تاريخ مسرح نجيب الريحاني وتفاصيله المجهولة(31) كشكش بك في البرلمان!!

تاريخ مسرح نجيب الريحاني وتفاصيله المجهولة(31) كشكش بك في البرلمان!!

العدد 858 صدر بتاريخ 5فبراير2024

استمر الريحاني في عروض الفرانكو آراب، وعرض مسرحيته «جنان في جنان» على خشبة مسرحه بشارع عماد الدين في يناير 1928. والمسرحية كالمعتاد من تأليفه بالاشتراك مع بديع خيري، وقام فيها الريحاني بدور «كشكش بك» عمدة كفر البلاص مع مجموعة من الممثلين والممثلات، منهم: جبران نعوم في دور المجنون، ومحمد كمال المصري «شرفنطح» في دور العسكري، وألفريد حداد في دور الشامي، وعبد الفتاح القصري في دور الممثل، ومحمد التوني في دور الشاب، ومحمد مصطفى في دور رئيس الحرامية، وحسين إبراهيم في دور المرأة أم أحمدـ ومحمد عبد النبي في دور خادم الفندق، وبطلة العرض الراقصة كيكي، والمدموازيل رنيه.
نشرت مجلة «الجديد» موضوع المسرحية قائلة: كش كش بك عمدة قادم من الأرياف لا يزال على فطرته الساذجة، ولكنه ككل إنسان يحب النساء ويميل إلى حديثهن. فلما نزل بالفندق أغروه بأن يتخلص من ثياب العمدية ويستعيض عنها بثياب السهرات كي يحضر حفلة تقام في الفندق فيها نساء. فإذا انطلق لهذا الغرض أقبل شامي يتوجع لألم في ضرسه وينتظر قدوم الطبيب الذي تأخر، فيقوم المريض بضرب الجرسون الذي وعده بإحضار الطبيب سريعاً. في هذه اللحظة يدخل كشكش بك في ملابس السهرة فيزعم الجرسون أن هذا هو الطبيب لينقذ نفسه! ويضطر كشكش إلى تمثيل دور طبيب الأسنان كون الطبيب يجذب النساء، ولكنه تورط في تمثيل دوره فاضطر إلى قيامه بخلع ضرس الشامي، فيستعمل في ذلك الكماشة والقدوم والمسامير والحبال! فيغمى على المريض الشامي من فرط الألم فيحسبونه مات، فيختبئ كشكش في صندوق ساعة كبيرة. وبعد قليل يسطو اللصوص على المكان فيسرقون الساعة وبداخلها كشكش ويحملونه إلى مغارتهم، ويخرج كشكش من الساعة بعد انصراف اللصوص ليجد نفسه أمام رجل مجنون هائج لا يفهم أقواله ويضطر إلى مداراته في الوقت نفسه كيلا يفتك به، فتحدث مواقف مضحكة كثيرة. ثم تأتي امرأة عجوز كانت تنتظر «عريساً» فترى في كشكش الزوج المنتظر، وهنا أيضاً تحدث مواقف غاية في الفكاهة والإبداع. وتنتهي المسألة بأن يقتحم البوليس المغارة ويقود الجميع إلى القسم، وهناك نرى شخصية «الأومباشي الشهيرة» وهو ذلك الرجل الذي يرى الحكومة ممثلة في شخصه، فإذا هو يصول ويجول إذ كان بحضرة أحد من الجنس الخشن! أما إذا كان بحضرة جميلة من الجنس اللطيف فهو يتضاءل ويتضاءل فإذا بك تراه يبرم شنباته!! وهذا الأومباشي متعجرف متغطرس أحمق غبي لا يفهم شيئاً وهو مع كبريائه هذه لا يعف عن أن يأخذ من الباعة حزمة من الفجل ورغيفاً ليأكلهما. وتنتهي الرواية بحضور وكيل النيابة الذي تظهر له براءة كشكش بك من تهمة رئاسته لعصابة اللصوص لأنه ضبط في مغارتهم فيطلقون سراحه ويسجنون الباقين.
