دراما سياسية لاذعة تصل إلى جنوب أفريقيا

دراما سياسية لاذعة تصل إلى جنوب أفريقيا

العدد 937 صدر بتاريخ 11أغسطس2025

على مسرح ماركت العريق  فى مدينة جوهانسبرج كبرى مدن جنوب افريقيا وحتى منتصف الشهر القادم  تعرض حاليا مسرحية “افطار  مع موجابى” التى تصنف كدراما سياسية لاذعة.
تدور المسرحية حول شخصية رئيس زيمبابوى – روديسيا سابقا- الراحل روبرت موجابى (1924 – 2019). وكان موجابى اول رئيس حكومة لهذا البلد الافريقى بعد نهاية نظام الحكم العنصرى بين عامى 1980 و1987. وتولى رئاسة الدولة بين عامى 1987 و2017 عندما أجبره انقلاب عسكرى على التقاعد قبل وفاته بعامين.
والمثير هنا انها ليست مسرحية جديدة بل عرضت للمرة الاولى عام 2001 عندما كان موجابى فى منصبه وفى اوج قوته وسيطرته على البلاد. وعرضت بعد ذلك فى دول عديدة ووصلت الى برودواى عاصمة المسرح الامريكى وكان ذلك برؤى اخراجية متنوعة. وكانت بمثابة محاولة لفهم الشخصية المعقدة والمركبة لهذا الرئيس حين كان لايزال فى السلطة.
 وتعرض المسرحية بمناسبة رحيل مؤلفها الكاتب المسرحى والاديب الجنوب افريقى اثول فيجارد الذى رحل قبل عدة شهور عن عمر يناهز 93 عاما.

فكرة قائمة
والان وبعد عشرين عاما لم تتراجع اهمية المسرحية رغم رحيل موجابى عن السلطة وعن الحياة بأسرها قبل ست سنوات.   لكن المسرحية تكتسب  اليوم أهمية جديدة.
فهى تناقش قضية مهمة فى دول العالم الثالث وهى الزعماء الذين يقودون الكفاح ضد الاستعمار فى اوطانهم. وعندما يتحقق لبلادهم النصر ويصلون الى الحكم يخاصمون الديمقراطية ويناصبونها العداء.
وكان موجابى بالفعل من قيادات الكفاح ضد نظام ايان سميث العنصرى من خلال حزبه “زانو”. وعندما تولى الحكم  كان للامور مسار أخر حتى انه قتل اكثر من عشرين الفا من معارضيه .
وربما كان هذا الاهتمام بالمسرحية راجعا الى مؤلفها وهو الكاتب المسرحى والاديب الجنوب افريقى الابيض “اثول فوجارد”.
 كان فوجارد من الاصوات العالية بين البيض فى معارضة النظام العنصرى فى بلاده وكشف عوراته وهو امر لم يتوقف عنه حتى بعد سقوط ذلك النظام رسميا فى مطلع تسعينيات القرن الماضى. وحصل على العديد من الجوائز بفضل اعماله المتميزة والتى كانت مسرحية اليوم واحدة منها.
والى جانب ابداعات المسرحية كان فوجارد وهو من اصول بريطانية وهولندية اديبا روائيا  وكاتب سيناريو، وصحفيا،  ومخرجا مسرحيا، وممثلا.
وكانت اعماله تستمد مادتها من الفترة حالكة السواد التى عاشتها   جنوب افريقيا  وعددا أخر من الدول مثل زيمبابوى وموزمبيق فى ظل نظم حكم بيضاء  في القرن العشرين جارت كثيرا على السود لصالح البيض . وظهر عدد من الزعماء السود الذن قادوا شعوبهم  مثل مانديلا لينتهى الامر بسقوط نظم العزل العنصرى نظاما نتلو الاخر.

