استدعاء ولى أمـــــــــر.. دراما ما خلف الأبواب المغـلقة

استدعاء ولى أمـــــــــر.. دراما ما خلف الأبواب المغـلقة

العدد 790 صدر بتاريخ 17أكتوبر2022

وراء كل باب حكاية .. بهذه الجملة استهل مقالتى النقدية عن العرض المسرحى «استدعاء ولى أمر»، من انتاج مركز الهناجر للفنون، و من اخراج زياد هانى، حيث انها خير معبر عن دراما العرض و ما يحمله من دلالات و رموز و قراءات لما وراء السطور، فكل باب مغلق غالبا ما يحمل ورائه قصة لنفس انسانية تعانى لا يعلم عنها احد شيئا الا الله، لذا وجدنا المخرج هنا قد استخدم الأبواب التى تتحرك و تفتح و تغلق بكثرة كرموز اساسية فى العرض المسرحى للتعبير عن معاناة أسرة بالكامل من قهر الأب وما بينهما من حواجز و قيود من عدم الفهم و التواصل بسبب ما يتبعه معهم من عنف و عادات بالية .
 تدور أحداث العرض هنا حول يحيى روؤف ذلك الطالب الذي يفاجئ بطلب استدعاء ولي أمره في المدرسة ليبدأ فى البحث عن أبيه قبل أن يكتشف الجريمة التي ارتكبها، كما تظهر أحداث العرض سوء معاملة الأب للأسرة بأكملها، ورحلة البحث عن الأب هنا ليست المقصود منها ذات الشخص و لكن المعنى بها هو صفة الشخص كأب بما يتسم به من حنان وعطف ورحمة لأبنائه  والتى هى سمات لم يجدها الأبن فى ابيه، حيث صار كل منهما غير مرئى بالنسبة للآخر فالابن لا يرى ابيه سوى شخص سلطوى يتلذذ بتعذيبه و التحكم فيه بعيدا كل البعد عن مشاعر الأبوة، وفى المقابل ايضا لا يرى الأب جراح ابنه ولا يشغل باله بمشاعره  ولا أحلامه المشروعة ولا يهتم بشخصه ولا بكرامته، وبالتالى يتردد الابن كثيرا فى اخباره تجنبا لعنف الأب حتى يتعرض لضغوط من ناظر مدرسته على اثرها يقرر الاعتراف لوالده بأمر استدعائه، ولكن لا ينتظر الأب هنا ان يعرف ما هى اسباب ذاك الاستدعاء فينهال عليه ضربا مبرحا، مما يكون له أكبر الأثر فى التطورات النفسية لشخصية الابن طوال أحداث العرض حتى يتخذ قراره النهائى بالرحيل إلى المجهول بعد صراع و معاناة طويلة بداخله تجنبا للانتحار أو لارتكابه جريمة فى حق أبيه و أمه، لتترك هنا نهاية العرض مفتوحة لجمهور المتلقى عما يحمله المستقبل من مصير لتلك الشخصية المقهورة بكل ما تحمله من تشوهات نفسية تركتها فيه أسلوب الإذلال والتربية غير السليمة .
