قراءة في كتب المكرمين في المهرجان القومي للمسرح الدورة 13

 قراءة في كتب المكرمين  في المهرجان القومي للمسرح الدورة 13

العدد 701 صدر بتاريخ 1فبراير2021

أصدر “المهرجان القومي للمسرح المصري” مجموعة من الكتب عن القامات الفنية التي تم اختيارها للتكريم في هذه الدورة. وهم جميعا من المسرحيين الكبار أصحاب الوعي والفكر والثقافة والبصمات الإبداعية المغايرة، الذين تفاعلوا مع تجربة المسرح وتركوا أثرا باقيا سيظل مسكونا بالدلالات. فقد آمنوا أن المسرح هو الحرية والديمقراطية وامتلاك الذات والكيان وهو المسار إلى البحث عما يجب أن يكون.
شهدت هذه الدورة تكريم الفنانين الستة: محمود ياسين، صلاح السعدني، سهير المرشدي، المنتصر بالله، نجيب سرور، وعباس أحمد. ومن المؤكد أن الكتب التذكارية الصادرة عن المهرجان بشكل عام تمثل تقليدا ثقافيا شديد الأهمية يكرس لمفاهيم التواصل بين الأجيال، والجدل بين الماضي والحاضر بهدف تعريف الشباب برؤى وأفكار الكبار. ويذكر أن هذا العرف الثابت بكل ما يحمله من دلالات فكرية فنية وثقافية يجب أن يمتلك شرعية وجوده وجماليات حضوره وركائزه العلمية الدقيقة ليحقق أهدافه المرجوة. فهذه الكتب قد تمثل لبعض الفنانين أهمية استثنائية، فربما يكون كتاب التكريم هو الأول والأخير في حياة بعضهم، لذا يجب أن يأتي الإصدار متكاملا على مستوى السيرة الذاتية والمسيرة الفنية والتجربة الإبداعية مع مراعاة كافة الأصول والقواعد العلمية.
كتب الناقد الفني/ محمد قناوي عن النجم “محمود ياسين” كتابا بعنوان” فارس المسرح المصري”، وتناول الناقد المسرحي/ أحمد خميس الفنان “صلاح السعدني” في كتاب بعنوان “ابن الحلم واليقظة”، أما الجميلة “سهير المرشدي” فقد كتب عنها الكاتب والناقد/ مصطفى عبد الحميد كتابا بعنوان “أيقونة المسرح المصري”، ويأتي كتاب الفنان المسرحي/ أحمد الشريف عن الكوميديان “المنتصر بالله” بعنوان” ضحكة سعيدة”، أما العبقري” نجيب سرور” فقد جاء كتابه باسم “فارس الميثيولوجيا المصرية” بقلم الأديب/ د.أشرف الصباغ، وأخيرا يكتب الدكتور/ أحمد يوسف عزت عن المخرج الكبير/ عباس أحمد  كتابا بعنوان “راهب المسرح المصري”.
بعثت الكتب الستة بوجه عام تيارات من الجمال الخلاب والثراء المعرفي ودهشة البوح وسحر الذكريات، ولكن على مستوى آخر كان هناك تباين واضح في كل من المستويين الأدبي والفني وفقا لرؤى وأسلوب طرح الذين قاموا بالإعداد، وتظل الظاهرة الأساسية – وربما لضيق الوقت - هي الاعتماد بشكل أساسي على إعادة النشر لبعض المقالات التي كتبها كبار النقاد والأساتذة الأكاديميين عن تلك الشخصيات المختارة للتكريم، وكذلك على تجميع بعض الشهادات.  
في هذا السياق يمكنني إجمال أهم السمات العامة لتلك الإصدارات الستة كالتالي:
- اقتصار دور معدي الكتب على كتابة المقدمة والخاتمة وارتكاز محتوى المتن على المقالات والشهادات.
