياة فوق المسرح.


روفيدة خليفة