المقاومة في المسرح الفلسطيني المعاصر

المقاومة في المسرح الفلسطيني المعاصر

العدد 837 صدر بتاريخ 11سبتمبر2023

تتعدد أشكال المقاومة الفنية في الأراضي المحتلة في فلسطين، ما بين الشعر والأغنية الشعبية والمسرح، وفي الوقت الراهن تلعب التجارب المسرحية ذات الطابع التجريبي دورا مهما في تثوير الوعي، خاصة وأنها تتسم بسمات المسرح المفتوح، القائم على مواجهة الجمهور والاشتباك معه.
ومن هذه التجارب التي شارك في عروضها «مسرح عشتار» بالأراضي المحتلة. ففي مدينة «رام الله» قدم أول عرض مسرحي ينتمي إلى « مسرح الشارع»، تحت عنوان «كلنا في الهوا سوا» وحقق نجاحا ملحوظا، حيث قدمته فرقة عشتار بالتعاون مع «مسرح بريد أندبابيت» الأمريكي وشارك في العرض ما يقرب من 30 ممثلا ومتدربا.
وقد تناول العرض موضوعات ذات طابع سياسي واجتماعي منها «قضية الجدار العازل» و «عملية السلام» و»التناحر الداخلي بين الفصائل السياسية الفلسطينية».
وقد استخدم مخرج العرض «إدوار معلم» أسلوب مسرح الشارع بفضاءاته المختلفة، مستخدما دمى كبيرة الحجم كأقنعة للشخصيات.
وقد أكد «‘دوار» على أن الهدف من هذا العرض هو إظهار ما يحدثه التطاحن بين الفصائل من انهيار داخلي وخارجي على كافة الأصعدة.
وقد قدمت المسرحية وصفا لحياة الفلسطينيين كأنها جسد تم تقطيعه من خلال دمية كبيرة لإنسان فصلت رأسه عن جسده وقطعت يديه وساقيه.ولا يخلو العرض من بارقة أمل تلوح في الأفق، فبينما يتحرك الجدار الفاصل في معظم المشاهد إلا أنه في نهاية العرض يظهر عصفور أبيض كبير الحجم يحمله شخص تسير بجانبه فتاة تغني بصوت شجي:وسلامي لكم يا أهل الأرض المحتلة/ يا منزرعين بمنازلكم/ قلبي معكم/ وسلامي لكم»، بينما تشكل جوقة من الممثلين يرددون وراءها ما تقوله.
وقد أكد «‘دوار معلم» على أن رسالته هو و زملائه من خلال هذا العرض هي الدعوة إلى الوحدة والتلاحم فبهما يمكن تحقيق كل شيء، 
وأضاف: لا يجب أن ننتظر من يخلصنا مما نحن فيه. هذا هو مسرح الشارع يدعونا إلى التمرد على الواقع». 
وفي تصريح لرويترز قال «عمر الجلاد» أحد ممثلي العرض: «لقد تعلمنا أسلوبا جديدا في إيصال الفكرة للناس، وأن تذهب إليهم في أماكن تواجدهم وليس أن تنتظر أن يأتوا إليك.. لقد فاق جمهور العرض توقعاتنا ويبدو أننا نجحنا في استدراجه من خلال الكرنفال الذي أقمناه قبل العرض المسرحي».
أما الصحفية الأمريكية»أليس وير» والتي تابعت العرض فقد قالت لرويترز: «لقد كان العرض واضحا حتى لو لم تفهم اللغة التي يتحدثون بها/ وأتمنى أن تعرض هذه المسرحية في الولايات المتحدة، فهي تعطى صورة عن أثر الجدار على حياة الفلسطينيين».
وهناك تجربة «وصفي تايه»  الذي يعد رائدا للمسرح في مخيم «الفارعة» في الضفة الغربية، بداياته الفنية جاءت منذ كان طفلا يلهو مع أقرانه في أزقة وحارات المخيم، وهو يعمل الآن مع مجموعة من الممثلين المسرحيين المغمورين أمام جمهور صغير، وقد ورث «تايه» هذه المهنة عن أخيه الأكبر الذي كان يشرف على فرقة مسرحية متنقلة تقدم عروضا تمثيلية في الأفراح والمناسبات.
وعندما عاد «تايه» إلى الضفة الغربية في منتصف التسعينيات بدأ بالتفكير في إنشاء مسرح يخدم قطاعات الجماهير المختلفة في الضفة، وتمت الفكرة بدعم من «مؤسسة بيسان» المعنية بالمشاريع الاجتماعية، وأطلق عليه اسم «مسرح الفارعة الفلسطيني».
وهو مسرح بلا رتوش يلجأ فنانوه إلى أساليب بدائية غاية في البساطة، في تحضير الإكسسورات والماكياج، فيتم استعمال الألوان المائية كبدائل عن مساحيق المكياج التقليدية ويتم تشكيل الذقون والشوارب يدويا، واقتراض الملابس التي تناسب كل عرض مسرحي من الأصدقاء والمعارف والأقارب في المخيم.
