العدد 700 صدر بتاريخ 25يناير2021
«البخيل» من إنتاج البيت الفني للمسرح التابع لقطاع الإنتاج بوزارة الثقافة، وتشارك بها فرقة مسرح الشباب في تلك الدورة من المهرجان القومي للمسرح المصري، وجدير أن نذكر أن المسرحية كانت قد حققت قبولاً وحضوراً جماهيرياً جيداً مع بدء عرضها في ديسمبر من العام الماضي على مسرح أوبرا ملك برمسيس.
«البخيل» للكاتب الفرنسى «موليير» كاتب الكوميديا الأشهر ورجل المسرح المولود بباريس «1622»، صاحب فرقة «إلوستر تياتر» الذي استمر ممارساً للمسرح ـ في ظل مشكلاته مع السلطات والكنيسة ومع زوجته ـ حتى أنهكه ونال منه المرض ليتوفى بباريس «1673» عن عمر 51 سنة، ومن المفارقات أن أول مسرحياته التي قدمها حملت اسم «الطبيب الطائر» وأن أخرها كانت «المريض الوهمي» حيث توفى عقب الليلة الرابعة من عرضها بباريس في فبراير 1673، وقد كون فرقته في يونيو «1643» من «12» ممثلاً منهم أخته «جنيفيف»، وتجول بالفرقة ببقاع فرنسا ما بين «1645» و»1658» وهي الفترة التي كتبت له الانتشار والشهرة.
ويتسم «موليير» بخفة الظل وبشخصيته البسيطة المساعدة للناس، وبالكرم والسخاء، وكتاباته مستمدة من المجتمع حيث يلتقط ما يتفاعل معه ويطرح رؤيته من خلال أعماله التي تتسم بالأسلوب الساخر وكوميديا الموقف التي تعتمد على جملة من المفارقات التي تنشأ عن التباس في الفهم لدى شخصيات مسرحياته، وقد نجح كفنان أن تكون له مكانة بين عظماء الفن في العالم وكواحد من أهم كتاب المسرح كمؤسس للكوميديا الرفيعة.
«البخيل» من إخراج «خالد حسونة» وهو من الفنانين المجتهدين ككاتب وكمخرج، وله العديد من الأعمال المتميزة وحصل على كثير من الجوائز عبر مسيرته، خاض تجربة كتابة القصة والسيناريو والحوار لبعض الأعمال، منها فيلم «د.سيلكون»، والفيلم القصير «يا مسافر وحدك» ومسلسل «حكم عيال»، كذلك أعد الكثير من المسرحيات ومنها «ثورة الفلاحين» للكاتب الأسباني «لوب ديفيجا»، وألف للمسرح نصوص منها «عشان احنا واحد» التي أخرجها وقدمها على مسرح الهناجر عام 2018 معتمداً فيها على مواهب من ذوي الإعاقة، كما أنه أخرج لفرق في الجهات المختلفة، ومما أخرجه للمسرح الجامعي «مؤتمر غاسلي الأدمغة» لبريشت و»النسر الأحمر» لعبدالرحمن الشرقاوي، وأخرج لمؤسسات المجتمع المدني ومنها «صالون سلوي علوان الثقافي» الذي أخرج لها مسرحية «ساعة حظ»، وللثقافة الجماهيرية أخرج كثير من المسرحيات أخرها «رجل في القلعة» لفرقة المنصورة القومية، كما أخرج للبيت الفني للمسرح، وقد سبق وأن شارك بالمهرجان في دورته الثامنة 2015 بمسرحية «سهرة مملوكي» لفرقة مسرح الشباب التي يشارك في الدورة الحالية للمهرجان للمرة الثانية بها بمسرحية «البخيل».
