«أوبـريت الألــوان العــجيبـــة» التوظيف الدرامي للأغنية في مسرح الطفل وتنمية مهاراته

«أوبـريت الألــوان العــجيبـــة»  التوظيف الدرامي للأغنية في مسرح الطفل وتنمية مهاراته

العدد 823 صدر بتاريخ 5يونيو2023

تحت عنوان «الألوان العجيبة».. صدر للكاتب والسيناريست أحمد زيدان كتابه الجديد الذى هو عبارة عن أوبريت غنائي للأطفال من تأليفه وأشعاره، ومن إصدارات المركز القومي لثقافة الطفل برئاسة الكاتب محمد ناصف، ومن رسوم رشا منير، المسرحية للأطفال في سن العاشرة، وقد تمت الموافقة عليها بالإدارة العامة للطفل مع نص الشجرة السحرية ضمن النصوص المجازة للتقديم بالموسم المسرحي 2022 - 2023.
الكاتب والشاعر أحمد زيدان، قدم أكثر من 15 نصا للطفل، بالإضافة إلى مشاركته بكتابة الأشعار لبعض عروض مسرح  الدولة والثقافة الجماهيرية، منها: «بمالي أعمل ما بدالي» للطليعة إخراج أشرف فاروق، «بائعة الحواديت» بمسرح البالون إخراج محمد حجاج. يشغل زيدان حاليا منصب رئيس قسم الأخبار والمتابعات بجريدة «مسرحنا»، كما سبق لزيدان العمل بعدة مناصب من أهمها رئيس تحرير موقع المهرجان التجريبي طيلة أربع سنوات كاملة حتى الدورة الـ26، ونائب رئيس تحرير نشرة  المهرجان القومي عدة دورات حتى 2022، كما شغل أيضا قبل ذلك منصب سكرتير تحرير مجلة المسرح، ومدير إعلام مهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما، والمدير التنفيذي لمهرجان آفاق مسرحية الدورة الأولى، كما عمل كمدير لعدة مهرجانات مسرحية نظمتها هيئة قصور الثقافة، منها البيوت والقصور وشباب الثورة،  إضافة إلى أنه يعمل بمجال الكتابة منذ عام 1994، وله عدة كتابات نقدية حول المسرح المصري، ومتابعات لعروضه بعدة جرائد منها المصري اليوم ومسرحنا والبديل وفيتو ومجلة المسرح ومجلة أدب الطفل.
الأوبريت هو نوع من المسرحيات الغنائية كان محبوبا في الفترة بين أواسط القرن التاسع عشر حتى العشرينيات من القرن العشرين الميلادي. تطور الأوبريت من الأوبرا الهزلية الفرنسية، ولكنه يختلف عنها في أنه يحتوي على حوار كلامي بدلا من الحوار الغنائي، وعلى أغانٍ بدلا من ألحان، وغالبا ما تكون مقدمة الأوبريت خليطا من أغانٍ منتزعة من العرض وليست شيئا مؤلفا مستقلا كما هو الحال في الأوبرا.
الغرض من الأوبريت هو الترفيه وإدخال السرور على النفوس وليس إثارة العواطف القوية أو الكشف عن قضايا مهمة أو مناقشة قضية ذهنية أو جدلية، وفي كثير من الأوبريتات نجد أن عقدة القصة إما عاطفية رومانسية أو ساخرة، وفي معظم الحالات تتضمن نوعا من الارتباك حول أخطاء غير مقصودة، كما تنتهي بنهاية سعيدة كثيرا ما تعكس شيئا من المغزى الأخلاقي.
تدور أحداث النص المسرحي «الألوان العجيبة» في قالب مسرحي غنائي حول العلاقة بين مجموعة من الألوان، حيث استطاع اللون الأسود أن يسيطر على بقية الألوان، وأثبت أحقيته في الفوز بلقب «ملك الألوان» وهذه السيطرة جعلت اللون الأبيض يختفي من المشهد، ولكن نجد الألوان تتعاون فيما بعد منتجة لونا جديدا يظهر في الظلام، وتعطي الألوان بهذا التعاون رسالة مهمة وهي أن تكامل المجتمع يأتي من التنوع  والاختلاف بشرط التعاون على تحقيق التطور وليس عن طريق التماثل أو أن يتفرد لون واحد بالسيطرة على المشهد.
يحسب لزيدان هنا اختياره الصائب لفن الأوبريت في توجيه رسالته التعليمية والتنويرية هنا للأطفال، حيث إنه معني بتلك الأمور والرسائل المعرفية البسيطة غير المركبة ولا المعقدة لما فيه من متعة وترفيه، وتلعب الأغنية دورا بارزا في توصيل تلك الرسالة المعرفية لطفل المرحلة إذا كانت جزءا من الحدث الدرامي وموظفة توظيفا تقنيا دون إضافة أو إقحام.
أدرك زيدان هنا أهمية المزج بين التعبير التمثيلي والتعبير الغنائي في نصه، فخلق علاقة حميمة بين الحوار الدرامى والحوار الغنائي ويعبر كلاهما عن الآخر في هارموني متناغم ومتماسك يستحيل معه حذف أي من الأغنيات الموجودة بالنص المسرحي في شكل أوبريتات.