- تميزت الكتب الأربعة الخاصة بالفنانين المممثلين (محمود ياسين، صلاح السعدني، سهير المرشدي، المنتصر بالله) بتضمنها لمجموعة صور مسرحية نادرة ومتميزة، بينما لم يتضمن الكتابين الآخرين (نجيب سرور وعباس أحمد) على مثل  هذه الصور المسرحية، وقد يعود ذلك كما علمت إلى الاستعانة بالأرشيف المسرحي الخاص بالمؤرخ والناقد/ د. عمرو دوارة الخاص، حيث أعلن - في حضور رئيس المهرجان القومي في ختام الندوة التي شارك بإدارتها بالملتقى الفكري - عن استيائه لإغفال ذكر حقه الأدبي كمصدر للصور، بتسجيل عبارة: أن جميع الصور مهداة من أرشيفه الخاص – أسوة بدورات المهرجان السابقة -  وذلك طبقا للاتفاق المحدد بينه وبين إدارة المهرجان.
- اهتمت بعض الكتب بالسيرة الذاتية أكثر من الاهتمام بالمسيرة الفنية، وبما أننا في إطار فعاليات أكبر مهرجان قومي للمسرح كان يجب التركيز على التجربة المسرحية بالدرجة الأولى، وهذا ما لم يتم إلا في كتابين فقط من الكتب الستة للأسف.
- في سياق متصل تأتي السمة الواضحة التي اشترك فيها أربعة معدون وتكشفها بسهولة القراءة المتأنية الفاحصة للكتب - الأربعة الأولى السابق ذكرها - عن تشابه كبير في الأسلوب، لتضعنا بذلك أمام قضية نقدية وعلمية يجب التوقف أمامها، فإذا كانت قد تميزت  هذه الكتب بتضمنها لرصد وتوثيق دقيق للإسهامات المسرحية لكل مكرم - وهذا بالطبع جزء مهم وجوهري من الكتابة العلمية الفنية - إلا أن ما حدث في الحقيقة هو اعتمادهم جميعا على مصدر أساسي وحيد، وهو بالتحديد الدراسات القيمة للدكتور/ عمرو دوارة التي انفردت جريدة “مسرحنا” بنشرها على مدار السنوات الماضية، فقاموا باستساخ مقتطفات كاملة منها دون ذكره كمصدر!! وذلك باستثناء الناقد/ أحمد خميس الذي ذكر المصدر صراحة وبوضوح، ويجب التنويه في هذا الصدد بأن الإشارة إلى اسم أحد الكتاب أو عنوان أحد المراجع في إطار قائمة المصادر والمراجع بالكتاب، لا يمنح الحق لمؤلفه أو معده في الاستخدام المطلق للدراسات المنشورة واستنساخ معلوماتها بأسلوبه كاتبها في التصنيف، ونقل صياغاته بالحرف دون ذكر ذلك بصراحة في المتن، خاصة وإذا كانت هذه المعلومات المتكاملة ينفرد بها د.دوارة فقط – من خلال مشروعه القومي المهم “موسوعة المسرح المصري المصورة” - وهو أسلوب مميز جدا لكتاباته التوثيقية يجمع فيه بين كل من التصنيف التاريخي والتصنيف الموضوعي للفرق المسرحية، حيث يبدأ بفرق مسارح الدولة ثم فرق القطاع الخاص طبقا للتتابع الزمني (كما يتم ترتيب مجموعة العروض بكل فرقة منها ترتيبا تاريخيا)، ويذكر أنني قد تعرفت على أسلوبه هذا جيدا حينما استفدت به جدا في كتابي العام الماضي عن الفنانة/ هالة فاخر (وبالطبع التزمت بذكر المصدر)، فقد اكتشفت آنذاك غياب جميع المصادر والمراجع المسرحية، وكذلك ضعف ذاكرة عدد كبير من الفنانين وعدم اهتمامهم بتوثيق تجاربهم.
- عرض نقدي للكتب :
أولا - “محمود ياسين “فارس المسرح المصري”:
يتكون الكتاب الذي قدمه الناقد الفني/ محمد قناوي من مقدمة وستة فصول هي:  بداية الحلم من المدينة الباسلة”، “القاهرة تحتضن المسرحي النبيل”، “روعة بدايات الشاشة الفضية”، “إنها حقا عائلة فنية محترمة”، “أعماله خلال مشواره الفني”، “محمود ياسين في عيون النقاد”، وأخيرا التكريمات والجوائز ثم المصادر والمراجع.
