العدد 887 صدر بتاريخ 26أغسطس2024
قدمت الهيئة العامة لقصور الثقافة – إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد من إنتاج الإدارة المركزية للدراسات والبحوث – الإدارة العامة لثقافة الطفل – فرع ثقافة بني سويف على قصر ثقافة ببا، عرض مسرحية الأطفال الاستعراضية صانع الأقنعة، تأليف أحمد زحام وديكور وإخراج محمد فؤاد، وقد اهتم الثنائي زحام وفؤاد بتقديم عدد من المسرحيات تم فيها دمج ذوي الإعاقة مع الأصحاء، ويتم الدمج من أعمار سنية مختلفة وكل أنواع الإعاقات (بصري، سمعي، حركي ، ذهني، وكذلك الأقزام)، والعروض تقدم رسالة مسرحية بسيطة وعميقة يستمتع بها المتلقي أولاُ، ثم الاستفادة من الرسالة الموجهة، فجميع العروض مقدمة للأسرة والطفل.
العرض المسرحي صانع الأقنعة مشروع تقدم به المخرج محمد فؤاد لتكوين فرقة للدمج المسرحي، وهي أول فرقة مسرحية للدمج بين الأصحاء والمعاقين في بني سويف أطلق عليها فؤاد اسم فرقة صناع الحكاية لفنون المسرح.. دمج مجتمعي، وقد سبق للمخرج محمد فؤاد والمؤلف أحمد زحام إنشاء فرقة إحنا واحد التابعة لإدارة التمكين الثقافي، بالهيئة العامة لقصور الثقافة، فرع ثقافة القاهرة، قصر ثقافة الريحاني، وقدما عدد من العروض التي دمج فيها بين الأصحاء والمعاقين، ومنها (كمان زغلول)، سندريلا المصرية عن (ردوبي الجميلة) والتي شاركت في الدورة 12 للمهرجان القومي للمسرح (دورة كرم مطاوع)، السفينة عن (هجرة شجرة)، كما قاما بأنشاء فرقة فنون مسرح الطفل في أسوان تتبع أيضا الهيئة العامة لقصور الثقافة قدما من خلالها العرض المسرحي فرح صاحب السعادة، وجميع العروض من تأليف الكاتب أحمد زحام.
تدور الفكرة الرئيسية في العرض المسرحي صانع الأقنعة بقيام فرقة مسرحية بتقدم عرض مسرحي، يتخلله صراع ما بين الخير والشر من خلال الحكاية الأشهر في تاريخ القدماء المصريين، حكاية إيزيس وأوزوريس، والتي استلهم منها المؤلف فكرة الخير والشر ولكنه لم يتناول الحكاية كاملة كما نقلتها لنا الأحداث التاريخية التي دونها القدماء المصريين، وتم تقديم الأحداث بطريقة التمثيل داخل التمثيل، وكانت شخصية ست تمثل الشر، وأوزوريس يمثل الخير والنماء، وإيزيس وهي أبرز إلاهة في الديانة المصرية القديمة إلاهة السحر والحكمة وقدسها المصريون كرمز للأم الحنون والزوجة الوفية، والتي كانت تبحث عن أشلاء أوزوريس والذي يمثل عند المصريون القدماء إله البعث والحساب طوال الوقت، وست إله الظلام والفوضى جاء بصورة جديدة فهو يحارب الخير ويحاول أن يصبح الشر هو الذي يسود ويسطر على البشر، ولتحقيق ذاك قام بمنع الفنون (الموسيقى والغناء، والرسم والنحت)، كما قام بمنع الفكر ومحو كل ما له علاقة بالقوي الناعمة ليصبح المجتمع جاهل، فجهل المجتمع يجعل الشر ينمو سريعا، وبذلك يسطر ست بشره على الجميع، وهنا يظهر دور أصحاب الإعاقات بقيادة الثوري هادي (هادي جلال) ممثل الإعاقة البصرية لمنع شر ست وتقف له بالمرصاد، وتساعدهم رحمة وهي شخصية من الأصحاء، واتخذوا شعارا لهم، أنه بالعزيمة والإرادة نحقق ما نريد، وأصبح جميعهم أوزوريس الخير والنماء، وبذلك ينتصر الخير على الشر، وينشرون الفنون لانهم على علم بدور الفن في الحق والخير والجمال
رؤية المخرج
النص الذي كتبة المؤلف أحمد زحام لم يذكر فيه ذوى الإعاقة ولكنه نص يقدم للأصحاء ، وعلى الرغم من ذاك فأن أي نص مسرحي من الممكن أن يقدمه المعاقين بأسلوب المعاقين، وقد أدخل المؤلف والمخرج المعاقين في هذا العرض كجزء من الشعب يعيش جنبا إلى جنب بجوار الأصحاء ولهم أراء خاصة بهم مثل قوة الإرادة والاتحاد مع الأخر لهزيمة الشر، واعتمد المخرج على لعبة الميتا ثياتر (المسرح داخل المسرح) ومثل هذا التوجه يسمى (التمسرح) أي تقديم صورة مسرحية للواقع، صورة متخيلة وليست شريحة من الواقع، وقدم العرض في قالب استعراضي غنائي مبهج، وبنى المخرج كل مفرداته المسرحية (ديكور، إضاءة، ملابس، واستعراضات وأغاني) وكسر الحائط الرابع لإلغاء حالة الفصل بين العرض المسرحي والمتلقي، فيصبح المتلقي مشاركا في الحدث.
