«ستـوكمــــان» ..الوجه و الوجه الآخر

«ستـوكمــــان» ..الوجه و الوجه الآخر

العدد 840 صدر بتاريخ 2أكتوبر2023

دوما تكون الرؤية الإخراجية وطريقة التناول للنص المسرحى، هى العامل الأكبر تأثيرا والسبيل إلى نجاح العمل الفنى، بعد تحويله إلى عرض مسرحى مرئى لجمهور المتلقى، ومن هنا كانت فكرة الرؤية الإخراجية للعرض المسرحى «ستوكمان» المأخوذ من فكرة النص النرويجى «عدو الشعب» لهنريك إبسن، والتى جاءت لتتناول مرحلة ما بعد النص المسرحى والتى قام ميخائيل وجيه بتأليفها بحرفية ونال عنها جائزة ساويرس الثقافية لعام 2019، ولم تتناول النص المسرحى ذاته لذا نجد هنا تعمد كلا من المخرج والمؤلف بعدم التعمق فى شخصية «د.ستوكمان» بمسرحية «عدو الشعب» والتى يعرفها الجميع عن ظهر قلب .
مسرحية «ستوكمان» من تأليف ميخائيل وجيه ومن إخراج أسامة رؤوف، ومن إنتاج مسرح الغد تحت قيادة الفنان سامح مجاهد ذو الرؤية الثاقبة فى اختيار كل ما يتناسب ويلائم مسرحه من نصوص وعروض مسرحية لها خصوصية فلسفية أيا كانت كلاسيكية أو تجريبية أو عبثية . 
كتب إبسن مسرحيته «عدو الشعب» كردة فعل للانتقادات التي لاحقته بعد نشر مسرحيته الأخرى «الأشباح»، والتي اعتبرت فاضحة لتناولها الصريح للأمراض التناسلية كإشارة إلى فساد القيم الاجتماعية وأضرارها على الأسرة، وتناول إبسن لهذا الموضوع اعتبر منافيا للآداب من منظور الأخلاقيات الفيكتورية السائدة في تلك الفترة، ووجه إبسن هجومه في «عدو الشعب» إلى الأكثرية المنقلبة ضده التي لا تفكر عندما يتعارض التفكير مع مصالحها، تعالج المسرحية مشاكل اجتماعية عدة وأهمها التناقض الاجتماعي، وبشكل رئيسي تتناول النزعة الاستغلالية لأصحاب النفوذ وتقديم مصلحتهم الشخصية على المصلحة العامة، وتعالج أيضا ظاهرة البذخ والترف المبالغ الذى يضر بالاقتصاد ويزيد الفجوة والخناق على أفراد الطبقة الدنيا .
مسرحية عدو الشعب، هى مسرحية من خمسة فصول للكاتب المسرحي النرويجي هنريك إبسن، نشرت عام 1882 وتم عرضها عام 1883، تروي المسرحية قصة رجل يجرؤ على قول حقيقة غير مستساغة ويعاقب عليها، تتعلق عدو الشعب بتصرفات الطبيب توماس ستوكمان، المسؤول الطبي المكلف بتفتيش الحمامات العامة التي يعتمد عليها ازدهار بلدته، يجد المياه ملوثة، وعندما يرفض إسكاته، يعلن أنه عدو للشعب .
أما فى مسرحية «ستوكمان» لميخائيل وجيه فقد أختار هنا أن يرصد لنا التناقض الفردى فى مقابل التناقض المجتمعى فى «عدو الشعب»، وذلك من خلال شخصية الممثل «قاسم» الذى يهوى تقديم الشخصيات المثالية على المسرح والتى تأتى دوما على عكس شخصيته الحقيقية، وآخرهم كانت شخصية د.ستوكمان فى مسرحية «عدو الشعب» تلك الشخصية النموذجية التى تختار مواجهة مجتمع بأكمله بحقيقة غير مستساغة لديهم فى سبيل مبادئه وقناعاته والمصلحة العامة، بينما قاسم من يجسد تلك الشخصية فى الحقيقة هو على النقيض لها تماما حيث أنه يفضل مصلحته الشخصية حتى ولو على حساب أقرب الناس له ألا وهى ابنته «هناء» الابنة غير الشرعية له، والتى رفض الاعتراف بها إلا بعد عشرون عاما ليس لتأنيب الضمير ولكن فقط من أجل أن تتحسن صورته أمام مجتمعه مما يعود عليه بالنفع ونيل المناصب المرجوة، تلك الابنة التى تحبه كممثل يؤدى الشخصيات المثالية والمحببة لها بينما تكرهه كأب حين تكتشف حقيقة تنكره لها حتى لا تكون سببا فى تعطيل حلمه وشهرته ومسيرته الفنية .