عندما نقرأ الكتاب تأخذنا الحكايات إلى فرحة الكاتب الصحفي/ محمد قناوي وهو يكتب عن محمود ياسين الإنسان والفنان الذي عرفه عن قرب، والذي كانت أول حواراته الصحفية معه. فقد أدرك أنه فنانا رائعا متواضعا طيب القلب والأخلاق، ويتذكر ملامح وجهه وسمات الرجولة الشرقية وصوته الرخيم، ومهارته في الإلقاء والتمثيل بالعربية الفصحى. ويؤكد أنه ظل بطل السينما المتميز في السبعينيات وأستاذها في الثمانينيات، وحكيمها في التسعينيات دون أن يتخلى عن حيوية الفتى الأول.
تمتد الفصول في سياق السرد الدافئ، فالقاهرة تحتضن المسرحي النبيل، حينما التحق بكلية الحقوق وانتمى إلى مسرحها العريق والتقى بالعديد من كبار المخرجين. وعاش هو نفسه تجربة إخراج الكثير من النصوص المصرية والعالمية. وفي منتصف الستينيات حصل على الليسانس وتم تعيينه مفتش تحقيقات في محكمة بورسعيد لكنه لم يتسلم الوظيفة واتجه إلى “المسرح القومي” الذي عين فيه ليشعر أن حلمه قد تحقق، فقد تعاون من خلاله مع كبار المؤلفين/ الفريد فرج، ميخائيل رومان، محمود دياب، صلاح عبد الصبور، والمخرجين: جلال الشرقاوي، كرم مطاوع، عبد الرحيم الزرقاني، سمير العصفوري، وعبد الغفار عودة، أما المخرج سعد أردش فهو “أستاذه الثاني” الذي تعلم منه حرفية الأداء، وظل التكنيك الذي عرفه هو الأسلوب الذي عمل به طوال مشواره، ويذكر أن أستاذه الأول هو” ستانسلافسكي” الذي قرأ كتابه كثيرا وحفظ جزأيه الأول والثاني.
تمتد التفاصيل والأحداث ورصد الأعمال المسرحية والسينمائية ويبقى أن نشير إلى أن الكتاب يرتكز بشكل أساسي على تجميع المقالات حيث نجد الفصل الخامس من الكتاب (أعماله خلال مشواره الفني) منقول بدقة - بالجملة والكلمة والحرف - من مقالة د. عمرو دوارة المنشورة بجريدة “مسرحنا” - دون ذكر المصدر، وهو الفصل الذي تضمن قائمة مشاركاته الكاملة المسرحية والسينمائية والتليفزيونية، وحتى قائمة الأعمال التليفزيونية الكاملة تم استساخها بنفس الترتيب الخاص الذي يتبناه دكتور/ عمرو دوارة حيث يبدأ بالأعمال الاجتماعية، ثم التاريخية، وينتهي بالأعمال الإسلامية، وكذلك جاء الجزء الخاص بالجوائز والتكريمات في نهاية الكتاب (صفحة 90 – 92) كنقل مباشر من نفس المصدر ومع ذلك لم يذكر المصدر في المتن!! وكان يجب بالطبع ألا يكتفي الكاتب بذكر اسم د. دوارة في قائمة المراجع النهائية بل كان يجب أن يذكره واضحا في المتن أيضا بكل موقع تم النقل منه بصورة مباشرة.
وفي سياق متصل يأتي الفصل السادس (محمود ياسين في عيون النقاد ) 55 – 87 , يأتي كسبعة مقالات طويلة لكبار النقاد، وضعها معد الكتاب كاملة دون ذكر مصادرها وهذا من الأخطاء العلمية والنقدية، حيث يمكن الاستشهاد بأجزاء من المقالات وليس وضعها كاملة. كما يذكر أن فترة إدارة النجم/ محمود ياسين للمسرح القومي لم يتم تحديدها تاريخيا في الكتاب، وكذلك لم يتم الإشارة إلى تلك المسرحيات التي تم إنتاجها في خلال تلك الفترة وذلك باستثناء الإشارة إلى مسرحية “أهلا يا بكوات” فقط.

ثانيا – “صلاح السعدني .. ابن الحلم واليقظة”:
يعتبر هذا الكتاب للناقد المسرحي/ أحمد خميس أحد أفضل إصدارات المهرجان عن المكرمين، وذلك على المستوى العلمي والفني والتوثيقي. والكتاب يتكون من مقدمة وخمسة فصول هي: “صلاح السعدني ابن الحلم واليقظة”، “جماليات الأداء في مسرحية الدخان”، “أبو عزة المغفل واكتشاف أسلوب الأداء”، “شهادات النقاد”، حوارات مع العمدة/ صلاح السعدني وحوله، ثم السيرة الذاتية للمؤلف، وملحق الصور .
