حوارات متنوعة قبل الافتتاح!!

حوارات متنوعة قبل الافتتاح!!

العدد 847 صدر بتاريخ 20نوفمبر2023

ظل نجيب الريحاني يجتهد في استعداداته لافتتاح مسرحه وتكوين فرقته الجديدة للموسم الجديد، دون أن نعلم من هي بطلة الفرقة التي ستقوم بدور البطولة أمامه! وهذا الأمر استغله البعض – كما سنرى – فكثرت الشائعات والتخمينات، هل هي «بديعة مصابني» – في حالة عودة الوفاق بينها وبين الريحاني رغم انفصالهما؟ - أم هي «روز اليوسف» رغم سفرها إلى فرنسا مع زوجها زكي طليمات – طالب البعثة – أم هي «عزيزة أمير»»؟ والأخيرة كانت المرشحة الأولى وفقاً لما نشره ناقد مجلة «ألف صنف وصنف» الفني عندما قال عنها: «انضمت نهائياً إلى فرقة الأستاذ نجيب الريحاني، وقد حدثني الأستاذ الريحاني نفسه بأنه مغتبط كل الغبطة وكبير الأمل بأنها سوف تنجح في الموسم المقبل نجاحاً باهراً، ثم أخذ يطنب في مواهبها الفنية وخفة روحها التي يُعجب بها الجمهور كثيراً».
واستعداد الريحاني أرّق مضاجع منافسيه، وأكد لهم نجاح موسمه قبل أن يبدأ، لذلك بدأوا في إطلاق الشائعات مما جعل الريحاني يرد عليهم برسالة نشرتها وعلقت عليها مجلة «الفنون» في سبتمبر 1926. وهذا نص رسالة الريحاني: حضرة المحترم رئيس تحرير مجلة الفنون بعد التحية.. كنت صامتاً أنتظر حتى تتحدث عني أعمالي، ولكن ما تردد من شائعات تضطرني إلى الكلام. وأول أمر أكذبه هو ما يشيعه خصومي الذين يكرهون أن تقوم فرقة تمثيلية جديدة قوية تعمل للفن وترفع مستوى أبناء الفن، من أن عقد إيجار مسرحي هو باسم السيدة بديعة مصابني. أكذب هذه الإشاعة تكذيباً باتاً ولمن يشاء من حضرات الكُتّاب والأدباء الاطلاع عليه أن يتفضل ويشرفني بزيارته. وأما ما يشيعونه حول صلحي وما قد يترتب عليه. فالموضوع أدق من أن يُسترسل في الكلام عنه على صفحات الجرائد. ولكن الذي يمكنني أن أصرح به وأؤكده هو أنني ماضٍ في عملي الحاضر مع فرقتي الحالية إلى النهاية، وأنني لست الرجل الذي يخلف كلمته، أو يحنث بعهد قطعه على نفسه، أو يخرج مقدار ذرة عن روح العقود التي عقدها مع حضرات الممثلات والممثلين المتعاقدين معه. ومن السهل على حضرات قرائكم أن يدركوا أنني وأمامي الآن من الأعمال المختلفة وعليّ المسؤوليات المتعددة التي خلفها هذا المشروع الضخم الذي أقوم به الآن .. من السهل أن يدركوا أن ليس في وسعي أن أردّ على كل ما يُقال وكل ما يُكتب. وكلمتي الأخيرة هي أنني كنت أرجو من خصومي أن يكونوا عند كلمتهم من الترحيب بكل فرقة جديدة بدلاً من الدس في الظلام. ونرجو نشر هذا على صفحات جريدتكم الغراء. وتفضلوا يا سيدي بقبول فائق الشكر والاحترام .. مصر في 20 سبتمبر سنة 1926”.