نشاهد في بداية العرض خشبة المسرح فارغة تماما من الديكور، ثم يظهر لنا الممثلين تباعاً، فكلاً منهم يمثل فئة إعاقة محددة ومعهم الأصحاء وكأنهم في طابور عرض ليتعرف المتلقي على كل أفراد الفرقة، وتدور مناقشة بينهم حول بدايات المسرح، وهل كانت بدأيات المسرح منذ عصر القدماء المصريين أم كانت في العصر الإغريقي، وتكون نتيجة الحوار أنه لاتهم البدايات ولكننا في المسرح ونحن جميعا نعشق هذا الفن، وخلق المخرج حالة من الانسجام والتناغم بين الاصحاء والمعاقين
كان الديكور عبارة عن كنبة مزركشة وضعت يسار مقدمة المسرح يجلس عليها صانع الأقنعة (أحمد محمود “إعاقة حركية») وتطلب منه ممثلة الفرقة رحمة (جيجي منير) أن يعطيها الأقنعة ليوزعهم المخرع على الممثلين فيدخل مساعده حتمور (عبد الرحمن صبحي) بمجموعة من الأقنعة منها القناع الضاحك والقناع الباكي.
عند الدخول في التمثيل نجد في عمق المسرح بوابة رسم عليها نقوش وحروف فرعونية تعبر عن أوزوريس، ووضع أمام البوابة على اليمين واليسار في منتصف المسرح عمودان من التراث الفرعوني على شكل زهرة اللوتس في إشارة لأحد المعابد، وأثناء العرض يوضع أمام البوابة بانوه جزئه الأعلى عبارة عن قرص أبيض مستدير يسقط علية الضوء ليمثل شاشة عرض وفي جزئه الاسفل نجد جدارية مرسوم عليها جناحان مفرودان عبارة عن رسمة تمثل إيزيس، وينزل من السوفيتا شمال ويمين المسرح ما يمثل آلة الهارب الموسيقية التي وجدت على جدران المعابد حيث أن ست إلاه الشر يمنع الفنون ومنها الموسيقى والنحت، ولم يهتم مصمم الديكور بالطرز المعمارية في عصر الفراعنة ولكنها توحي بالجو العام حيث أننا في مسرح، فقد اهتم بالإطار العام ليتفاعل المتلقي مع الحدث، وكانت الألوان زاهية وتميل إلى اللون الفسفوري والأخضر والأحمر، حيث أن هذه الألوان جاذبة للطفل، فكما قلنا بأنها لعبة الميتا ثياتر (المسرح داخل المسرح)
أما الملابس كانت عبارة عن تي شيرت أصفر وبنطلون أسود للدعاية على أن الجميع يمثل فرقة مسرحية موحدة الملابس، وأرتدي كل من قام بشخصية إيزيس (أمال صبحي “أعاقة بصرية”) وأوزوريس (عاطف سعد) وست (المخرج محمد فؤاد بدلا من رجب عبد النبي) ملابس توحي فقط بالعصر الفرعوني، ونستطيع القول بأن قيام فتاة ذو إعاقة بصرية بدور إيزيس تعبر عن العدالة التي تكون معصوبة العينين.
