محمد الحضري: قدمت «شايلوك» المعاصر في «الرجل الذي أكله الورق»

محمد الحضري: قدمت «شايلوك» المعاصر في «الرجل الذي أكله الورق»

العدد 812 صدر بتاريخ 20مارس2023

المخرج محمد الحضري هو خريج كلية الحقوق جامعة عين شمس وحاليًا طالب بكلية الآداب بقسم علوم المسرح، مثل وأخرج أكثر من عرض مسرحي جامعي واحترافي، من أبرز الجوائز التي حصل عليها جائزة أفضل ممثل دور أول مركز أول فى مهرجان مواسم نجوم المسرح الجامعى عن عرض الضيف، وشارك العرض أيضًا فى مهرجان نوادى المسرح التجريبى وحصل على أفضل عرض مركز ثالث، وجائزة أفضل ممثل للفنان صلاح محمد، وتم ترشيح «الحضري» كأفضل ممثل دور تاني فالمهرجان القومي للمسرح المصري عن عرض التجربة الدنماركية، كما حصل على جائزة عصام السيد للعمل الأول للشباب كأفضل مخرج ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي عن عرض «الرجل الذي أكله الورق»، والذي تم عرضه لمدة أسبوعًا كاملًا على مسرح نهاد صليحة بأكاديمية الفنون، وكان الإقبال يوميًّا خلال فترة عرضه «كامل العدد»، عن العرض واسئلة أخرى كان لنا مع مخرج العرض محمد الحضري هذا الحوار.
-حدثنا عن كواليس «الرجل الذي أكله الورق» منذ أن كان فكرة وحتى عرضه على المسرح؟
لدي هواية وهي الذهاب لدار الأوبرا في المركز القومي للترجمة، وأبحث عن مسرحيات جديدة لم يتم تناولها، من وجهة نظري أرى أن هناك أزمة في المسرح الجامعي وفي المسرح بشكل عام، أن الكل يميل لنصوص مكرره وقضايا غربية بعيدة تمامًا عن الواقع الذي نعيشه، فكرة التوجّه للفكر الغربي كمضمون وليس كمؤلف، شكسبير قضاياه تناسب الشرق والغرب، نصوصة تتناول المشاعر الإنسانية، فوجدت كتاب اسمه «مختارات من مسرح أمريكا اللاتينية»، الواقع في أمريكا اللاتينية يشابه الواقع في مصر، الشعب والظروف والمستوى المعيشي يكادا يكونا واحدًا، فوجدت بداخل هذا الكتاب مسرحية بعنوان «رطل لحم» وانبهرت بالفكر المُعالج لنص تاجر البندقية، وكيف يتحدث عن شايلوك المعاصر «الرأسمالية» والقضية التي يتحدث عنها النص هي الديون، نحن مديونون بشكل أو بآخر بدون أن نلاحظ ذلك، فكرة الدين داخل حياتنا دون أو نشعر، من خلال خدمات على النوتة التي تقدمها الشركات أو الجمعيات وغيرها من أشكال الديون، وبالفعل قمت بالعمل عليها كدراماتورج قبل أن أعرف أين سوف أخرج هذا العمل، بالتوازي وأنا اقرأ هذا النص، كان هناك مخرج ومُجرب روسي مهم جدًا ماير هولد، يعمل بمبدأ المبالغة، بمعنى تركيب أشياء جميلة على أشياء قبيحة.
بعد الانتهاء من دراماتورج رطل من اللحم «الرجل الذي أكله الورق»، تواصل معي فريق كلية الحقوق وبدأت في مرحلة المذاكرة لمنهج ماير هولد، وللأسف لم أجد مادة كافية عنه، فتواصلت مع د. عايدة علام ، ولأنها مكتبة متحركة، ووجدت لديها في مكتبتها كتاب عنه لد. فاضل الجاب وهو قد درس منهج البايو ميكانيك مع فنانة روسية كانت تدرس مع ماير هولد ذاته، والكتاب اسمه «فزياء الجسد» به كل ما تريد أن تعرفه عن ماير هولد، قرأته وفهمته، لم أخذ منهج ماير هولد حرفيًّا ولكنني صنعت منه منهجًا شخصيًا يناسب فكري ورؤيتي.
تم عرض العرض لأول مرة في الجامعة في مهرجان الكبري لجامعة عين شمس، وكان واقع العرض على الجمهور تفاعل ووصلة من الضحك والتصفيق لا تنتهي، من أعظم الليالي كانت ليلة الجامعة، وللأسف العرض حصل على مركز سادس، ولم أشعر بالإحباط، بل كان كأنه البنزين الذي شحنني لكي أكمل هذه التجربة، وزاد إيماني بها وقررت أن يتم عرضها خارج الجامعة، وكان رهاني على الجمهور أن المتلقي هو الذي سيثبت أنني كنت استحق أن أحصل على مركز أفضل في مسابقة الجامعة، وبالفعل عندما تم عرضه خارج اسوار الجامعة أشاد العديد من النقاد بجودة العرض واختلافه، ثم يدخل العرض في مسابقة مهرجان شرم الشيخ وأحصل على جائزة أفضل مخرج لجائزة عصام السيد للعمل الأول، ولأول مرة في تاريخ المهرجان يقوم بإلغاء المراكز الثلاثة وتكون الجائزة لمخرج واحد فقط، يحصل على جزء من الجائزة مادي، والجزء الآخر منحة لإقامة عرض في المهرجان، وفجأة العرض يتم عرضه من جديد ود. محمود فؤاد مدير مسرح نهاد صليحة يطلب أن يتم عرض العرض لمدة أسبوع، عرض لغة عربية وذو فكر مختلف «كامل العدد»، بالإضافة إلى أن هناك ليالي كُنّا نضع عدد كراسي إضافية أكثر من سعة المسرح من الإقبالي الجماهيري على العرض، وهنا تأكدت أنها تجربة مستمرة وأن الجهور هو الحكم الحقيقي للعروض.

