«باب عشق» عندما يشوه القبح الجمال

«باب عشق»   عندما يشوه القبح الجمال

العدد 825 صدر بتاريخ 19يونيو2023

  قدمت فرقة مسرح الطليعة التابعة للبيت الفني للمسرح على مسرح ذكي طليمات بالعتبة، العرض المسرحي «باب عشق» من إخراج حسن الوزير ومن تأليف الكاتب إبراهيم الحسيني، وهذا النص فاز بجائزة ساويرس لعام 2021م، وكان قد فاز الحسيني بالعديد والعديد من الجوائز داخل مصر والوطن العربي، كما تُرجم نصه المسرحي «كوميديا الأحزان» بعد فوزه بجائزة كاتب العام سنة 2012م من جامعة هارفارد الأمريكية، وتم عرضها من إخراج د. ريما ما غير بالإنجليزية في افتتاح مؤتمر «”Women Making Democracy بجامعة هارفارد سنة 2012م. ثم عرضت في أماكن أخرى بأمريكا.
  عند تناولنا لعنوان النص المسرحي «باب عشق» نجده مكونا من كلمتين؛ الأولى باب وتعني فتحة للدخول والخروج من بيت، أو غرفة، أو العزبة. وتطلق كلمة باب أيضا على ما يسد تلك الفتحة سواء كان الباب مصنوعا من الخشب أو الحديد أو غير ذلك، وكلمة عشق تعلق قلبه بـ»عشق فتاة» أو ولع، أحب شديدا، شغف ب، حيث دائما التحدث يكون عن المذكر، ويكون كذلك للمؤنث، وباب عشق هو الباب الذي فتحته الأميرة العاشقة للشعر ليدخل منه رجل على شاكلتها يسكن قلبها وعقلها وتشاركه الحياة ومنها حكم البلاد، ولكن هذا الباب فتح بابا آخر للصراع والمؤامرات.
   استلهم الحسيني نصه المسرحي من القصيدة اليتيمة، وقد سميت باليتيمة لأنها سببت قتل ناظمها، وقيل في مجامع أخرى إنها سميت اليتيمة نسبة إلى تيم الله لأن ناظمها من هذه القبيلة، ويقال إنه يُدعى دوقلة بن العبد المنبجي، فقد اختلف الرواة في قائل هذه القصيدة. (انظر القصيدة اليتيمة برواية القاضي علي بن المحسن التوخي، نشرها وقدمها صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت، ص7 – 8)  نالت هذه القصيدة شهرة واسعة في أدبنا العربي وتناقلها الناس، ورددوها في مجالس أنسهم ومجامع سرورهم.
  عرفت القصيدة التي استلهم الحسيني منها نصه المسرحي منذ القرن الثالث الهجري، وتُحكى الحكاية عن أميرة تُدعى دعد (هالة ياسر) جميلة وفصيحة اللسان شاعرة وابنة ملك نجد (فكري سليم)، وعندما وصلت لسن الزواج تهافت عليها الخطاب من أبناء الأمراء والفرسان للفوز بالزواج منها والجلوس بجوارها على عرش المملكة بعد أن يتوفى والدها الذي داهمه المرض، ويريد زواجها في حياته، لكنها أقنعت أبيها بفكرتها وهي أن من يتزوجها لا بُدّ أن يكون شاعرا أفصح منها لسانا، وبالفعل شاع الخبر في جزيرة العرب، وعندما وصل لدوقلة (ماهر محمود) الخبر كتب فيها قصيدة من أجمل القصائد العربية، قصيدة تمدح جمالها وأخلاقها، ثم اتجه مع تابعه هارون (إسلام بشبيشي) قاصدا قصر الملك، وفي صحراء ممتدة وبعد أن أنهكهما التعب وجدا على أحد الجوانب خيمة قديمة مهترئة، أمامها تمثال لامرأة مشوهة، هذه الخيمة لرجل يُدعى غيلان (محمد أمين) راعي غنم، أحيانا ينحت تماثيل قبيحة غير مكتملة ومشوهة ثم يقوم بتكسيرها.
