جولة فى شارع المسرح الأمريكى

 جولة فى شارع المسرح الأمريكى

العدد 922 صدر بتاريخ 28أبريل2025

يحفل عالم المسرح فى الولايات المتحدة بالعديد من التجارب والفرق المسرحية التى تحتاج القاء الضوء عليها بصرف النظر عن ايجابياتها وسلبياتها كما سنرى فيما بعد.
وبعض هذه التجارب لا يكاد احد يشعر بها خارج الولاية التى تعمل بها وربما خارج المدينة نفسها خاصة اذا كانت تمارس نشاطها خارج مراكز المسرح الرئيسية مثل برودواى او نيويورك او لوس انجلوس او شيكاغو.
ومن التجارب التى تحتاج الى التعريف بها تجربة مسرح “فيبرانسى” Vibrancy أو الحيوية كما تترجم الى العربية. ويوجد مقر هذه الفرقة فى مدينة أثينا بولاية اوهايو احدى ولايات الوسط الامريكى.

طلبة فقط
يعرف مسرح فيبرانسى نفسه على موقعه على شبكة الانترنت بأنه فرقة مسرحية كل أعضائها من طلبة المسرح غير ربحية تهتم بالبحث عن المواهب المسرحية المتميزة بين الطلاب غير البيض من السود والسكان الأصليين والعناصر الأخرى مثل الملونين والصينيين. 
كما تسعى الفرقة الى تنمية مواهب الادارة المسرحية لدى تلك الفئات، لأنها عناصر مهمة لتحقيق النجاح فى عالم المسرح ولا تقل فى أهميتها عن العناصر الاخرى من العمل الجيد والمواهب التمثيلية والديكور. 
 وهذه الفرقة أسسها، ويديرها منذ نشأتها فى 2020 طلبة وطالبات الجامعة.
وتدعو الفرقة دائما على موقعها إلى التبرع لها للوفاء بالنفقات المرتفعة للفن المسرحى. ذلك أن تذاكر العروض المسرحية التى تقدمها الفرقة تباع بأسعار رمزية لا تكاد تغطى شيئا يذكر من التكاليف. فالتذكرة تباع بعشرة دولارات. ويمكن أن يحصل عليها طلبة الجامعة بخمسة دولارات فقط وقد يدخلون مجانا.
وعادة ما تقدم الفرقة أعمالا مسرحية سبق ان قدمتها فرق اخرى وحققت النجاح. وعادة ما تقدم العمل لفترة لا تطول وقد تصل الى اسبوعين فى المتوسط.

بداية النهاية
وهذه الفرقة التى حققت نجاحا كبيرا فى عمرها القصير. بات نجاحها مهددا بسبب غياب التوفيق عنها فى اختيار بعض عروضها.
وتقدم الفرقة حاليا ولمدة عشرة أيام عرضا لمسرحية “حلوى الغنائم” وتلك هى اقرب ترجمة لاسمها الإنجليزى. BOOTYCANDY. 
المسرحية من تاليف الكاتب والمخرج المسرحى الامريكى والاديب الزنجى روبرت اوهارا (55 سنة) وهو من مواليد نفس الولاية اوهايو. وهذه المسرحية كتبها فى عام 2010 وعرضت فى برودواى عاصمة المسرح الامريكى وفى ولايات امريكية عديدة. 
 ويرى بعض النقاد ان المسرحية عبارة عن سيرة شبه ذاتية لمؤلفها. وتعالج المسرحية قضية التفرقة العنصرية التى لاتزال قائمة فى الولايات المتحدة وذلك من خلال عدد من المشاهد الكوميدية من خلال شخصية مواطن زنجى “شاذ” اسمه ساتر فى مراحل نموه من المراهقة الى الرجولة. 
ووصل الامر بهذه المسرحية الى الفوز بجائزة لامبادا لدراما الشواذ. ورشحت المسرحية لجائزة افضل اخراج ضمن جوائز تونى المسرحية المرموقة ولم تفز لنفس السبب. 