مخطئ من يظن هنا ان الكاتب محمد السورى قد أراد بتناوله لهذا النص فقط ابراز العلاقة الأسرية بين أفراد الأسرة بعضهم البعض، وبالأخص علاقة الآباء بالأبناء أو العكس و ما يشوبها من اساليب قهر وتنشئة خاطئة يمارسها الآباء احيانا تجاه الأبناء، فهذا تناول محدود لا جديد فيه تم طرحه من قبل بالسينما و التليفزيون، و لكن اراد السورى هنا تناول فكرة القهر بشكل عام و بمنظور أعمق من الداخل و الخارج و لكنه اتخذ من الأسرة المصرية و المدرسة نموذجا، حيث ترمز الأسرة المصرية هنا إلى فكرة القهر للنفس البشرية من الداخل بينما ترمز المدرسة إلى فكرة القهر للنفس البشرية من الخارج حينما يحدث ان يفتقد كلا منهما لأساليب الاحتواء و التوجيه الايجابي و التنشئة السليمة، فكل منا يمر بشريط حياته بمواقف و لحظات قهر يتعرض لها عندما يشعر بالاغتراب داخل نفسه و اسرته و كذا عندما يمتد هذا الاغتراب إلى مجتمعه و كل من حوله، فمنا من ينجو بنفسه من هذه المحنة بإيمانه القوى و بثباته امامها و تحديه و انتصاره على كل عقباتها حتى يتخطاها و يصل بروحه إلى بر الأمان النفسي، و كذا منا ايضا من يقع فى فخ هذا الاغتراب نتيجة ضعفه و سلبيته  فيشعر بالقهر حتى  يتملك منه كاملا إلى ان يؤدى به إلى حالة من الجنون أو التشرد الذهنى كما رأينا بالعرض المسرحى من خلال شخصية المشرد الذى تجمعه الصدفة بيحيى بطل الرواية و ما يحدث بينهما من مواجهة و توحد يرمز فنيا إلى السبب و النتيجة فكلاهما فلسفيا شخص واحد قبل و بعد .
تطرق السورى هنا بالعرض المسرحى «استدعاء ولى أمر» بمنتهى الجرأة إلى قضية جديدة لم يسبقه بها احدا من الكتاب و لم تتناولها من قبل لا السينما و لا التليفزيون بشكل عميق و مفصل كما تناولها السورى فى نصه المسرحى آلا و هى «قضية المشردين» الذين نراهم من حولنا فى الشوارع و على الأرصفة، وكثيرا منا يخلط فى التفسير اللغوى ما بين «المشردين» و «المتشردين» ويظن أن كليهما يؤديان إلى معنى واحد، و لكن فى حقيقة الأمر هذا أمر غير صائب تماما و هناك  فرق واضح و كبير بين المعنيين بالرغم من ان كلا منهم اتخذ من الشارع مأوى له، و لكن المشردين هم اشخاص ينتموا إلى اسر و عائلات و لكن غاب وعيهم نتيجة قسوة اقدارهم و تعرضهم لصدمات أقوى منهم لذا فقرروا الخروج إلى الشارع بمحض ارادتهم، أما المتشردين فهم اشخاص يتمتعون بكامل وعيهم و لكنهم جاءوا إلى الحياة فوجدوا انفسهم بالشارع رغما عنهم نتيجة عدم وجود عائلات لهم ولا أسر تتبناهم، و بالتالى فالأول هنا هو خطر على نفسه فقط بينما الثانى هو خطر على نفسه و المجتمع معا أن لم تأويه دور الرعاية اللازمة، اما بخصوص هؤلاء المشردين فدوما كنت أتساءل ما الذى يمكن ان يحدث للإنسان ليصل به الأمر إلى هذا الحال، فهم ليسوا بمتسولين حيث لا يعرفون معنى للنقود التى نعطيها لهم و لا حتى وظيفتها كوسيلة لشراء احتياجاتهم، كما انهم ليسوا بمجاذيب بل هم أشخاص أسوياء من بيوت و عائلات محترمة و لكن اصابهم التيه و التشرد الذهنى نتيجة صدمات نفسية شديدة تعرضوا لها خلف الأبواب المغلقة بسبب القهر و التنمر، و لم تقوى نفوسهم الضعيفة على تحملها فقرروا الرحيل إلى الشارع بلا رجعة هربا من الحياة حيث اللا حياة  فتجدهم دوما فى حالة اغتراب و لا وعى و عزلة عن الآخرين، فالزمن لديهم توقف تماما من تاريخ الصدمة، و فى نفس الوقت هم اشخاص غير مرئية  فلا هم يشعرون بالمجتمع من حولهم و لا المجتمع يشعر بهم و كأنهم و العدم سواء .
و من هنا كان لابد لنا كفنانين من القاء الضوء على “ الأسباب “ التى تؤدى بالإنسان إلى تلك النتائج الا و هى  “ التشرد “ حتى نتجنب حدوثها و تحمل وزرها و التى تتلخص جميعها تحت عنوان واحد و هو “ القهر “ مهما تنوعت تلك الأسباب من انسان لآخر، و تلك هى الرسالة التى هدف السورى اليها من خلال نصه المسرحى .
