أمينة رزق.. الراهبة في محراب الفن

أمينة رزق.. الراهبة في محراب الفن

العدد 779 صدر بتاريخ 1أغسطس2022

من أهم مميزات المهرجات القومي للمسرح إصداره لمجموعة كتب عن المكرمين، ومن وجهة نظري اعتبر كتاب «أمينة رزق الراهبة في محراب الفن» للدكتور عمرو دوارة من أهم الكتب التي صدرت هذا العام 2022 في الدورة الخامسة عشر، لسببين أولاً لما تمثله الفنانة العظيمة أمينة رزق من أهمية في تاريخ المسرح المصري خاصة والفن المصري عامة، والثاني لما تتميز به كتابات دكتور عمرو دوارة من دقة ومصداقية وتنظيم علمي لمادة الكتاب أو البحث الذي يقوم بإعداده. وأمانته العلمية التي تتضح من حرصه الشديد على ذكر المصادر التي اعتمد عليها في جمع المعلومات. 
الكتاب جاء في (119) صفحة من القطع المتوسط ويحتوي على سبعة فصول ومقدمة وملحق يضم مجموعة صور نادرة لها للفنانة أمينة رزق، جاء في المقدمة على لسان المؤلف: (حقيقة أن سعادتي لا توصف بتكليفي بإعداد هذا الكتاب عن الفنانة القديرة أمينة رزق الابنة البارة لفرقة «رمسيس» ولمؤسسها الرائد فنان الشعب يوسف وهبي وإضافته إلى قائمة مؤلفاتي، فما أسعد الباحث والناقد حينما يتصدى للدراسة والكتابة عمن يحظى باحترامه وتقديره وإعجابه).
وبداية أعترف بأنني قد وقعت ومنذ الصغر في هوى وتقدير نجوم وعمالقة ذلك الزمن الجميل–ومن بينهم نجوم المسرح القومي خلال فترة ستينيات القرن الماضي وفي مقدمتهم بلاشك الفنانة المتألقة والمتجددة دوما أمينة رزق.
الفصل الأول وعنوانه: السياق التاريخي والفني.
ويضم رصد تاريخي مختصر لبعض الحقائق المهمة المرتبطة بالمناخ الفني والمسرحي خلال الفترة التي عملت بها الفنانة القديرة أمينة رزق (منذ بداية عشرينيات القرن الماضي وحتى بداية الألفية الثالثة وبالتحديد عام 2003) مع الإشارة إلى أهم الفرق المسرحية المواكبة لتلك الفترة - وخاصة تلك الفرق التي شاركت بها - وتسجيل أهم السمات الفنية لعروضها مع بيان مدى تأثرها بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
الفصل الثاني عنوانه: السيرة الذاتية والمسيرة الفنية.
وجاء فيه رصد لأهم الصفات المميزة لها وهي: حضورها القوي المحبب وإحساسها المرهف ونظراتها المعبرة وإشاراتها الدالة، فهي سيدة مسرح مثالية ذات قوام رشيق ممشوق وإحساس رفيع وصوت قوي معبر ذو نبرات مميزة ومخارج ألفاظ سليمة. ويحسب لها منذ بداياتها الفنية إجادتها التامة لفن الإلقاء والتمثيل باللغة العربية الفصحي بنفس كفاءة تمثيلها باللهجة العامية، وكذلك تفردها المتميز في الإلقاء الشعري، كما ضم سيرتها التي بدأت بميلادها في 15 أبريل 1910 بمدينة طنطا، وانتهت برحيلها في 24 أغسطس 2003.
أما مسيرتها الفنية فقد جاء فيها تقريرًا مفصلاً بكل أعمالها الفنية خلال مشوارها الطويل حيث شاركت ببطولة أكثر من 640 (ستمائة وأربعين) عملا فنيا بمختلف القنوات الفنية (المسرح، الإذاعة، التلفزيون، السينما)، ومن بينها مشاركتها في بطولة ما يقرب من 300 (ثلاثمائة) مسرحية بدءا من عام 1924 (ثمانين عاما تقريبا)، في حين وصل رصيدها السينمائي إلى 150 (مئة وخمسين) فيلما تقريبا. وقد أتاح لها القدر فرصة معاصرة بدايات البث التلفزيوني وبداية إنتاجه الدرامي مع بدايات ستينيات القرن الماضي، فشاركت ببطولة عدد من المسلسلات التلفزيونية المهمة والتمثيليات والسهرات التلفزيونية، وقد بلغ رصيدها بالدراما التليفزيونية مايزيد عن 220 (مائتي وعشرين) مسلسلاً وسهرة تليفزيونية، ورصيدها الإذاعي أكثر من 70 (سبعين) مسلسلاً وسهرة إذاعية، وذلك على مدار مايزيد عن سبعين عامًا. كما ضم أيضًا التكريمات والجوائز التي حصلت عليها. 