 يرى النقد/ أحمد خميس أن صلاح السعدني يمتلك سخرية ممزوجة بمرارة الأحداث السياسية ولا معقوليتها، فقد ارتبط اسمه باسم أخيه الكاتب الثائر/ محمود السعدني، لذلك عانى كثيرا من التهميش والإهمال المتعمد، ولم يكن صعوده إلى قمة المشهد الفني سهلا، وفي هذا السياق تتميز أعمال السعدنى بالسخرية الكوميدية التي لامسها من أسلوب حكايات والدته وأخيه الأكبر، وتتضح في أعماله المعقدة مثل تجسيده لشخصية العمدة سليمان غانم في مسلسل ليالي الحلمية، وكذلك حسن أرابيسك وغيرهم من الأعمال التي كشفت عن قدرته الفائقة في التعبير عن الشخصية المصرية. تظل بصمات الكاتب/ أحمد خميس حاضرة في كتابه لتكشف عن إدراكه لمفاهيم البحث وأصول المنهج العلمي، ورغم أن الكتابة تحتوي على سبعة مقالات تم تجميعها وثلاث حوارات صحفية وتليفزيونية مما يدخل الكتاب في إطار الإعداد - لا التأليف - إلا أنه كان متميزا. ويحسب له ذكره لدراسة الدكتور/ دوارة كمرجع وفقا للرؤية العلمية الدقيقة، والتي امتدت إلى تقديم أسلوبه في تقسيم الأعمال المسرحية للفنان/ صلاح السعدني - إلى فرق قطاع خاص ودولة - موضحا المصدر “جريدة مسرحنا” بوضوح. وفي إطار رصد الأعمال السينمائية يحسب له مجهوده الواضح في عرض المعلومات الكاملة عن الأفلام من حيث التأليف والإخراج وأسماء الأبطال، وإن افتقد الكتاب لوجود قائمة المراجع.

ثالثا – “سهير المرشدي أيقونة المسرح المصري”:
لا يزال غياب الحدود الفاصلة بين التأليف والإعداد يفرض نفسه على كتب المكرمين، تلك الحالة التي نجدها واضحة في كتاب مصطفى عبد الحميد عن أيقونة المسرح المصري/ سهير المرشدي، التي يراها عنصر تمثيلي عذب، تشكل وعيها عبر جيل مسرحي متميز. فهي زوجة كرم مطاوع، وهما معا قمتان كبيرتان، إبداعهما كدائرة متداخلة مع دائرة أخرى. ومن المستحيل أن نتجاهل أعمالهما الكبرى مثل: إيزيس، النسر الأحمر، روض الفرج، ليالي الحصاد , جواز على ورقة طلاق، الثأر ورحلة العذاب، رقصة سالومي الأخيرة. فهي ابنة مناخ كامل تجاورت فيه المواهب وساندتهم التوجهات السياسية، حيث تعاظم دور المسرح ليقدم حركة جادة تركت رصيدا إبداعيا ضخما.
يتكون الكتاب من مقدمة وأربعة فصول، الأول بعنوان “أبعاد إنسانية”، والثاني” الإبداع في أرض الرمال المتحركة”، والثالث “إسهامات سينمائية وتليفزيونية”، والرابع “شهادات نقدية وأقوال”، ثم المراجع والسيرة الذاتية للكاتب وملحق الصور. وفي هذا الإطار يتميز الكتاب بمقدمته الثرية، وبملحق الصور النادرة (من أرشيف د.دوارة)، وبوجود قوائم بالأعمال المسرحية والسينمائية والتليفزيونية والإذاعية، لكنها جاءت بدون توثيق، وهو أمر غير مقبول خاصة في المسرح، حيث كان من المفترض  توثيق البيانات الخاصة بكل مسرحية (اسم المؤلف، والمخرج، على الأقل ويمكن إضافة بعض النجوم والملحنين ومهندسي الديكور).
