يا.. شيخ سلامة التناقض أداة تستحضر الماضي

يا.. شيخ سلامة     التناقض أداة تستحضر الماضي

العدد 805 صدر بتاريخ 30يناير2023

يورث النقصان التوتر والشك لكنه في نفس اللحظة يشكل فضاءاً لتوقعات وآمال مراوغة ذلك إذا كان الحاضر الآني نقيضاً للكامن في عمق الذاكرة، فالحاضر بحضوره المخايل يتناقض مع الماضي الأصيل وهو ما يبدو جلياً في عرض «يا.. شيخ سلامة» تأليف وأشعار  «يسري حسان « إخراج «محمد الدسوقي» و يعرض في قاعة صلاح جاهين بمسرح البالون، العرض يبدأ بصخب وموسيقى أغاني المهرجانات، واستعراض يتوافق مع طبيعة الموسيقى وغناء أقرب إلى اثارة الضجيج في محاولة لإثارة استياء الجمهور، و يتم تأكيد التناقض حال حضور دكتورة تبحث في التاريخ الموسيقى وتركز على الشيخ سلامة حجازي، والذى كان يسكن في نفس المنزل الساكن فيه صاحب أحد القنوات وهو الداعم لأغاني المهرجانات،  وبذلك نري الواقع الفني الغنائي والموسيقي بصورة أكثر وضوحاً فالموقف الحاضر يؤكد على التناقض الذى يبدأ أولاً  بالصوت الجميل لفتاة أغاني المهرجانات والتي تغني ما يتطلبه السوق في حين أنها ترغب في تقديم فن هادف، وهو ما يجعل موقفها شديد الالتباس على مدار العرض فهي تتراوح بين الرغبة في الغناء الجيد وبين الرغبة في أكل العيش على حد تعبيرها، أيضاً ما يشير إلى التناقض حضور الدكتورة والتي تتناقض مع هذا المكان الذى أصبح يحتفي بما هو رديء، هذا إلى جوار التناقض الواضح بين ملكية صاحب القناة لبيت سلامة حجازي الذى كان أحد المطورين للمسرح الغنائي المصري في بداياته، أما صاحب القناة فهو يساهم في افساد الذوق العام من خلال انتاجه للأغاني الهابطة ومع هذا فهو يملك تناقضاً واضحاً بين ما في عمق ذاكرته الإنسانية عن الفن الأصيل وعن سلامة حجازي وبين ما يفعل ويقدم للجمهور من منتج فني دون المستوى اللائق.
يدعم المؤلف والمخرج من سلطة التناقض وفرض هيمنته على العرض المسرحي من خلال المفارقات الزمنية المختلفة، والتي من خلالها يستطيع المؤلف «يسري حسان» عبر بناءه الدرامي أن يظهر سلامة حجازي على خشبة المسرح، وذلك من خلال إيقاف تتابع زمن الفعل للحظات ليسيطر زمن الحكي لأحداث الماضي من خلال الاسترجاع فيظهر سلامة حجازي بين مشهد وأخر على مدار المسرحية ليتنقل الحدث الدرامي بين الأزمنة مساهماً في اكتمال البناء المسرحي، وتتم المماثلة بين بعض  ما كان في الماضي وما هو حاضر وآني ففي لحظة زمنية  يقدم المخرج  بداية القرن العشرين حيث منيرة المهدية وهي تغنى كلمات لا تتناسب مع صوتها، ولا ترتقي بمستوى الذوق العام مثل (الحب دح دح) وتتم المقارنة بشكل واضح بين بعض الأغاني الحالية التي لا تحمل معنى ولا تتناسب مع الارتقاء بالمجتمع، وكما يصنع المؤلف التحول الدرامي في شخصيات الحاضر يشير اليه في شخصيات الماضي وقد كانت نقطة التحول لمنيرة المهدية تعاونها مع سلامة حجازي فقد لحن لها أغاني ذات كلمات بها معانى تستطيع أن تبقي، واذا كان سلامة حجازي هو النقطة التي تحولت عندها مسيرة منيرة المهدية فهو أيضاً النقطة التي تحول عندها مجتمع العرض في الزمن الحاضر ومجموعة أغاني المهرجانات  فتذكر سلامة حجازي والاشارة إلى مسيرته وأنه صاحب المنزل والتاريخ الطويل في الغناء المصري ومسرحه يجعل من صاحب القناة ومجموعته يتذكرون ما هم أمامه من مسؤوليات تجاه الذوق العام ويقررون أنهم سيقدمون غناء يرتقي بالذوق العام ويدعمه جمالياً.
لم يكن سلامة حجازي مغنياً فقط وإنما كان ملحناً أيضاً وصاحب صوت مميز وله قدرة على تعليم الموسيقي ومقاماتها وطبقاتها المختلفة، وقد تعامل المخرج «محمد الدسوقي» مع الحركة المصممة لسلامة حجازي بشكل أكثر مرونة ففي لحظة يكون الجمهور تلاميذه وهو يقدم لهم الدروس في الموسيقي، ولحظة أخري يكون الجمهور الآني هو جمهور الحفلة التي يقدمها، وفي لحظة أخرى يجعل فيها المخرج جمهوره مشاركاً في العرض فيحمله المسؤولية لأنه يرحب بالأغاني الهابطة ويتفاعل معها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت مسمى الترند.