الفصل الثالث عنوانه: الإبداعات المختلفة بالقنوات الفنية.
وفيه رصد دقيق لكل أعمالها في مختلف قنوات الحقل الفني (مسرح- إذاعة- سينما- تليفزيون) وقد جاء على لسان د. دواره مؤلف الكتاب: بالرصد الدقيق لمجموعة إبداعات الفنانة أمينة رزق التي استطاعت المحافظة على تألقها الفني طوال مسيرتها الفنية يمكننا تسجيل حقيقة هامة وهي أنها قد أتقنت وبرعت في فهم طبيعة العمل بكل قناة، بحيث يصعب تصنيفها إلا كممثلة شاملة في تعاملها بخبرات عالية وتقنيات متميزة جدا مع طبيعة كل قناة من تلك القنوات.
الفصل الرابع عنوانه: (الإسهامات المسرحية) وكان من الطبيعي أن يخصص لها فصلاً وذلك لأن مشاركاتها المسرحية تتفوق في العدد عن كل مشاركتها في المجالات الأخرى معًا، وضم هذا الفصل رصد دقيق لكل العروض المسرحية والفرق والمؤلفين والمخرجين وكذلك الممثلين الذين عملت معهم في هذه المسرحيات مع مراعاة التتابع الزمني. 
الفصل الخامس عنوانه: شهادات نقدية عن عروضها المسرحية، ويضم مجموعة من شهادات النقاد عن بعض أعمالها المسرحية وهم: محمد علي حماد، عبد المجيد حلمي، جلال العشري، عبد القادر حميدة، رشدي صالح، رجاء النقاش، فاروق عبد القادر، نسيم مجلي، د. وفاء كمالو، عبلة الرويني، محمد الرفاعي، محمد زهدي، د. عبد القادر القط، د. أسامة أبو طالب، زينب منتصر، عبد الرازق حسين، عبد المجيد حلمي، عبد الغني داود، نور الهدى عبد المنعم. 
الفصل السادس عنوانه: أقوال من القلب ورؤى فكرية. ويضم أقوال لها جاءت في حوارات صحفية وتليفزيونية. 
الفصل السابع عنوانه : الختام وأهم السمات العامة وهو عبارة دراسة نقدية وتحليلية للمؤلف عن الفنانة أمينة رزق، وبعض السمات العامة المميزة لها وهي:
- الإلتزام الشديد بجميع التقاليد الفنية الرصينة، وفي مقدمتها الإلتزام الدقيق بجميع المواعيد سواء أثناء مرحلة البروفات أو العروض، مع إحترام رؤية وتوجيهات المخرج، والتعاون مع جميع الزملاء بإحترام وود ومحبة، ومساندة الوجوه الجديدة ورعايتها لتحقيق فكرة تواصل الخبرات.
- الزهد عن النجومية بمظاهرها الكاذبة، والإيمان بأهمية العمل الجماعي، وضرورة إشاعة جو من المحبة والصفاء بين جميع العاملين بالعمل، وذلك لإيمانها بأن أي خلافات في كواليس العمل سوف تظهر آثارها بالضرورة وتؤثر على نجاح العمل.
- دقة الاختيارات والانتقاء الذكي وذلك ليس فقط للنصوص المتميزة محكمة الصنع وجدية الخطاب الدرامي الذي تقدمه، أو للشخصية الدرامية التي وقع عليها الاختيار لتجسيدها ومدى توافقها مع مرحلتها العمرية وطبيعة مهاراته الأدائية، ولكن أيضا لجميع عناصر العمل لإيمانها بأهمية التوافق والانسجام الفني بين مجموعة العمل.
- التدقيق الشديد عند التعاون مع المخرجين، حيث حرصت دائما على التعاون فقط مع كبار المخرجين المبدعين – من مختلف الأجيال - أصحاب الرؤى الفنية المتكاملة، ولذلك يمكن من خلال مراجعة قائمة المخرجين الذين تعاملت معهم طوال مسيرتها الفنية أن نسجل له تعاملاتها قد انحصرت فقط مع نخبة من المخرجين المبدعين الذين يمثلون أكثر من جيل. 