والحقيقة إن ما أوقعه في هذا المطب هو امتداد تيار الاستنساخ المباشر لقوائم د. دوارة الواردة في مقالاته ودرساته، والتي ترتكز على منظور علمي يدركه هو جيدا، فلا يقوم بتكرار اسم المخرج مع كل مسرحية بل يقوم في النهاية بترتيب مجموعة المخرجين طبقا لتتابع أجيالهم الفنية. وكما سبق الإشارة إلى أن مجرد ذكر المرجع في القائمة النهائية لا يبرر استساخ نفس التصنيف كما هو وبنفس الأسلوب دون ذكر المصدر صراحة في المتن.

رابعا – “المنتصر بالله .. ضحكة سعيدة”:
كتب المسرحي/ أحمد الشريف مقدمة رشيقة متوهجة لكتابه عن المنتصر بالله بعنوان “ضحكة سعيدة”، مؤكدا أننا أمام كوميديان يمتلك طاقات فنية مدهشة، فيطرح في الفصل الأول مسيرة حياته منذ اكتشاف موهبته في الصغر، وممارسته التمثيل كهواية في مسرح الجامعة ومسرح الشركات، وحتى دخوله أكاديمية الفنون وارتباطه المهم بالفنان/ فؤاد المهندس، ثم صعود نجمه مع فرقة “الفنانين المتحدين”، وفي الفصل الثاني يقدم تحليلا نقديا وعرضا لملامح الأداء الكوميدي عند الفنان/ المنتصر بالله مع التركيز على أهم أدواره . وبعدها يطرح وجهات نظر نخبة من النقاد المسرحيين مع الإشارة إلى ذلك في قائمة المراجع، ثم يستعرض بعد ذلك قائمة أعماله الفنية في المسرح والسينما والتليفزيون والإذاعة، ويأتي الفصل الأخير ليقدم من خلاله شهادات عن هذا الفنان من خلال آراء بعض زملائه الفنانين والمخرجين .
يتميز الكتاب بالجدية ومحاولات الحفاظ على المنظور العلمي للبحث، ومع ذلك شغلت المقالات المجمعة والشهادات جزءا كبيرا من الكتاب ( الصفحات من 55 – 82)، ويذكر أن الكاتب قام بربط مقالات النقاد والمسرحيين ببعضها البعض، وهي رؤية ذكية متميزة، ولكن كما هو معروف علميا يتم الاستشهاد ببعض الأجزاء والفقرات وليس بإعادة النشر للمقالات والشهادات كاملة.
والحقيقة أن بصمات الدكتور/ دوارة كانت حاضرة أيضا وبقوة في كتاب “ضحكة سعيدة”، حيث جاءت قائمة فرق مسرح الدولة بنفس التقسيم والترتيب الخاص به، وإن كان أحمد الشريف قد قام بإعادة ترتيب قائمة المخرجين أبجديا في محاولة لإجراء أي تغيير!! بينما جرى العرف على ترتيبهم طبقا لترتيب العروض أو كما يفضل د.دوارة طبقا للتتابع أجيالهم الفنية. ويحسب للكاتب أنه قدم قائمة المسلسلات بتفاصيلها الكاملة (من حيث الإخراج والتأليف والبطولة)، ولكن نظرا لأننا في سياق الحديث عن المسرح بصفة أساسية (وليس السينما والتليفزيون) كنت أفضل أن يقتصر جهده هذا على مجال المسرح فقط.

خامسا – “نجيب سرور .. فارس الميثيولوجيا المصرية”:
نجيب سرور هو عبقرية مصرية رفيعة المستوى، فهو المؤلف والمخرج والشاعر والناقد والمترجم، إنه ومضة إنسانية وإبداعية مصرية خالصة كما يقول الأديب/ د. أشرف الصباغ مؤلف - أو معد - هذا الكتاب، الذي قدم إعدادا متميزا جمع فيه مقالات كبار النقاد والمفكرين، بالإضافة إلى كتابته لمقدمة ثرية تكشف عن الوعي والفكر والثقافة، وقال في خاتمها أنه قد اعتمد على شهادة دكتور/ أبو بكر يوسف،  والتي أوردها كاملة وعنوانها: “نجيب سرور .. مأساة العقل”، فهي تقترب من التوثيق وتروي عن السنوات الست التي قضاها في الإتحاد السوفيتي والمجر باعتبارها تشكل مرحلة مهمة في تكوين شخصية “نجيب سرور” الفردية والإبداعية، وتحدد ملامح مصيره فيما بعد.