وتتناول «البخيل» قصة البورجوازي «هارباغون» رب الأسرة الذي يكنز الأموال ويري في ذلك ما لا يضاهيه من متعة حيث يشغل جمع المال جل حواسه، ولا يتردد في استثمار كل ما هو ممكن من أجل جمعه، كذلك لا يتردد في استثمار ابنته وابنه في ذلك مما يتسبب في سوء العلاقة بينه وبينهما، حيث لم يكتفي ببخله في الإنفاق عليهما بل ومحاولته الزواج من حبيبة ابنه، وتزويجه هو بأرملة عجوز وثرية مع منع ميراث أمه عنه، وكذلك تزويج ابنته من ثري يكبرها بكثير بغية الحصول على مهر كبير وحتي لا ينفق أموالاً على هذا الزواج، رافضاً تزويجها من الشاب الذي أحبته واضطر ليعمل خادماً لديه ليكون بالقرب من حبيبته، وتتابع الأحداث وتتصاعد مع جملة من المفارقات التي تنشأ عن سوء الفهم بين الشخصيات، لتصل إلى مفاجآت غير متوقعة ولتنتهي بالمسرحية نهاية سعيدة يبلغ فيها كل من أفراد الأسرة ما يريده، لنكتشف أن الشاب الذي يحب ابنة البخيل ليس فقيراً وإنما ابن لأحد الأثرياء، وأن اخته هي نفسها الفتاة التي يحبها ابن «هارباغون» التي تفرقا على اثر غرق سفينة كانت تقل أسرتهما،..
المخرج والعرض المسرحي ؛
راهن المخرج في اختياره لنص «البخيل» الذي قُدم منتصف القرن السابع عشر، والذي طالما قُدم على خشبات مسارح العالم ومنها الدول العربية التي تناولته ربما مئات المرات، وقد مارس ـ المخرج كعادته ـ حرفته الكتابية بالإعداد لنصوصه التي يُقدم على إخراجها، حيث قام بالتحديث والتمصير للنص ليضمٍّنه رؤيته الإخراجية، مع تحويل حواره الذي كتب به إلى عامية بسيطة مرنة بما يساعد على تحقيق التواصل مع المتفرجين، وهذا مع اختزاله لبعض المشاهد التي رأى أن لا تأثير لها علي السياق الدرامي، وقد لجأ لابن الإسكندرية الشاعر حامد السحرتي ليشاركه ذلك بكتابة الأغاني وحاول قدر الإمكان أن يتخذ منها حلية لجذب المشاهد وألا تمثل عبء على العرض بحيث تبدو جزءً من نسيجه الدرامي، وسعى فضلاً عن ذلك لإدخال البهجة على العرض باستعانته باستعراضات «شريلي عادل» وموسيقى «محمد حسنى»، وأيضاً عمل على تحقيق الإدهاش من خلال الديكور والملابس لكل من «رانيا الدخاخني» و»ناردين عماد»، وفي التمثيل اختار النجم «أشرف طلبة» في تجسيد شخصية البخيل مع مشاركته مجموعة من الشباب الموهوبين ومراعاته الخروج عن الأداء النمطي للشخصيات، مع تعمد المبالغة في الأداء التمثيلي.
ماذا حدث ؛
بشكل كامل احتفظ «حسونة» بروح نص «موليير» وحافظ علي السياق العام له، وقد نجح من خلال عناصره الفنية التي ولًّف بينها أن يحقق قبولاً جماهيرياً، ساعده في ذلك بطل العرض الأول الديكور والملابس والإضاءة تصميماً وتنفيذاً بما كان له الأثر على مستوى التلقي لدي المشاهدين، فعلى الرغم أن مصممة الديكور «رانيا الدخاخني» اعتمدت على منظر واحد هو «صالة أو بهو قصر» البورجوازي البخيل، إلا أنها استطاعت التعبير عن ثرائه والفترة الزمنية التي تنتمي لها الأحداث، مع توظيفها لتأثير أو بقع الإضاءة في الانتقالات من حالة إلى حالة أو الانتقالات المكانية إن لزم ذلك، وقد أحسنت مصممة الأزياء «ناردين عماد» بالتزامها الطرز الفرنسي للقرن17، ووفقت في اختياراتها للألوان، ومن المهم هنا الإشارة إلى إجادة «نهال محمد على» في تنفيذها الملابس.
يأتي بعد ذلك موسيقى المبدع السكندري محمد حسنى التي كان لها أثرها في بث روح المرح بشكل عام على العرض والانتقال من حالة إلى أخرى، أيضاً جاءت أغاني «السحرتي» موفقة إلا في بعضها الذي كان معلقاً على الحدث بما تسبب في طول العرض وأثر على إيقاعه لولا كل من الموسيقى والاستعراضات التي خففت من ذلك، وهذا لا ينفي امتلاك الشاعر لأدواته وحسه الدرامي الجيد وخاصة الملاتبطة بشخصية المحقق. كما أبدعت شيرلي عادل في تصميمها للاستعراضات التي كانت تكمل في تشكيلاتها جمال الصورة البصرية بشكل عام.