المسرحية التالية لم يقدمها الريحاني على مسرحه بشارع عماد الدين كالعادة، ولم يقدمها أمام جمهوره .. بل قدمها في أحد قصور الأمراء وأمام ضيوف الأمير في حفلة خاصة!! والجميل في الأمر أن المسرحية جديدة ولم يسبق عرضها، وأيضاً لم تُعرض بعد ذلك، كونها قصيرة ولا تصلح لجماهير المسرح، وتُعد فصلاً مضحكاً!! هذه المسرحية عنوانها «كشكش بك عضو في البرلمان»، وأشارت إليها مجلة «الناقد» في منتصف فبراير 1928 قائلة: «أقام سمو البرنس «محمد علي» حفلة خاصة في سرايته بالمنيل، أحياها الأستاذ نجيب الريحاني وقد تلقاه سمو البرنس بكل لطف وكرم، وما كاد ينتهي حتى هنأه وهنأ أفراد فرقته واحداً واحداً فخرجوا داعين شاكرين».
وقد أشار إلى هذه الحفلة الناقد «جمال الدين حافظ عوض» في مجلته «الستار» قائلاً: «إذا علمت أن سمو الأمير محمد علي، دعا إلى منزله فريقاً من نواب مصر وشيوخها وأعيانها إلى حفلة ساهرة في سرايته وأنه انتخب الأستاذ نجيب الريحاني من بين جميع ممثلي مصر، لتفكهة زائريه، وإدخال السرور على قلوبهم لفهمت لماذا ألقبه دائماً بملك الفودفيل، وسيد التمثيل الكوميدي في مصر».
وبالرغم من أن الخبر لم يذكر اسم المسرحية، إلا أن المجلة ذكرته في عددها التالي مع نشر النص كاملاً – كونه قصيراً – في صفحتين، قائلة: «كشكش بك عضو في البرلمان»، رواية تمثيلية ذات فصل واحد، وضع نجيب الريحاني وبديع خيري. مُثلت لأول مرة في قصر الأمير «محمد علي»، تقع حوادث هذه الرواية في قرية كفر البلاص أمام دار العمدة». وهذا هو نص المسرحية:
دنقل: وَه .. قدم يا شيخ دكروري، قرب يا حاج غانم، خُش يا عم عويس خش زمانه جاي العمدة بتاعنا البطل الكلمنجي.
عويس: موش أبو الكشاكش .. وإحنا حدانا كام أبو الكشاكش في كفر البلاص .. يا سلام سلم على فلاحته وفصاحته ونصاحته .. النبي أحسن يا رجالة النبي أحسن .. والله صحيح عرفنا نستنخب بني آدم يطول رقبتنا في البرلمان.
دنقل: ماهية البلد رُخرة من محبتها فيه صوّتت له كلها.
أحدهم: كفى الله الشر .. تفها من بقك يا شيخ .. صوتت له .. صوتت للعدو اللي يكرهه .. يقولوها وأنت الصادق إدته أصواتها.
قاسم بك: سلام عليكم يا أهل الله.
الكل: وعليكم مزيد السلام يا أفندم.
قاسم بك: كل انتخاب إن شاء الله وأنتم بخير.
الكل: عقبال عندك وعند الأنجال.
قاسم بك: هو لسة ما شرفش العمدة ولا إيه؟!
أحدهم: من إمتى! ما هو مشرف بس على بال ما يلملم حاجاته ومحتاجاته ويروح على مصر مصحوب بألف سلامة.
أحدهم: إلا قولي يا سي قاسم بك.
قاسم: نعم
أحدهم: نعم الله عليك، هو لا مؤاخذة البتاع البرلمان ده اللي حايتوظف فيه جناب البيه العمدة يبقى تبع أنهي مصلحة؟
قاسم: أنهي مصلحة؟ طبعاً تبع مصلحة الأمة.
أحدهم: عجايب .. بقى فيه مصلحة حدانا في القطر المصري اسمها مصلحة الأمة؟
أحدهم: أيوه يا شيخ عوف أمال إيه مصلحة الأمة ومصلحة الصحة العمومية ومصلحة التنظيم ومصلحة المجاري.
قاسم: تنظيم إيه وتعظيم إيه .. مصلحة الأمة يعني منفعة الأمة.
أحدهم: هيه فهمت يعني من ضمن المنافع العمومية.
