النافذة نافذة للنور والأمل

النافذة نافذة للنور والأمل

العدد 598 صدر بتاريخ 11فبراير2019

قدمت فرقة المسرح الحديث بالأردن في الدورة الحادية عشرة لمهرجان المسرح العربي بالقاهرة، العرض المسرحي “النافذة” تأليف مجد حميد وإعداد مجد القصص وزيد خليل مصطفي، وهو سينوغرافيا وإخراج د. مجد القصص وكعادتها فهي من المخرجين الذين يعتبرون أن النص المسرحي ملكا للمؤلف على الورق، أما عندما يتحول إلى عرض مسرحي يعرض على خشبة المسرح فهو ملك خالص للمخرج، وبالتالي اشتغلت على النص قبل وأثناء تنفيذه، فكان لها الحق أن تكتب إعدادا، وقد تعاملت مع مؤلف ينتمي للفكر نفسه. ولفت نظري أنها بذكاء شديد عقدت علاقة بين المتلقي والعرض المسرحي قبل دخوله دار العرض بعقد مؤتمر صحفي مصغر عن طريق توزيع بامفلت يحمل كلمات لكل المشاركين في العرض، وبالتالي يتهيأ للتوحد مع اللعبة المسرحية.
وفكرة العرض تدور حول المشكلات والضغوط والصراعات والتمزق والتشتت الذي يعيشه إنسان هذا العصر، ويدعو العرض لفتح نافذة النور والأمل ليخرج الإنسان من صراعاته النفسية ومشكلاته مع الآخر مهما كان القادم من خلال النافذة مجهولا ومبهما ولا نعرفه، فلا بد من المحاولة حتى نتطلع إلى علم جديد مليء بالأمل والحب للحياة، ولعل ذلك يتضح في بعض الجمل الحوارية من العرض المسرحي (لا شيء يخضع للمنطق هنا – بعض الناس يتحركون ويتغيرن دون إرادتهم – إنه الخوف أكبر تحديات الإنسان هذا الخوف من المجهول الذي لا يعرفه – تخلص من خوفك المزروع منذ طفولتك).. وهكذا، ومن هذه الكلمات نتعرف على شخصيات العرض التي يعيش بداخلها الألم والقهر والصراعات النفسية، ولذلك أمسكت المخرجة بكل أدواتها لوصول الفكرة بعمل علاقات متشابكة فردية وثنائية وجمعت كل المذاهب المسرحية في العمل لتنتج لنا صورة بصرية (ما بعد الحداثة)، فنجد أن الممثلين جميعهم يلعبون أكثر من دور ماعدا بطل العرض الذي سمي بالرجل (حمد نجم)، فنجد أدوار المحقق ورجل المخابرات والعسكري والمخرج والساحر والطفل يلعبها (إياد الريموني)، وكان يرتدي ملابس مختلفة ويدخل في حالة جديدة لتترسخ الفكرة بأن هذا الشخص يتلاعب بالرجل وتظهر الصراعات والتشوش بذاكرته فيظهر أخوه الجندي الذي استشهد، وأيضا يقوم بدور دافن بالقبور (هشام سويدان) وكذلك أبيه ودافن القبور (يزن أبو سليم) وحبيبته والممرضة (نهى سماره) ووالدته والممرضة (رنا قدري)، وكل المشاهد لها علاقه بالتغريب وهو ما يسمى بالمنهج البريختي، فيعلم المتلقي أنه أمام لعبة فنجد الأم جاءت للرجل بشكل كاريكاتوري عندما قال له المهرج “انظر ماذا أحضرت لك”، وكذلك الحبيبة جاءت أيضا بشكل كاريكاتوري وهم يحكون بطريقة أفلام الكارتون ذلك دلالة على الكوابيس المشوهة التي تحاصر الرجل، لكننا نشاهد الأم بشكلها الحقيقي وهي تتحرك على الكرسي وأيضا عندما تصعد على المنضدة.
وقد كسرت المخرجة الإيهام بطريقتها الخاصة، ففي قمة التراجيديا تحدث الدهشة للمتلقي ففي مشهد الرجل وأخيه عندما يقول له “أنتم تستشهدون على الجبهة” فيتحول المشهد إلى كارتون توم وجيري، وفي مشهد آخر يتحول إلى ماما زمانها جايه.
وإذا نظرنا للملابس فنجدها بسيطة ومعبرة عن كل شخصية.
أما الديكور فهو عبارة عن كرسيين ومنضدة وبانوهين بكل منهما باب للدخول والخروج للدلالة على تغير المكان واستخدام أحدهما كسرير ينام عليه دمية وتخرج الممرضة دمية صغيرة دلالة على ولادة طفل جديد، ومن المعروف أن السرير يكون على هيئته الأفقية لكن المخرجة جعلته على شكل عامودي أما البانوه الآخر للدلالة على مكان جديد يتم به حفر قبر، وقد استخدمت المخرجة الإكسسوار أيضا بأكثر من طريقة، فمثلا الكشاف استخدم كشافا بشكل طبيعي في مشهد التحقيق ولكنها استخدمته كرشاش وآلة تعذيب أو “دُش للمياه” للعلاقة بين الرجل وزوجته، واستخدمت الديكور أيضا لاستكمال المعروض على الشاشة الموجودة في عمق المسرح (أسفل المسرح) فاستخدمته لعرض توم وجيري، وكذلك لاستكمال صورة الشطرنج والدوائر المتشابكة للدلالة على أن الساحر يشوش على ما يدور بعقل الرجل، وكذلك تم تحريك الديكور في أكثر من مكان واتجاه على خشبة المسرح لخلق فضاءات مسرحية جديدة، وبالنسبة لشاشة العرض فعرض عليها مشهد الانتحار من أعلى مبنى مرتفع، ومشهد قتل جندي، وتقاطع ذلك مع الحدث على المسرح، وكذلك رقعة الشطرنج والدوائر المتشابكة.
أما خطة الإضاءة فنجد أنها بسيطة لتحقيق الحدث المسرحي بوجود كشافين في منتصف يمين المسرح وكشافات في مقدمة المسرح، وأيضا تم استخدام كشاف خاص لمشهد التحقيق للدلالة على الإحساس بالاختناق والظلم والقهر والخوف الذي يعاني منه الرجل، وكذلك استخدمت بطاريات اليد في مشهد القبور، كما قامت الإضاءة بعكس خيالين أحدهما طويل يمثل السلطة والقوة والثاني قصير يمثل الضعف والقهر وعدم الحيلة. وقد كانت النافذة التي تم عرضها على الشاشة أكبر دلالة لاستخدام المخرجة أسلوب الدلالات طوال العرض.
وكانت الموسيقى (مراد دمرجيان) عبارة عن إيقاعات سريعة واستخدمت الآلات الوترية والآلات الإيقاعية بأصوات عالية للدلالة على التوتر والقلق.
أما الأداء التمثيلي فنجد أن فريق العمل كان متناغما متجانسا يعزف سيمفونية موسيقية.
لكنني لي ملحوظة على هذا العرض المسرحي، فأقول إن هذا العرض قدم لذائقة المتلقي المهتم بالمسرح، أما غير المتخصص فسوف يعاني في تفسيره للعرض، وبالتالي يفقد جزءا من متعة المشاهدة. وبشكل عام نوجه الشكر لكل من شارك لخروج هذا العرض المسرحي إلى النور، ونخص بالشكر الأستاذة الدكتورة مجد القصص صاحبة المجهود الأكبر في هذا العمل.
بالحب والأمل تستمر الحياة.

 


جمال الفيشاوي