-لماذا «الرجل الذي أكله الورق»؟
عنوان النص يكون مبني على الرؤية، أرى أن العرض يبدأ من عنوانه، عنوان العرض يجب أن يكون مرتبط بشدة بمحتوى العرض، النص الأصلي اسمه «رطل من اللحم» عن تاجر البندقية، ولكن عندما قرأته وجدت أن بطل العرض أكثر شيء جعله يُعاني الورق، لقد اصبح مديونًا بسبب الورق، زوجته تطلب منه أموال وهي ورق، فيعمل كاتب حسابات على ورق، ويصبح مديون لشخص فيقوم بتوقيع ورق من أجل أن يسدد الديون التي عليه، ففعليًّا هذا الرجل أكله الورق، فاكتشفت أننا ندور وسط ذلك، فلم أجد اسمًا معبرًا عنه أكثر من «الرجل الذي أكله الورق»، المخرج هو المؤلف الثاني للنص المسرحي، أنت تأخذ النص تعيد تشكيلها.

-حدثنا عن معيار اختيارك لفريق عمل العرض؟
هذه هي التجربة الثانية لي إخراجيًّا، على الرغم أنني في المسرح من 2014، ولكن بعد أن عملت مخرج منفذ مع كبار المخرجين، وقبل أن أخرج هذا العرض أخرجت عرض «الضيف»  ودخلت من خلاله في مسابقة نجوم مواسم المسرح الجامعي عند المخرج الكبير خالد جلال وحصلت على جائزة أفضل ممثل وأصبحت طالب في مركز الإبداع الفني، منتظر فقط أن يتم البدأ في الورشة المجانية، خلال هذه الفترة الكبيرة من التنفيذ، استطعت أن أكون حصيلة كبيرة من أفضل العناصر المسرحية، بعد انتهاء كتابة الدراماتورج الخاص بتجربة «الرجل الذي أكله الورق»، بدأت أبحث عن عناصر العرض المسرحي، وكان الأفضل لطبيعة العرض،وكان الاختيار في الإضاءة لمحمود الحسيني «كاجو» مصمم الإضاءة هو يعمل بألوان خاصة، وإذا كان المسرح فارغ سوف يتسطيع أن يعطيني إضاءة درامية وليست مجرد ألوان جيدة فقط، بالإضافة إلى أنه شخص مرن جدًا، أما مصممة الأزياء هناء النجدي، من وجهة نظري أراها من افضل مصممات الازياء، وهي تصمم عروض تجريبية، وعرضي ليس واقعي، فهي مناسبة للعرض، أما الديكور فأنا عاشق للفن التشكيلي، وأحب الفن التعبيري والسريالي، فكنت أرغب في فنان يستطيع أن يُشكّل في الفراغ، وبالفعل وقع الاختيار على محمد طلعت مصمم القفص المعدني، كان تصوري أنني أرغب في قفص يتفكك وأكون من خلاله عالم الرجل الذي أكله الورق، وبالفعل تم تصميم القفص لجزئين وباب القفص يتم فكه وتركيبه،كل شيء في