عروض مسرحية مدرسية في طنطا

عروض مسرحية مدرسية في طنطا

العدد 778 صدر بتاريخ 25يوليو2022

إذا كنت حددت الفترة الزمنية لهذه المقالات بخمسين سنة – مسرح مجهول في طنطا - تبدأ من عام 1881 إلى عام 1931، فسبب البداية بعام 1881 راجع إلى أول خبر يتعلق بأول عرض مسرحي تم في طنطا داخل مدرسة المرسلين، وذلك وفقاً لما بين يدي من مقالات ووثائق!! والخبر المنشور في جريدة «الأهرام» في يوليو 1881، نقله لنا مراسل الجريدة في طنطا، قال فيه: «مساء أمس احتفلت مدرسة المرسلين الأفريقيين بفحصها السنوي، وقد تم ذلك بحضور جمع غفير من كبار الأهالي ومستخدمي الحكومة. وقد أظهر تلامذتها من النجابة ما أسر القوم الحضور وأوجب عليهم الثناء لمعلمي المدرسة، ثم قدم التلامذة تشخيص رواية مضحكة وقعت من الحاضرين موقع القبول، وقد صار تفريق الجوائز وانصرف القوم والفرح ملء أفئدتهم».
وفي العام التالي وتحديداً في أبريل 1882 نشرت جريدة الأهرام أيضاً خبراً عن المدرسة نفسها، ونشاطها المسرحي، نقله مراسل الجريدة في طنطا، قائلاً: «مساء أمس قدم تلامذة الآباء الأفريقيين عندنا تشخيص روايتين إحداهما فرنسوية العبارة تاريخية المعنى، والأخرى بعبارة عربية مضحكة الموضوع. وقد شرف المقام سعادة المدير وعزتلو مأمور المالية، وحضرة قنصل فرنسا، وجمهور غفير من أهالي البلد يبلغ نحو 500 نسمة من الجنسين لحضور الاحتفال. وحينما ارتفع ستار المرسح ظهر أحد التلامذة، وأخذ يشرح للقوم ملخص ما سيظهر أمامهم من التشخيص. وبعد أن أتم ذلك صفق له القوم طرباً وابتدأ إذ ذاك التشخيص، فرأى القوم من نجابة التلامذة وحسن الإلقاء ما أدهشهم وعندما انتهى العمل اصطف عدد من التلامذة».
نلاحظ أن الخبرين السابقين فيهما تأكيد على وجود تمثيل لطلاب المدرسة، ولكننا لم نعرف اسم أية مسرحية!! ولكن في عام 1902 وجدنا خبراً منشوراً في جريدة «مصر» به اسم مسرحية، وكانت الأولى فيما بين أيدينا من مقالات! والخبر يقول: «احتفلت مدرسة القديس لويس للآباء اليسوعيين في طنطا بامتحان تلامذتها، فحضر الاحتفال كثيرون من أكابر الموظفين والوجهاء، يتقدمهم سعادة مدير الغربية، وعزتلو شكري بك رئيس المحكمة الأهلية هناك، وغيرهما من العظماء. فأحسن الطلبة في كل مادة وأجادوا في تمثيل رواية «الصفح الجميل» لمؤلفها حضرة الأديب «بطرس بسيليوس» أحد أساتذة المدرسة، وامتاز في الإلقاء بالفرنساوية والعربية والإشارات الموسيقية «الفرد واس، وفؤاد سليم، وحاييم مواس، وأدمون زلزل، وكامل الجزار». ثم خرج الحضور يشكرون القائمين بشؤون هذه المدرسة ويسألون النجاح لدور العلم».
تطور النشاط المدرسي المسرحي في مدارس طنطا، لدرجة تكوين جمعيات فنية داخل إحدى المدارس الابتدائية، وهو الأمر الذي تنبهت إليه مجلة فنية متخصصة، وهي مجلة «التياترو»، التي قالت في فبراير 1926: «ورد لنا خطاب من طنطا الابتدائية بأنه قد تألفت بالمدرسة جمعية للفنون الجميلة، تهتم بالتمثيل والموسيقى والتصوير والزخرفة، بتشجيع حضرة صاحب العزة ناظرها المفضال «محمد بك توفيق». وقد أهدوها صورة لمشهد من رواية «التوبة» التي ستمثلها الجمعية. وللأسف نعتذر عن إثباتها هنا لعدم وضوحها، كما ترانا على استعداد لإثبات كل الصور التي تُرسل لنا مع مراعاة وضوحها. وإنّا لنشكر كل الشكر لحضرة الأستاذ الفاضل «توفيق بك علي» الذي بعث لنا بخطابه، وليكن على يقين بأننا على استعداد لكل خدمة تختص بالجمعية وأعمالها».