  بعد فترة من دخول دوقلة خيمة غيلان الجبلي وجلوس هارون تابعه في الرحلة أمام الخيمة، نسمع (صوت هارون: هذا الرجل المُسمى دوقلة أحمق بالفعل، يهرب من مطاردة طاهر الذي كاد أن يقتله بسبب القصيدة ليعود ويضع نفسه في الفخ مرة أخرى بإخبار غيلان بشأن القصيدة.. هل أخطأت عندما اتبعته.. حقا إنه لشاعر بارع، ملك من مُلاك المعنى لكنه -وياللخسارة- يتصرف كطفل...! ماذا سيحدث إن أعجبت الأميرة بأشعاره ولم تعجبها شخصيته...؟! (انظر النص، pdf ص 32) فقد هرب دوقلة من التاجر طاهر (أحمد حسن) الذي كان يطارده ليكتب له قصيدة يفوز بها بقلب دعد، فطاهر هو من أطلع دوقلة على حكاية الأميرة دعد، ورفض دوقلة أن يبيع شعره مقابل المال، رفض أن ينزع اسمه من على قصيدته، لكن ليت الأمر كان كما يتوقع هارون، هذه التصرفات الطفولية جنت على دوقلة وفقد حياته، قتله غيلان ليفوز بالقصيدة ويذهب بها إلى قصر الملك ويلقيها أمام الملك والأميرة، وقد سأله الملك عن اسمه فقال إنه غيلان الجبلي، وتم اختياره زوجا للأميرة ودخل القصر وأعلن عن العرس، لكن الأميرة تشك في أمره فهو من مدينة الجبل وليس له أقارب في تِهامة، وينتهي الأمر بأن تقتله الأميرة، وتسمعه خيانته بما جاء بالقصيدة (دعد: إن تتهمِي فتِهامَةُ وطني.. أوْ تُنْجِدي يكن الهوى نَجْدُ) (النص ص 74) فقد قتل غيلان صاحب القصيدة ورجال القصر أخبروها بذلك عندما أبلغهم هارون بما حدث، وقام السياف (خالد العيسوي) بأمر من الوزير بكر (محمد صلاح) وقائد الجيش (محمد جاد) بقطع لسان هارون. ويمر الوقت وتريد الأميرة أن تتأكد من الأمر، وبذكائها وفطنتها وصلت للحقيقة وقامت بقتل غيلان، وعندما كان في نزعه الأخير تسأله (دعد: (...) لماذا قتلت زوجي يا غيلان...؟) (النص ص 74) عرض الحسيني ضمن أحداث النص ما يحدث من مؤامرات تحاك ضد الملك من الوزير وقائد الجيش والسياف.  
  إبراهيم الحسيني يعالج في مسرحه قضايا كثيرة تخص الوجود الإنساني ويقدمها بصور فنية مختلفة وهو غير ملتزم في مسرحه بالقواعد الأرسطية، ولكن في نصه «باب عشق» كان البناء كلاسيكيا قائما على قصيدة شعر ومعناه داخل العمل لتحقيق فكرة إقامة العدل وأبطاله من الشعراء وبحبكة جيدة الصنع، وكان الطمع هو التيمة الرئيسية التي يغلفها انهيار القيم والأخلاق وكل أفعال القبح الإنساني من حقد وكراهية وصلت إلى القتل، فالواقع ممتلئ بالقبح مما لا يستطيع أن يصلحه الشعر على الرغم من جمال العنوان.
 حمل النص معاني كثيرة، وامتاز الحوار بالسلاسة وشاعرية اللغة واستعان الحسيني ببعض أبيات شعرية من القصيدة اليتيمة، في تناص مع الحكاية التي استند عليها لمساعدته على تحقيق هدفه ونقل الماضي للحاضر، كما كان لكل من شخصيات النص ملامحها الخاصة التي توضح وتميز أبعادها عن الشخصيات الأخرى.
  نص الحسيني «باب عشق» من الممكن أن يقدم في أزمنة مختلفة بعيدا عن السياق التاريخي الذي أعتقد أن الحسيني تعمد عدم الحافظ عليه بوجود شخصيات في النص كانت تعيش في الواقع في حقب تاريخية مختلفة، وأعتقد أن الحسيني كان هدفه أن تصل أفكاره وحبكته الدرامية فهو لم يكتب ليسرد أحداث وقائع تاريخية.