لا يترك المؤلف والمخرج الأفعال الدرامية في فضاء العرض المسرحي دون إبراز الدوافع فضيق ذات اليد بالنسبة لبعض الفنانين جعلهم مضطرين لمجاراة السوق وتقديم الأعمال دون المستوى الفني الجيد.                                                                            ويساهم الديكور في ادخال المتلقي في حالة العرض عبر تغيراته المختلفة والتي تشكل دوراً أساسياً في العرض، الديكور ل «د. حمدي عطية» ساهم في تدعيم دراما العرض وخدم اللحظات الدرامية المختلفة فقد قسم قاعة صلاح جاهين إلى جزء للجمهور في مستوى أعلى قليلاً وهم يشاركون بالأدوار التي حددها المخرج لهم داخل العرض كمستمعين سلامة حجازي أو تلاميذه أو غير ذلك ومنطقة التمثيل يمين المتفرج بها منزل سلامة حجازي الساكن فيه الآن منتج الأغاني الهابطة، وفي منتصف العمق بوابة الحارة ويسار المتفرج بانوهات تتحرك في يسر وقت الحاجة ليظهر منزل سلامة حجازي قديماً وكأننا نراه من الداخل الآن وبزاوية رؤية مغايرة، وعندما تكون البانوهات مغلقة يصبح المكان قهوة وتارة أخري يكون مسرح لمنيرة المهدية.
الملابس « هبة جودة» ساهمت في تدعيم الزمن الماضي لسلامة حجازي  أوائل القرن العشرين بالملابس ذات الطراز القديم من بدل وطرابيش وفساتين، وفرقة الزمن الحاضر المقدمة للمهرجانات وبهرجتها والوانها .
التوزيع «محمد الكاشف» وكانت الآلات المستخدمة تتوافق مع مصرية سلامة حجازي حيث العود والناي والات الإيقاع الشرقية، وفي الأغاني الصاخبة كانت الأصوات المخلقة عبر التكنولوجيا تتصدر الصوت، أما الألحان «على الهلباوي» تتوافق مع كلا الاتجاهين في الغناء سواء الأغاني الصاخبة أو أغاني سلامة حجازي والذى يؤديه الهلباوي بشكل متقن تمثيلاً وصوتاً غنائياً.                                                                                             
وقامت «نهلة خليل» بدور الدكتورة الباحثة في التراث الموسيقى وهي تمتلك صوت غنائي مميز، وأداء تمثيلي يعتمد التعبير الصادق عن الكلمة.
وأدت “سلمى عادل” دور بغاشة وهي مطربة شعبية وخطيبة أحد مطربي المهرجانات، ولديها صوت غنائي مميز وتؤدى الدور الموكل اليها بشكل جيد.
وقدم دور كماشة “مراد فكري” وهو أحد مطربي اغاني المهرجانات  وقد أدى الدور الموكل اليه بشكل يتوافق مع الشخصية، وهو من أكثر الأدوار الدرامية القادرة على ابراز منطق التناقض في العرض من البداية.
“حسنى عكري” في دور مخرج اغاني المهرجانات وصاحب القناة  واستطاع أن يقدم دوره بشكل يعبر عن طبيعة الشخصية، ومنطقها الدرامي، و”احمد شومان” في دور الشاعر فتلة وقدمه بشكل كوميدي يثير الضحك، و”سيد عبد الرحمن “ في دور المعلم صاحب القهوة، “يوسف عبيد” في ثلاثة أدوار مختلفة الأداء وقد أجاد في التعبير عن طبيعة كل شخصية و اعتمد الكوميديا في الأداء وهو ممثل يمتلك أدواته.
ومجموعة الممثلين والاستعراضيين (محمد عمر، أحمد مصطفي، زهرة إبراهيم، سحر عبد الله، صابر عبد الله، ريهام درويش، محمد أبو عيسى، محمود بيومي، إبراهيم غنام، شيماء الهلالي، حبيبة رشاد، محمد السبكي) وقاموا بأداء ادوارهم بما يتناسب مع دراما العرض.
تصميم الاستعراضات اشرف شرف وتدريب محمد صلاح ورشا نور وكانت الاستعراضات معبرة عن اللحظة المطلوبة، وتتوافق الحركة الجسدية لكل مؤدى مع باقي المجموعة.
الإضاءة “بكر الشريف”  بها العديد من الانتقالات ووفق مصمم الإضاءة في ان تتناسب الإضاءة مع الدراما، والمكياج “روبي مهاب ومحمود إسحاق”، وهيئة الإخراج إبراهيم أبو النجا، نهى بدر، محمود إسحاق، مخرج منفذ وليد صلاح الجلاد وشيماء ربيع،احمد يونس.                                                                       ومن الهام في هذا العرض أنه يؤكد على أهمية الكلمة، وأن العمل الفني الغنائي في الأساس يعتمد على الكلمة، ويشير عرض “يا.. شيخ سلامة” إلى أن الكلمة هي جوهر اهتمام سلامة حجازي وقد كان دائم التأكيد عليها على مدار العرض مما يؤكد على أن الغناء الجيد الهادف يبدأ  أولاً من الكلمة.                                                                            


داليا همام