كلاكيت: عاشر مرة في منيسوتا

كلاكيت: عاشر مرة في منيسوتا

العدد 850 صدر بتاريخ 11ديسمبر2023

العمل الجيد يفرض نفسه دائما، وهذا ما حدث قبل أيام في مدرسة برينرد العليا في المقاطعة، عرض محدود لمدة شهر واحد فقط لمسرحية “ديفيد وليزا” على مسرح المدرسة.
وهذا العرض المسرحي ليس عاديا على الإطلاق، فهو عاشر عرض مسرحي أو معالجة مسرحية للفيلم الذي يحمل نفس الاسم ويعود تاريخه إلى 1962، تُقدم على مسرح مدرسي في الولاية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
 ولأن هذا الفيلم كان عملا جيدا فقد تحول إلى مسرحية عام 1967 وأعيد انتاجه كفيلم عام 1998. هذا عدا معالجات مسرحية في معظم الولايات الأمريكية لا يمكن إحصاؤها.   
وربما كان السبب في ذلك أن الفيلم المأخوذ عن قصة بنفس الاسم للأديب الأمريكى – والطبيب النفسي أيضا –”تيودور ايزاك روبن” (1923 – 2019) عبارة عن قصة إنسانية برؤية كوميدية  لشاب وفتاة يواجهان مشاكل أو أمراضا نفسية يعانيان منها ويتغلبان عليها.  
ممنوع اللمس
وتدور قصة الفيلم حول الشاب ديفيد كليمنس (جسد شخصيته جاك دويلا – 87 سنة حاليا) الذي تحضره والدته إلى مصحة نفسية للعلاج من حالة غريبة حيث يعتقد أن كل من يلمسه يريد أن يقتله.  وهو يركز بشكل أساسي على دراسته، ويهوى إصلاح الساعات. ويتضح أن ذلك يرجع إلى حلم متكرر يشاهده أثناء نومه بأنه يقتل الناس بساعة عملاقة. 
وهناك يتعرف على ليزا برانديت (جسدت شخصيتها جانيت مارجولين 1943-1993 – توفيت متأثرة بسرطان المبيض).
  وهي فتاة تعاني من انفصام الشخصية ولها شخصيتان: إحداهما، ليزا تتحدث بطلاقة وتراعي كافة قواعد اللغة الإنجليزية، بينما الأخرى، مورييل، لا تستطيع التحدث، بل يمكنها الكتابة فقط. وتبدأ علاقة صداقة بينهما. تنتهي بالحب. 
وتتحسن حالة ديفيد ويغادر المصحة النفسية ولكنه يهرب إليها ويسمح له بالبقاء.
وفي الوقت نفسه تشفى ليزا وتدرك أنها شخص واحد وتهرب من المصحة ويقود ديفيد جهود البحث عنها حتى يتم العثور عليها في متحف فيلادلفيا للفنون لتبدأ علاقة صداقة بينهما (لم يتحدث الفيلم عن زواج). ويتفق معها على العودة إلى المصحة والإقامة فيها لأنها أفضل من الحياة مع الأسوياء.
نجاح
حقق وقتها الفيلم نجاحا طيبا وبلغت نسبة الإشادة به 85% من المقالات التي تناولته حسب دراسة للموقع النقدي الشهير Rotten Tomatoes. وحقق إيرادات زادت عن 25 مليون دولار وهو رقم ضخم في ذلك الوقت مقابل ميزانية لم تتجاوز 200 ألف دولار.
 وتحول الفيلم إلى مسرحية عام 1967. ولم تختلف الأحداث كثيرا عن سيناريو الفيلم سوى أنه أرجع المشاكل النفسية التي يعانيها ديفيد إلى أن الأم متعجرفة ومتغطرسة مما سبب المرض النفسي لابنها. وجعل النص المسرحي أبويه يخرجانه من المصحة النفسية قبل تمام شفائه خوفا من صداقته مع ليزا. ولايوجد بعد ذلك اختلاف كبير عن  النص الأصلى. 
وقد نالت المعالجة المسرحية إشادة لا بأس بها من النقاد لكن الجمهور لم يقبل عليها فلم يستمر عرضها طويلا.
وفي 1998 أعيد إنتاج الفيلم مرة أخرى كفيلم تليفزيوني وتم عرضه لأول مرة على قناة ABC في 1 نوفمبر 1998. الفيلم من إنتاج أوبرا وينفري وإخراج لويد كرامر، وقام ببطولة الفيلم لوكاس هاس في دور ديفيد، وبريتاني ميرفي في دور ليزا، وسيدني. بواتييه بطل الفيلم الشهير مدرسة المشاغبين (1927 -2022) في دور الطبيب وتم نقل المشاهد إلى منطقة لوس أنجلوس، بما في ذلك متحف التاريخ الطبيعي في حديقة المعارض وشاطئ فينيسيا.
وكان من اللافت للأنظار هنا أن نجد هذا الكم من المعالجات رغم أن أول معالجة مسرحية لم يكتب لها النجاح الجماهيري كما ذكرنا.
الفيلم الثاني