يتكون الكتاب من ثلاثة فصول، الأول بعنوان: “عالم نجيب سرور الملحمي”، وهو عبارة عن قراءة طويلة (من صفحة 16 – 50) وردت كاملة بقلم/ أحمد صقر، والثاني بعنوان: “نجيب سرور في عيون النقاد”، وهو تجميع لمقالات مجموعة من كبار النقاد، مع بعض المقالات التي كتبها نجيب سرور، أما الفصل الثالث فهو شهادة ذات قيمة ثقافية كتبها دكتور/ أبو بكر يوسف، هذا إلى جانب السيرة الذاتية للكاتب وملحق الصور. وفي هذا السياق افتقدنا بصمات صاحب الإعداد ورؤيته الخاصة عبر التجميع الغزير لرؤى الآخرين، وكذلك غاب ثبت المقالات المطروحة، كما غاب عن الكتاب أي إشارة إلى أعمال نجيب سرور كناقد ومترجم ومخرج ومؤلف وممثل وأستاذ أكاديمي، ويذكر أن الفهارس جاءت في ست صفحات بينما جاءت السيرة الذاتية لصاحب الإعداد في حوالي عشر صفحات، أما ملحق الصور فقد افتقد الملامح المسرحية الحقيقية للأعمال الفنية، فلم يتضمن تلك الصور المسرحية النادرة للمسرحيات التي أخرجها أو مثل بها أو حتى صور لتلك العروض التي اعتمدت على نصوصه !!.

سادسا – “عباس أحمد .. راهب المسرح المصري”:
النوارس الحرة تتلو صلوات الهواء المبارك، الترنيم شجاع مدجج بمراسم عطر باريسي يشبه قوام بريجيت باردو ويليق بافتتاحية عن راهب جليل يعشق وطن الموج  -  بورسعيد -  البقعة المصرية الفريدة .
هذه هي السطور الأولى من المقدمة الثرية المسكونة بالجماليات الرفيعة والصدق العارم الذي لامسناه في كتاب دكتور/ أحمد يوسف عزت حينما كتب عن المخرج عباس أحمد، ليضعنا أمام وثيقة علمية إبداعية تشتبك مع التاريخ والسياسة والمجتمع، ومع تفاصيل حياة راهب المسرح الذي عاش عشقا ممتدا لهذا الفن.
يتكون الكتاب من جزئين، الأول بعنوان: “الركض في برية الراهب”، وتليه حاشية شديدة الوضوح، أما الجزء الثاني فهو بعنوان: “شباك الإعتراف” وهو عبارة عن شهادات لزملاء الفنان/ عباس أحمد، ثم تأتي بعد ذلك السيرة الذاتية للكاتب، وكذلك ملحق الصور والذي للأسف لم يتضمن مجموعة الصور الخاصة بعروضه الاحترافية المهمة واشتمل فقط على ثماني صور لستة عروض أخرجها لفرق الهواة ومن بينها صورة مكررة !! وعبر هذا الكتاب عرفنا أن المخرج/ عباس أحمد كتب رواية الأوديسة البورسعيدية، ورواية البلط – ملحمة بورسعيد، كما أخرج للثقافة الجماهيرية عروضا ثمينة مثل: السبنسة، عيلة الدوغري، الخطوبة، سكة السلامة، ملك القطن، الاستثناء والقاعدة،  الحصار.
قد يكون هذا الكتاب هو أول كتاب يتحدث عن سيرة الذاتية للمخرج/ عباس أحمد وعن مسيرته الفنية. وإذا كان جوهر التكريم يرتكز علميا على توثيق التجربة الكاملة للفنان فإن هذا الكتاب للأسف لم يذكر القائمة الكاملة لأعمال المخرج/ عباس أحمد بالترتيب الزمني، وكذلك لم يذكر أو يشير إطلاقا إلى مجموعة عروضه في مسرح الدولة، وهذا في الحقيقة يمثل إهدارا لجهودة الفنية وتجاوزا حادا لحقوقه الأدبية.
وأخيرا أؤكد بشدة على أهمية الاعتماد على جهود نخبة المتخصصين وأصحاب الخبرات ليكونوا دائما في صدارة المشهد الثقافي الفني بكل تفاصيله حفاظا على تاريخنا الفني والمسرحي.


وفاء كمالو