قاسم: لا وأنت الصادق مصلحة الأمة يعني إن البرلمان ده عبارة عن هيئة شعبية مكونة من أشخاص مطلعين متنورين هم في الحقيقة خلاصة البلد. انتخبتهم الأهالي علشان يتكلموا بلسانها ويعبروا عن طلباتها ويبحثوا في قضيتها العظيمة الناس دول مهمتهم خدمة البلد في كل شيء يعود عليها بالخير والسعادة من زراعة من تجارة من سياسة من صناعة.
أحدهم: يا سلام سلم يا ولاد .. دي زحمة قوي .. دي بقى على كده عمدتنا قدامه مطاحنة جامدة .. إلهي وأنت جاهي ربنا يكون بعونه. ده عمره لا فتح تجارة ولا راح صنعة .. ربنا معاه والسلام.
زعرب: وسع يا جدع أنت وهو .. جناب البيه العمدة شرف.
الكل: يا مرحبا يا دي النهار الأخضر .. يا دي النهار الحراتي الحلو.
كشكش: سلام عليكم.
الكل: يا تلتمية .. وعليكم السلام
كشكش: ديهدي .. سي قاسم بك هنا بجلالة قدره .. أنت مكلف خاطرك في السقعة دي وملطوع وياهم هنا .. لا والله فيك الخير يا قاسم بك.
قاسم: أنا في الحقيقة يا جناب العمدة ما جتش أحتفل بشخصك
كشكش: ديهدي أمال بشخص مين بقى .. إياك انتخبوا حد تاني؟
قاسم: ما جتش هنا أحتفل بشخصك بصفتك عمدة كفر البلاص.
كشكش: أمال بقى عمدة كفر إيه؟ كفر أبو شحيبر؟
قاسم: أنا جاي أحتفل بكشكش بك النائب المحترم .. كشكش بك اللي حايكون ماسك في إيديه زمام دايرة بزيتها يا ينفعها بأفكاره النيرة ويسعدها .. يا يضرها بلخمته ويخليها خل!
كشكش: خل؟ خل إزاي بقى .. ربنا يستر يا قاسم ويجيب العواقب سليمة .. أنا أقول لك الحق .. أنا حاسب ألف حساب للشغلانة الخطرة دي .. أيوة .. أنا ما أخبيش عليك هليهلي وتفاريحجي وبحبوح .. وزي ما أنت عاوز .. لكن إمتى؟ موش في مسائل تعوز الجد زي دي. لهه أنا موش عارف إن الحمل اللي حاشيله ده حمل يقطم الوسط .. وإن البلد اللي خيرها عليّ من رجلي لحد أكتافي تنتظر مني في ساعة زي دي إني أشمر وأتجدعن وأرد لها ولو جزء بسيط من الدين إللي عليّ.
قاسم: ما شاء الله يا كشكش بك .. غريبة من راجل خباص زي سعادتك ولا مؤاخذة أنه يقدر مسئوليته الهائلة في موقف زي ده .. أقولك الحق ما كنتش بأفتكر أن دوار العمدة يحتوي على بني آدم بالشكل ده.
كشكش: سبحان الله أمال يا قاسم بيه كنت بتفتكر يا ترى يحتوي على إيه؟ على معزة؟ على شرابة خُرج؟ على طرطور؟ على شخشيخة؟
قاسم: العفو العفو يا بيه ماهوش غرضي إنما كده بصراحة أنا كنت متخوف لتكون يالله السلامة من الجماعة إياهم اللي على الله الشفا.
كشكش: على الله الشفا .. يا عيب الشوم يا رعية كفر البلاص .. قال على الله الشفا .. طب ده أنا يعلم ربنا يا أولاد من ساعة ما سقفتولي وهتفتولي واستنخبتوني .. لا غفلت عيني لحظة ولا دقت ريحة النوم. أيوه معلوم لهو دي حاجة قليلة .. على الله الشفا؟ بقى ناس يسلموني دقنهم وأضيعها وعلى الله الشفا! بلد بزيتها يوضع ثقتها في العبد لله وتشيعوا يجاهد ويدافع عن مصالحها ويرجع لها آخر المتمة مدلدل ودانه وعلى الله الشفا! طب قسماً بالله العظيم وعليّ الطلاق بالثلاثة ما يمكن أبداً كوني أضيع دقيقة واحدة في جنس شيء ما يُعدش على البلد بالنفع اللي أنا طالبه لها. على الله الشفا .. صحتي على الله الشفا .. أموالي على الله الشفا .. حياتي كلها على الله الشفا .. لكن بلدي وطني ولاد جنسي أهل دايرتي رقبتي فداهم وأنا بعد كده على الله الشفا.