جرأة وشجاعة
وظهر فى الوقت نفسه عدد من النشطاء البيض مثل فوجارد عارضوا النظم العنصرية ودفعوا عن حقوق السود.وتميز فوجارد بالجراة والشجاعة على نحو فاق كثيرين. وامتاز كما وصفته الديلى تلجراف البريطانية  برقي ثقافته وشجاعة كلمته وعلو همته ورقة مشاعره الانسانية، ونضوج تفكيرة، واتساع ثقافته ، وصلابة مواقفة ضد التمييز العنصري، خاصة عندما كان  ذلك النظام كان قوياً ومتمكناً وقاسياً وظالماً ومسيطراً على كل مناحي الحياة في مجتمع جنوب أفريقيا.
وكانت باكورة اعماله مسرحية من فصل واحد بعنوان (الزنزانة) كتبها في بداية مشواره مع المسرح في العام (1957) وهي مسرحية تحكي قصة حقيقة لامرأة سوداء من جنوب أفريقيا اعتقلتها الشرطة لأنها لم تمتلك بطاقة مرور وهي بطاقة كانت تصدرها الشرطة في جنوب أفريقيا لراغبى العمل  بموجب قانون خاص بها لتستخدمها وقت اللزوم اداة للبطش بالسود . وتوالت مسرحياته بعد ذلك التى عالج فيها نفس الموضوع  مثل رباط الدم فى  1963. وتوالت اعماله.
وعانى  فوجارد الأمرين نتيجة لمواقفه الصلبة في مقارعة النظام العنصرى . لكنه  ظل يحرض الناس، على المطالبة بتطبيق مبدأ المساواة للجميع.

رباط الدم
فى  مسرحية (رباط الدم)  تناول قصة أخوين  هما موريس الأسمر البشرة و زكريا الأسود البشرة. عاش الاخوان  بعيدين عن بعضهما البعض، حيث كان موريس يعيش في المدينة لكن الأيام عادت به ليعيش مع أخيه زكريا في كوخ حقير ثم تتوالى الأحداث .    

عالمية
وتعتبر مسرحيات أثول فوجارد مسرحيات عالمية رغم أنها عالجت موضوعاً له خصوصية واحدة وهو موضوع التفرقة العنصرية يرى النقاد أن فوجارد شخصية ديناميكية عملت من أجل أمة بأكملها الأبيض منها والأسود.  
 وهنا ناتى الى مسرحيته  “إفطار مع موجابي”،التى فازت بالعديد من الجوائز فى فئات عديدة من التمثيل والاخراج والمعالجة المسرحية.    كتبها  اصلا كقصة  وحولها  الى مسرحية   عرضت لأول مرة  فى 2001 وسبق عرضها أيضا فى برودواى عاصمة المسرح  الامريكى . وكانت حائزة على  عدة  جوائز.  ويقول احد النقاد ان  المسرحية تأخذنا في رحلة إلى أعماق عقل روبرت موجابي المضطرب، زعيم زيمبابوي المحترم سابقًا، والذي أصبح الآن رجلًا تطارده شياطينه وجنون العظمة السياسي.
وتدور أحداث المسرحية في أرجاء  القصر الرئاسي المتوترة والمظلمة، وتدور أحداثها كقصة إثارة نفسية مستوحاة من أحداث حقيقية. ومع اقتراب البلاد من حافة الاضطرابات، يلتمس موجابي المساعدة من مصدر غير متوقع - طبيب نفسي أبيض.  
وبعبارة اخرى يقدم هذا العمل فى نسخة 2025 ، من إخراج الفنان الشاب  كالفن راتلادي، نظرة نقدية على نفسية زعيم ممزقة في صراع مع ماضيه.
ويجسد شخصية موجابى الممثل فى هذا العرض الممثل الزيمبابوى ثيمبا ندابا حتى يكون اكثر اقناعا كما يقول المخرج. ويقيم حاليا فى جنوب افريقيا اكثر من ثلاثة ملايين زيمبابوى هرب معظمهم فى عهد موجابى ولم يعودوا بعد سقوطه لسوء الاوضاع الاقتصادية فى بلدهم.

عنف الأب
ويقول فوجارد في عام 2001، شعرتُ أن نصي المسرحي عملٌ عاجل. كانت الانتخابات تلوح في الأفق في زيمبابوي، وكان روبرت موجابي يُطلق العنان لعنفٍ رهيب في محاولته للتشبث بالسلطة. بالنسبة للكثيرين في المملكة المتحدة، لطالما كان “الرئيس بوب” وحشًا. لكن ما الذي خلق هذا الوحش، كما تساءلتُ.


ترجمة هشام عبد الرءوف