إن خصائص الأوبريت تتوافر جميعها في هذا النص نتيجة لملاءمته لطبيعة طفل المرحلة، بما يتسم به من قوة التضافر بين التعبير الدرامي والتعبير الغنائي.
اختار زيدان خمسة ألوان رئيسية ومعهم فرشاة رسم ليكونا هم أبطال نصه المسرحي «الألوان العجيبة» ألا وهي اللون الأبيض، الأسود، الأصفر، الأحمر، الأزرق، وتلك هي الألوان الشهيرة دوما باسم «الألوان الأم» التي تتفرع منها بقية الألوان نتيجة خلط أنواع منها بالأخرى، وهذا بالفعل ما سيحدث في النهاية عندما يدخلون في تحدٍ مع اللون الأسود الذي أراد أن ينتزع منهم لقب «ملك الألوان» لنفسه تكبرا وغرورا، فيتحدون جميعا من أجل ابتكار لون جديد يشع نورا لا يستطيع الظلام طمسه من خلال خلط بعضهم البعض لإنتاج هذا اللون الجديد المُسمى بالفوسفوري، ليثبتوا صحة نظريتهم في النهاية بأن الاختلاف هو سُنة الحياة.
استغل زيدان فكرته المسرحية عن الألوان في سرده للأطفال لكل صور الحياة المبهجة من حولنا سواء إن كانت من الطبيعة أو من قيم وصفات وفنون أو أية أشياء أخرى ذات قيمة ومعنى ينبغي على الأطفال إدراكها وتعلمها، وقد عبّر الكاتب عن فكرته تلك في الأوبريت الغنائي الجماعي للألوان من خلال الجملة التي يختم فيها اللون الأسود أول مقطع غنائي بالنص المسرحي مع بقية الألوان وهو يردد قائلا: «اجمع، كون، ارسم، لون، شكل الدنيا بالألوان».
بعد هذا المقطع الغنائي يبدأ زيدان في سرد مظاهر الحياة المختلفة مستخدما كلماته الشعرية كأداة تعليمية موازية لفرشاة الرسم بالمسرحية، الكلمات للسمع والفرشاة للتخيل، فالطفل المتلقي هنا أول ما سيتلقاه هو الكلمة المسموعة والمصحوبة بالموسيقى التي تدخل قلبه ومن ثم تفتح بعد ذلك العنان لعقله ليتخيل صورا عديدة من حوله ليراها بعينه.
(ارسم شجرا لونه أخضر.. في آيات الخالق صور.. العب فوق اللوح وفكر.. ارسم عالم بالألوان)
وأولى هذه الصور التي جسدها الكاتب للأطفال بكلماته على اعتبار أن الفرشاة هي التي تخلقها على الورق بالتعاون مع الألوان، هي صورة الطبيعة بما تحتويه من أشجار خضراء من إبداع الخالق، ومن ثم يحث بعدها الأطفال على تنمية خيالهم الفني بالرسم لمظاهر أخرى من الحياة، من غابات وفراشات وخيول وعصافير وحدائق تفوح رائحتها بالزهور وجزر وبحور، من خلال تلك الألوان الخمسة وكل ذلك يتم في شكل غنائي.
يبدأ بعدها الكاتب في إبراز أهمية الألوان في إدخال المرح والسرور والبهجة في قلوب أطفالنا بالمقطع الغنائي للألوان الذي يستعرضون فيه دورهم في هذا المرح من خلال الألوان التي نجدها على وجه المهرج.
(وترانا في وجه مهرج.. يملؤك بالضحك المبهج.. أطفال بالفرحة تلهو.. وجميع من لون أبيض)
في أوبريت قوي وبليغ يبدأ كل لون من الألوان الخمسة في ذكر صفاته ومزاياه لجمهور المتلقين من الأطفال في لوحة غنائية بديعة، ومن ثم بعدها في حوار درامي يبدأ زيدان في خلق دور لفرشاة الرسم وهي تبحث عن الألوان المختبئة منها، كي يتسنى لها الرسم والإبداع، وهو تصور جمالي متقن من الكاتب يبرز فيه من خلاله أهمية ودور الفرشاة التي لا يكتمل الإبداع بدونها، فكلاهما الفرشاة والألوان يكمل كل منهما الآخر، هذا وقد أظهرها الكاتب هنا في صورة غير مهندمة تخاف وتهرب منها الألوان، ربما أراد الكاتب من ذلك التصور عمل إسقاط على الفنان الملهم دوما الذي يسخر كل وقته للإبداع حتى ولو على حساب نفسه وحياته ومظهره، وإن كنت أرى من وجهة نظري الشخصية أنه كان من الأفضل أن يظهر الفرشاة في صورة جمالية منظمة ومهندمة حتى يحث الأطفال على الاقتداء بها والحذو بحذوها.