الكل: يا صلاة الزين يا صلاة الزين .. يسلم نفسك يا أبو الكشاكش
أحدهم: على فكرة يا جناب العمدة أمنتك والأمانة صعبة لم تنسه تطلب لنا البحبحة في الري .. تخليهم يسيبوا لنا الترع لحد ما تبشبشنا خالص
كشكش: ما تخافش يا جبروني واخد بالي إن ما وحلتها لكم وزلقتها وخليت ميتها للركب ما أكونش آني!
أحدهم: إلاهي يعمر بيتك
أحدهم: والسكة الحديد يا جناب العمدة عايزين لنا إكسبرسات ومفتخرات
كشكش: ومترو كمان ما يهمكش يا وله
أحدهم: والولية شلبية مراتي
كشكش: مالها
أحدهم: مطالباني بنفقة وأنا زي ما أنت عارف باطي والنجمة .. كلمهم لي في البرلمان يشيلوا النفقة
كشكش: يا خي جتك الوَبى .. نفقة إيه يا واد أنت .. لهو قالوا لك عليّ رايح برلمان خط؟
أحدهم: سعادتك قل لي هنا .. أنت في حفلة الاستنخاب موش قلت لنا إن كل من له طلب حضرتك تنهيه وتقضيه له
كشكش: أقضيه له زي الوابور .. بس أنهو طلب! الطلب اللي ينفع البلد موش الطلبات الموريستاني دي
أحدهم: عظيم .. من هنا ورايح موش عايزين جهادية .. خليها في بالك .. جهادية موش عايزين .. قلت إيه في كده؟
كشكش: أيوه ونلم القطط والفيران بتوع البلد نسلحهم هيه .. وأنت راخر قلت إيه في كده؟
أحدهم: قطط .. سلامة عقلك. قطط إيه يا جناب العمدة
كشكش: أمال حقولك إيه بس يا أبو عقل زنخ .. جهادية .. ما انتش عايز يعني جيش طبعاً بلاش. ومادام مفيش جيش إبقى حضرتك تعالى بقى حُوش الجبل الأسود لما يخش هنا ياكلنا .. جتك السم.
أحدهم: طب الله يسامحك طريق السلامة روح
قاسم بك: ما تحطش في بالك يا بيه طوح .. أنت المهم ترضي ضميرك وبس .. بالاختصار كلمة واحدة عايز أقولها لك .. تحطها حلقة في ودنك .. مصلحتك الخصوصية تدوسها قدام مصلحة البلد
كشكش: ودي فيها بحث
قاسم بك: ثم الكسوف .. أوعى تتورط وتستعمل الحيا والخشى في الشيء اللي يجني على مصالح الناس.
كشكش: خشى؟ ده أنت قلبك أبيض .. في حاجة اسمها خشى!! في خصوصياتي أنا أصدقك يمكن أختشي يمكن أتورط ما يضرش .. دي اسمها حقوقي أنا لوحدي .. لكن في حقوق البلد الخشى اسمه بالعربي خيانة .. النائب اللي يشوف قدامه حاجة بطالة ويصهين عنها ويقبل علشان خشى حضرته .. إن البلد تتمرمط وتتكعبل .. أهه ده اللي يبقى زي قِلته وقِلته كمان أفيد.
أحدهم: طب واللي زي حالاتك ما يعرفش يتكلم بالنحوي؟
كشكش: بالهليوجريفي .. يتكلم بالسورياني .. يتكلم باللوندي .. أهه ما يسكتش والسلام .. بالك يا وله إن كان أخرس يدبدب برجيله ولا يسكتش.
أحدهم: لكن فيه مثل يقولوه يا جناب العمدة «إذا كان الكلام من فضة يكون السكوت من ذهب.
كشكش: معلهش ده بره البرلمان يا واد لكن جوه البرلمان .. إذا كان الكلام من ألماظ يبقى السكوت من نحاس .. سلام عليكم لحسن القطر هلّ أهه.
الجميع: مع السلامة .. يحيا كشكش بك .. يحيا نائب كفر البلاص.


سيد علي إسماعيل