رسائل العشاق.. الرومي يشرح للمحبين قواعد للعشق في العصر الحديث

رسائل العشاق.. الرومي يشرح للمحبين قواعد للعشق في العصر الحديث

العدد 645 صدر بتاريخ 6يناير2020

الحب صفاء ونقاء ونماء والعشق انتماء وعطاء. كيف يمارس العشاق عشقهم؟ وكيف يتعامل المحبون مع بعضهم البعض؟ فالشعور وحده لا يكفي, الحب سلوك وممارسة وتفضيل للآخر, الحب هو كيف تحب؟ إن المحبة والتفاهم هي ما تجعلنا بشرا. من يخاف الحب يخاف أن يأتي الربيع.
دروس في ممارسة الحب ومعاملة الحبيب يطرحها علينا عرض “رسائل العشاق” من تـأليف وإخراج وأشعار محمد إبراهيم, والذي عرض على مسرح ميامي من إنتاج المسرح الكوميدي التابع للبيت الفني للمسرح. نحن في رحاب عرض لا درامي فلا يمكن تصنيفه للون معين من الألوان المسرحية الدرامية المعروفة لكنه ينتمي إلى فئة المسرح التعليمي من خلال مجموعة اسكتشات قصيرة تدور كلها في فلك حكايات المحبين  ويربط بينها كلها رابط واحد هو شخصية جلال الدين الرومي الصوفي المعروف والذي اشتهر بوضع قواعد العشق الأربعين في حب الذات الإلهية والتقرب إلى الله. اتخذ العرض تيمة الحديث عن أصول وأساليب الحب والتعامل مع المحبوب عن لسان شخصية جلال الدين الرومي ولكنها كلها لم تكن من أقواله إنما هنا في العرض هي من تأليف وأفكار المخرج ومؤلف العرض محمد إبراهيم. حيث تدور الاسكتشات أو المشاهد التمثيلية القصيرة بين شبان وفتيات توضح كيف تكون تصرفاتهم في حالة العشق وكيف تكون في حالة الحزن أو الغضب أو الغيرة وغيرها من المواقف المتعددة التي يمكن أن يصادفها المحبون في حياتهم معا, كما تنوعت نماذجهم بين زملاء أو مخطوبين أو متزوجين, وبين كل موقف وآخر يتدخل الشيخ جلال الدين الرومي مدليا برأيه في الموقف ومبديا النصيحة ليعرف كل من الشاب والفتاة كيف يتعامل مع الطرف الآخر. وذلك بالتمازج مع مجموعة أغاني ومواويل عن العشق والحب تم أدائها حية على المسرح.
البداية برقصة تعبيرية ثم موال غنائي (يامن يعانق روحي), وبعدها يعتلي المخرج خشبة المسرح ليعلن أننا نسبح في كتاب (فيه ما فيه) لإمام العاشقين جلال الدين الرومي, وأنه يبدأ الفصل الحادي عشر (العشق) مدخل (الحب), ثم مع صوت الناي الحزين يطل علينا جلال الدين الرومي  متحدثا عن دق طبول الحب الذي هو طريق النجاة وهو الحياة مستطردا في وصف الحب. ثم يلجأ إليه الشباب للاستفهام منه عما ينقصهم, وهنا نلحظ الدمج بين استحضار شخصية الرومي من العصر القديم وبين الشباب في العصر الحديث. فيوضح الرومي معاني الحب مؤكدا أن جميع الأديان تدعو إلى الحب. ثم يعرض لنا الموقف الأول بين الفتاة وحبيبها الذي يحاول إثبات رجولته بعلو صوته ومحاولة ضربها فينتقد الرومي ذلك مطالبا إياهم بالتفاهم والبحث عن الجمال الداخلي. ثم يطرح العرض موقف الشاب الذي يتهرب من حبيبته لأنها ثرثارة فيشرح الرومي للشباب قصة حب مي زيادة لجبران خليل جبران. ثم يتعرض لموقف الفتاة التي يحاول حبيبها هجرها دون سبب فتبكي بحرقة حزنا عليه. فيشرح الرومي أن الحب ليس به إذلال إنما هو نور يسمو فوق الجميع. ثم نرى موقف بين الزوجين عندما يعلو صوت الأنثى على زوجها فيطلب منه الرومي أن يضم زوجته في حضنه وليس أن يصرخ فيها. وبعد ذلك يدور مشهد بين اثنين التقيا أولا عبر شبكة الإنترنت حيث دارت بينهما قصة حب على الإنترنت لكنه حينما قابلها مباشرة لم يعجبه شكلها أو ملابسها ولا حجمها فتركها وانصرف وأنهي ما بينهما من علاقة لم تبدأ بعد, فتحزن الفتاة. ثم يعرض لمشاكل المتزوجين ما بين ضيق الزوج من طلبات الزوجة وضيق الزوجة من أسلوب الزوج في التعامل