العدد 730 صدر بتاريخ 23أغسطس2021
ينقسم هذا الكتاب الشديد الخصوصية - الذي ترجمة (أحمد عبد الفتاح) عن الانجليزية وراجعة عن النسخة الألمانية (د.علا عادل) تأليف (مانفريد فيستر) بالألمانية، وانتشر في إنحاء العالم بعد ترجمته إلي عدة لغات .
ويري مترجم الكتاب إلي العربية أنه أول كتاب عن سلسلة (آفاق عالمية) التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة يقدم إطارا متماسكا وشاملا لتحليل المسرحيات بكل أبعادها الدرامية والمسرحية، وتغطي المادة التي يقوم عليها تحليله كل أنواع وعصور الدراما .. بداية من التراجيديا والكوميديا اليوينانية، وصولا إلي المسرح الحديث - علاوة علي مسرحيات(شكسبير) التي تقدم بؤرة تركيز خاصة، ولم يتناول(فيستر) هذا تناولا تاريخيا، بل هو تناول منهجي يمزج أكثر التصنيفات اختزالا بالتفسيرات المادية التفصيلية لنماذج نصوص بعينها، ويعزز ثبات المراجع العالمية الشاملة لدراسات المسرح والدراما الملائمة القيمة العلمية لهذا الكتاب .
وباختصار – فإن الكتاب عمل معياري في النظرية الدرامية، وأنه يحتوى علي رؤية تحليلية للدراما - غير مسبوقة منذ أن قدم (أرسطو) كتابه (فن الشعر)، وذلك لان مؤلف الكتاب استخدم مجموعة متكاملة من النظريات الحديثة في تحليل الدراما مثل الشكلانين الروس وعلى رأسهم (رومان جاكبسون) - علاوة علي التطبيقات السيموطية في كتابات (جماعة براغ) التي ظهرت في الثلاثينيات من القرن الماضي مثل (موكاروفسكي) و(يوري لوتمان)، واستخدم أيضا جماليات التلقي ونظريات القراءة و(الهيرمنيوطيقا) عند (هانز ربوبرت ياوس) و(جورج جادامار)،وظهر الكتاب أصلا بالتزامن مع كتب (لغات خشبية المسرح) لباتريس بافيس»، و« سيموطيقيا المسرح” (لكيرايلام ) و»قراءة المسرح» لـ (ان اوبرسفيلو)، وهي الكتب التي قدمت إطارا نظريا لسيموطيقا النص والعرض المسرحي - دون أن تتعرض لإستخدامه كاداه تحليل تطبيقية - بينما يتميز هذا الكتاب لأنه لم يقف عند مجرد التنظير السيموطيقي للنص والعرض المسرحي - لكنه استخدمه بالتضافر مع المناهج الاخرى كأدوات لتحليل الدراما بشكل إجرائي، ومع ذلك لم يرفض المفاهيم الأرسطية التي يقوم عليها – بل تكامل معها وأضاف إليها .