أما تعليق مجلة «الفنون» على هذه الرسالة، فجاء فيه الآتي: من هذا الخطاب يتبين أن حضرة نجيب أفندي الريحاني يريد أن ينفي إشاعات منها نفيه أن عقد إيجار المسرح باسم السيدة بديعة مصابني رغم أنه لم يقل باسم من حرر العقد! ويعيب حضرته على من تكلم عن الصلح بينه وبين السيدة زوجته على صفحات الجرائد! ونحن نرى لهم الحق لأنهم يتكلمون عن زوج وزوجته – لا مؤاخذة يا سي نجيب! ويطلب حضرته أن يشجعه إخوانه بدلاً من أن يدسوا له، وهو طلب حق ولكنه من المحال أن ينتظر أن يصفق له منافسوه! وجاءنا أيضاً من حضرة «أحمد أفندي علام» الممثل بفرقة مسرح الريحاني الآتي: “حضرة المحترم رئيس تحرير جريدة الفنون.. يشيع عني بعض خصومي وخصوم التياترو الجديد الذي أعمل فيه الآن أنني فكرت في الرجوع ثانية إلى مسرح رمسيس وأنني أوفدت من قبلي من يفاوض يوسف بك وهبي بذلك وأني أكذب بتاتاً هذه الإشاعة وأقول إن فكرة كهذه لم تخطر أبداً ببالي وأتحدى أي إنسان أن يذكر لي اسماً واحداً ممن يقولون إنني عهدت إليهم أن يتحدثوا باسمي. وليعلم من يهمه أن يعلم أنني سأعمل في التياترو الجديد بنفس الإخلاص الذي كنت أعمل به سابقاً”. وعلق رئيس تحرير مجلة الفنون على ذلك قائلاً: إن تكذيبك للفرية التي يشيعونها عنك بأنك تسعى للرجوع إلى فرقة رمسيس فضيلة تذكر بأنك قد حافظت على عهدك، فبورك فيك.. ولكن كل القصد يا سي علام أن نراك على الخشبة.
تهافتت أغلب الصحف والمجلات على أخبار الريحاني وفرقته – في هذه الفترة – بسبب الشائعات والصعاب والعراقيل التي تواجهه هو وفرقته، لا سيما ولم يبق إلا القليل على بداية الموسم، لذلك قام «إبراهيم نصحي» الصحفي بجريدة «الاتحاد» بمقابلة الريحاني ونشر حواره معه في نهاية سبتمبر، قائلاً: ذهبت لمقابلة الأستاذ نجيب الريحاني وسألته: متى تبدأون الموسم القادم، وعلى أي طراز شيدتم مسرحكم، وما هي استعداداتكم لهذا الموسم؟ فأجاب: لا يمكنني أن أعلن عن بدء الموسم في مسرحي إلا بعد أن أعدّ كل شيء تماماً، لأنني أعدّها وصمة كبرى إذا أنا أعلنت الآن عن اليوم ولم أوفق للبدء في هذا اليوم. ومسرحي صغير إلا أنه على أحدث طراز عصري، وقد استخدمت المسيو «سبيرو» رئيس الأعمال المسرحية الميكانيكية في الأوبرا «ميكانستاً» في مسرحي. كما استخدمت المسيو «فرنشيسكو لاكانا» لإعداد الأنوار للمسرح. وكلفنا محلات «شيكوريل» بعمل الموبيليات وقد تكلف الكرسي الواحد في الصالة جنيهين. ويقوم برسم المناظر المسيو «دلامارا» وبإعداد الملابس أكبر المخازن الموجودة في مصر، وسوف يظهر المسرح على صغره في ثوب قشيب ومظهر فخم يوم افتتاحه. س: ما هي أنواع الروايات التي ستمثلونها، وهل هذه الروايات تأليف أم تعريب أم اقتباس. ج: سنخرج هذا الموسم خمس عشرة رواية درام وخمس روايات فودفيل وكوميدي وروايتين تراجيدي. من بين هذه الروايات خمس مصرية مؤلفة، والباقي مُعرب لمشاهير كُتّاب الغرب أمثال: «باتاي، تولستوي، كيستميلر، رومان كوليس، بيرداندلو، بيترولف، إسكندر ديماس الصغير» وغيرهم. س: ما هي وجهة نظركم في انتخاب هذه الروايات؟ ج: لقد عهدنا إلى لجنة مكونة من الأدباء الذين يعتد برأيهم في الفن لتنتخب الروايات، وقد رأت وجوب التوفيق بين روح الفن ورغبة الجمهور. إننا سنخرج روايتين شعبيتين وقد راعت اللجنة أيضاً انتخاب الروايات التي نغذي بها نفوس الجماهير. س: ما الذي ترونه علاجاً لإنهاض فن التمثيل في بلادنا، وما الذي تعملونه للوصول إلى ذلك؟ ج: أرى أن أهم الوسائل لإنهاض فن التمثيل: المنافسة، وتشجيع التأليف، ونزاهة الممثل وعلو نفسه، ومساعدة الحكومة. وقد أخذت بنصيبي من هذه العوامل فأسست هذا المسرح للمنافسة الشريفة التي لا يستفيد منها إلا الفن، والفن فقط إذ سيجتهد كل مسرح في إخراج وإتقان أحسن الروايات التي يسعى للوصول إليها سعياً حثيثاً. كما أخذنا نشجع التأليف والروايات المصرية بشرائها ونقد أصحابها أثماناً مرتفعة. كذلك أحسن معاملة الممثلين والممثلات لأفهمهم خطورة مركزهم وأرشدهم إلى طريق الخير وألفت إلى ما فيه حفظ مكانتهم واحترامهم عند الجمهور. س: ما رأيكم في فرقة الأستاذ يوسف وهبي وفي تعدد الفرق في مصر؟ ج: للأستاذ وهبي كل الفضل في تهيئة أفكار الجمهور للإقبال على التمثيل الأدبي، ولولا نجاحه لما أقدمت على هذا النوع من التمثيل! وفرقته قوية منظمة تضم كثيرين من خيرة الممثلين، وأتمنى لها النجاح الذي تستحقه وإنني أرى الخير كل الخير في تعدد الفرق وأرى أن تزداد دائماً. انتهت بذلك أسئلتي لكني سألته إن كان يريد إضافة شىء فقال: “خصومي يتهمونني بدسيسة دنيئة ويحاربوني بتهمة منحطة، وهي أنني «سوريّ» لم أشيد مسرحي إلا لأهدم الأستاذ يوسف وهبي «المصريّ» .. لم يثرني ويغضبني سوى هذا الاتهام الباطل.. كيف وأنا الذي ولدت فوق ثرى مصر وترعرعت تحت سماء مصر وشربت من مياه نيل مصر وتغذيت من طيب ثمار مصر كيف أحارب ابن مصر البار وأعمل على هدمه ليكون المسيطر على فن التمثيل أجنبياً؟!”.
كانت مجلة «الصباح» آخر دورية تنشر – في أكتوبر 1926- حواراً مع الريحاني قبل افتتاح عرضه الأول، وفيه سأله المحرر: إني مع إعجابي بجرأتكم على تأليف فرقة أدبية رغم ما تعلمونه من المتاعب والمصاعب التي تعترض الفرق الأدبية أرجو أن تصرحوا لي بالأسباب التي جعلتكم تنصرفون عن الاشتغال بالتمثيل الهزلي الذي يرجع له الفضل في شهرتكم وتنشئون فرقة أدبية للتمثيل الأدبي. فأجاب الريحاني: الحقيقة أن الفكرة الأساسية المكونة في نفسي منذ سنة 1924 وهي أن أشتغل بالتمثيل الأدبي لكنني عندما رأيت في نفسي ميلاً شديداً للاشتغال بالتمثيل الأدبي ووجدت بجانب ميلي هذا أن الجمهور منصرف عن مسارح التمثيل وغير مهتم بها، فكرت كثيراً في طريقة تلفت أنظار الجمهور إلى التمثيل وتجعله يقبل على المسارح فرأيت أن أشتغل أولاً بتمثيل روايات «الريفيو» الهزلية المعروفة، حتى إذا أقبل الجمهور على شهود هذا النوع من التمثيل أمكننا رويداً رويداً أن نرتقي بالجمهور خطوة خطوة حتى نصل به إلى التمثيل الأدبي الراقي. فأنا إذا كنت قد عزمت على الاشتغال بالتمثيل الأدبي الراقي فلأني رأيت الجو الآن أصبح مناسباً لتحقيق آمالي الحقيقية من احتراف مهنة التمثيل. س: أرجو أن تتفضلوا بذكر أسماء بعض الممثلين والممثلات الذين تعتمدون عليهم في التنافس وتمثيل رواياتكم الأدبية الجديدة. ج: في استطاعتي أن أذكر لك أسماء الممثلين والممثلات الذين أعتمد عليهم، ولكن عدم ثقتي فيهم تجعلني لا أعول على أحد منهم مطلقاً. س: إذن على من تعتمد في تمثيل رواياتك .. وكيف ستفتتح مسرحك؟ ج:  إني أعتمد على شبان راقين نالوا قسطاً عظيماً من التربية والأخلاق الفاضلة من طلبة المدارس الهواة، وقد كنت أدربهم استعداداً لهذه المفاجأة التي ما كنت أنتظرها من أولئك الممثلين الذين كانوا يظنون أني غافل عن حركاتهم، حتى لقد بلغ الأمر بحسين رياض أنه كان في نيته أن يظل عندي ولا يتركني إلا قبل أن أفتتح مسرحي بثلاثة أيام فقط، فلما فاجأته بما عرفته عن عزمه فضل أن يتركني مبكراً! س: من سيكون بطل روايات الدرام؟ ج: ربما سمعت أو علمت بحكم مركزك الصحفي المعروف واتصالك بجميع مصادر الأخبار أو أولئك الذين انفصلوا من مسرحي كانوا يتهامسون عني ويقولون إني لا أصلح للقيام بدور البطل في الدرام، وأن الناس في أشد مواقف التأثر ربما ضحكوا مني لكني أصرح لك بأني على ثقة من نفسي وسأقوم بالدور الأول في الروايات. وكل رجائي إليكم أنني إذا أحسنت تشجعونني بإظهار هذا الاستحسان للجمهور، وإذا قصرت أهلكوني.. أعدموني العافية. س: ما هي الأسباب التي جعلت بعض ممثلي مسرح رمسيس ينضمون إليكم، ثم ما هي الأسباب التي جعلتهم ينفصلون عنكم ثانياً؟ ج: إنهم ما كادوا يعلمون باستئجاري لمسرحي الجديد حتى جاءوني يعرضون عليّ أنفسهم في ذلة وخضوع قائلين إن يوسف بك وهبي يعاملهم في رمسيس معاملة قاسية وإني إذا لم أضمهم إلى مسرحي فسينضمون إلى الكسار أو إلى منيرة أو إلى عكاشة لأنهم بأي حال من الأحوال لن يعودوا إلى رمسيس مطلقاً. فلما قبلت لاحظت أن طبيعتهم غلبت عليهم ونفسيتهم الحقيقية رجعت إليهم وابتدأوا يتنافرون ويتشاحنون وكانت النتيجة انفصالهم ثانياً. س: إذن بماذا تحكمون على أخلاق هؤلاء الممثلين والممثلات؟ ج: أخلاق أكثر الممثلين منحطة بدون شك، وسأواصل جهدي في تمرين وتدريب الشبان المتعلمين حتى يتحقق غرضنا في النهوض بالتمثيل. فقد أصبح الجمهور محباً للتمثيل الآن، ونحن من جهتنا بدأنا نشجع المؤلفين على التأليف. فلم يبق إلا أن يكون الممثلون من أصحاب الأخلاق الفاضلة حتى تفلح النهضة التمثيلية ويكون عندنا تمثيل صحيح. وأصرح لك أن أخلاق أولئك الممثلين جعلتني أحبذ المعاملة التي يعاملهم بها صديقي وزميلي يوسف بك وهبي. بل أرى أن الشدة التي يشكون من أنه يعاملهم بها صديقي وزميلي يوسف بك وهبي إنما هي في نظري نعومة ولين بالنسبة للشدة الحقيقية التي يستحقون أن يعاملوا بها. س: ما هي الطريقة التي ستتفق بها مع مؤلفي الروايات؟ ج: الرواية التي تتقدم إليّ سأتفق مع مؤلفها على أن يكون له من إيراد كل ليلة تمثل فيها الرواية خمسة جنيهات مصرية. فلو مثلت الرواية عشرين مرة كان منها مائة جنيه ولو مثلت مائتي مرة كان إيراده منها ألف جنيه.
وظلت الصحف والمجلات تنشر الحوارات والإشاعات والأخبار حول فرقة الريحاني ومنافستها ليوسف وهبي وعروضه، ولم تتوقف هذه الشائعات إلا بالإعلان عن عرض افتتاح فرقة الريحاني الجديدة! فقالت جريدة «كوكب الشرق» في إعلانها تحت عنوان «افتتاح مسرح الريحاني»: “يوم الاثنين 25 أكتوبر رواية «المتمردة» لفرونديه بقلم فؤاد سليم .. أربعة فصول من نوع الدراما تقع حوادثها في فرنسا ومراكش، وتتضمن درساً عميقاً عن المدينتين العربية والغربية، وما هناك من تباين في العوائد والتقاليد. نجيب الريحاني في دور فاضل الورجلي، روز اليوسف في دور فابين زوجة فاضل”. والإعلان نفسه نشرته جريدة «المقطم» - بعد ذلك - مع تغيير موعد الافتتاح ليكون الأول من نوفمبر 1926. وبعد يومين نشرت الإعلان نفسه جريدة «الأهرام» وأضافت إليه أنه في يوم الجمعة والأحد ستكون حفلة نهارية الساعة الخامسة!
افتتاح مسرح الريحاني صاحبته حركة نقدية في أغلب الصحف والمجلات الفنية، مثل جريدة «كوكب الشرق»، ومجلة «الفنون»، وجريدة «الاتحاد»، ومجلة «المسرح»، ومجلة «روز اليوسف»، ومجلة «الممثل»، وهذا سيكون موضوعنا القادم!


سيد علي إسماعيل