نخلص من ذلك إلى أن مسرحية «عدو الشعب»لهنريك أبسن قد ركزت على الجانب الإيجابى المتمثل فى د.ستوكمان ذاك النموذج الذى يفضل مصلحة العامة على مصلحنه الشخصية، بينما مسرحية «ستوكمان» لميخائيل وجيه ركزت على الجانب السلبى فى الممثل قاسم ذاك النموذج الذى يفضل مصلحته الشخصية على مصلحة الآخرين مهما كانت درجة صلته أو علاقته بهم، أى أن كلا من المسرحيتين سواء أن كانت لإبسن أو ميخائيل وجيه تكمل كل منهما الآخر حيث ركزت كل واحدة فيهم على الجانب المهمش لدى الأخرى .
أن المتتبع للمسيرة المسرحية للمخرج أسامة رؤوف سوف يعلم مدى تأثره البالغ بالسينما فى إخراجه لكل عروضه، حيث انه عضو نقابة السينمائيين شعبة الإخراج ومن هنا يتضح لنا السر وراء هذا التأثير، لذا اختار رؤوف فى إخراجه لعروضه المسرحية منهجا مغايرا عن كل مخرجى جيله يجعل معه المتلقى يشعر بأنه يشاهد عرض مسرحى ولكن بروح وتكنيك السينما، وبالرغم من أن هناك الكثير من المخرجين يعتمدون على المادة الفيلمية والفيديو مابينج فى إخراجهم للعروض المسرحية، ولكن عند رؤوف الأمر مختلف فهو يستخدم تكنيك السينما نفسه كعنصر أساسى فى إخراجه للعرض المسرحى من بدايته حتى نهايته وليس كجزء مضاف داخل العرض أو مجرد شاشة سينمائية تعرض فيلما قصيرا على المسرح، فتكنيك السينما لديه هو المنهج ذاته الذى يعتمد عليه كلية فى طريقة أخراجه لعروضه المسرحية على مستوى جميع عناصره، وفى العرض المسرحى «ستوكمان» موضوع النقد هنا هو خير تطبيق عملى على التكنيك السينمائى المستخدم فى إخراجه بداية من الديكور والأزياء والإضاءة والموسيقى والتمثيل نهاية إلى الرؤية الإخراجية ذاتها، فلو تحدثنا عن التمثيل فى ذاك العرض المسرحى سوف نلاحظ مدى حرص مخرجه فى اختياراته للممثلين وكذا فى توجيهاته لهم على أن يكون التمثيل السينمائى وليس المسرحى هو المنهج المتبع لأدائهم فيه، لذا اختار رؤوف أن يكون ياسر عزت هو من يقوم بأداء شخصية د.ستوكمان حيث أن طبيعة ياسر عزت كممثل فى أدائه وكذا شكله أقرب منها إلى السينمائى من المسرحى، حيث أن عزت هو ممثل شديد التلقائية ولديه خبرات كبيرة فى العمل بالفيديو ولا يعتمد فى أدائه على التفرقة بين المسرح والسينما بل يعتمد فقط على عنصر المصداقية وكيفية التأثير على قلب المتلقى وإمتلاكه، وهذا هو أهم عنصر يعتمد عليه فى الأداء بشكل عام سواء أن كان يقف على المسرح أو أمام الكاميرات، لذا استحق معه أن ينال جائزة أحسن ممثل عن دوره فى تلك الشخصية وذاك العرض بالمهرجان القومى للمسرح المصرى فى دورته السادسة عشر هذا العام التى تحمل أسم الفنان الكبير عادل إمام لما بذله من مجهود شاق وواضح فى أدائه البارع للأدوار المكلف بها بالمسرحية، كما أن الطبيعة الشكلية لياسر عزت فى ملامحه هى أقرب منه كممثل سينمائى من مسرحى لما يتميز به من كاريزما وهى مصطلح يطلق وحده على ممثل السينما، كما جاء أدائه المزدوج لكلا من شخصية د.