مسرح المناقشة في تجربة المسرح الحر

مسرح المناقشة في تجربة المسرح الحر

العدد 777 صدر بتاريخ 18يوليو2022

مسرح المناقشة هو مسرح تفاعلي –في الأساس-، بحيث يقوم على رؤية تعتمد على دمج الجمهور في بنية العرض المسرحي والتفاعل المباشر مع القضية المعروضة على خشبة المسرح.
وهذا يستلزم بالتالي أن يكون عند المخرج رؤية تجريبية تعتمد على توظيف البعد المكاني، والقراءة الجيدة للبعد الاجتماعي للجمهور.
وقد اعتمدت بعض عروض الفرق المسرحية في تجربة المسرح الحر في مصر على تلك التيمة الفنية، وهذه العروض حققت تفاعلا جماهيريا، جعلت مخرجي هذه العروض يغيرون من نهايتها وفقا لرؤية الجمهور.
مححققين بذلك خاصية هامة للمسرح المفتوح،  «فالمسرح المفتوح» يختلف كلية، فكل شيء فيه يوظف لأجل الجمهور، فهو مسرح «اللا نص» حيث تنمحي فكرة المركزية سواء»المؤلف/أو المخرج/ أو الخشبة التقليدية».
وربما هذا ما حدث مع وهذا ما نراه في عرض «يحدث في قريتنا الآن»  لفرقة السرادق المسرحية في عام 1984، والذي استمد مادته الأصلية من نص «ياسين وبهية» لنجيب سرور الذي هو، في الأساس، عرض غنائي يعتمد على القصة الشعبية الشهيرة فقد تم تحويله إلى إطار واقعي حيث قام عدد من أعضاء الفرقة بتجميع مادة توثيقية من خلال بحث ميداني عميق عن شخصية حقيقية لأحد الصيادين اسمه «حسن» وتمت المزاوجة والمراوحة بين ذلك البطل الواقعي والبطل الأسطوري، وكذلك استحداث شخصية واقعية أحبها ذلك الصياد مشابهة لبهية بطلة الأسطورة الشعبية.
وتم تقديم الحدث من خلال فكرة الراوي الذي يقف في منتصف خشبة العرض ووفقا لحالة الحكي الشعبي فقد تدخل الجمهور في مسار الحوار المسرحي إما بالتغيير أو الإضافة.
ونظرا لأن «البطل الدرامي» كان شخصية حقيقية وأحد أبناء قرية «شكشوك» التي تم تقديم العرض بها فقد ثار الجمهور نتيجة إحساسهم بالظلم الواقع على هذه الشخصية وقاموا بمظاهرة شعبية، تم على أثرها اعتقال خمسين صيادا شاركوا في أحداث الشغب.
وهذا يدل على شدة التفاعل الجماهيري على اعتبار أن المسرح نوع من أنواع تثوير الوعي وإيقاظ المشاعر ونقطة رئيسية في التحرك من أجل الحرية، وقد توقفت الفرقة بعد هذا العرض لمدة عامين قدمت بعدها «احتفال الدراويش بإعلان جمهورية زفتى» تأليف محمد الفيل، وإخراج صالح سعد.
ورغم أن هذا العرض لم يعتمد على الاستلهام الشعبي إلا أنه استفاد من تقنيات المسرح الاحتفالي والارتجال، فقد دارت أحداثه في إحدى القرى بمحافظة الفيوم حيث يتم إعلان قيام الجمهورية التي على أثرها يتم الإعلان عن انتخاب رئيس لها فيتقدم اثنان أحدهما عامل صناعي «ميكانيكي في ورشة» والثاني تاجر أقطان ثري.
ونظرا لأن الغالبية من الجماهير التي كانت تحضر العرض من البسطاء والطبقة الشعبية الريفية فقد تم التصويت لصالح العامل البسيط، ورغم وقوع التزوير في البداية ـ إلا أن الجماهير طالبت بتعديل النتيجة وفوز ذلك العامل الذي قام بدوره «محمد عزت» والذي ما أن يتسلم مهام وظيفته حتى يطالب الجماهير بالإعلان عن مطالبهم.
وهنا يتحول الفعل المسرحي من الفني إلى التعبير السياسي والدعوة إلى تحرير المواطن، لاسيما وأن الممثلين قد تخطوا حاجز المنصة المسرحية ونزلوا إلى الجمهور فتحولت الحالة المسرحية إلى واقع ملموس.
وهذا أيضا ما وجدناه في بعض عروض الفنان عبد العزيز مخيون من خلال فرقته المسرحية بقرية زكي أفندي بالبحيرة في سبعينيات القرن الماضي.
يقول «مخيون»: كنا نلاحظ المتفرجين فى أسطح المنازل وفى الجرن وتحت الأشجار وبهذا تم توظيف المكان كعنصر درامى ، رغم الخطاب السوسيو اجتماعي داخل بنية النص المسرحي الذي أحدث نوعاً من الصدام مع المؤسسة الثقافية والسياسية التي طالبت بتغيير الفصل الثالث وإلا سوف يلغى العرض وبالفعل توسط الراحل سعدالدين وهبة بين الطرفين ، ثم تم الاتفاق على تكملة المسرحية بفصل بديل .
وقد ظهر ذلك جيدا في مسرحية « الدقيق « والتي ناقشت قضية الدعم الحكومي لدقيق التموين الذي يسرقه الموظفون ويوزعونه فيما بينهم ، وقد بنى الأسلوب الفني على أساس الجمع الميداني بالإضافة إلى قيامه على تيمة الرواية ، من خلال فلاح حكواتى ، أما السينوغرافيا فجاءت ملائمة للحدث بسيطة جداً مكونة من ثلاث كلوبات موقدة على عصا وفروع الشجر والظلام يملأ المكان ، ثم يبدأ الراوي / الحكواتى فى رصد تفاصيل المسرحية .
وهذا أيضا ما وجدناه في عرض «السهرة الريفية»  لفرقة «شبرا بخوم» من إخراج أحمد إسماعيل. والملفت للنظر أن العرض ـ فى جوهره ـ كان يناقش أحوال أهل القرية وألاعيب المجلس المحلى الذين يحتكروا بيع المواد التموينية ويخفونها عن الفلاحين البسطاء ويمارسون سلطة سياسية عليهم، وقد حضر الجميع ليشاهدوا أنفسهم وقد جسدت شخصياتهم على خشبة المسرح.
ويعد العرض من القصص التقليدية كحكاية الحب التي من الممكن أن تقع بين ابن الفلاح البسيط وبنت أحد محتكري السلع التموينية كما يحدث فى الأفلام وهو السؤال الذى طرحه أحد المشاهدين مما جعل المخرج يرد عليه – هو وفريق العمل – بأن الحكاية ليست مسلسلا تليفزيونيا يشوه الوعي وإنما هو الواقع بصورة تقريبية.


عيد عبد الحليم