العرض مبنية، لم انتهي من الحركة ثم بدأت في التصميمات، بل كان كل عنصر مبني على الآخر، ومصمم الديكور محمد سباعي وهو مصمم باقي الديكور وهو طالب في كلية الحقوق وعضو من أعضاء الفريق، وهو فنان تشكيلي غاية في الروعة، ولكن هذه هي تجربته الأولى مع الديكور، الديكور يتم تطويره شيئًا فشيئًا بناءً على رؤية المسرحية، وبسنت مصطفى هي طالبة في فنون جميلة مصممة الماسكات، واستطاعت أن تقدم أفضل مما كان في ذهني، عند اختياري لعناصر العرض كنت أبحث عن الفنان أكثر من المتعارف في سوق العمل المسرحي، كل عناصر العرض يحبون هذه التجربة ومؤمنون بها.
-حدثنا عن رد فعل الجمهور والنُقّاد والمسرحيين على العرض؟
أقيس نجاح العرض من رد فعل أبي وأمي بمعنى الناس البسطاء والذين ليس لهم علاقة بالمسرح، وكان هدفي جذب هذا النوع من الجمهور لمشاهدة العرض، على الرغم أن العرض لغة عربية فصحى ومختلف جدًا وغير حقيقي، كان هدفي الأول المتفرج وتأثير العمل عليه، فيما يتعلق بالجمهور هناك فتاة قالت لي جملة لن أنساها بعد مشاهدة العرض ذهبت إلى المنزل وتحدثت مع أبي الذي لم أكن على وفاق معه منذ أربع سنوات، بمجرد أن شاهدت العرض، رأيت والدي في بطل العرض، هذا الموظف الكادح، وهذا هو التأثير الذي أرغب في الوصول إليه، فكرة أن يستطيع عمل فني أن يؤثر على علاقات إنسانية بين فتاة ووالدها فهذا ما ارغب في وصول إليه من العرض، العرض استطاع أن يحقق الصورة وجماليات العرض المسرحي بالإضافة إلى تأثيره على الجمهور،  أما آراء النُقّاد الحمد الله فكانت إيجابية جدًا، حضر العديد من النقاد والأكاديمين منهم د. عايدة علام ود. علاء قوقة والكاتب الصحفي والناقد باسم صادق وكذلك الناقد الفني محمد الروبي ود. سامية حبيب والناقد المسرحي أحمد خميس.

-هل لدينا أزمة في النصوص المسرحية وأزمة مؤلفين؟
نعم لدينا أزمة مؤلفين كبيرة جدًا، لأن معظم المؤلفين يتعامل مع نصه أنه غير قابل للتغيير أو للتعديل، وهذا حق للمخرج، النص يبدأ بنسخة المؤلف ومن حق المخرج أن يقوم ببعض التعديلات بعمل المؤلف بالتأكيد ولكن بما يتناسب برؤية المخرج، للأسف هذه الثقافة غير موجودة في مصر، تعنت المؤلفين اتجاه نصوصهم.


إيناس العيسوي