- حرصها الكبير على التنوع الكبير في أدوارها سواء بالتنوع بين التراجيديا أو بعض الأدوار الكوميديا أيضا، أو بالتنوع في تجسيد الشخصيات التي تتسم تصرفاتها بالطيبة بصفة عامة أو في تجسيد  بعض الشخصيات التي يمكن وصفها بالشخصيات الشريرة. وبرغم عشقها الكبير للمسرح الشعري وللغة العربية الفصحى وإتقانها الشديد للتمثيل بها إلا أنها قد حرصت كذلك على تقديم بعض المسرحيات باللهجة العامية، ومن بينها على سبيل المثال: حسن ونعيمة، بير السلم، بداية ونهاية، الميت الحي، وبالفترة الأخيرة: أنها حقا عائلة محترمة، السنيورة والثلاث ورقات، الأرنب الأسود. 
- الدراسة الدقيقة للأبعاد الثلاث للشخصية الدرامية (المادية والاجتماعية والنفسية)، والحرص على تطابق رؤيتها الفنية وتحليلها لجميع أفعال الشخصية وردود أفعالها مع رؤية المخرج. وبالطبع قد يتطلب ذلك الاهتمام التفرغ الكامل لدراسة الشخصية والإطلاع على بعض الكتب والمصادر التي ترتبط بالفترة الزمنية التي تمر بها الأحداث الدرامية.
- الاهتمام بأدق التفاصيل الخاصة بالشخصية الدرامية التي تجسدها، وكذلك بجميع الأحداث الدرامية بالعرض، وذلك بدءا بالاتفاق على تصميم الملابس وألوانها، وتوظيف الأكسسوارات» المناسبة سواء كانت أكسسوارات شخصية أو أكسسوارات مرتبطة بالحدث الدرامي، وذلك مع الاهتمام بجميع تفاصيل «المكياج» المناسب للشخصية طبقا للمرحلة العمرية التي تمر بها وبما يتناسب مع مستواها الاجتماعي.
- تطورها الفني وتوصلها أخيرا إلى تبنى مدرسة التمثيل بلا تمثيل أى التمثيل بطبيعية وتلقائية بعيدا عن التشخيص المبالغ فيه والحركات المفتعلة، مع مهارة نادرة في فن الإلقاء حيث نجحت في توظيف طبقات صوتها، وكذلك التأكيد على كل كلمة وكل حرف وهي بذلك تخالف بعض القواعد الأساسية في فن الأداء والتي تفيد بأهمية التأكيد على بعض الكلمات أو الحروف فقط بكل جملة وليس على جميع كلمات وحروف الجملة، ولكنها استطاعت أن تقدم لنا منهجا خاصا يعتمد على الاختلاف في درجات التأكيد بين كلمة وأخرى، وهو منهج يعتمد على المهارات الخاصة وبالتالي لا يستطيع إتباعه إلا الممثل المتمكن جدًا من أدواته. 
 جدير بالذكر أن هذا هو الكتاب التوثيقي الثالث عشر للمؤلف بعدما أصدر ثلاث كتب للنجوم الكبار: حسين رياض، عبد الله غيث، وسيدة المسرح العربي سميحة أيوب، وسبعة كتب عن كبار المخرجين (كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، د. كمال عيد، أحمد عبد الحليم، عبد الغفار عودة، محمود الألفي، د.هناء عبد الفتاح)، وثلاثة كتب عن فرق مسرحية (المسرح القومي، المسرح الكوميدي، أوبرا ملك)، مما أهله للحصول على جائزة الدول للتفوق هذا العام بالإجماع.
ويجب التنويه إلى أن د. دوارة لم تقتصر مشاركاته في هذه الدورة على إصدار هذا الكتاب بل شارك بعضوية اللجنة العليا للمحاور الفكرية وبتقديم الندوة الرئيسة بعنوان «تطور مسيرة الإخراج بالمسرح المصري منذ البدايات عام 1870 وحتى الآن، كما شارك أيضا بتقديم شهادة عن تجربته المسرحية بمجال الإخراج في إطار المائدة المستديرة الخاصة بمخرجي جيل الثمانينات.


نور الهدى عبد المنعم