وقد لاقت عروض الفرقة تفاعلا جماهيريا خاصة مسرحية «المحامي أبو عبأه» التي أثارت حفيظة بعض محامي المنطقة لتطرقها إلى أسلوب عمل بعض المحامين، ودعوتهم إلى تحكيم الضمير في التعامل مع قضايا موكليهم.
أما عرض «الأرض» فتعرض لقضية أشمل بما عكسه من صور متناقضة، فهو في جانب منه يتحدث عن قسوة السجن والسجان، ومن جانب آخر يظهر قيمة تعلق الإنسان بأرض موطنه.
وتؤكد المسرحية على مفردات المقاومة وأن أي جدار في العالم يتحطم _بالتأكيد _ أمام صمود أي شعب ينشد الحرية.
وقد جسد العرض ثنائية «(الغربة / الإقامة) من خلال مجموعة من المواطنين الذين يتركون أرضهم ثم يعودون إليها مرة أخرى، ومابين السفر والإقامة حياة من الأسى والشجن والعذاب الذي يولده الاغتراب.
ومن أبطال الفرقة الفنان التلقائي «أحمد العرجا» وهو صاحب أداء كوميدي راق، ومثل في عدة مسرحيات، وقام في مسرحية «الأرض» بدور المحقق الإسرائيلي، وحاول من خلال تجسيده لهذا الدور أن يوصل رسالة للجمهور تعكس قسوة الاحتلال، وكذلك صمود الأسرى الفلسطينيين أثناء التحقيق معهم في السجون الإسرائيلية.
ومن التجارب الفلسطينية التي استفادت من تقنيات «مسرح الشارع» مسرحية «حلم سبل» من إخراج إيمان عون، وقد شارك فيها بالتمثيل اثنا عشر طفلا تتراوح أعمارهم بين اثني عشر سنة وثمانية عشر.
وتبدأ المسرحية بمسيرة للأطفال حول المسرح الذي أقيم في وسط مدينة «رام الله» في الهواء الطلق، قبل أن يصعدوا إلى خشبة المسرح للحديث عن أحلامهم التي تتمثل في حلم الطفلة «سبل» _ والتي تبلغ من العمر 12 عاما _  في اللعب مع أصدقائها، وأن تصبح فنانة في المستقبل، وهو الأمر الذي يعارضها فيه أهلها.
وتستحضر المخرجة الخيال في هذا العمل وتقنيات الأسطورة، فتظهرثلاث شخصيات لجنيات يسألن الطفلة «سبل» عما تريد لتحقيقه لها، فتختار «سبل» اللعب مع أصدقاءها_ الذي هو غاية أمنياتها _ نظرا لأن أصدقاءها يفصل بينها وبينهم الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، فيحققون لها ما تريد حيث تهدم الجنيات الجدار، وتعود «سبل» للعب مع أصدقائها,
وتتطور أحداث المسرحية حتى تكبر «سبل» وتصبح فنانة كما تمنت في طفولتها.
وتضمنت المسرحية مجموعة من الاستعراضات التي قدمها الأطفال. وقد اصطحبت المخرجة «إيمان عون» ثمانية من هؤلاء الأطفال _ أبطال العرض _ للتدريب في ورشة عمل بألمانيا، والتي شارك فيها أيضا أطفال من مصر وأسبانيا وألمانيا للتدريب على أسلوب «مسرح المضطهدين».
من الفرق المسرحية الفلسطينية «فرقة مسرح الشارع» والتي تأسست عام 2003 من مجموعة من الهواة وهم إلياس الجعية، والذي شارك في عدة ورش لإعداد الممثل، وشارك في مجموعة من الأعمال التليفزيونية والمسرحية منها مسرحية «البحث عن حنظلة» إخراج مكرم خوري، والمسلسل التلفزيوني «يانون» من إخراج حيان يعقوب، وفيلم سينمائي تخت عنوان «سفر التكوين» من إخراج رياض دعيس.
ويعد عرض «يلا نضحك» من أشهر عروض الفرقة، وعلى حد ما جاء في تقديم فريق العمل للعرض: «فإن الفرقة بدأت عرضها من قاعدة الضحك للضحك، وتطور العرض رغما عنها ليشمل مفاهيم تربوية مثل التعاون والنظافة والصداقة لكن الهدف الأسمى في العرض هو الترفيه من أجل الترفيه.. من خلال المهرجين الذين يستخدمون أساليبهم ومهاراتهم الاستعراضية من أجل إسعاد الطفل».
    وتدور أحداث العرض حول «زعتر ومشمش» أثناء تنظيفهما للشارع، فيحاول «مشمش» ذو الطبيعة المشاكسة تعطيل العمل من خلال عدة مقالب يقوم بها، في حين أن «زعتر» يمثل الشخصية الملتزمة المحبة للعمل، ومع ذلك هو يحب زميله «مشمش» ولا يريد أن يخسر صداقته.
 


عيد عبد الحليم