جولة في مسارح العالم

جولة في مسارح العالم

العدد 859 صدر بتاريخ 12فبراير2024

كانت مفاجأة لم يتوقعها الأساتذة والطلبة في قسم المسرح بكلية كولى بمدينة اركانسو بولاية الاباما الأمريكية. أعلن القسم عن العرض المسرحي الذي اعتاد تقديمه كل أربعة أشهر. ويشارك فى العرض الطلبة والأساتذة في التمثيل والإخراج والديكور وكل شيء.  
وهذه المرة أعلن القسم عن اختيار مسرحية “أهمية أن تكون إيرنست” وهي مسرحية كوميدية من تأليف الأديب المسرحي الإنجليزي “أوسكار وايلد” (1854 – 1900) صاحب الأعمال المسرحية المتميزة والمتعددة رغم حياته الإبداعية القصيرة التي لم تتجاوز 15 عاما. كما أن حياته لم تكن سعيدة حيث نفي إلى فرنسا ومات ودفن بها بعد معاناة من مرض سري (الزهري).

إبداعات
وتعتبر هذه المسرحية واحدة من أشهر إبداعاته. وكان عرضها الأول فى حياته عام 1895 وبالتحديد في 14 فبراير من ذلك العام. وعرضت المسرحية منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا فى عشرات البلاد وبعشرات اللغات. وكانت تعرض أحيانا بشكلها المباشر كما هو الحال مع عرض كلية كولي وأحيانا بمعالجات أخرى تعتمد على نفس فكرة العمل الأصلية. كما تحولت إلى فيلم عدة مرات.
المهم أن الكلية أعلنت عن تقديم المسرحية لمدة ثلاثة أيام فى فبراير الجاري على مسرح “روبرت براون“ أكبر مسارح المدينة وتبلغ سعته 800 مقعد.
وبمجرد الإعلان تهافتت الجماهير في المدينة والولاية والولايات المجاورة على حجز تذاكر العرض حتى اضطر المسئولون عن القسم إلى مده إلى 15 يوما دون أن يتمكنوا من تلبية كل طلبات الحجز لأسباب متعددة. وأعلنوا أنهم لا يستطيعون مد العرض لأكثر من ذلك. وسوف يبحثون مع إدارة المسرح زيادة عدد المقاعد.

إيرنست مؤقتا
وتدور أحداث المسرحية حول اثنين من العزاب هما جون والجيرنون. ويقرر كل منهما تغيير اسمه إلى إيرنست مؤقتا للهروب من الحياة المملة التى يحياها. وبدأ كل منهما علاقة عاطفية مع فتاة يحاول الفوز بقلبها. وكان من المفارقات أن كلا منهما تحب فقط الرجال الذين يحملون اسم إيرنست.
ويحاول كل منهما أن يقنع حبيبته بأن اسمه الحقيقى هو إيرنست فيقودهما ذلك إلى سلسلة من الخداع والتمويه والمغامرات التى تتفجر من خلالها الضحكات.
ويسخر النص المسرحى هنا من الحساسيات الفيكتورية مع بعض الشخصيات المحبوبة والغريبة حقًا التي يمكن العثور عليها على المسرح الحديث.

كوميديا جادة
ويعتبر النقاد هذه المسرحية واحدة من أفضل أعمال وايلد بفضل المعالجة الكوميدية الهزلية  لقضايا جادة كما يقول أحد النقاد.
ويقول ناقد آخر إنها كوميديا هزلية يحتفظ فيها الأبطال بشخصيات وهمية للهروب من الالتزامات الاجتماعية المرهقة. كما أشادت بعض المراجعات المعاصرة بروح الدعابة في المسرحية باعتبارها تتويجًا لمسيرة وايلد الفنية، بينما كان البعض الآخر حذرًا بشأن افتقارها إلى الرسائل الاجتماعية. ورغم ذلك اعترفوا بأن الطابع الهزلي للمسرحية والحوار الذكي الذي عبر عن قضايا جادة كانا من عوامل نجاحها.

ذكريات
ويعيدنا بعض النقاد إلى ذكريات ليلة الافتتاح الأولى في عام 1895 فيقولون إنها كانت بمثابة ذروة مسيرة وايلد المهنية ولكنها بشرت أيضًا بسقوطه بسبب سلوكه غير السوي الذي تسبب في صدور حكم عليه بالسجن لمدة عامين مع الأشغال الشاقة.
وعلى الرغم من النجاح المبكر للمسرحية، تسببت سمعة وايلد السيئة في إغلاق المسرحية بعد 86 عرضًا. وبعد خروجه من  السجن، نشر المسرحية من منفاه في باريس، لكنه لم يكتب المزيد من الأعمال الكوميدية أو الدرامية بعدها حتى أصابه المرض ولقي  قدره المحتوم.
وكما ذكرنا تحولت المسرحية إلى فيلم ثلاث مرات كان أولها في عام 1952 حيث قامت ببطولته اديث ايفانس التى سبق أن جسدت نفس شخصية  ليدى بلاكنيل على المسرح قبلها بسنوات. وتحولت إلى فيلم مرة أخرى عام 1992 وكان كل أبطالها من السود. ومرة ثالثة تحولت إلى فيلم عام 2002.
ويعتقد أنه كتب المسرحية بعد نجاح مسرحية مروحة الليدي وندرمير وهي عمل آخر من أعماله المسرحية الناجحة والتي تم تقديمها أيضا في أشكال مسرحية وفنية عديدة.     

