عصرنة هاملت شكسبير فى عرض هاملت بالمقلوب

عصرنة هاملت شكسبير فى عرض هاملت بالمقلوب

العدد 762 صدر بتاريخ 4أبريل2022

تتعدد النظريات السيكولوجية في تفسير “ الشخصية “، وكثرة عددها قد لا تشكل مفارقة، ولكن المفارقة هي انك حين تقرأ نظرية منها تقتنع بها، فانك ما أن تنتقل إلى نظرية أخرى مناقضة لها حتى تقتنع بالأخرى المناقضة لها...
أفيكون الإنسان هو ملتقى كل التناقضات ؟! لقد فعل ذلك شكسبير في هاملت .و شكسبير ـ هذا العقل الحاذق المبدع ـ سبق علماء النفس في طرحه لمفهوم أن “الشخصية“ لا يمكن تفسيرها بنظرية سيكولوجية واحدة. ولهذا يمكن القول إن أحد أسباب خلود شكسبير هو مسرحيته “هاملت“. وأن أحد أسباب خلود مسرحيته هذه هو قدرة شخصية هاملت على استيعاب عدد قد لاينتهي من التفسيرات المتشابهة ضمن سياق فكري واحد، والمتباينة في سياقات فكرية مختلفة. فمسرحية “هاملت“ ــ كما يصفها الشاعر والناقد وأستاذ الأدب البولندي، جون كوت - أشبه بأسفنجة من شأنها إن تتشرب كل مشاكل عصرنا .
من هذا المنطلق كتب د.سامح مهران نصه الجديد (هاملت بالمقلوب)محيلا تلك التناقضات الحادة، وخلخة الثوابت التى تحيط بنا فى كل مكان، إلى الغرب المتغطرس الذى يفعل كل الموبقات والتسلط والاستبداد على العالم الثالث، أو ما اطلق هو هذا المسمى عليه ..فى حين يتغنون بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان..مجسدا الكاتب نصا دستوبياً، إذ يرى أن كل هذا التردى الذى تفشى فى العالم هو بفعل العولمة.
فى نص مهران؛ نجد الشر يسود، نعم فلم ينج احدا من ابطال العرض حتى “الخيريين” فى نص شكسبير، كاهاملت، واوفيليا، والأم/الملكة جرترود على نحو ما، كلهم ألبسهم الكاتب عباءة الشر، ولكن بشكل مخاتل لنا، اذ نرى هاملت متجنى عليه، يَحمل  هموم الشعب، ونراه مبشرا بالثورة، يدافع عنه شباب متعطشون للحرية والعدالة، ويطالبون باخرجه من مستشفى الامراض العقلية، فييتظاهرون، وبالفعل يتم اخراجه، ولكن سرعان ما يتحول إلى شخصية مراوغة وتتلبسه روح دعاة التدين والخير مرتديا مسوح الرهبان  .
أوفيليا تظهر معادية لهاملت وتحرض عليه، ثم فى صورة عاهرة، ثم متآمرة مع الاب بولونيويس الذى اظهره الكاتب فى صورة رجل الدين/القس، الذى يتآمر  للتخلص من الملكة واعلان زواج ابنته أوفيليا من الملك كلوديوس الملكة جرترود التى تجادل ابنها وتواجهه كأنه عدو وليس ابنا لها، وتظهر فى صورة امرأة لعوب قاسية، ثم نجدها فى ثوب ضحية ورمز للمدينة أو الوطن، الذى يُقطِّع اوصاله عدة ايدى آثمة، ويتم ذبحها..هذه المخاتلة أحدثت نوعا من التشوش فى التلقى، ورغم اننا نعرف أن من الخطأ أن نملى على الكاتب ما كان عليه تناوله، او وجهة نظرنا، ولكن ربما يكون مباحا أن نتساءل لماذا لم يَثْبُتّ هاملت على إخلاصه وثوريته ؟ فى تصريح للكاتب ينفى أن يكون هناك اى انسان ثابتا على موقف، أو مبدأ ؟ ولم اتفق معه، وربما لا يتفق معه الكثيرون .
العرض بدأ بهلاوس وكوابيس هاملت وهو نزيلا بمستشفى الامراض العقلية، وانتهى به فى المستشفى ذاتها، وبين البداية والنهاية، تحدث أحداثا تجسد دستوبيا العصر؛؛ فنجد مؤامرات، وقتل، واتهامات باطلة، وتحولات فى الشخصيات، وتتجسد العلاقة الخالدة بين الدين أو بالأحرى رجال الدين والسلطة، وإظهار رجل الدين/القس، متآمرا، ومنافقا، بل ويصل لحد أن يأمر بالقتل ..واختزل الكاتب سامح مهران شخصيات هاملت شكسبير، إلى خمس أشخاص (هاملت، أوفيليا، جرتود، كلوديوس، وبولونيوس) ورغم ظهور هوراشيو فى بداية العرض فى مشهد ظهرا فيه باهتا، وكذا روزنكرانتس وجيلدنشترين، أصدقاء هاملت الخائنين فى هاملت شكسبير، نراهم هنا مخلصين، ومدعمين لهاملت، فيتم التآمر عليهما من قبل الملك كولوديوس والقس بولونيوس.