ستوكمان والممثل قاسم من يقوم بآداء تلك الشخصية طبيعيا للغاية دون تكلف أو تصنع، حتى فى تحولاته بين أكثر من شخصية بالمسرحية لم يلجأ إلى المبالغة فى أحدهم حتى يفرق بين كلا منهم، بل جعل أداته الوحيدة أمام المتلقى فى التفرقة بين الشخصيات التى يقوم بأدائها على المسرح هى الإحساس والتوحد مع الشخصيات مما شعر معه جمهور المتلقى بالفروق الواضحة بين كل شخصية وأخرى قام عزت بأدائها ولم يختلط عليه الأمر أو يشعر بأى أوجه شبه بينهم، بالرغم من أن المكياج لجهاد سعيد كان واضحا بدقة بين كل شخصيات المسرحية إلا أن المكياج مع ياسر عزت لم يظهر أية فروق واضحة بين كلا من شخصية ستوكمان أو قاسم وكان الفرق الوحيد فقط بينهم قائما على الأزياء وكذا حرص عزت كممثل على التفرقة بينهم فى مدى إحساسه بكل شخصية وتاريخها على مستوى كلا من الإتجاه الجسدى والنفسى والذهنى والروحى وهى كلها إتجاهات تستخدم فى السينما فقط أو أمام أية كاميرات عموما، وأعتقد أن ذلك جاء بتعليمات إخراجية حيث لا مجال للوقت هنا لعمل مكياج خاص لكل من شخصيتى ستوكمان وقاسم على حدة نظرا لتكرار ظهورهم على المسرح بالتبادل طوال العرض المسرحى، جاء أيضا اختيار ريم أحمد فى أدائها لدور «هناء» ابنة الممثل قاسم موفقا ومطابقا لفكر المخرج ومنهجه حيث أن ريم هى ممثلة اعتادت على التعامل مع الكاميرات منذ صغرها وبداياتها كطفلة مع الفنان الكبير محمد صبحى بمسلسله الشهير «يوميات ونيس»، وبالتالى أدائها بشكل عام يتسم بالبساطة والسهل الممتنع وعدم المبالغة حتى فى مشهد صدمتها بعد اكتشافها أن أبيها الذى تخلى عنها من صغرها ورفض الاعتراف بها كابنة له بعدما رفض الزواج من أمها تلك الممثلة المغمورة التى أغوى بها فى علاقة غير شرعية والتى ماتت حزنا على حالها، هو ذاته الممثل قاسم التى هى من أهم معجبيه والحريصة دوما على تغطية كل أخباره وعروضه المسرحية كونها صحفية متألقة بإحدى الجرائد، فلم تلجأ ريم هنا إلى التعبير عن صدمتها بالدموع أو الصوت العالى أو باتساع حدقة العين، بل لجئت لإحساسها فقط بطبيعة تلك الصدمة فنجحت فى جذب تعاطف جمهور المتلقى معها، وهنا يتضح التباين الفارق فى التأليف بين كلا من هنريك إبسن وميخائيل وجيه .. حيث أن ابنة ستوكمان فى مسرحية «عدو الشعب» مختلفة كلية عن ابنة قاسم فى مسرحية «ستوكمان»، حيث لم يستعير وجيه المؤلف هنا سوى شخصية ستوكمان فقط من مسرحية أبسن ونسج حولها شخصيات أخرى من خياله الإبداعى، نفس الحال ينطبق على كلا من محمد دياب فى شخصية «عارف عامل المسرح» ونائل على فى شخصية «باهر صديق قاسم»، فالأول قام بآداء الشخصية بإتقان شديد كما