وفي مارس عام 1929 تقدم النشاط المسرحي المدرسي في طنطا، لدرجة أن إحدى المدارس الابتدائية كونت لنفسها فرقة مسرحية، جعلت مجلة «الصباح» الفنية المتخصصة تنتبه إليها وتنشر عنها كلمة كتبها أحد الطلاب تحت عنوان «التمثيل في المدارس .. حفلة مدرسة الأقباط بطنطا»، قال فيها: أقامت مدرسة الأقباط الثانوية بطنطا أول حفلة تمثيلية لفرقتها الناشئة على مسرح المدرسة في يوم السبت 30 مارس، فمثلت رواية «الاختطاف» درام ذات أربعة فصول تأليف «عيسى أفندي السباعي» الطالب بالمدرسة. وقد أخرج الرواية إخراجاً ناجحاً حضرة مدير الفرقة «يوسف أفندي محمود»، وكانت المناظر غاية في الإبداع وكذلك الإضاءة. وقد قام أعضاء الفرقة بأدوارهم خير قيام، وهم: جورج «يوسف أفندي محمود» الذي قام بدور جورج، واستحق الإعجاب وقام بدور جاك «فيكتور أفندي شملا» فأجاده إجادة تامة، وقام بدور بولو «عبد العزيز أفندي» فأتقنه، وقام بدور فرانسو «محمود أفندي شوقي» فنجح فيه لولا ضعف صوته. وقام باقي أفراد الفرقة بإتقان عظيم في أدوارهم. ولأنها فرقة ناشئة وهذه أول رواية لها نهنئها ونهنئ مديرها على اجتهاده. [توقيع] «حسين كامل» الطالب بالمدرسة».
وبعد شهر نشرت جريدة «القاهرة» - وتحديداً يوم 29 إبريل 1929 – موضوعاً عنوانه «حفلة المدرسة الإسرائيلية» قالت فيه: «بطنطا تحتفل في كل عام الجمعية الإسرائيلية بإحياء حفلة أدبية لمدرستها القائمة تحت إشرافها، وكان يوم الأحد الماضي موعد هذه الحفلة، التي أقامتها في مسرح البلدية. وما وافى الموعد المحدد حتى ازدحم الأعيان والوجهاء والتجار وكبار الموظفين، يتقدمهم حضرة صاحب السعادة الأستاذ «صادق يونس باشا» مدير الغربية وصاحب العزة الميرلاي «محمد بك رفعت» الحكمدار، وعدد كبير من العائلات وعقائل الأجانب. وفي الميعاد رفع الستار لتمثيل رواية «الحكيم رغم إرادته»، إذ قام بتمثيلها تلميذات المدرسة، فأجدن في إبراز الرواية وإخراجها في صورة تبعث على الإعجاب لحسن الإلقاء وسبك الأدوار. وبعد الانتهاء من التمثيل أخذن في إلقاء نشيد مؤثر باللغة الفرنسية، وكن بملابسهن البيضاء الجميلة، وكان الحضور يقابل جميع حركاتهن بالتصفيق الحاد والهتاف المتواصل. ثم وزعت الجمعية على التلميذات الفقيرات الملابس والأحذية، جرياً على عادتها السنوية، وهو دليل على عناية أعضاء الجمعية واهتمامهم بكل شأن من شئونها، وإليها يرجع الفضل الكبير في تربية النشئ. ولا يسعنا إلا أن نشكر حضرات الدكتور روسو الطبيب المعروف، ورئيس الجمعية والخواجات موريس لاجاريس أمين الصندوق، والأعضاء زكي أفندي أبو هارون، والخواجات ماير بحبوط، وزكى ساسون، وإيلى ليفي لما يبذلونه في سبيل تقدم الجمعية ورقيها مما يستحقون لأجله كل ثناء وإطراء».