عيوب
وترى ناقدة النيويورك تايمز ان مخرجة المسرحية سومر وليامز اساءت الى نفسها كثيرا بقبولها اخراج هذا العمل بعد قدمت عددا من الاعمال الناجحة مثل “ثلاثية الالهة الهندوس”.
وتمضى قائلة ان هناك مشاكل عديدة يعانيها السود والملونون فى الولايات المتحدة ناقشها العرض من خلال مواقفه الكوميدية. ولم يكن بحاجة على الاطلاق لادخال الميول الجنسية فى العرض. وهذه النقطة اثارتها فى كتاباتها النقدية حول المسرحية منذ عرضها لاول مرة فى 2010 وطلبت استبعاد الميول الجنسية لكن معظم العروض لم تأخذ برأيها. 
هذا رغم أن المشاكل التى يعانيها السود والملونون لا علاقة لها بالميول الجنسية بل ترتبط بمشاكل اخرى وهى نقطة عالجها اوهارا فى كتاباته، وكانت تكفى وحدها كى تحقق مسرحياته النجاح.
وتتكون المسرحية فى المعالجة التى قدمتها فيبرانسى 11 مشهدا قصيرا متوالية، بحيث يفهم الجمهور بعد مشاهدة عدد منها بأنها مرتبطة ببعضها البعض. 
ويشارك فى كل مشهد رجلان وامرأتان ويظهر كل منهم فى اكثر من مشهد وليس فى كل المشاهد. اما الخامس فيجسد شخصية البطل ساتر والذى يتكون فى نهاية العرض انطباع لدى المتفرج انه يمثل شخصية اوهارا خاصة بعد ان ينتحر فى النهاية بعد ان يعجز عن حل المشاكل التى يعانيها. 
وبين الحين والآخر كان البطل يوجه اللوم الى نفسه وهى حيلة لجأ اليها عادة كتاب الدراما للتغطية على نقاط الضعف فى أعمالهم. وفى هذه المسرحية كان الامر متكلفا وغير مقنع.

بيرانديللو
وتشير الناقدة الى ان اوهارا يبدو متاثرا بالاديب الايطالى الفائز بجازة نوبل لويجى بيرانديللو (1867 - 1936) وروايته الشهيرة “ست شخصيات تبحث عن مؤلف”. لكنه استخدمها للتعبير عن افكاره المرفوضة التى جعلت الجنس هو محور كل المشاكل والامنيات. وهو لم يكن موفقا فى ذلك حتى قدم فى النهاية ماوصفته الناقدة بفانتازيا مريضة لا يمكن ان تصدر عن افراد يفهمون اساس العمل الفنى. 
 وتقسو الناقدة اكثر واكثر على اوهارا فتقول ان هذا النص يُشكل هذا تهديدًا خطيرًا لادعائه بأنه فنان. 
ومن المشاهد التى اثارت غضبها فى العرض مشهد القس الأسود الذى يلقى العظة فى الكنيسة ويدعو الى قبول الاخر وهو يرتدى حذاءً بكعب عالٍ وفستانًا مُطرزًا بالترتر فيما يمكن اعتباره خيال رجل أسود شاذ نشأ فى الكنيسة كاسلوب لإثارة الضحكات. 
وهناك مشهد آخر يتضمن لجنة فى مؤتمر يعقد فى الجحيم حيث يُطلب من أربعة كتاب مسرحيين سود مرارًا وتكرارًا تعريف أنفسهم وعملهم حصريًا تحت شعار “كاتب مسرحى أسود”. وبما أن المشاركين فى اللجنة لا يصلون إلى أى مكان مع مُديرهم الأبيض الجاهل. وهى لا تنكر ان الممثل الاسود جونى لى ديفنبورت جسد شخصية القس ببراعة كبيرة لكن الاساس نفسه فاسد.
وتتوجه الناقدة بالنقد الحاد للمخرجة على العديد من اختياراتها فى المسرحية مثل تكرار بعض المفردات الاخراجية التى اتبعتها فى مسرحية “أن أوكتورون” لنفس المؤلف رغم اختلاف الموضوع بين المسرحيتين. 


ترجمة هشام عبد الرءوف