المسرحيات السياسية للحكيم

المسرحيات السياسية  للحكيم

العدد 704 صدر بتاريخ 22فبراير2021

 في العدد الماضي قدمت عرضًا مختصرًا لكتاب (مسرح الحكيم: المسرحيات المجهولة) تأليف الكاتب والناقد الكبير فؤاد دواره/ دراسة وتقديم د. عمرو دوارة الذي صدر عن سلسلة ذاكرة الكتابة بالهيئة العامة لقصور الثقافة، واليوم أقدم عرضًا لكتاب (مسرح الحكيم: المسرحيات السياسية) للمؤلف نفسه والصادر عن السلسة نفسها ودراسة وتقديم د. عمرو دوارة أيضًا، وهو عبارة عن رسالة أكاديمية في الأدب العربي، وقد حصل بهذه الدراسة الناقد المسرحي فؤاد دوارة على درجة الماجستير بتقدير “ممتاز” من جامعة “القاهرة” في 15 نوفمبر عام 1977، وذلك من خلال اللجنة المكونة برئاسة الأديبة الكبيرة د.سهير القلماوي، والأساتذين د.محمد زكي العشماوي، د.عبد المحسن بدر.
 في مقدمة الدكتور عمرو دوارة يؤكد أن الكتاب ما زال يعد حتى الآن من أهم المراجع الأساسية لمسرح الرائد المسرحي الكبير توفيق الحكيم، فلا يستطيع باحث أو دارس لأدب أو مسرح “توفيق الحكيم” أن يغفله أو يسقطه من حسابه ولا يسعى لاسترجاعه والإستفادة منه كمرجع أساسي، وذلك نظرا لأهمية موضوعه ودقة البيانات والمعلومات التي تضمنها، وكذلك لندرة المراجع التي تناولت هذا الجانب المهم من الجوانب المضيئة بمسرح الرائد المسرحي الكبير توفيق الحكيم.
 أما مقدمة المؤلف فقد أشار فيها إلى أربعة نقاط أو ملاحظات مهمة هي:
1 - صعوبة الفصل بين المسرحيات السياسية والمسرحيات الإجتماعية، لأن السياسة في نهاية الأمر ليست إلا محصلة الأوضاع الإجتماعية السائدة، كما أن العلاقات والتقاليد الإجتماعية ليست إلا إنعكاسا بصورة أو أخرى للنظام السياسي للمجتمع، وبالتالي يمكن القول بأن كل مسرحية سياسية هى مسرحية إجتماعية في الوقت نفسه، في حين أن كل مسرحية إجتماعية ليست بالضرورة مسرحية سياسية.
2 - لا يمكن تصور تناول “الحكيم” لجميع القضايا والموضوعات التي يدرسها علم السياسة من خلال مسرحه، فهذا ليس عمل الفنان ولا يمكن لأحد أن يطالبه بالعمل وفق مخطط علمي دقيق، ومع ذلك فقد تناول “الحكيم” في مسرحه عددا كبيرا من القضايا التي يمكن إجمالها في خمسة موضوعات رئيسة هي: الحرب والسلام، العلم والسياسة، نظم الحكم، ديمقراطية ما قبل “الثورة”، رمزيات “الثورة”.
3- أن الإهتمام بالجانب السياسي في مسرح “الحكيم” لا يجب أن ينسينا أننا دارسو أدب لا سياسة، وأن مادة البحث أعمال فنية قبل أن تكون وثائق سياسية، وأن الكاتب إذا سخر فنه للتعبير عن أفكاره السياسية ونشر آرائه الإصلاحية فإن هذا لا يعفيه من مسئوليته كفنان، ولا يعفي الدارس من فحص أدوات تعبيره الفنية ومدى توفيقه في استخدامها لتحقيق أهدافه، وذلك لأن الأدب عمل فني قبل أن يكون وعاء فكر أو وسيلة إصلاح، وحتى المتشددين في ضرورة وضع الفن في خدمة السياسة والمجتمع لا ينكرون ضرورة تميز العمل الأدبي بخصائصه الفنية الأساسية.
4- يكون من الإجحاف والظلم عند دراسة “المسرح السياسي” لتوفيق الحكيم الإكتفاء بالتعرف على فكره السياسي من خلال مسرحياته وحدها، وذلك نظرا لأنه قد عالج كثيرا من شئون السياسة في عدد كبير من مقالاته وكتاباته غير المسرحية، وبالتالي يجب الاهتمام بتلك الكتابات وبالقضايا التي تناولها والآراء التي سجلها، ولذا فقد خصص مؤلف الكتاب فصلا تمهيديا لدراسة مسرحياته السياسية، لاستكمال إطار فكره السياسي وتفهم آرائه السياسية، وقد تتبع في هذا الفصل التمهيدي أهم أفكار “الحكيم” السياسية في كتاباته غير المسرحية، وبدرجة أولى في الموضوعات التي لم يعالجها في مسرحياته، خاصة وأن المسرحية - بطبيعتها - لا تتسع لعلاج كل المسائل السياسية التي يود الكاتب التعبير عنها، كما أنها لا تسعفه بالاستجابة السريعة لظروف بعينها أو مواقف سياسية عاجلة.