حققت الإضاءة الحالة الدرامية، فكانت إضاءة عامة للإنارة في أول العرض بظهور الفرقة المسرحية لتحكي بأنها ستقدم للمتلقي عرضا مسرحيا، وكذلك كانت للإنارة في نهاية العرض، أما أثناء عرض المسرحية التي قدمتها الفرقة نرى اللون الأحمر مع ظهر ست للتعبير عن الشر السائد، وينتشر اللون الأخضر مع ظهور أوزوريس حيث أنه يعبر عن الخير والنماء، وعند ظهور شخصية رحمة التي تحب المعاقين وتعاونهم ضد الشر يظهر اللون البنفسجي المعبر عن الحب وتكاتف الجميع ضد ست ليتحقق الأمل في القضاء على الشر بالإرادة والتحدي ليسود العدل
ساعدت الاستعراضات («منة فؤاد»، وتدريب “حنين جلال”) في الدفع بالحدث وتطوره، فشاهدنا في بداية العرض استعراض وظيفته تعريف المتلقي بأن المشاركين في العرض عبارة عن فرقة مسرحية ستقوم بتقديم عرض مسرحي، ثم استعراض صانع الأقنعة، ثم استعراض لأوزوريس بأنهم كلهم واحد وأنهم سيقفون جميعا ضد القوى الظلامية للقضاء على شر ست، واستعراض ست أفصح فيه عن شره وإنه عندما يتواجد تحجب الشمس ويخيم الظلام، واستعراض الإرادة والتحدي وغيرها، ونفذت جميع الاستعراضات بشكل بسيط معبرة عن كل موقف.
والموسيقي وتلحين الأغاني (عبد الله رجال) كانت مواكبة للحدث بشكل مؤثر، والأغاني والأشعار (بكري عبد الحميد) كانت مباشرة لخلق حالة من التفاعل بين الممثلين والجمهور، وتوجه للجمهور خطاب ضمني باننا لابد من أن يكون لدينا إرادة لينتصر الخير على الشر، ففي بداية العرض نسمع اغنية لفرقة صناع الحكاية أداء جماعي للفريق، ثم بعد فترة يظهر ست ويغنى اغنية الغول الغول أبو وش كئيب، وفي كل الأغاني استخدم الملحن ألات إيقاعية وألات وترية، واستخدمت موسيقي توحي بالجو المصري القديم، ولكنها لم تلتزم بالعصر الفرعوني حسب رؤية المخرج، لكن الموسيقى صنعت مساحة للخيال وعبرت عن الخير والشر، وكانت الآلات الوترية هي المميزة ومنها آلة الهارب وذلك في القصة التي قام ست بوضع أوزوريس في التابوت، وأيضا في رحلة إيزيس للبحث عن أوزوريس والذي تم عرضة على شاشة العرض، وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤية الجيدة نظرا لعيب تقني في آلة العرض إلا أن المطلوب من عرض الشاشة وصل للمتلقي.
كل التحية والشكر لتجارب المؤلف أحمد زحام والمخرج محمد فؤاد والاهتمام بدمج المعاقين ولي ملحوظة بسيطة اوجهها للمسؤولين عن إنتاج هذه النوعية من العروض بأن تجربة دمج المعاقين لابد أن يتوفر لها الوقت الكافي وميزانيه أعلى ولا تحاسب كعروض الأصحاء حيث أنها تحتاج إلى جهد كبير وفترات تدريب طولية لتظهر بالشكل اللائق، كما أوجه شكري إلى من ذكرتهم من الممثلين وقاموا أيضا بأداء الاستعراضات ومعهم (أحمد قرني، فتحي يوسف، آلاء راشد، بسمة خلف، زهرة، فاطمة محمد، فاطمة حسني، فاطمة ناصر، مريم حسين، محمد عبد العظيم، فضل صبحي، سعيد علاء، مصطفي، ياسمين، منه جوده، شيماء جمعة، مشيرة صبحي، رانيا أحمد، سعاد جمعه، شهد خلف سما محمد ، ريهام ،سما)، وهيئة الإخراج (هند منصور، حمدية أبو سعيد، رحاب شكري) لكل من ساهم في خروج هذا العرض للنور.