التمثيل فى العرض المسرحى يمثل حالة خاصة جدا من الابداع أجاد مخرج العرض بشكل دقيق يحسب له فى اختيار كل منهم فى الشخصية الملائمة له شكلا و موضوعا، فجميع من بالعرض هم من الشباب الواعد، ليس ذلك فقط بل انهم جميعهم على درجة عالية من الوعى برسالة  أدوارهم التى يرغب كلا من المخرج والمؤلف فى ايصالها للمتلقى، كما يتميزون ايضا بالتلقائية والإحساس والصدق الفنى فى الأداء، بدءا من مصطفى سعيد «الاب رؤوف» الذى نجح فى تجسيد القسوة و العنف ببراعة إلى درجة استفزت الجمهور و ساعده فى ذلك قوة بنيانه الجسدى، و مصطفى رأفت «الابن يحيى»ذلك الأبن المقهور صاحب الشخصية السلبية الضعيفة غير المتزنة نفسيا و التى نجح فى آدائها بعبقرية تحسب له و ساعده فى ذلك ايضا نحافته و ضعف بنيانه الجسدى، و نانسي نبيل «الدكتورة» والتى تجمع ما بين الحضور و تلقائية الأداء و التى لا تملك الا أن تصدقها فى أى دور تلعبه كوميدى ان كان أو تراجيدى لما تتمتع به من ثقة بالنفس على خشبة المسرح، بتول عماد “ هدير الاخت “ ممثلة تمتلك قدر عالى من الاحساس بكل حرف تنطقه و تجيد تعبيرات الوجه، لمياء الخولي “أم“ استطاعت ان تجعلنا نشعر معها بالأمومة  و الخوف على الأبناء و نقتنع بذلك بالرغم من صغر سنها، فى نفس ذات الوقت التى جعلتنا فيه احيانا نستشيط غضبا من ضعفها و سلبيتها امام بطش الأب بالأبناء و تلك معادلة فى منتهى الصعوبة فى التمثيل، ادهم هاني “ الشخص “ و لم يسميه المؤلف هنا بالمجذوب تأكيدا على قولى بأن المشرد ليس بمجنون و لكنه ضحية  قهر و تنمر الأسرة و المجتمع، و حقيقة بذل ادهم مجهودا كبيرا جدا فى استذكار واحدة من اصعب الأدوار بالمسرحية حيث انه نجح فى ايصال رسالة المخرج للجمهور من خلال آدائه اللفظى و الحركى بأن ذاك الشخص المشرد هو شخص سوى و لكنه شخص مهزوز صدمه الواقع لذا فهو يجمع ما بين العقل و غياب الوعى بنسب متفاوتة، فوجدناه يتفوه بجمل تتصف بالحكمة مع الحرص على حفاظه على اظهار اضطرابه النفسى فى ذات الوقت، كما ساعده المكياج المتقن للغاية إلى حد كبير فى تقمص تلك الشخصية التى لا تعتنى بنظافتها و لا بهندامها نتيجة انفصال وعيه عن العالم الخارجى،  ميسرة ناصر و عمر عادل  “ الدكتور الاول و الثانى “ نجحا فى تشكيل ثنائى كوميدى ناجح يمثلان الواقع الخارجى المؤلم للأبن يحيي مع “ ناظر المدرسة “ شديد الطباع الذى جسده لؤى سامى بحرفية شديدة، وأخيرا مونيكا هاني “ حبيبة يحيى “ حيث جسدت الرومانسية بشكل عفوى و بسيط دون ادنى تعقيد أو مبالغة . جاء المكياج لنادين أشرف احترافيا كما نراه فى الأعمال السينمائية و دقيقا بلا ادنى اخطاء، مما ترتب عليه شعور المتلقى بأنه امام شخصيات حقيقة و ليست من وحى المسرحية، و وجدنا ذلك بالأخص فى شخصيات الأب و الذى حرصت فيه نادين على اضفاء عنصر القسوة و اللامبالاة على ملامح وجهه، كما وجدناه على النقيض تماما فى مكياج الأبن بما اضافه المكياج اليه من انطباع الضعف و الاستسلام من خلال ملامح وجهه الشاحبة، و ظهرت بصمة نادين أشرف الابداعية فى مكياج الشخص المشرد التى جاءت مطابقة حرفيا لما تراه اعيننا لهم فى الشوارع و الأرصفة و وسط القمامة كما وجدناه فى المسرحية، كما آنه مكياج فى غاية الصعوبة لما يحتاجه من بذل جهد كبير من أجل حدوث هذا التطابق لما بهذه الشخصية من تفاصيل شكلية مختلفة و معقدة، كما ساهم المكياج ايضا فى معاونة الممثلين على التقمص و تأكيد عنصر المصداقية لدى المتلقى.