 وتقول كارلا شبرد مخرجة العرض المسرحي في المدرسة العليا بمقاطعة برينرد إنها قررت خوض التجربة بعد أن شاهدت فيلم 1998 وأعجبها بشكل خاص أداء لوكاس هاس وبريتانى ميرفي  وسيدنى بواتييه. وأعجبها في الفيلم كيف تعاون الاثنان ديفيد وليزا في إخراج كل منهما من حالته وكيف أصبحا صديقين. وهي تعتبره فيلما يمس القلوب. ومضت قائلة إنه فيلم يصور قوة الصداقة وما يمكن أن تفعله في حياة أصحابها وكيف يمكن أن تجد شخصا من أجلك وتكون أنت من أجله. كما أن مشاهدة الفيلم تجعل الشخص يشعر بأنها قصة يمكن أن تحدث له.
وقدمت المسرحية برؤية جديدة تصور ليزا وهي تتخلص تدريجيا من عقدتها النفسية وهو ما لم يحدث في الفيلم. كما أنها التزمت بالرؤية الكوميدية التي ميزت الفيلم واعتمدت كذلك على لغة الجسد ولم تجعل المسرحية مجرد حوارات متبادلة. واعتمدت على لغة الوجه رغم صعوبة ذلك في المسرح. كما جعلت خوف ديفيد من اللمس سببا في إعاقة تواصله مع الآخرين. وقللت من الأدوار المساعدة للتركيز على الشخصيات الأساسية.
برؤية كوميدية:
القديس أبي تناقش العلاقات الاجتماعية في أمريكا
مسرح بورتلاند.... للكوميديا فقط 
عمل تقليدي.. ولكن 
ونترك مينيسوتا إلى ولاية أخرى وهي ولاية مين التي تشتهر بغاباتها الصنوبرية الشبيهة بغابات سويسرا لأنها على نفس خط عرضها. كما تتميز بأنها تضم أكبر تجمع للناطقين بالفرنسية في الولايات المتحدة.
كانت الولاية قبل أيام على موعد مع عرض مسرحي كوميدي بعنوان “سانت داد” أو “القديس أبي” وهو اسم مقاطعة افتراضية تدور فيها الأحداث يلقى اهتماما واسعا في الولاية. وكان مصدر الاهتمام أن المسرحية تقدم في افتتاح مسرح جديد أقيم في بورتلاند كبرى مدن الولاية. وهذا المسرح مخصص للعروض الكوميدية فقط كما يبدو من اسمه وهو “المركز المسرحي الكوميدي”. 
وهي أول تجربة إبداعية في الكتابة المسرحية لابنة الولاية وابنة المدينة أيضا الكاتبة الشابة “مونيكا وود”. وكما هو معروف، تعد الكوميديا من أصعب الأعمال المسرحية سواء في الكتابة أو الإخراج وحتى التمثيل. كما تجري أحداثها في الولاية نفسها.
علاقات
وتعالج المسرحية عددا من جوانب العلاقات الاجتماعية وأثر التتغيرات الاقتصادية في  المجتمع الأمريكى. وتدور أحداثها حول  رب أسرة تقوم بتجديد منزل يملكه على واحدة من البحيرات الطبيعية الجميلة التي تحفل بها الولاية. وبعد تجديد المنزل الذي يشبه المعسكر يفاجأ الجميع برب الأسرة يعلن عن رغبته في بيعه. وينقسم أفراد الأسرة بين مؤيد بسبب السعر المغري جدا المقترح للبيت وبين معارض لما يحويه البيت من ذكريات عزيزة. ويتضح أن السبب يكمن في رجل ثري وفد على الولاية حديثا بعد أن حقق ثروة طائلة وبدأ في استثمارها في شراء عقارات.
وتحدث مفارقات طريفة منها محاولة أبناء مالك البيت إبلاغ الرجل الثري برفض أبيهم بيع البيت فيطلبون من المالك السابق له انتحال شخصية أبيهم الأرمل وإبلاغ الثري بعدوله عن بيع البيت.
وكالعادة وبعد مفارقات كوميدية تنتصر القيم العائلية ويتراجع الجميع عن فكرة البيع.
وحتى الآن تلقى المسرحية إشادة متوسطة من النقاد. فالبعض يرى أن الأشقاء الثلاثة (بنتان وولد) جسد شخصيتهم ثلاثة ممثلين أجادوا التعبير عن درجات متفاوتة من الأمل. كما تمكن النص من إبراز جوانب القوة والضعف في شخصيات العمل.
ويرى بعض النقاد أن المعالجة كانت تقليدية في بعض أوقات العمل. لكنهم يلتمسون العذر للكاتبة باعتباره أول إنتاجها ويتمنون لها الخروج بمعالجات أكثر نضجا وابتكارا في الأعمال القادمة. وعموما نجح الإخراج في تفادي هذا العيب في بعض الأحيان. وكان ذلك عندما جعلت المخرجة المالك السابق لا يظهر رغم دوره في تحريك الأحداث.


ترجمة هشام عبد الرءوف