وغيرها من المشكلات اليومية بينهما. ويدور المشهد التالي بين اثنين من المحبين بالشارع يمارسون الحب وبهجة الحياة مقارنة باثنين من المتزوجين الذين يسيرون متنافرين. حتى يوضح الرومي أن المحب لا يشعر بوجود الغرباء وأنه مقيد بمحبوبه فقط. ومن العصر الحديث أيضا يعرض الموقف التالي للشاب الذي يجلس بجوار حبيبته منشغلا بهاتفه المحمول ويهملها تماما فيقول الرومي ناصحا لا تصمت في حضرة محبوبك. وبعد ذلك نرى الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بلا داع, ثم يعرض نموذج الزوج البخيل, ثم الفتاة التي يحاول أهلها إجبارها على الزواج من غير حبيبها وتطلب منه الهرب معها والزواج منها فتظهر خسته معها ويرفض لأنه كان طامعا في مساعدة أهلها له. فيعلق الرومي على خيبة الأمل في الحب. وينتهي العرض بجملة أنا أحبك وأغنية رسايل العشاق.
 العرض كما قلنا لا درامي فلن نبحث له عن نهاية درامية ولكنه حالة من الحب والعشق نسجها محمد إبراهيم من تأليفه واشعاره محاولا صبغها بصبغة المسرح, رغم اختلافها وتميزها إلا أنها افتقدت للتشويق الدرامي وشابها الإطالة في فترات متعددة التي تحتاج إلى الاختصار لاسيما في الأوفرتير حيث يبدأ بالتعبير الحركي ثم الغناء لفترة تزيد عن عشر دقائق دون حدث مما يصيب المتلقي بالملل. وهذا الشكل التسجيلي ليس جديدا ولكنه كثيرا ما يتم توظيفه في عروض المناسبات لاسيما الدينية والقومية حيث يختلط الشعر بالغناء بالإرشاد مع بعض المشاهد التمثيلية القصيرة, وقد حاول العرض هنا دمج الماضي بالحاضر في تلك المشاهد مستعرضا المشاكل العصرية والمواقف التي يتعرض لها المحبون والعشاق مستخدما لغة العصر مثل الموبايل. وقد أتقن صنع هذا المزيج دون تكلف ودون استغراب لكن المواقف التمثيلية نفسها كانت بحاجة لتعميق لغة الحوار بشكل أكثر تأثيرا. وهي مواقف واقعية اجتماعية تحدث بالفعل في حياتنا. وقد تناولها بعض الممثلين بخفة ظل كوميدية ذكرتنا في أحيان قليلة بأننا في نجلس في عرض من إنتاج المسرح الكوميدي.
الديكور الذي صممته هبة عبد الحميد بسيط ويتناسب مع طبيعة العرض وموضوعه, عبارة عن بانوهات جانبية وخلفية بها بعض الموتيفات والفتحات الدائرية والمنحنية وقد اكتسي كله باللون الروز الفاتح مناسبة مع تيمة العشق والحب. والملابس أيضا لهبة عبد الحميد وقد تم الدمج بين الملابس الصوفية للرومي والملابس العصرية للشباب في زي موحد مزيج بين اللونين الأبيض والأسود حيث كان كل منهم يقوم بأداء عدة شخصيات مختلفة لكن الكل يجمعه ثيمة واحدة وهي حالة الحب ومشكلاته. وقد صاحب ذلك إضاءة تقليدية متناسبة مع المواقف الدرامية باستخدام اللونين الأخضر والأزرق في المواقف الحالمة والمحملة بالأمل وتوظيف اللون الأحمر في اللحظات الخاصة التي تحمل أزمات بين الطرفين. ومن مميزات العرض الأغاني التي صاغها محمد إبراهيم ولحنها وغناها علي الهلباوي بصوت شجي وممتع سلب المشاعر والأسماع. كما كانت الرقصات التي صممها مناضل عنتر معبرة وجيدة.
وبقي الأداء التمثيلي بقيادة النجم المخضرم مفيد عاشور في دور جلال الدين الرومي حيث تمتع بالخبرة والرصانة التي يتعلم منها كل من حوله فكان خير اختيار في دور المعلم الناصح المشبع بخبرة السنين وتعاليم الحياة في العشق والحب. حيث قاد مجموعة من الشباب الذين أجادوا أدوارهم في حدود خبرتهم وهم في أول الطريق وأمامهم الكثير من التدريب والصقل في الأعمال القادمة وهم عبد الله صابر ولمى كتكت وسهر رضا ويارا المليجي وآسر علي وجورج أشرف وزينب العبد.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