اما الملابس لهاجر كمال فجاء تصميمها واقعيا ومن وحى الأسرة المصرية من ذوات الطبقة البسيطة المتوسطة، و بالتالى من المهم جدا لنجاح اى عمل فنى ان يتطابق كلا من المكياج و الملابس مع سمات الشخصية و الا ينفصل احدهما عن الآخر، لذا كان هناك توافق كبير فى وجهات النظر ما بين نادين أشرف مع هاجر كمال .
ادركت هبة الكومى باعتبارها مصممة ديكور العرض المسرحى “ استدعاء ولى أمر “ بوعيها الفنى و بنقاش مؤكد مع المخرج الشاب زياد هانى حول رؤيته الإخراجية ان ما يقدمه هنا هو حالة مسرحية متصلة من البداية للنهاية تستحوذ على عاطفة المتلقى بكامل حواسه و بالتالى لا يجوز معها تشتيت انتباهه و تركيزه بكثرة البلاك من اجل تغيير اللوحات المسرحية امامه، و من ثم لجئت هنا إلى حل سحرى مبهر بتصميم الخشبة المسرحية متعددة الاستخدامات فى آن واحد، منزل الأب البسيط على يمين المتلقى، و حجرة ناظر المدرسة على يساره، و يتوسطهما باب مغلق مشترك يجوز ان يكون باب منزل الأب و حجرة  الناظر فى نفس الوقت، و بالتالى فى نهاية المسرحية عندما يقوم الأبن بفتحه و الخروج منه حاملا حقيبة ملابسه، فهذا الخروج يرمز هنا إلى خروجه من كل عالمه السابق بكل ما فيه من احداث و اماكن سواء المنزل أو المدرسة متجها نحو عالم من المجهول، كما استخدمت جزء من المساحة الخلفية لخشبة المسرح و بالأخص الجزء الذى يتوارى خلف المنزل فى تصميم سلويت يظهر من خلفه الأطباء الثلاثة و يرمز إلى المستشفى حيث مكان تجمعهم، و على يسار و يمين كلا من مقدمة المسرح وجدنا ايضا موتيفات ترمز إلى الشارع حيث مكان لقاء الحبيبة أو لقاء ذلك الشخص المشرد الذى اتخذ من محطة الأتوبيس مأوى له والذى دوما كان يرى نفسه فيه، اضافة إلى حسن استخدامها و توظيفها لموتيفات الأبواب المتحركة المغلقة والمفتوحة فى التعبير عن اسقاطات ورموز المخرج غير المباشرة خلال العرض المسرحى عما يجول بداخل كل شخصية من صراعات، كما تجلت عبقرية مصممة الديكور عندما جعلت نجفة البيت متدلية من سقف السوفيتا بشكل مائل وكذا أيضا نفس الحال لأباجورة المنزل، وهو إسقاط واضح وصريح على حال ذاك المنزل المقلوب و الذى تغيب عنه السعادة والاستقرار .