ويتناول مهران لغة العصر/مواقع التواصل الاجتماعى، للايقاع بهما ومن ثم الإيقاع بهاملت ..فكان ظهورهما باهتا ايضا، وان كان له تأثير فى سير الاحداث .
اجتهد المخرج مازن الغرباوى فى تجسيد هذه الاحداث متوسلا بعدد من التقنيات . إذ نرى  شبح والد هاملت بشكل غير تقليدي، والذي يظهر لأول مرة بتقنية (هولوجرام)”قدمه الفنان المبدع خالد الصاوى، ولكن للأسف لم تكن كلماته واضحة ..ولكن ظهور خالد يُحسب للمخرج الذى استعان به، فكان موفقا جدا .
الاضاءة وتشكيل الفراغ (السينوجرافيا)خدم المخرج فى تقديم رؤيته الذى اجتهد فى تجسيد نص سامح مهران .
تم تقسيم المسرح إلى مستويين، فى المستوى الاول تم تقسيمه إلى قسمين، وضع على القسم الأيمن موتيفات على شكل عيون، قد تحيل إلى رمز الماسونية العالمية، وبجوارها دمية لفتاة فى وضع مقلوب، والقسم الأيسر تم رشقه ايضا بعيون/ رمز أو شعار الماسونية، وفى الوسط فى عمق خشبة المسرح ثلاث ابواب تفضى إلى ما يريد المخرج  لشخوص عرضه، تارة إلى القصر، وتارة إلى مستشفى الأمراض العقلية. ولعبت اضاءة الأبواب والموتيفات دورا فى تجسيد الجو العام للعرض، من غموض ووحشة . واستعاض المخرج عن مشهد حفار القبور، بتلك الجماجم التى ظهرت من خلال الصناديق المتحركة ..كما جسد مشهد التآمر على هاملت، بين كلوديوس وبولونيوس ببراعة، حين جعل افراد النظام يجلسون على مائدة كبيرة، ويضعون على وجوههم ماسكات، ولا ينبس أى منهم بكلمة، فقط الملك/ممثل السلطة السياسية، والقس/ممثل السلطة الدينية، ليؤكد على هذا التزاوج الازلى فى النظم الديكتاتورية المستبدة . 
 الموسيقى لعبت دورا مهما فى العرض، تارة تعبر عن الاحداث، واخرى تعلق عليها، فكانت موظفة بشكل جيد .
 ‏اجتهد عمرو القاضى فى تجسيد شخصية هاملت فى حدود الدور المرسوم له من قبل المخرج، وكانت احيانا بعض الجمل لا تصل إلى المتلقين، ربما عيب تقنى، ولكنه استطاع أن يعبر بجسده اكثر من اخراج مكنون الشخصية، اما خالد محمود فقد برع فى تأدية شخصية القس بولونيوس، استطاع أن يجسد مكر ودهاء رجل الدين المنافق والمتآمر ببراعة، صوتا واداءً، وتميز ايمن الشيوى فى تجسيد شخصية الملك كلوديوس على مستوى الأداء  وسلاسة التعبير عن ابعاد الشخصية .
 ‏والتزمت كل من سمر جابر فى دور أوفيليا ونهاد سعيد فى دور جرترود بنعليمات المخرج، دون الغوص فى اعماق الشخصيات، وسبر اغوارها، ربما لقصر دورهما، فلم تظهر كل منهما الا فى مشهدين لاغير . الا أن نهاد سعيد حاولت الاجتهاد فى مشهدها الاخير قبل الذبح، وهى تنعى وطنها، وتمثله فى آن .
 ‏كان لمحمد خيام حضور جيد فى مشهد الطبيب الذى لعبه بمهارة واقتدار .
كان للفنان خالد الصاوى حضور خاص فى مشاركته الصوتية بالشاشة التى ظهر بها خلال الأحداث فى دور شبح الأب
الملابس التى صممتها  مروة عودة أضفت واضافت فى صناعة الصورة سواء ملابس ابطال العرض، أو الملابس الخاصة بالمجاميع .
بقى أن نحى كل المساهمين بالعرص ونهمس فى اذن المخرج مازن الغرباوى الذى قاد وقام بتأليف العرض المسرحى، ، ينقص الممثلون وبشكل كبير المزيد من التدريب على إتقان إلقاء الكلام ومخارج الألفاظ، فهناك الكثير من الجمل التى لم تكن واضحة ربما لسرعة الإلقاء . 
 العرض تأليف سامح مهران، ديكور وإضاءة صبحى السيد، أزياء مروة عودة، موسيقى طارق مهران، فيديو مابينج رضا صلاح. ‏


فاتن محمد علي