رسمها له المخرج حيث نجح فى تصدير حالة الغموض والهالة التى تسببها الشخصية لجمهور المتلقى أثر دخولها الغريب من بين الجمهور وهو يحمل مصباحا وينادى على قاسم الممثل فى بداية العرض ونهايته ليخطره بقرب فتح ستار العرض المسرحى، فجاء صوت دياب وحركته وملابسه القديمة وتعبيرات وجهه كلها يكتنفها الغموض والتساؤلات عن ماهية هذا الرجل الذى يدعى عارف، وقد عمد المخرج إلى ذلك من أجل إثارة فكر المتلقى وتفاعله مع العرض المسرحى بشكل أكبر، فترك لنا الإجابة مفتوحة لكل من جمهور المتلقى والنقاد الكل يفسرها حسب أهوائه ونظرته ورؤيته، ومن وجهة نظرى النقدية وكذا خبراتى فى ممارسة التمثيل أيضا أرى أن شخصية عارف تلك هى شخصية وهمية لا وجود لها تكمن بداخل كل ممثل يعشق مهنته، فكل ممثل منا هو عارف ببواطن دوره وشخصيته من خلال استذكاره لكل أبعادها ومن خلال لحظات قلقه وتوتره قبل فتح الستار وحرصه على الالتزام بالمواعيد، وكل منا بداخله المصباح الذى ينير له الطريق للتوحد مع الشخصية وإتقانها بالدراسة والمعرفة، ونرى ذلك جليا عندما يقوم عارف بالحديث عن الأشباح التى تقطن المسرح للشخصيات التى يتقمصها الممثلون دلالة على إنه هو مصباح لكل ممثل يستذكر دوره جيدا ومن ثم يستحضر الشخصية لتصير أمامه حقيقة من لحم ودم كما نجد ذلك عندما تظهر شخصية د.ستوكمان الحقيقية للممثل قاسم من المرآة التى أمامه لتحاوره وتناقشه وتتجاذب معه أطراف الحديث دلالة على نجاح قاسم فى تقمص تلك الشخصية، فكل أحداث العرض المسرحى هى أحداث وهمية من الواقع الافتراضي للممثل وفى خياله فقط لا غير، ويظهر ذلك بوضوح فى نهاية العرض المسرحى عندما يتكرر مشهد افتتاحية العرض الذى يستذكر فيه قاسم دوره متوترا قبل العرض بدقائق لينبهه عارف الكامن بباطن عقل الممثل بقرب فتح الستار، نفس ذاك المشهد حرفيا يتكرر فى نهاية العرض المسرحى دلالة على أن كل ما دار من أحداث بين ذاك المشهدين ( الافتتاحية والفينالة ) من مواجهاته مع الشخصية التى يجسدها أو مواجهات الآخرين لها هى أحداث كلها من خيال الممثل ولا تمت للواقع بصلة باستثناء كل المشاهد التى تجمعه مع صديقه باهر وابنته هناء فهى مجرد ذكريات ومواقف يتذكرها فى باطن عقله، أما الأخير وهو نائل على فى شخصية «باهر صديق قاسم» فقد أدى دوره بإتقان وحرفية فى حدود الشخصية المكتوبة بالنص المسرحى، ولكنه لم يقم بجهد شخصى فى إبراز الصفات المتناقضة بتلك الشخصية ما بين الوفاء لصديقه وفى نفس الوقت الوصولية حيث انه شخصية سلبية تشعر بالأمان من خلال نجاح الغير ممن يرتبطون به من أجل اطمئنانه على استمراريته فى العمل معهم، فبالرغم من صغر حجم مساحة الدور إلا انه يحمل تناقضات داخلية تجعل منه شخصية مركبة تظهر مدى أهميتها للممثل الذى يحسن استغلالها فقط. 