مدرسة طنطا الثانوية
ربما أرقى نشاط مسرحي مدرسي هو ما تقدمه المدارس الثانوية! وفي طنطا مدرسة ثانوية لها نشاط بارز بدأ في مارس 1928، وأثار ضجة نقدية كبيرة، تبارت حولها الأقلام النقدية والصحافية، لدرجة أنها شغلت مقالتين كاملتين، وهما المقالتان القادمتان!! لذلك سأتحدث عن نشاط مدرسة طنطا الثانوية بعد مارس 1928، وتحديداً ابتداء من إبريل 1928، عندما اشترك طلابها في مباراة لهواة التمثيل أقيمت في مسرح رمسيس ليوسف وهبي بشارع عماد الدين بالقاهرة. وهذه المسابقة كتب عنها «أسعد حنا» موضوعاً في جريدة «طنطا» أواخر إبريل 1928، قال فيه، تحت عنوان «اشتراك طلبة طنطا الثانوية في مباراة الطلبة الهواه التمثيلية على مسرح رمسيس»:
«أراني لست في حاجة أن أتحدث إلى القراء حول ماهية الفن وعظمته أو إظهار أثره في تقدم الأمم، والسمو بأفكار الشعوب إلى مستوى راق جديرة به البلد، الذي يعتنى المفكرون وقادة الرأي فيها بالفنون عامة!! وفن التمثيل خاصة. فمصر الناهضة الآن غير مصر منذ عشر سنوات مضت. فقديماً لم نكن نرى أو نسمع للتمثيل صوتاً، لأنه اقتصر على طائفة من الناس احترفوه، وهم مغلوبين على أمرهم فأخذوا يشوهون بهجته ويسيئون سمعته ويعبثون بكرامته. ولم تكن تلك الطائفة إلا حثالة قوم لفظتهم كل المجتمعات الشريفة في هذا البلد، فجلهم من تلميذ طُرد من مدرسته لسوء خلقه، أو موظف شُرد من وظيفته لعدم أمانته وقلة كفاءته. على هذا القياس اعتبر آباؤنا وأجدادنا فن التمثيل أنه نوع من اللهو أو ضرب من المجون، فكانوا يفرقون على القهوات وفي الشوارع والطرقات، لذلك لم نكن نرى شخصاً من عائلة شريفة يستطيع أن يجاهر بين أهله وذويه، برغبته في احتراف التمثيل، وإلا أن وجد في نفسه بعض الشجاعة وصارح والديه بالأمر، الويل له! فيطرد من أحضان عائلته ويتبرأون منه، ويحرمون المسكين من ميراثه وأمواله وكهذا كان الحال إلى عام 1923. في هذا العام بينما الظلمة تعم كل مرافق الحياة الفنية، التي كانت مقتصرة على أنواع «البربري» و«كشكش بك» أو «الكوميديا» و«الريفيو»، والأنواع الاستعراضية التي لا تفيد النظارة، بل هي في الحقيقة دور من أماكن الدعارة والفسق! فأجسام الممثلات قد كُشف عنها، ورقصهن الخليع ورقاعتهن .. إلخ!! كل هذا كان مدعاة لأن نحتقر التمثيل والمحترفين لولا أن قيض الله لهذا البلد معين الفن فيها ونصير التمثيل «يوسف بك وهبي»، ذلك الرجل الذي نشأ نشأة شريفة، فهو ابن أحد الباشوات، وعلى الرغم من رجعية أفكار والده استطاع رويداً رويداً أن يجاهر برغبته أن يكون ممثلاً، فأخذ يطهر الوسط مما به من موبقات وأقذار، وأخذ يضم حوله فئة من صفوة الشباب المتعلم فينا، وفتح أمام الهواة بابه فولجوه فرحب بهم وشجعهم وناصرهم ولم يضن في سبيل الفن بصحته وماله ونفسه وكل ما يملك! فأخذ يعمل ويجاهد ويجدد حتى أجبر الرجعيين أن يعترفوا بإرادتهم أو راغمين بتلك النهضة التي وصلنا إليها في سنوات خمس. ولست في حاجة، بعد هذا الحديث إلا أن أزيد قولي هو أن هذه النهضة وجهاد يوسف بك وهبي في متابعة النجاح، قد غرز في نفوس الطلبة حب التمثيل، وذكى في قلوبهم نار الولع والشغف إلى اعتلاء خشبة المسرح. ولقد كانت هذه المباراة التي نحن بصددها إحدى ثمار الطلبة التي يعود ليوسف بك فضل نضوجها. والآن لنتحدث عن المباراة: 