جاءت الإضاءة لإبراهيم الفرن هنا موظفة بديلا عن تغيير لوحات الديكور أمام الجمهور وتغيير الحدث، من خلال تنقلات البؤر الضوئية على خشبة المسرح من مكان إلى مكان آخر مع الالتزام بحرفية الممثل وسرعة بديهته فى التنقل السريع مع تنقلات بؤر الإضاءة مما ساهم فى سرعة الإيقاع للعرض و عدم تسريب أى لحظات ملل للجمهور طوال ساعة و ربع الساعة هى مدة العرض المسرحى، كما ساهمت اضاءة  الفرن بشكل كبير مع مخرج العرض فى نجاح العرض المسرحى نتيجة وعيه وفهمه لمتطلبات كل مشهد مسرحى و ما يستوجبه من الوان ملائمة لطبيعة الحالة، ختاما بأحد اروع لوحات العرض المسرحى حينما قام الأبن حاملا حقيبة ملابسه بفتح باب الشقة الذى هو ذاته باب حجرة الناظر معلنا خروجه من عالمهم إلى الشارع ليعلن عن ميلاد مشرد جديد وسط عالم من المجهول، و قد عبر الفرن عن تلك اللحظة بدخان كثيف مع اضاءة صفراء بخارج الباب تحتضن الأبن حتى يختفى عن الأنظار كناية عن الحياة الضبابية غير محددة المعالم التى تنتظره .
الإعداد الموسيقى لعادل مبروك كان اشبه بالملحمة الموسيقية التى تعبر عن دراما العرض المأساوية كما نراها فى الروايات اليونانية حيث الأحداث القاتمة و المصير المؤلم لبطل الرواية، فجاءت الموسيقى صاخبة حزينة معبرة عن حالة من الانكسار من بداية العرض لنهايته، و هى بالطبع متوائمة مع احداث العرض المسرحى .
فى سابقة جديدة و فريدة من نوعها فى عالم الدعاية المسرحية، ابهر محمد عبد الرحيم مصمم الدعاية للعرض المسرحى كلا من جمهور الشارع و كذا جمهور المتلقى من خلال فكرة جديدة لتسويق العرض مسرحيا، حينما قام قبل افتتاح العرض بعدة ايام بتوزيع خطابات على المارة بجميع فئاتهم العمرية، و عندما يفتحوها يتفاجئون بطلب استدعاء ولى امر الطالب يحيي رؤوف عبد الهادى بإحدى المدارس، و من اجل اضفاء عنصر الجدية على الخطاب و حتى لا يظن المارة انها مزحة فيتجاهلونها قام بتدوين جملة فى نهاية الخطاب بجوار كود معين مفادها انه اذا لم تكن تفهم ما الأمر عليك بعمل سكان لهذا الكود، و بالتالى يدفعهم الفضول لتنفيذ ذلك الفعل ليتفاجئوا بإنها دعوة لحضور عرض مسرحى سواء ان كنت طالب أو معلم أو ولى أمر أشبه بالنداء لتشاهد ما يجب عليك ان تفعله و ما يجب عليك ان تتجنبه من اجل مجتمع صالح و تنشئة  صحيحة، و قد جاءت الفكرة للمصمم بعد حضوره  لعدة بروفات مسرحية كما انها لاقت اثرها فى جذب الجماهير بشكل كبير للحضور بدافع الفضول مما اسهم فى رفع لافتة كامل العدد يوميا بالمسرح، و اعتقد انه ربما ترجع تسمية المسرحية بهذا الاسم “ استدعاء ولى امر “ بالرغم من كونه اسم مباشر لعرض مسرحى غير مباشر من اجل ان يخدم فكرة المصمم المبتكرة، كما قام بتوزيع تلك الخطابات ايضا على جمهور المتلقى لحظة دخوله للمسرح مما اضفى عليهم عنصر الإثارة و التشويق، أما بوستر العرض المسرحى فقد جاء على شكلين، الأول عبارة عن بطل المسرحية مستديرا بظهره لكل شخصيات المسرحية كناية عن رفضه لهذا العالم بكل ما فيه من شخصيات أثرت على نفسيته و يسود اللون الأحمر لكامل البوسترين دلالة على ما لاقاه الأبن من عنف و تعذيب فى حياته، أما الشكل الثانى عبارة عن ساعة ميدالية توقفت عند وقت معين ربما يكون توقيت الرحيل  و تمسكها يد مجهولة ربما تكون يد الأب الآثمة التى تسببت فى توقف عنصر الزمن لدى الأبن و فقدانه لقيمة الوقت بعدما تلقى منه العديد من الصدمات و الأذى النفسي مما بدأ يشعر معه بإنه غير مرئى، و حقيقة ينتظر محمد عبد الرحيم مستقبل باهر فى هذا المجال لما يمتلكه من وعى و افكار دعائية و تسويقية جديدة و رؤية ثاقبة .