«عنصر التمثيل» ؛
كان هو الرهان الأخير الذي اعتمد عليه المخرج وسيطاً للتوصيل في عرضه، ذلك الرهان الذي لم يخزله، كانا رهانين، الأول في اعتماده على خبرة وموهبة القدير «أشرف طلبه» ليقوم بأداء شخصية «البخيل» رغم علمه بأنه ليس بممثل كوميدي، إلا أن «طلبة» حقق المفاجأة بما لديه من احترافية ومخزوناً كوميدياً وخبرة ساعدته على الوصول لاختيار «كاراكتر» مناسباً ومختلفاً للشخصية حقق به قبولاً لدى المتلقيين بما أظهر قدراته وموهبته، الأمر الذي وصل به أحياناً للارتجال المطلوب في الكوميدياً دون ابتذال، نفس الأمر ينطبق على الممثل الشاب «محمود متولي» الذي قام بدور «المحقق» الباحث عن المال المسروق من البخيل حيث لاقى استحساناً من الجمهور في أداء الكوميديا على عكس أدواره السابقة، فاستطاع أن يجذب نظر الجمهور إليه وإقناعه بقدرته على الإضحاك، ويحسب للمخرج مجازفته الأمر الذي ربما كان ذلك سبباً في الخروج من نمطية الأداء، وأظنهما لم يخذلاه في رهانه حيث فاق أدائهما التوقعات بما يعد اكتشافنً جديداً لهما.
أما الرهان الثاني فقد كان في اختياراته لشباب الموهوبين الذين منحوا العرض مساحة من الحيوية خاصة في بعض مناطق النص التي كانت تفتقد ذلك، فكشفوا عن موهبتهم بما يمتلكون من طاقات تمثيلية هائلة ساعدهم في ذلك المساحات الحوارية بالنص والتي أتاحها لهم «المخرج المعد»، ومنهم نذكر الكوميديانة المدهشة «سوزان مدحت» في دور «فروزين» الشخصية التي تتفق مع «البخيل» في عشق المال وتقوم بأي مهمة مقابل تحصيله، فتقوم بدور «خاطبة» تحاول تزويج «هرباغون» لفتاة من سن أبنائه بغية كسب المال، وقدمتها بشكل جيد وتتسم بحس كوميدي عالي، هذا وقد أجاد فريق العمل بشكل عام «هادى محى» الطباخ والسواق، و «محى الدين يحي» رئيس الخدم «فالير»، محمد خلف فى «لافليش»، عصام أشرف في دور «كلينت» ابن البخيل، نشوي عبدالرحيم «الابنة»، منار عبدالحليم، جاسمين أحمد، نوران عبد الحميد، عبد البارى سعد الذي جسد دور «الرجل الثرى»، مجيب احمد، عمرو وليد، ياسمين عسكر، فادى سمير، آلاء النادى.
وإجمالاً نجح المخرج في تحقيق التناغم والانسجام والحب بين فريق العمل بما بدا واضحاً أثره على خشبة المسرح وعمل على تقديم عرضاً كوميدياً راقياً بعيداً عن الابتذال، الأمر الذي يستوجب توجيه التحية لفريق الإخراج «إنجى إسكندر» المخرج منفذ، و»فاروق مسعد» مساعد مخرج، هذا وقد سعى العرض لتأكيد مقولة المخرج المدونة على البامفلت «السعادة مش فلوس، السعادة كنز ساكن في النفوس» وأن علينا أن نعيش الحياة وعلى الأشخاص أن يعوا لذلك وأن يهتموا بالمشاعر الإنسانية.
ملاحظة أخيرة، يأتي عرض «البخيل» لمؤلفها «مولير» متوافقاً مع تلك الدورة التي تحتفي بـ مرور 150 سنة مسرح، وكذلك بـ «يعقوب صنوُّع» مولير مصر، وتتفق مع التوجه المنتمي للمخرج ويؤكد ذلك اختياراته المسرحية حيث تقديمه من قبل لنص «سهرة مع أبي خليل القباني» لصاحب أول مسرح في دمشق والذي يتوافق مع بدايات المسرح في صورته الحديثة في سوريا ومصر.