قابلني الأستاذ صاحب هذه الجريدة عصر يوم فطلب مني بعد أن أعطاني توكيلاً منه لأحضر المباراة «كمندوب فني»، فلم أستطع أن أخالف أمر الأستاذ. ورغم مشاغلي المدرسية استطعت أن أحضر المباراة لأوافي «طنطا» الغراء بأخبارها سيما وأن فئة من أفراد الفرقة التمثيلية بمدرسة «طنطا الثانوية» قد دخلت في ضمن المتبارين، فكان واجباً علي أن أتحدث عن المباراة، وذكر كل ما يلذ طلبة «مدرسة طنطا الثانوية» الاطلاع عليه ليقفوا على ما عملوه إخوانهم باسمهم بين طلبة المدارس الأخرى. وبالنسبة إلى فكرة المباراة، فقد فكر بعض طلبة مدارس القاهرة في هذه المباراة، لما وجدوا كثرة الفرق في مدارس القطر، والفكرة في حد ذاتها بديعة تدل على عزيمة الشباب الناهض، وحبه في المنافسة وفاتحوا رجل الفن في مصر «يوسف وهبي» في الأمر فوجدوا من الرجل ارتياحاً وموافقة وشجعهم على ذلك، فسمح لهم الرجل بمسرحه ليكون مكان المباراة، وكذلك تنازل فكان رئيس الحكام وهم خمسة: توفيق بك دياب، الأستاذ صفر علي، والأستاذ جورج أبيض، والمسيو أدمون تويما!! وأعلنوا عن موعد ومكان المباراة، فتقدم لها عدة مدارس منها: طنطا الثانوية، والجيزة، والسعيدية، والخديوية، والاعدادية، والفنون، والصنائع، والثانوية الملكية، والنهضة المصرية. وكانت الأنواع التي يجب أن يتبارى فيها الطلبة هي أربعة: التراجيدي، الدراما، الغناء المسرحي، الكوميدي الراقي. والآن أستطيع أن أقتصد من وقتي ووقت القراء فأقول: بعد ظهر يوم 18 إبريل، رُفع الستار وابتدأت المباراة وكان أول نوع هو التراجيدي، ولقد كان أول المتبارين هما طالبان من «طنطا الثانوية» الأديبان «عبد الرحمن سعد» و«الميهي». ثم كان بعدهما بعدة طلاب الطالب الصغير «محمود رمزي». وانتهى اليوم الأول ثم كان يوم الدراما، فكان أول المتبارين أيضاً هما نفس أولهما في اليوم الأول، ثم كان بعدهما بقليل الطالب «الشيتي». والآن سأقصر حديثي حول طلبة «طنطا» ومقارنتهم ومقارنة القطع التي قاموا بتمثيلها ببعض إخوانهم وقطعهم ثم أذكر أخيراً أسماء الفائزين مع آرائنا في طلبة طنطا. عبد الرحمن سعد والميهي: اشترك هذان الصديقان في قطعة واحدة، وأظنها من رواية «الحياة». ولقد كان لاختيارهما إياها لنوع التراجيدي خطأ سيء أضاع لعبد الرحمن الأمل المعسول الذي كان وكنا متعلقين به في إحراز النجاح! إذ كيف تستطيع أن تقارن بين روايتك «الحياة» ورواية «الجبار» التي قام بدورها فيها «احمد حسين» بالخديوية!! أنت يا صديقي عبد الرحمن مجيد بحق، وبديع تماماً أما كونك تختار قطعة من «الحياة» المتحطمة الضعيفة لتتفوق على ترزياس مثلاً، أو هملت، أو الجبار .. فخطأ منك فاحش، وإلا فهل كنت تريد أن تضع «الأستاذ الريس» بجانب «خليل مطران» أو «أسعد لطفي» أو «الرياشي»! أنا أرى أنك تستطيع أن تهنأ بإعجابي وإعجاب إخوانك مع حذرنا لك بعدم الوقوع مرة أخرى في نفس الخطأ. وفي ميدان الجهاد متسع للجميع! وأما الميهي .. عفواً فصوتك ضعيف، وكان أولى بك أن تقوم بالدراما فقط، ولكن مع ذلك، اجتهد وكفى!! وأنت يا صديقي رمزي، هل ترى معي أنك كنت مصيباً في تقدمك للتراجيدي، وأنت تعرف ضعف صوتك! كان أولى بك أن تكون قطعتك توافق سنك وقوة نبراتك، ومع ذلك فقد كنت مجيداً نوعاً ما. وأما الشيتي فأمامه المرحلة بعيدة .. فأقول له اجتهد!! وفي الساعة 7 من مساء الجمعة أعلنت اللجنة أسماء الفائزين مزودة إياهم ببعض نصائح وكلمات تشجيع أهمها انتقائهم القطع المناسبة لسنهم وعدم الخلط بين التراجيدي والدراما، ثم بعض أمور ثانوية أخرى وهي ضرورة انتخاب قطع راقية مع استغنائهم عن اللغة العامية بلغة فصحى. ثم ذكر «يوسف بك» أنه لا يوجد شخص يستحق من المتبارين الدرجة الممتازة حتى ولا الأولى! لذا كانت الدرجات الثانية، كي يكون هناك تنافس في العام القادم .. وها هي النتيجة: «التراجيدي»: أحمد حسين الخديوية، يوسف فهمي الخديوية مكرر، لبيب أبو ستيت الجيزة. «غناء مسرحي»: عباس يونس السعيدية، إسماعيل نظمي الفنون مكرر، محمد شفيق الفنون. «دراما»: سيد جمال الدين الخديوية، أحمد حسين الخديوية، أحمد فرج النحاس السعيدية. «كوميديا»: محمد كامل الإعدادية، محمد توفيق الفنون، عباس يونس السعيدية. ثم سلم «يوسف بك» الطلبة شهاداتهم مع كلمات التشجيع وانفض الطلبة وهم يلهجون بالثناء عليه والدعاء له. 


سيد علي إسماعيل