نخلص مما سبق أن المخرج أسامة رؤوف أحسن اختيارات كل ممثليه بما يتلائم مع فكره السينمائى، ومن خلال أدائهم جميعا فى العرض المسرحى يبرز لنا من الوهلة الأولى مدى ما تلقوه من تعليمات من مخرج العرض المسرحى، بأن يكون أدائهم أقرب من الشكل السينمائى فى بساطته وتلقائيته من الشكل المسرحى، حيث طبيعة القاعة الصغيرة ( قاعة عبد الغفار عودة) التى يتم فيها الفرجة المسرحية، وكذا طبيعة العرض أيضا القائم على أسلوب مسرح داخل المسرح حيث الجمهور يعد هنا جزءا لا يتجزأ من العرض، مما يستوجب معه ألا يكون هناك أية مبالغات فى الأداء نظرا لقرب المسافات ما بين الممثلين وجمهور المتلقى . 
الديكور لحمدى عطية حرص فى تصميمه أن يأتى ملائما لفكر ومنهج رؤوف السينمائى فى المسرح، فجاء الديكور أشبه بلوكيشن تصوير كما نجده فى الأستوديوهات السينمائية وليس ديكور مسرحى كالمعتاد، فعلى الرغم من صغر حجم خشبة المسرح ستشعر كمتلقى بمدى عمق الديكور واتساعه فى خدعة بصرية صممها عطية بعبقرية، فالديكور الأساسى هو عبارة عن غرفة الممثل قاسم فى المسرح حيث يقوم بدور ستوكمان، فنرى من الداخل أثاث الغرفة يمين ويسار المسرح، ففى اليسار نجد منضدة وبعض الكراسى المتناسقة حيث يجلس عليها قاسم وضيوفه، وفى اليمين نجد مرآة النجوم التى تحيطها اللمبات المضيئة من كل جانب، تلك المرآة التى يقوم عليها صلب العرض المسرحى بأكمله حيث تظهر وتخرج منها شخصية د.ستوكمان كلما نظر اليها الممثل قاسم ليستعد لدوره على خشبة المسرح المرتقب بعد دقائق، ليخرج من المرآة ويتجول فى غرفته ويبدأ فى محاورته أحيانا باللغة العربية التى يتحدث بها قاسم على المسرح وهو يجسد شخصية ستوكمان، وأحيانا أخرى يحاور ضيوفه وأبرزهم ابنته هناء وصديقه باهر، تلك اللغة العربية التى أتقنها ياسر عزت بمنتهى البراعة والحرفية والتى لجأ إليها المخرج ليفرق بينها وبين شخصية الممثل قاسم فى الأداء أمام المتلقى ولتكون عامل مساعد أيضا للممثل بجانب إحساسه وتوحده مع كل شخصية، بينما نجد البانر الخاص بالكالوس الأيمن يعتليه ساعة حائط متوقفة عند زمن معين دلالة على أن كل الشخصيات التى تدخل وتخرج منه هى شخصيات وهمية فقط فى خيال قاسم الممثل، وذاك الكالوس مخصص لخروج ودخول شخصية كلا من د.ستوكمان والممثل قاسم فقط من أجل تيسير الخدعة البصرية التى ابتكرها مخرج العرض للمتلقى حيث أن كلاهما شخصية واحدة يتبادلهم ياسر عزت بطل العرض المسرحى بالتناوب ويعاونه فى تلك الحيلة دوبلير عزت الشبيه له جسديا ألا وهو الفنان القدير خالد يوسف فى مشاركة متميزة منه مع كلا من تريزة فريد وأحمد سعد من يؤدون شخصيات العرض المسرحى الأخرى بمسرحية عدو الشعب ومن خلال أداء حركى فقط فى خلفية المسرح، حيث نجد بانر فى خلفية المسرح لمكتبة ضخمة يكشف من خلفه عندما يتم سحبه عن عمق داخلى يمثل خشبة المسرح التى يقوم قاسم بتجسيد عليها شخصية ستوكمان بمسرحية عدو الشعب فى تصميم بديع وذكى لحمدى عطية ساهم بجزء كبير فى نجاح العرض المسرحى لما يسره من حلول عديدة لصغر مساحة القاعة، بينما نجد صور عدة للممثل قاسم بجوار حائط بانر المكتبة تظهر كلما تم إغلاق خلفية المسرح المخصصة لخشبة المسرح الوهمية دلالة على عدم رؤية قاسم إلا لأحلامه ونفسه فقط التى يعشقها ولا يبحث إلا عن سعادتها حتى ولو جاءت على حساب سعادة الآخرين .