المسرح في أمريكا اللاتينية
مسرحية عن المسرح في تشيلي
ممثل على وشك الانهيار بسبب مواهبه
لا نكاد نعرف الكثير عن المسرح في أمريكا اللاتينية رغم أنه في هذه البقعة من العالم توجد تجارب مسرحية لا بأس بها تستحق أن نتعرف عليها.
والتجربة التي نتعرف عليها اليوم في تشيلي أقصى جنوب القارة  وهي مسرحية “الانهيار” التي تقدم حاليا على أحد مسارح العاصمة سنتياجو. ومن المفارقات الطريفة أنها مسرحية عن المسرح والحياة وراء كواليسه.
فهي تدور حول بيتو الذي يجسد شخصيته روبرتو بيلوني وهو ممثل مسرحى لا يشعر بأنه جسد أدوارا تتفق مع موهبته التي يؤمن بأنه يتمتع بها أو أنها تستحق موهبته بعبارة أخرى.
ويستعرض بيتو مجموعة من الشخصيات التي جسدها من خلال الفرقة المسرحية التي يعمل فيها وهي فرقة تدعمها الدولة. وكيف كانت كلها شخصيات ثانوية لا ترقى إلى مستوى طموحه. وكان من هذه المسرحيات بعض عيون المسرح العالمى.
ومن  المسرحيات التى أدى مقاطع منها  مسرحيات كلاسيكية مثل  مسرحية شكسبير “العاصفة” ومسرحية “الحياة حلم” “لكالديرون دي لا باركا” وهو من كبار كتاب المسرح فى أمريكا اللاتينية. ويجسد شخصيات يتمنى أن يجسدها على المسرح مثل شخصية كريون وهيبوليت من مسرحية فيدرا وغيرها.

خلافات
وتصور المسرحية خلافاته مع المسئولين في الفرقة خاصة كلاوديو مديرها الفني الذى يرى أنه السبب الرئيسي لمشكلته حيث يرى أنه يسعى إلى إرضاء الجميع على حساب العمل الفني. وهو يشعر بالغيرة من الممثل الرئيسي للفرقة، كيكي، الذي تسند إليه غالبا الشخصيات الصعبة والمعقدة التي يتوق بيتو إلى تجسيدها. ولذلك يراقب كل تحركاته وينتظر منه أن يخطئ حتى يتمكن من الركض إلى كلاوديو ليتذمر لأنه خذل الشركة (والأهم من ذلك الجمهور).
 ويتأمل بيتو حالة  الممثلة الرئيسية إيفا التى تقترب من الستين من عمرها، وهو يروي قصصًا عن قيامها بدور أنتيجون بمكياج ثقيل وشعر مستعار غير مقنع للجمهور كما حدث فى تجسيدها لمشهد وفاة انتيجون.
 ويلاحظ بيتو أنها تستخدم أنواعا من المهدئات فيحاول أن يستخدمها لتدبير الانتقام من كيكي بدسها له في طعامه وشرابه.  
وأخيرا يتراجع عن هذه الرغبة الشريرة عندما يلتقى “أن” الممثلة الشابة التى تنجح بجمالها وبراءتها فى صرفه عن خططه الشريرة ويعقد العزم على أن يسعى إلى تحقيق هدفه بمزيد من الجهد والعرق والإجادة بدلا من التأمر على الآخرين.

تنافس
ويقول ناقد جريدة Theatre news وهي جريدة إلكترونية أمريكية إن بيلونى وزملاءه تنافسوا فى الإجادة. كما تميز بيلونى نفسه بالقدرة على الانتقال السلس والسريع بين الشخصيات العديدة التى جسدها بأسلوب أداء مختلف نال التصفيق الحار من المشاهدين بل من طاقم التمثيل أحيانا. جمهور. وكان أداؤه رشيقا يشير إلى ممثل مبدع جعل الجمهور لا يشعر بالملل على مدى 90 دقيقة هي زمن عرض المسلسل على فصلين. وبعبارة أخرى كان  يريد أن يكون محبوبًا ولكن لا يمكنه إلا أن ينتقد كل من حوله. كيكي هو عدوه ويصبح التنافس أكثر سخافة بشكل تدريجي مع   المسرحية.
ويشيد الناقد بالإخراج الذى قام فيه إميليانو ديونيسي بإخراج نصه الممتع، بسرعة مذهلة في بعض الأحيان تجعل المشاهد يلهث وراء المتابعة لكن ذلك لا يقلل من الاستمتاع بالعرض الذي تم تقديمه بإمكانيات متواضعة وتم الإعداد في فترة محدودة.
وأشاد الناقد بالديكور الذي استخدم الكراسي بنجاح في التعبير عن المشاعر المتباينة لبيتو. كما يرى أن بيلونى كان متأثرا إلى حد كبير بشخصية هاملت وإن كان ذلك لا يعيبه كثيرا.


ترجمة هشام عبد الرءوف