«كارمن».. مغامرة كبرى تخوضها «ريم حجاب»

«كارمن».. مغامرة كبرى تخوضها «ريم حجاب»

العدد 698 صدر بتاريخ 11يناير2021

لابد أن يتسم الفنان بقدرته على التحليق بخياله إلى أبعد مدى، وما يميز فنان عن آخر هو قدرته على تحويل هذا الخيال إلى واقع ملموس رغم صعوبته، بل ويتطلب ذلك الثورة على القوالب الثابتة والجامدة التي تحكم الفنون وإخضاعها هي الأخرى إلى عالمه وأفكاره الخاصة، وهو ما فعلته بالضبط الفنانة ريم حجاب حيث مزجت بين المجتمع الأسباني والمصري، حين قامت بترجمة أوبرا كارمن إلى العربية المصرية وتقديمها بمعالجة جديدة تمامًا، فمزجت موسيقى بيزييه الشهيرة بموسيقى مصرية من تأليف سعد ممدوح، وأضافت أغنية “القلب لما يروق” للشاعر وليد طاهر، وقدمت لوحات استعراضية مزجت فيها بين الرقصات الأسبانية والرقص الشعبي كذلك الأزياء التي صممتها ريهام زهرة جاءت بسيطة وتصلح لكل الثقافات، لم تقتصر شطحات ريم عند هذا الحد بل أرادت أن تقول أن كارمن الأسبانية هي كارمن المصرية، بل أن كارمن موجودة في كل نساء العالم وكذلك جوزية موجود في كل رجال العالم، حيث قامت باستنساخ كارمن وجوزية فجعلت ست فتيات يجسدن دور كارمن، وستة شباب يجسدون دور جوزيه، وأحياناً في مشهد واحد، حيث يكمل كل زوج منهم الحوار، أو يكرر الجُمَل نفسها. تقنية التكرار لم تقتصر على الجُمَل التي يرددها الممثلون، بل على الأغاني أيضًا. فتقدم ممثلة إحدى الأغنيات وبعد انتهائها تعود المجموعة لتردد الأغنية نفسها، واستخدمت في العرض ديكورًا قام بتصميمه الفنان محمد العبد لا يعبر عن مكان أو زمان محدد فاعتمد على مجموعة بانوهات يسهل نقلها وتغييرها لتوظيفها لأكثر من غرض، فكانت بوابات وغرف لتغيير الملابس ومكاتب وسجن وحلبة مصارعة، كذلك الفضاء المحيط بهذا الديكور لا يوجد به موتيفة واحدة ولا أي شئ يدل على هذا المكان. حتى أن الإضاءة التي صممها صابر السيد جاءت مرتبكة مثل كل التفاصيل.   
وبصرف النظر إذا كانت وفقت في تنفيذ ذلك أم لا، أو تقبله الجمهور بترحاب أم رفضه، فقد نجحت في تحويل أفكارها إلى واقع، في الحقيقة فإن ما فعلته ريم هو جرأة شديدة وشجاعة تستحق عليها التقدير، لكن للأسف أصاب ذلك التكرار ملل المتلقيين ولم يقعوا في غرام هذا الفكر الغريب، وربما لو أنها أعادت إعداد العرض في محاولة لتلافي هذا الملل لقدمت عرضًا يحظى بقابلية أعلى من الجمهور، وعلى الرغم من ذلك فأنا أحييها على جرأتها وشجاعتها في الإقدام على هذه التجربة.
 مغامرة ريم حجاب لم تقتصر على ذلك فحسب بل أن المغامرة الكبرى تكمن في اختيارها لعمل فني شهير قُدم على مسارح العالم بأكثر من لغة وقُدم في مصر عشرات وربما مئات المرات وهو أوبرا كارمن الذي يتناول قصة رجل باسيكي هو الشرطي دون جوزيه الذي وقع في غرام امرأة غجرية هي كارمن التي تعشق الحرية وتؤمن بحرية جسدها وتتنقل من رجل إلى آخر كما تتنقل الفراشات من زهرة إلى أخرى، ولا تعرف قيدًا ولا تعترف بحاجز، فحين قام بالقبض عليها عندما ضربت زميلة لها بالسكين وشوهت وجهها، أغرته بأن يتركها تهرب مقابل ليلة هوي تقضيها معه، ويوافق لكنه لم يكتف بليلة حب واحدة، بل ترك خطيبته وعمله بجهاز الشرطة الذي ينتمي إليه واختار أن يحيا معها حياة الخارجين عن القانون، لكنها سرعان ما تمل هذه الحياة وتقرر قطع علاقتها به وإقامة علاقة مع شخص آخر هو مصارع الثيران الشاب أثار إعجابها. فتحوله من جندي مطيع إلى خارج على القانون ومطلوب للمحاكمة ليس لأنه ترك عمله أو ساعد متهمة على الهرب فحسب وإنما قام بقتلها بعد أن تأكد من خيانتها له فقاده هذا الحب إلى ساحة الإعدام.
 هل تكتفي ريم بذلك؟ لا فمغامرتها لم تقف عند هذا الحد بل أنها تغامر أيضًا بتقديم خمسة عشر فنانًا وفنانة غير معروفين وتقوم بتدريبهم ليقوموا بالتمثيل والرقص والغناء بروعة آداء لا تقل إطلاقًا عن أداء فنانين محترفين هم: أحمد مرعي، إيمان ثابت، محمد جاد، مريم منصور، رانيا زهرة، أحمد عادل، منى أبو ضيف، محمد سوري، أدهم شكر، سلمى طارق، محمد غزاوي، نور هاشم، مارينا مجدي، حسين الشافعي، محمد محمود.
عرض “كارمن” قدم على مسرح الهناجر وقامت بالترجمة والإعداد وتصميم الرقصات والإخراج أيضًا الفنانة الشاملة ريم حجاب.


نور الهدى عبد المنعم