و ختاما، فقد قدم لنا المخرج و الشاب الواعد زياد هانى عرض مسرحى فلسفى متكامل و ثرى بكل ما فيه من اسقاطات و رموز مهمة، مثلما وجدنا كلمة “ فاشل “ مكررة عدة مرات على لوحة ( محطة الإنتظار )  و التى كتبها المشرد متنمرا على نفسه دلالة على ما تسببه  تلك الكلمة من اثر نفسى بالغ على كل انسان يتعرض للقهر، و هى تلك الكلمة التى تكون سببا رئيسيا فى قهر أى انسان يسمعها و احباطه و فقدانه لثقته بنفسه و ربما هلاكه، سواء ان صدرت تلك الكلمة من أب أو أم أو معلم أو مدرب أو اى مسئول، فكلكم راع و كل راع مسئول عن رعيته،  و قد اختار المخرج ان يكون المكان الذى اتخذه المشرد مأوى له ( محطة انتظار ) دون تسمية نوع ذاك الانتظار ان كان اتوبيس أو قطار .. الخ، كدلالة على حال كل مشرد أو مقهور و ما ينتظره من مصير مؤسف و مجهول، و بالرغم من قتامة الموضوع  و ما يحتويه  من عنف جسدى تعمد المخرج ان يكون مرئيا للجمهور من اجل تحذيره من خطورة ذاك النوع من العنف الأسرى و عواقبه غير المحمودة على الأبناء و المجتمع ككل، الا انه و بذكاء احترافى قد نجح بشكل كبير فى جذب انتباه  و تفاعل الجمهور مع العرض إلى حد بعيد، كما انه حرص فى ذات الوقت على اضفاء العرض المسرحى ببعض الملامح الكوميدية لكسرة حدة تلك الحالة و اثرها على المتلقى، فالقضية هنا عامة و ليست خاصة و هذا النوع من الفن يدعى ب “ مسرح القسوة “ و الذى يقوم على التطهير من خلال التنفير، و ذلك بعرض كل المشاهد القاتمة على المتلقى من اجل نفوره  منها و بالتالى خروجه  من العرض و هو فى حالة تطهير كامل و رغبة فى التغيير لكل معطيات ذلك ( القهر ) و مسبباته التى تختلف من شخص لآخر حسب الموقف و الحالة التى يعيشها، نخلص مما سبق اننا امام حدث استثنائى و هو ميلاد مخرج مهم يدعى زياد هانى قدم لنا تجربة جريئة نعايشها يوميا دون ان نشعر بخطورتها على مجتمعنا، بل اننى أرى بأن ذاك المخرج بخبراته الواعدة رغم صغر سنه سوف يثرى المسرح قريبا بالعديد من الروائع الخالدة ليجوب بها إلى كل المهرجانات خارج الوطن حاصدا من خلالها  العديد من الجوائز،  لما يمتلكه من ثقافة و وعى و ذكاء فنى و رؤية اخراجية مبدعة، و حقيقة يحسب هنا للمخرج الكبير شادى سرور مدير مركز الهناجر للفنون تمكنه من تحقيق طفرة فنية بالمسرح الذى تحول على يديه لخلية نحل تجمع المحترفين مع الهواة و منجم للمواهب الكامنة تمثيلا و اخراجا، حيث قام بفتح لها كل الأبواب المغلقة  لتنطلق فرحة هائمة فى سماء الإبداع، فتحية واجبة له و لكل العاملين بمركز الهناجر للفنون .


أشرف فؤاد