نزهة إلى أرض المعركة.. من يشعل الحروب

نزهة إلى أرض المعركة.. من يشعل الحروب

العدد 627 صدر بتاريخ 2سبتمبر2019

يقدم صندوق التنمية الثقافية العرض المسرحي “نزهة إلى أرض المعركة” تأليف فرنالدو آربال – ترجمة نامق كامل – أعداد وإخراج كريم شهدي، في هذه المساحة لن نتطرق إلى التعريف بالكاتب أو مدى اقتراب النص المعد عن النص الأصلي، حيث سوف نكتفي بالقول إن العرض قدم لأول مرة في مواسم نجوم المسرح الجامعي سنة 2017م، وتم استضافة العرض وتقديمه على مسرح الهناجر في احتفالية هل هلالك في رمضان سنة 1440 هجرية، الموافق مايو 2019 ميلادية، وحصد العرض الكثير من الجوائز ولذلك تم اختياره ليقدم في الدورة الثانية عشرة في المهرجان القومي للمسرح، وتدور الفكرة الأساسية عن الحرب، والعرض يسخر من هذه الحرب، وقدم العرض بشكل عبثي، فلم يحدد الزمان أو المكان، ومن هم أطراف القتال، فقد تجرد الإنسان من كل القيم النبيلة وفقد الإحساس والمشاعر الإنسانية، فقد أصبح يتصرف كالحيوان، ووصل به الأمر إلى إشعال الحروب، تبدأ الأحداث بصوت القذائف ليدخل المتلقي مباشرة في الحدث، وتحكي عن جندي (زابو – كريم شهدي) بأرض المعركة يعيش في خندق يتحدث مع قائده عبر اللاسلكي بأنه قد نفذ طعامه، وأنه جائع كما أنه يعاني من الوحدة ولا بد أن يرسل له أحدا ليؤنس وحدته، يبدأ في العزف على آلته الموسيقية التي تسري عنه في ميدان القتال، يدخل عليه والداه (السيد تبيان – نديم هشام، والسيدة تبيان – هدير الشريف) في مكان إقامته بميدان القتال (الخندق) ليطمئنا عليه ويقضيان معه يوم العطلة الأسبوعية، وقد أحضرا معهما الطعام والنبيذ وحاولا التعامل مع ابنها على أنهم في نزهة، فيقول الأب “إنه حقا مكان جميل لنزهة اليوم”، يحاول الابن أن ينهي زيارة والديه لشعوره بويلات الحرب فيقول لهما “كيف تجرآن على المجيء لهذا المكان الخطر”، لكن الأب يرفض، ويتعامل مع تحذير ابنه بسخرية، وإن ما يحدث لا يعدوا أن يكون بالنسبة له أكثر من لعبة أطفال، وأن سبب الزيارة خوفهما من شعور ابنهما بالملل ويتصرف مع الأم كما لو كانا في نزهة حقيقية فيهمهم هو ووالدته بصوت موسيقي، فهو محارب قديم، لا يخشى من الحرب، فهو يفتخر بأنه شارك في حرب سابقة، وأن للحرب أخلاقا وشرفا رفيعا، لكن الحالة الآن تغيرت، تتهم الأم الأب بأنه كان يعامل الابن بقسوة منذ طفولته، كان يعامله كجندي، هو من أرسله إلى ميدان القتال، قتل الإنسانية بداخله، يدخل جندي (زيبو – محمد مدكور) قادما من الخارج بطريق الخطأ إلى الخندق، يتعامل معه الابن بالسلاح حيث إنه في ميدان قتال، نكتشف أنه من جنود العدو، يسيطر الابن على الجندي ويتخذه أسيرا، يتعامل الأب والأم والابن مع الجندي بلطف ويأكل ويشرب معهم، ومن خلال الحوار بين الأسرة والجندي الأسير، نعلم أن الابن والجندي على الرغم من أنهما عدوان يقتتلان، فإن بينها خصالا مشتركة أهمها أنهما لم يصوبا داخل الحلقات السوداء في ميدان الرماية، أنهما يطلقان النار بدون هدف وفي النهاية يصليان للرب على من قتل بطلقات النيران، تسمع أصوات دوي القنابل، تدخل ممرضتان (نجلاء فوزي، ريهام سامي) للسؤال عن وجود قتلى بشكل كوميدي، ويدخلان مرة