وينقسم هذا الكتاب إلي سبعة فصول .. بدأها بمراجعة نقدية لنظريات ومناهج التحليل الدرامي السابقة والحالية ولخص مزاياها وعيوبها وخلص في (الفصل الأول) إلي أن النص الدرامي نسق متعدد الوسائط، وفي الفصل الثاني يتناول العلاقة بين المسرح والدراما وأبرز فيه الطبيعة الجماعية للتلقي المسرحي - علاوة على التطور التاريخي لخشبة المسرح عبر العصور، وفي (الفصل الثالث) يتناول كيفية (إرسال واستقبال) المعلومات من خلال نسق الاتصال الداخلي أي( العلاقات المتبادلة بين الشخصيات علي خشبة المسرح) والنسق الخارجي أي (العلاقة بين المشاهدين والمؤدين )، وافق توقعات المشاهدين المرتبط بنوع النص، وأنواع المعلومات المنقولة، ومستويات الوعي، ومستويات الوعي للنماذج الدرامية والمشاهدين، وأنواع هذا الوعي علاوة علي بنية المنظور في الدراما، ثم يتناول (طبيعة البنيات الملحمية وعناصرها وأساليبها المختلفة، والتي يري أنها تمثل نسق الاتصال الوسيط بين النماذج الدرامية والمشاهدين، وفي (الفصل الرابع) من الكتاب يقدم لنا الاتصال الشفهي وطبيعة اللغة الدرامية، ووظائفها والعلاقات الحوارية وبين النماذج الدرامية وبلاغة الحوار وتركيبته، وترابط أجزاء النطق المستقلة، وعلاقة نطق بنطق أخر علاوة على بلاغة الحوار، وفي (الفصل الخامس) يقدم المؤلف تعريفا للشخصية الدرامية والنموذج الدرامي والفرق بين المصطلحين، ومكانة النماذج الدرامية وعلاقات التكافل بين الحبكة والنموذج الدرامي وأساليب إعداد الشخصيات، وحجم (مُدد) ظهور النموذج الدرامي على خشبة المسرح، و في (الفصل السادس) يتناول (القصة والحبكة وأساليب تقديمها وأساليب تقطيعها ووحدات هذا التقطيع، والفرق بين التقديم في المشهد والتقديم السردي لها، وينتقل في (الفصل السابع) فيتناول بنيان الزمن والمكان وأنواعهما والعلاقة بين خارج خشبة المسرح، وداخلها، والعلاقة بين المكان الطبيعي والمكان الخيالي، وأساليب تقديم الزمن وبنيته، والعلاقة بين الزمان الخيالي وبين الأداء الفعلي وحركته الخطية والدائرية، والعلاقة بين النص الأدبي ونص الأداء.
وكما نري فإن هذا الكتاب ينفذ إلي أدق تفاصيل الكتابة الدرامية، ويكشف الأسرار الحفية في فن الكتابة المسرحية - من خلال اختيار نماذج ملائمة لكتاب الدراما الكبار أمثال (اسخيلوس، وسوفولكيس، ويوروبيدس، وميناندر، وبلاوتس) في العصرين اليوناني والروماني، و(شكسبير ) الذي اختصه بالاستشهاد بأكبر عدد من النصوص واحتفي به كثيرا، و (بن جونسون) في (العصري الاليزابيثي ) و(موليير كورني وراسين) في الدراما الكلاسيكية الفرنسية، وكذا (شيللر، ودورينمات، وبيتر هندكة) وغيرهم في الدراما الألمانية- بصفته كاتبا وناقدا ألمانيا - بالإضافة إلي كتاب المسرح الانجليزي الحديث مثل (برناردشو)، وكتاب العبث (صامويل بيكيت)، ويوجين يونسكو ) .