 الإضاءة لأبو بكر الشريف نجحت إلى حد كبير فى تصدير الفرق لعين المتلقى ما بين الواقع الفعلى والواقع الإفتراضى فى كل لحظات العرض المسرحى، فوجدنا حرص أبو بكر الشريف فى كل مشاهد الواقع الفعلى لقاسم فى غرقته بالمسرح على أن تكون الإضاءة FULL LIGHT كاملة، اما كل مشاهد الواقع الافتراضي الذى يدور فى خيال وعقل قاسم فقط مثل كل مشاهده على خشبة المسرح ومواجهته لشخصية ستوكمان فى غرفته فقد حرص الشريف على أن تكون الإضاءة فيها خافتة إلى حد ما للدلالة على انها مجرد خيالات فى العقل الباطن لقاسم فقط، كما أهتم الشريف أيضا بالتأكيد على مدى أهمية كل مشاهد المرآة حيث الصراع الدرامى والمواجهات المباشرة ما بين قاسم الممثل وشخصية د.ستوكمان المسرحية من خلال التركيز عليها بالبؤرة الضوئية مع إظلام كامل للغرفة ولمعاونة المخرج فى تنفيذ كل حيله الإخراجية بدون إدراك المتلقى لها .
الملابس لدينا زهير جاءت جميعها معاصرة وتتسم بالواقعية باستثناء فقط شخصية ستوكمان المسرحية حيث تميزت بالقدم المتمثل فى البالطو والكاب الذى يرتديه وذلك لإنها شخصية جاءت من الماضى البعيد .
الموسيقى والألحان لرفيق جمال جاءت بسيطة غير معقدة تعبر عن حيرة الشخصية وما ينتابها من مشاعر متناقضة غير سوية، كما نجح رفيق فى التعبير عن كل مشاهد الرهبة والغموض المتمثلة فى ظهور الشخصيات المسرحية من المرآة بشكل دقيق ومن خلال موسيقى مبتكرة تمزج ما بين الماضى والحاضر . 
«ستوكمان» هو عرض مسرحى يكشف لنا حقيقة «الوجه والوجه الآخر» داخل كل منا، فنحن جميعا لا نملك الا خيار واحد نكون أو لا نكون، ولكن يبقى السؤال هنا هو كيف نكون ؟ 
«ستوكمان» هو عرض مسرحى يعرى لنا أنانية الإنسان وحبه لنفسه حتى ولو على حساب أقرب الناس له، واختار لنا هنا نموذج الفنان، البعض وليس الكل، حيث تجذبه الشهرة وأضواء المهنة لتنزع منه انسانيته وتجعل النسيان شعارا له لكل من حوله فلا يرى سوى نفسه وعمله فقط دون أدنى مراعاة لأصول أو مبادئ .
«ستوكمان» للمخرج المبدع د.أسامة رؤوف لم يقدم لنا عرض مسرحى بالشكل التقليدى، بل قدم لنا ابتكار  جديد للمسرح المصرى يحسب له على مستوى كل عناصر العرض بدءا من الإخراج والحبكة الدرامية والموسيقى والتمثيل والديكور حتى الفكرة الفلسفية وذلك كله من خلال المزج ما بين الرؤية المسرحية والرؤية السينمائية فى تناوله للنص إخراجيا، حتى الحركة ذاتها جاءت مقتصدة كما هو الحال بالسينما مما جعله يقدم لنا مسرحا يقترب بشكل كبير إلى حد الكمال، لذا استحق معه أن يكون أسامة رؤوف واحدا من الثلاثة مخرجين الذين ترشحوا لجائزة أحسن مخرج بالمهرجان القومى للمسرح المصرى فى دورته الأخيرة .


أشرف فؤاد