أخرى في نهاية العرض بعد أن قصفت القنابل الخندق ومات الجميع، لكن هذه المرة تخلعان رداء التمريض وتظهران بردائهما الأسود يحصيان عدد القتلى، ويبدآن في الإشارة إلى المتلقي، فهو ضمن حسابات مشعلي الحروب، وأنه قريبا سيموت في ميادين القتال، طالما الحروب مشتعلة. في ظل الصراعات المسلحة في بعض البلدان من عالمنا من الممكن تقديم هذا العرض مرات ومرات، لأنه حاول أن يجيب عن حل لفكرة الحرب، لكنه طرح الأسئلة! من يشعل الحروب؟ هل نية السلام كافية لإنهاء الصراعات المسلحة؟ أم أنه توجد قوى مستترة هي المتحكمة لإشعال الصراع المسلح في العالم، لتحصد المال والقوة والنفوذ من خلال قتل الأبرياء.
استخدم المخرج (كريم شهدي) لتحقيق الرؤية البصرية ديكور(عبد الرحمن شعبان) منظر واحد يعبر عن خندق (مكان لحماية وإعاشة الجندي) فهو مكان مقطوع من حديقة، وبني حوله سور وهذا السور بني جزء منه حول شجرة ميتة في دلالة على أن الحرب ستستمر دون النظر لأي شيء فكما يموت الإنسان ماتت الشجرة بفعل القصف المدمر، وبداخل هذا المكان توجد صناديق زخيرة، وهي أهم أدوات القتل في الحرب، برميل للاختباء أو يصلح لتخزين الماء، حطب للتدفئة، بوفات ومنضدة مغلفة بالخيش للطعام، آلة موسيقية وراديو، تم استخدامهما للترويح عن النفس وسماع الأخبار، وصورتان وضعتا في بروازين، الأصغر للأب والأكبر للأم، في دلالة على أن الجندي زابو يحب والدته أكثر من والده، وقد عاب هذا الديكور المنظر المرسوم على شكل طريق به شجر مشدود على بانوه وضع في الخلفية، الهدف منه تغطية الخلفية ولم يحقق استكمالا للمنظر. الملابس (كريم شهدي) عبارة عن ملابس حرب للجنود، زابو (الابن) سترة كحلي في رمادي وبنطلون بيج، والجندي زيبو (الأسير) سترة رمادي في كحلي وبنطلون بيج، في دلالة على أن الزي واحد والاختلافات بسيطة للتمييز، وعلى الرغم من هذا فهما شبه متطابقين، ويرتدي الأب والأم ملابس مدنية ويضع الأب بعض النياشين على صدره من صنعه في دلالة على أنه مقاتل سابق وكان يتمنى الحصول على النياشين، وتلبس الممرضتان بالطو أبيض، عندما تخلعاه يظهر الزي الأسود، فهو رمز لزي العزاء، أو رمز لظهور الوجه القبيح المشترك والمساند للحروب المتخفي في لباس ملاك الرحمة.
الإضاءة (أحمد محارب) تتميز باللون الأزرق في أغلب فترات العرض، مما يعكس البرودة الشديدة التي يعيش فيها أبطال العرض، وبخاصة الجنود ومدى خوف أطراف القتال من مواجهته للطرف الآخر، كما استخدم اللون الأحمر في لحظات الخطر، واللون الأخضر على الشجرة تعبيرا على الحياة، وقد استخدم الضوء الساطع في بعض المناطق بالعرض الممثل لسطوع شمس الحياة، الذي عبر عن البهجة والسعادة وحب الحياة.
اختار (كريم شهدي) الموسيقى والمؤثرات الصوتية، المعبرة عن الأجواء الغربية الدالة على بيئة النص الأصلي، وما يدور في ميدان القتال، كما أنها كانت مبهجة في بعض الأحيان وبخاصة في رقصات الأب والأم. لم يشعر المتلقي بالملل فكان لسرعة تدفق الأحداث وإجادة الممثلين ورشاقة الحوار والحركة العامل الحقيقي بالاستمتاع بالعرض على الرغم من موضوع أصوات دوي القنابل وبشاعة الحرب وما تتركه من آثار سلبية على البشر.

 


جمال الفيشاوي