ونشير إلي وجهة نظر مؤلف الكتاب (مانفريد فيستر) الذي يرفض رأي هؤلاء الذي يتبنون شعار (ما الذي يجب أن تكون عليه الدراما) ويوضح هدفه من تأليف هذا الكتاب وهو: (تأسيس نظرية منهجية عامة - محاولا أن يتجنب الوقوع في شرك أحكام القيمة المعيارية والافتراضية، وأن اهتمامه لم ينصب علي تقديم تعريف شامل للدراما ككل، بل انصب اهتمامه على تجميع الوصف الدقيق لبنياتها وعملياتها النصية، ويقول (لذلك - لم يكن الهدف الضمني لهذه الدراسة فى المقام الأول، هدفا تجديديا بشكل علمي أو نظري – بل كان بالأحرى من أجل التعامل مع ما هو معلوم داخل نوع ما من النسق الشامل، (وأن أجعله مُيسرا للقراء باستخدام إشارات مرجعية في الأماكن الملائمة، وفي نفس الوقت، رغم أنى أتمني أن يحرك التأثير الكبير المبذول من نظرية الاتصال والأفكار البنيوية فى هذا النسق المتخصص لتأمل جديد للجماليات المنهجية للدراما)، ويقرر أن إعداد هذا الكتاب لقارئ معين في ذهنه، وكتابة مقدمة للتحليل العملي تعني أنه كان مضطرا إلي نبذ فكرة بلورة جهوده منهجيا أو نظريا، ووضعها في سياق جدال نقدي قوي، وانه في سياق هذا كان يعتقد انه من المهم تطوير لغة شارحة متماسكة وفعالة لتحليل ووصف النصوص الدرامية - فضلا عن الانغماس في بناء من مختلف النظريات الشارحة، وأن هذا الكتاب بمثابة أن يكون مقدمة عامة، وأنه اضطر أيضا إلي استبعاد التحليل المنهجي للمشاركات الخاصة المتعلقة بالتراجيديا والكوميديا والتراجيكوميدي، والتناول التاريخي للدراما بكل أنواعها وفروعها - من أجل دراسة البنيات العامة والعملية النصية في الصياغة الدرامية، ويري أنه لا يمكن لمقدمة الدراما أن تكون تأريخا لها- لكنها يمكن أن تمهد لهذا التاريخ - إذا كانت نماذجه التحليلية ميسرة للمؤرخ الأدبي بالطريقة التي تساعده أن يفهم العلاقات التعاونية التي تربط مختلف البنيات والوظائف وتصنفها في النص الدرامي، ويعترف في مقدمته بهذا الكتاب ( وهذا لا يعني بالطبع أني لم أحاول أن أتكامل مع نصوص تاريخية معينه، وأن أتمني إظهار خاصيتها التاريخية غير المترابطة في النصوص المستقلة - هذا التنوع التاريخي والنموذجي في النصوص الدرامية التي تشكل أساس الدراسة الحالية )، وانه كان يقصد إظهار قابلية تطبيق النماذج النظرية التي استخدمها وبشكل كبير ومتعدد- لتصوير عمق التنوع بالطرق التي يمكنها فهم البنيات المستقلة والعمليات النصية، ورغم ذلك يوصف هذا التنوع بشكل مهيمن من منظور نموذجي ومنهجي - فضلا عن المنظور التاريخي والتعاقبي، ويوضح (الكاتب) فكرته بأن هناك قيدا أخر هو حقيقة انه يمكن أجراء تعميم للمشكلات المرتبطة بالوظائف الاتصالية في الدراما وفي المجتمع ككل – هذه الوظائف تبدأ بأسئلة تتعلق بالأصول الأنتثروبولوجية للدراما وعلاقتها بالطقس - لكنها أيضا سمة معاصرة في النقاش المعاصر لدور ومكانة المسرح في المجتمع سواء في سياقه المنهجي أو تطوره التاريخي ويقرر انه من الواجب عليه تم يركز علي البنيات الموجودة داخل النص الدرامي، وأنه اضطر إلي استبعاد عدد من الصور غير المخصصة للنصوص الدرامية - مثل تحليل البنية الأسلوبية والشكل العروضي والإيقاعي والبنية العميقة للصفة المقدمة . وقرر أن يركز بدلا من ذلك علي (بنيات إعداد خشبة المسرح المرتبطة بمسرحيات بعينها )، كما في (الفصل الثاني)، وتقديم النموذج الدرامي للقصة (في الفصلين الخامس والسادس)، والاتصال المونولوجي والحواري في (الفصل الرابع)، وبنيات الزمان والمكان في (الفصل السابع)، ومع ذلك، وفي إطار الدراسة التمهيدية (دائما ما يظل تخطيطا) لان حالة البحث الحالي تجريبية . وأن النصوص الأساسية) التي اختارها - باعتبارها تصويرا خاصا لمختلف النماذج البنيوية هي - من مجمل الأعمال الدرامية الحالية - وإن المعايير المؤثرة في اختيارها لم تبُد متماسكة دوما، لأنه كان مهتما من الناحية الاخرى باستيعاب النموذج المتجاوز للحدود بأوسع أسسه التاريخية والنموذجية - بداية من التراجيديات اليونانية القديمة وصولا إلي تجارب الطليعة المعاصرة، وبذلك يحاول المؤلف أن يحصر فنه في الأعمال الأكثر تمثيلية، ومن ناحية أخري كانت حريته في الاختيار مثقلة بلا شك بحدود الاعتياد الموسوعية على التاريخ العالمي للأدب الدرامي، وإن يرجع مراراً وتكراراً إلي أعمال (شكسبير) وان ذلك لا يعكس اهتماما خاصا من المؤلف، وأن ذلك كان أيضا أمرا حتميا باعتبار هذه المسرحيات مألوفة لدائرة واسعة من القراء.