بعد نهاية الأوبريت الغنائي لفرشاة الرسم التي تشدو فيه بدورها في تكوين الألوان وتجسيد الأحلام، يبدأ الصراع ما بين اللون الأسود واللون الأبيض لإثبات أهمية وأحقية كل منهما في لقب لون الألوان وسيدهم جميعا في شكل أوبريت شعري بديع أحسن صنعه الشاعر زيدان، ويتضح فيه غرور اللون الأسود بوصفه لنفسه ملك الألوان وبالفصيل الذي يسودهم جميعا، مما يستفز بقية الألوان ويدفع فرشاة الرسم لوضع خطة بالتعاون مع بقية الألوان من أجل تلقين اللون الأسود درسا لا ينساه نتيجة غروره، بعدما قام بإخفاء اللون الأبيض مما نتج عنه أن عم الظلام كل أرجاء المكان، وفي أوبريت غنائي جديد تتحد الألوان مع بعضها البعض من أجل خلق لون مضيء من خلال خلط لألوان معينة منهم مع الأخرى، مما ينتج عنه لون فسفوري قوي يضيء الظلام ويتغلب على اللون الأسود الذي يعلن هزيمته واستيعابه للدرس، بأن لا حياة هنا بدون بقية الألوان وتعاونهم جنبا إلى جنب، وأن الاختلاف هو صلب الحياة وقوامها وأن الليل لا بُدّ وأن يعقبه نهار.
لم تخلُ رحلة أحمد زيدان مع الكتابة والأشعار من التكريمات والجوائز على مدار مشواره الفني حتى الآن، ومن أهم التكريمات التي نالها في حياته كان تكريمه من الثقافة الجماهيرية لنشاطه المسرحي عامي 2002 و2015، كما كرمه مهرجان السودان الحر في دورته الرابعة 2015 لتقديمه بحث حول آليات الإنتاج في مسرح الهواة، وتم تكريمه أيضا بمهرجان البقعة الدولي 2015 وتم منحه درع المهرجان لمشاركته بالتغطية الصحفية والإعلامية بفعاليات المهرجان، وكرمه مهرجان القاهرة الدولي للمونودراما في دورته الثانية, أخيرا كرمه مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي بدولة الإمارات العربية المتحدة، كما شارك كعضو لجنة تحكيم بالعديد من المهرجانات المهمة للكبار والصغار.
وتبرز أهمية التعبير الغنائي هنا والتوظيف الدرامي لها في مسرح الطفل في كونه من أهم السبل التي يمكن تحميله بالمعلومات المعرفية للأطفال وسهولة وصولها إليهم من خلال تبسيط المعلومات في قالب غنائي ممتع، مما يسهم في ارتقاء الطفل وإثراء قاموسه اللغوي وتنمية مهاراته.
وفي النص المسرحي «الألوان العجيبة» أثرى الكاتب أحمد زيدان نصه المسرحي بالعديد من المعلومات المعرفية واللغوية التي تعمل على تنمية خيال ومهارات أطفال المرحلة العمرية المستهدفة لديه، من خلال فكرته المبتكرة عن الألوان ووظائفها وخصوصية كل لون وأثره النفسي والروحي على أطفالنا وعلى مظاهر ومعالم الحياة  من حولنا، وقد تناول زيدان نصه المسرحي في قالب شعري على شكل أوبريت غنائي استعرض من خلاله كل أفكاره ومعلوماته في أسلوب بلاغي محكم قائم على انتزاع الأشعار من الحوار الدرامي ذاته وذاك أصعب أنواع الشعر، مما يصعب معه فصل كل من أحدهما عن الآخر أو الاستغناء عن الأغاني بالنص المسرحي، بعد أن صارت الأشعار هنا جزءا لا يتجزأ من الكل، ومن ضمن الجماليات بنص زيدان المسرحي هو خلوه من أي من الإرشادات المسرحية التي تزعج دوما خيال المخرجين وتحد من إبداعاتهم، بل ترك العنان مفتوحا لهم بتصور كل عناصر العرض حسب أهوائهم وميولهم وخيالهم.
نجح الشاعر أحمد زيدان في صياغة أشعار تناسب المرحلة العمرية المعني بها النص، ويستطيع من خلالها غرس عدة رسائل وقيم في نفوس وذاكرة أبنائنا، فالنص المسرحي «الألوان العجيبة» هنا قائم على مجموعة من الأهداف والرسائل المراد إيصالها للطفل المتلقي وليست رسالة واحدة فقط، وهذه إحدى مزايا ذاك النص المفعم والثري بالأهداف والجماليات، ألا وهي السعي دوما إلى تعاون الأطفال مع بعضهم البعض واحترام وتقبل كل منهم للآخر، وأهمية التعدد والاختلاف وعدم الانسياق وراء فصيل واحد، والاعتراف بأهمية الغير ووجوده، وكذا إبراز دور الفن والإبداع في تنمية تركيز وخيال ومهارات أولادنا وحثهم على النجاح والتفوق والتفاؤل والسعي نحو مستقبل مشرق. وأخيرا، جرس إنذار لكل من ينتابه الغرور وحب الذات، تلك الصفة الآثمة التي تفقد صاحبها أي حب من حوله لينتهي به المطاف إلى الفشل والندم والوحدة.


أشرف فؤاد