«هلاوس».. إعداد مسرحي بنكهة «المايم»

«هلاوس».. إعداد مسرحي بنكهة «المايم»

العدد 732 صدر بتاريخ 6سبتمبر2021

على مسرح الهناجر عرضت مسرحية «هلاوس» إعداد وإخراج محمد عبدالله. محمد عبدالله ممثل «مايم» شارك في العديد من العروض والمسابقات الدولية إما بالتمثيل أو الإخراج أو الإعداد الموسيقي. أسس “Mime Unit Group” عام 2015 وهي مجموعة اتحاد لفناني المايم بمصر وقام بإخراج 6 عروض صامتة لها.
يناقش العرض سعي الإنسان المستمر في البحث عن بطولة. فاستخدم المخرج التمثيل الصامت «المايم» من خلال تكنيك «مسرح داخل مسرح»  يتخلله إعداد مسرحي لمسرحية «تاجر البندقية» للكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير. فالمؤلف يجلس على جانب من المسرح على مكتبه يفكر ويكتب، بينما يدخل المخرج بحقيبة سفره، ثم تدخل ممثلة جميلة تبحث عن دور بطولة؛ فيختارها المخرج لأداء دور «بورتشيا» في «تاجر البندقية»،  ثم يتقمص الممثلون شخصياتهم في مسرحية «تاجر البندقية» بعلامتين حين ينفخ المخرج في البوق وينفخ في صفارته كأنه حَكَم يبدأ المباراة الفنية المتفق عليها. 
  تحدث نقلات داخل العرض من تاجر البندقية لفريق التمثيل حيث يتصارع اثنان من الممثلين على قلب البطلة الجميلة التي تلعب دور بورتشيا وكل منهما يسعى لإثبات جدارته بحبها. فالأول يغريها بحقيبة بسيطة يخرج منها هارمونيكا ولعبة أطفال بدائية تصدر صوتا وعروسة قفازية صغيرة. ثم يأتي الحبيب الثاني يقص عليها حكايات رومانسية فتنجذب إليه ويغلبها النعاس بعد الاستماع إليه. تستكمل قصة تاجر البندقية، التاجر أنطونيو يرسل رسائل كثيرة لبسانيو؛ كي يأتي إليه ويدعمه قبل موعد المحاكمة. في نقلة أخرى يأتي الحبيب الثالث مخرج  الفريق مترددًا في الإفصاح عن مشاعره، لكنه يصاب بخيبة أمل لأن الجميلة اختارت بالفعل من يقص عليها الحكايات؛ فيشعر المخرج بخيبة أمل. 
في النهاية يأتي مشهد المحاكمة، تتنكر بورتشيا في زي محام يدافع عن أنطونيو، بينما يظل شيلوك المرابي مُصرًّا على ثلاثة رطل من لحم أنطونيو حتى تهزمه في النهاية بورتشيا بالمنطق. ويمزق الصك بيده. 
وأخيرا يقوم المؤلف ويسلب أعضاء الفريق حياتهم، تلف كل الشخصيات في دوامة كأنهم مسلوبو الإرادة، حتى يقوم المخرج ثانية وينفخ في البوق مع قدوم ممثلة جديدة جميلة تبحث عن بطولة في عرض جديد. 
 ملابس العرض جاءت على نوعين: النوع الأول معاصر لزمننا لأعضاء فريق التمثيل داخل المسرحية. أما النوع الثاني فقديم مناسب للعصور الوسطى حيث زمن مسرحية «تاجر البندقية» من فستان للأميرة وروب للتجار. توزع الديكور على خشبة المسرح بداية من منضدتين بنفس الشكل والحجم واحدة يجلس أمامها المرابي، وفي الجانب الآخر يجلس أنطونيو للتعبير عن المقابلة بين الشخصيتين في تعاملهما مع الفقراء. أيضا وضعت درجات بسيطة في عمق المسرح يقف عليها الممثلون لتغيير ملابسهم من ناحية، ومن ناحية أخرى لكي يجسدوا مشاهد الحب من خلال إضاءة الدائرة الكبيرة في الخلفية المعبرة عن الشمس صباحا والقمر ليلا. فالدائرة الكبيرة ترمز لقيمة الحب والعطاء التي تمنح الإنسان رضاه وسعادته. أكد وجود هيكل لدولاب الملابس على فكرة التقمص. فالممثلون يتقمصون الشخصيات في «تاجر البندقية» بملابس يرتدونها، ثم يعودون للحياة العادية بمجرد خلع ملابس الشخصية. لكن أتسأءل ما أهمية المرآة الطويلة على جانب المسرح، هل أضافت لدراما العرض؟ 
 جاء التمثيل الصامت من البطل الرئيسي للعرض، فالمخرج محمد عبدالله وظّف التمثيل داخل التمثيل من أجل أن يضفي خفة ظل على العرض المسرحي يتخللها تراجيديا شكسبير؛ يقوم الممثلون بالقفز والجري وإرسال الركلات لبعضهم البعض. وغيرها من الدراما الحركية خفيفة الظل أضفت حيوية ورشاقة على العرض المسرحي. كما يقص الحبيب الثاني المتنافس على قلب جميلة الفريق حكايات بلغة «جبرش» المعروفة في فن المايم؛ فيقول بعض الكلمات المضحكة، ثم جسّد الحبيب الثالث لبطلة الفريق مخرج الفريق (مصطفى حزين) في مشهد رائع بجوار شماعة ملابس عليها جاكت بذلة؛ ليعبر عن صراعه الداخلي وتردده في الإفصاح عن مشاعره نحو الجميلة. فيضع يده اليسرى في الجاكت ليجسد مشهدا رائعا مع اليد فهي تصارعه وتربت عليه وتعانقه ثم تهديه وردة؛ تحثه أن يعلن عن حبه لبطلة الفريق، لكنه تأخر كثيرا لأن الجميلة اختارت بالفعل حبيبها؛ فيشعر بعدها بخيبة أمل. 
في النهاية يقوم المؤلف ويسلب أعضاء الفريق حياتهم بداية من المخرج (مصطفى حزين)، في مشهد آخر للفينال يهتز كمن مسه تيار كهربائي ويفقد النبض ساقطا على الأرض، كل الشخصيات تلف في دوامة كأنهم مسلوبو الإرادة. أتساءل أيضا عن أهمية شخصية المؤلف دراميا، فهو  من بداية العرض على جانب المسرح يكتب ويفكر وفي النهاية يقوم من كرسيه؛ ليشير لأعضاء الفريق فيدورون في دوامة. كان من الممكن أن  يحذف المخرج محمد عبدالله شخصية المؤلف ولا يؤثر ذلك على العرض، يكتفي بأن يجعل المخرج هو من يسلب الممثلين إرادتهم، خاصة أن المخرج هو من ينفخ في البوق ليتقمص كل ممثل دوره. ولأن محمد عبدالله قد أنهى المسرحية نهاية دائرية عند دخول ممثلة جديدة تبحث عن بطولة في عرض جديد. 
 جاءت الموسيقى كالملابس، نوع يغلب عليه خفة الظل والحيوية، ونوع آخر كلاسيكي يتماشى مع تاجر البندقية، ونجح المؤثر الصوتي في التعبير عن صوت السفينة التي ينتظرها أنطونيو.  
مسرحية «هلاوس» إعداد مسرحي لمسرحية عالمية بنكهة «المايم» تجربة تستحق المشاهدة والتطوير فيما بعد في تجارب جديدة.   


شيماء عزت