ويقرر أيضا انه قسم فهرست المحتويات المفصل - في إطار متماسك لتقسيم الأجزاء وفقا لوضعها في التسلسل البنيوي )، وأن فهرست الأسماء مقصود به مساعدة القارئ والتيسير عليه، وأن ذلك أيضا كان سببا في العديد من الإسنادات التوافقية المتكاملة في النص وهو الأمر الذي تم تقديمه في قائمة المحتويات سرداً ملائما للموضوع .
وأخيرا فإن ميزة هذا الكتاب الهام أنه يحاول أن يسد الفجوة بين الدراما والدراسات المسرحية، وابتكار نموذج تحليل متماسك لمختلف مستويات الاتصال الشفاهي وغير الشفاهي في النص الدرامي الذي يعرض علي خشبة المسرح، لهذا فقد أصبح الكتاب عملا معياريا في موضعه، وفي الدراسات المسرحية الأكاديمية في ألمانيا - حيث حقق تأثيره نجاحا كبيرا في الدول الناطقة بالألمانية، وكذا في اللغة الانجليزية التي اضطر مترجمها إلي اللغة الانجليزية (جون هاليداي) إلي تعديل كثير من الفقرات إلي نماذج مهجورة نوعا ما من الدراما الألمانية، فكان يجب حذفها أو استبدالها أيضا - بعد أن تغير النمو السريع في سيموطيقا المسرح داخل ألمانيا وخارجها خلال الفترة الماضية - وفي المناخ النقدي بشكل حاسم - لدرجة أنه كان لابد للمترجم الانجليزي (جون هاليداي) أن يتأمل أفكاره الأساسية ويعيد تشكيلها، وقد ضمنت أهم إسهامات هذا المجال المؤثر - حتى لو كان ذلك بدون ترتيب يُعني في (بيلوجرافيا) حديثة ومتكاملة في الهوامش، وفي مراجعة شاملة للكاتب، ومن الناحية الأخرى - كان يمكن جعل هذا الكتاب صعبا على القارئ العادي في أية لغة تبحث عن نقد عملي فضلا عن تنظير واع لبنايته، ويبدي المترجم الانجليزي سعادته لان هذا الكتاب كان متعاطفا مع المنهج السيموطيقي - فضلا عن المضي في المسار التقني، وانه كان معنيا بتجديد الخطاب البنيوي بأسلوب مميز في النقد الانجليزي، ويري أنها مهمة شديدة الصعوبة والقيمة، وهو الأمر - الذي كان يحمل له مؤلف الكتاب (مانفريد فيستر) التقدير الكبير لجهد الانجليزي فى الترجمة .
ولنا أن ننوه بالجهد الكبير - علي مدي سنوات - ذلك الذي بذله المترجم الجاد (احمد عبد الفتاح) الذي تصدى لترجمة هذا الكتاب الهام إلي العربية.. لإثراء مكتبتنا الدرامية، والذي دأب في السنوات الأخيرة علي إثراء هذه المكتبة بترجماته لأحدث الأعمال النقدية الجادة والرصينة، ومداوماً على هذا الجهد الشاق والعميق، والمليء بالصعاب والعقبات.