العرض المسرحي «باب عشق»
 يترك الحسيني الحرية الكاملة لكل مخرج لأي نص من نصوصه المسرحية لتحقيق رؤيته في الإخراج كما يشاء طالما حافظ على فكرة النص الأساسية، فالأمانة الفنية تفرض على المخرج أن يتناول العرض المسرحي بما يتفق مع سياق النص ولا يسمح لنفسه أن يقحم أفكارا غريبة تضر بالنص، أما فكر الحسيني الحقيقي يوضع بين دفتي كتاب، ويستطيع المتلقي قراءته وتخيله والاستمتاع به، ولذلك نجده يضع عنوانا للنص، كما يضع لكل مشهد داخل النص عنوانا فرعيا، لعل القارئ يتخيل المشهد أو يستفيد المخرج بمعلومة ما.
 النص المسرحي «باب عشق» يتكون من أربعة وعشرين مشهدا، حاول المخرج حسن الوزير المحافظة على فكرة النص الأساسية وأراد تقديمه في تسعين دقيقة فقط، ولذلك اختصر في العديد من المشاهد وحذف بعضها، وأضاف بعض الأشعار من تأليف (درويش الأسيوطي) التي أعتبرها -من وجهة نظرنا- تشابكت مع النص وأصبحت نسيجا واحدا، ففي بداية العرض يظهر مناديا يدق على طبلة كبيرة ليبلغ الشعب بيان السلطان وينادي في الشعب الذي يعتبرهم سادة البيان والكلام ومنشدي القصائد الحسان (آن الأوان كي يكون الشعر صاحب السلطان.. ويصبح الشعر سيد الأوزان (...) من جاء بالقصيدة البريئة.. يفوز بالأميرة السعيدة، وقلبها وعرشها.. وبعدها يصير ملك الزمان)، ونسمع عزف باستخدام آلات موسيقية عربية كالرق والدف والعود، وقامت بالغناء والأداء التمثيلي سلمى (شيماء يسري) كصاحبة حانة ومغنيتها، وتنشد بعض الأغاني (يا من بحسنك قد ملكت فؤادي ارحم بعينيك صبوتي وسهادي) وترقص على الأغاني كما تقوم بالأداء التمثيلي الراقصة شهد (مي زويد) على كلمات (أنا أنثى ولي قلب.. تقلبه صباباتي) على موسيقى وألحان (محمد حسني)، واستعراضات (محمد بحيري) التي أثارت البهجة رغم ابتعاد الإنسان عن القيم والأخلاق الحميدة واللهث وراء شهواته وصراعات الحياة.
  وفق حسن الوزير في تشكيل الفراغ المسرحي بخلق صورة بصرية ممتعة واستغلال كل عناصر العرض فرسم حركة منضبطة للممثلين التي ساعدتهم على تدفق الإيقاع وقام كل منهم بأداء الشخصية داخل العرض ببساطة وتمكن شديد على الرغم من وجود بعض الهنات في اللغة العربية التي أعتقد أنها ستنضبط على مدار أيام العرض. وعمل بجوار الممثلين الذي تم ذكرهم سابقا والذي قام بدور المنادي (عمرو علي)، ومأمونة (دنيا عوني)، وتقدم لخطبة الأميرة (محمد دياب – محمود جمال)، واشترك معهم (صافيناز- سامح صبري – عبدالعزيز بدري – عبدالله ضوي – أحمد عمر – محمد البرماوي- ليلى أحمد – أصالة عمرو – ندى سيف – ريماس حسين – أحمد الشريف – أنس عبدالرؤف).