الكتاب يضم ستة فصول هي:
 الفصل الأول “توفيق الحكيم والسياسة” ويتناول فيه موقف وآراء الأديب الكبير في خمسة موضوعات سياسية رئيسة هي: مقاومة الإحتلال الإنجليزي، الوحدة العربية وقضية فلسطين، بين الشرق والغرب، الأديب والسياسة، الديمقراطية وحرية الرأي، ليؤكد في النهاية مقولة “الحكيم” التي كتبها بكتابه “أدب الحياة” الصادر عام 1976 : (ما من قضية من قضايا الحياة الكبرى التي تمس الإنسان وتطوره وتقدمه إلا وشغلتني ودفعتني إلى الجهر بالرأي، حتى النظم السياسية والإقتصادية والإجتماعية).
 الفصل الثاني تناول فيه “قضية الحرب والسلام”، وذلك من خلال دراسة وتحليل تسعة مسرحيات للكاتب الكبير وهي: صلاة الملائكة (1941)، ميلاد بطل (1948)، بين الحرب والسلام (1951)، لعبة الموت (1958)، أشواك السلام (1958)، تقرير قمري (1970)، قضية القرن الحادي والعشرين (1970)، شاعر على القمر (1971)، الدنيا رواية هزلية (1971)، ليؤكد في النهاية على مدى الإهتمام الكبير للرائد/ توفيق الحكيم بهذه القضية الإنسانية الخطيرة، وحرصه على إدانة الحروب وتصويره لمدى بشاعتها ودعوته إلى ضرورة إقرار السلام.
 الفصل الثالث وقد جاء بعنوان “العلم والسياسة” ويتناول فيه بالنقد والتحليل دور العلم بين التعمير والتدمير، وذلك من خلال دراسته لثلاثة مسرحيات مهمة من مسرحيات “الحكيم” تناولت هذه القضايا وهي: إيزيس (1955)، رحلة إلى الغد (1957)، الطعام لكل فم (1963)، ليؤكد على الخطاب الدرامي بها وهو ضرورة ترشيد استخدامات العلم.
 وفي الفصل الرابع الذي يحمل عنوان “نظم الحكم” يؤكد فيه المؤلف على مقولة “الحكيم” التي أوردها على لسان الفيلسوف بمسرحية “براكسا”: (إن الحكم ليس سهلا .. إنه أعقد مشكلة)، وذلك بتناوله لعلاقة الحاكم بالمحكوم من خلال دراسته وتحليله لأربعة نصوص من نصوص “الحكيم” التي تناولت بصورة واضحة تلك العلاقة وهي: نهر الجنون (1935)، براكسا أو مشكلة الحكم (1939/ 1960)، السلطان الحائر (1960)، شمس النهار (1964).
 وفي الفصل الخامس “ديمقراطية ما قبل الثورة” يتناول المؤلف ستة موضوعات عن الديمقراطية في هذه المرحلة هي: الديمقراطية المزيفة، رجال السياسة، السلطة التشريعية، الأوضاع الإقتصادية، الجهاز الإداري، إدانة كجتمع بأسره.
 وقد تناول فيه أيضًا بالدراسة والتحليل إثنى عشر مسرحية لتوفيق الحكيم هي: شجرة الحكم، السلطان الحائر، صاحبة الجلالة، عرف كيف يموت، الحب العذري، بين يوم وليلة، مفتاح النجاح، اللص، أعمال حرة، لكل مجتهد نصيب، الرجل الذي صمد، النائبة المحترمة، وهي مجموعة المسرحيات التي أكد المؤلف في نهاية هذا الفصل بأنها تمثل مرحلة متميزة في مسرح “الحكيم” لواقعيتها وجرأتها ووضوح أهدافها السياسية، ثم لبعدها عن التجريد والرمز، وحرصها على الوصول إلى أوسع جمهور ممكن باحتفالها بالحركة المادية وعناصر الفكاهة الراقية، كما أوضح ملاحظة هامة أيضا يجدر الإشارة إليها وهي: أنها جميعا باستثناء ثلاثة مسرحيات - هي: شجرة الحكم، الجياع، الرجل الذي صمد - من أكثر مسرحيات “الحكيم” صلاحية للنجاح على المسرح.
 وجاء الفصل السادس والأخير بعنوان “رمزيات الثورة” وقد تضمن خمسة أقسام هي: توفيق الحكيم والثورة، إلغاء العقل، مصادرة الحريات، تشويه المبادئ، مسرح العبث والتنكر. وقد أوضح المؤلف في هذا الفصل أن “الحكيم” قد نشر بعد قيام الثورة (ثورة 23 يوليو 1952) تسعا وعشرين مسرحية من بينها تسع عشر مسرحية سياسية.


نور الهدى عبد المنعم