عبر ديكور (فادي فوكيه) عن أماكن عديدة فنجده وضع على جانبي مقدمة المسرح كنبة ولفها بقماش الترك المزركش، استخدمت الكنبة الموضوعة على يمين المقدمة مكانا للجلوس في الحانة، والتي على اليسار مكان ينام عليه دوقلة في داره، ووضع في منتصف يمين المسرح برتكبل يمثل دائرة غلفت بقماش الخيم ذي اللون الأخضر الفاتح وبه خطوط طولية عريضة باللون الأخضر الغامق استخدام كمسرح للغناء بالحانة، واستخدم أيضا خيمة غيلان في الصحراء ، وفي عمق يسار المسرح وضع عدد أربعة سلالم على شكل دائرة غطت بنفس قماش الدائرة الموجودة بمنتصف يمين المسرح استخدام كمكان للدخول إلى بهو قصر الملك أو تجمع الأهالي، وصمم فادي فوكيه خمسة أشكال متطابقة عبارة عن عمود مرتفع ومقوس من أعلى ومن الأسفل، وعلى ارتفاع حوالي أربعين سنتيمترا لُصق بالعمود مستطيل مقعر من أعلى (على شكل جزء من دائرة) في اتجاه معاكس للقوس الأعلى ووضعهم على عجل وتحرك بهم في الفراغ المسرحي ليُعبر المنظر عن باب للحانة أعلى هذا الباب أرش عندما تتحد قطعتان معا، أو مكان الحكم بوجود كرسي العرش وسط تشكيل معين، وقد كررها مرة أخرى بتشكيل آخر في دلالة على وجود أكثر من قاعة للعرش حسب أهمية اللقاء، أو مخدع الأميرة، وهكذا، كما وضع أمام هذا الشكل بعضا من اللوحات الخشبية التي تشكل نموذجا للإنسان التي تستخدم في ميادين القتال لتعبر عن بعض أماكن لتدريب الجنود، ووضع بوفا للجلوس عليه في الحانة، وفي بداية العرض أسدل ستارة من قماش الخيم بنفس ألوان الدوائر وفتح بها عدة فتحات صغيرة مغطاة بستائر، وعندما ترفع هذه الستائر يظهر خلفها بعض الأشخاص لتعبر عن عدة دور يعيش فيها الشعب في المملكة.
  بالنسبة لخطة الإضاءة التي قام بتصميمها المخرج حسن الوزير كانت عبارة عن إنارة للمكان وبعض البؤر الضوئية للتركيز على أداء الممثلين أو محتويات المكان أو التعبير عن الوقت أو النور والظل، وعلى الرغم من تعدد الأماكن وصعوبة تنفيذ خطة إضاءة درامية محكمة فإنني كنت أتمنى أن تُعبر الإضاءة عن الحالة الدرامية مثلما ظهر في مشهد التراشق بين هارون وطاهر داخل الحانة والتعبير باللون الأحمر، كما تم استخدام  كشافين على اليمين واليسار أمام خشبة المسرح للتركيز على بعض الأحداث المهمة وتزداد شدة الإضاءة مثل مشهد تلصص السياف على الوزير والقائد، وكذلك مشهد دخول غيلان بالقصيدة، وعبرت الإضاءة عن الليل في مشهد الأميرة وغيلان في غرفتها بالقصر بعد العرس، وظهر الضوء والظل في مشهد عندما انفردت الأميرة بنفسها في غرفتها في مناجاة مع النفس، وتم إسقاط الإضاءة على ستارة في عمق المسرح لاستكمال المنظر المسرحي الذي عبر اللون الأزرق مع القمر والنجوم المرسوم على الحانة، وكذلك اللون الأصفر المعبر عن الصحراء، كما تم وضع مصدر إضاءة داخل الكواليس لإظهار ضوء الشمس الذي يدخل عن طريق فتحات أعلى يمين ويسار مقدمة المسرح، أو مصدر للضوء صادر من الكالوس يمين المسرح ليوضح امتداد الممرات من داخل القصر.
  أدت أزياء (مها عبدالرحمن) الغرض المطلوب، ولكن -من وجهة نظرنا- رأينا أنها كانت من عصور مختلفة وكان يجب المحافظة على توحيد العصر لتصل إلى المتلقي صورة أفضل.
  على الرغم من أنني شاهدت عرضا مسرحيا متماسكا متميزا فإنني كنت أود أن أرى ما كتبه إبراهيم الحسيني في نصه كاملا مجسدا على خشبة المسرح حيث إنه تم اختزال خطوط وتفاصيل كُتبت في النص كانت تؤدي إلى تأويلات كثيرة ومختلفة من داخل النص.
التحية واجبة لكل من شارك في هذا العرض وظهوره إلى النور.


جمال الفيشاوي