تجربة عمرها ثلاثون عاما.. مشروع الإبداع المسرحي الجماعي.. وتنشيط مسرح القرى

تجربة عمرها ثلاثون عاما..  مشروع الإبداع المسرحي الجماعي.. وتنشيط مسرح القرى

العدد 727 صدر بتاريخ 2أغسطس2021

الإبداع الجماعي كمنهج في العمل المسرحي ليس جديدا على الحركة المسرحية المعاصرة عالمية كانت أو عربية، ومن التجارب المهمة في هذا الصدد في فترة الثمانينيات، “مشروع المسرح الجماعي” الذي أشرف عليه المخرج المسرحي المتميزة “أحمد إسماعيل” واشتركت فيه مجموعة من الفرق المسرحية من محافظات مصر المختلفة، منها فرقة “قرية شما” بعرض “الفأس والشمروخ” وفرقة “جوقة الشرابية” بعرض “شرابية المخطية” الصياغة الدرامية لسعيد حجاج وإخراج فكري سليم، وفرقة “باب الشعرية” بعرض “باب الجدعنة” إخراج كمال السيد وفرقة “قصر ثقافة الريحاني” بعرض “مقابر الصدقة” إخراج حسين عبده، وفرقة “الماي” بعرض “الماي 86” إخراج عزت عاشور والماي إحدى قرى “محافظة المنوفية” وتحديدا مركز شبين الكوم، وفرقة “شبرا بخوم” بعرض “سهرة ريفية” تأليف وإخراج أحمد إسماعيل.
وقد كتب المشروع بشكله الأول المخرج أحمد إسماعيل في ديسمبر (1984)، واعتمد على ثلاث محاور، الأول الجانب النظري، والثاني الخطوط العملية، أما الجانب الأول وهو الإطار النظري فقد جاء في صورة بيان تأسيسي للفكرة ينظر إلى المسرح باعتباره عملية اجتماعية نوعية في الأساس، وإن كان عمليات الإلحاق التقني والمادي التي واكبته على مدار التاريخ لا تستطيع أن تنال من هذه الحقيقة ولا أن تصمد بديلا عن جوهره الاجتماعي الحي.
وهي نظرة ـ على ما أعتقد ـ تعود بالمسرح إلى عصور ازدهار حيث يصبح له وظيفة اجتماعية تواجه وتحث وتثير في نفس المشاهد الطاقة الكامنة للرؤية لاستخلاص نتائج منطقية أحيانا ولا منطقية في أحيان كثيرة في محاولة لفض الالتباس الوجود الإنساني، وتأكيدا لماهية هذا الوجود، بعيدا عن الطابع الاستهلاكي والاستفزازي الذي فرضته ما يمكن أن يسمى بـ”سنوات المسرح التجاري” التي أخذت الكثير من القيم المسرحية العريقة التي بني على أساسها هذا الفن الرفيع الذي واكب التطور البشري وارتبط بكل ما هو إنساني وقيمي، وكان ـ دائما ـ أداة للكشف والرصد والتحليل والبحث عن مكنونات النفس في بساطتها وتشابكاتها الداخلية والظاهرية.
بالإضافة إلى ذلك فإن ما طرحته الفكرة حول انفصال مسرح العاصمة عن الجمهور وخلو المدن الصغرى والقرى من الفرق المسرحية، والبحث عن بدائل إيجابية لتطوير فكرة مسرح القرية، أو بمعنى أدق “المسرح الشعبي” أمر غاية في الأهمية، ويعني ضرورة نزول المسرح إلى مناطق جديدة ومغايرة بعيدا عن ممارسات المركزية الثقافية ـ التي أضعفت الإبداع بصفة عامة وليس المسرح فقط ـ وأوجدت مسميات أيديولوجية في الأساس “كأدباء الأقاليم” و”فناني الأقاليم” وغيرها من المسميات التي تخدم ـ في الأساس ـ توجهات النخبة الاجتماعية والسياسية والثقافية وقد عاد هذا ـ بطبيعة الحال ـ بالسلب على الفن ـ بصفة عامة ـ في محافظات مصر المختلفة، من خلال ضعف طرق الأداء الفني والنص الأدبي المكتوب، نظرا لضعف الإمكانيات المادية من ناحية ومن ناحية أخرى لندرة الاحتكاك الثقافي الذي تنتج عنه تجارب ثقافية أكثر عمقا وتأثيرا.
جمع ميداني
ويكاد المشهد المسرحي في أقاليم مصر أن يكون غائبا بالمرة ـ اللهم إلا محاولات نادرة لبعض مخرجي وفناني العاصمة الذين يحنون إلى أماكنهم الأولى، وهو ما فعله “أحمد إسماعيل” عن وعي تام بالتجربة فقد جاء بثلاث فرق من محافظته التي ولد فيها “المنوفية” وهي “شما والماي وشبرابخوم” لتقديم تجارب مسرحية تتسم بطزاجة الرؤية، فضلا عن إقامة ورش عمل مسرحية تقوم على جمع المأثورات الشعبية والجمع الميداني لمظاهر الاحتفالات والطقوس الدينية والشعبية في دائرة كل موقع وعلى امتداد عدة شهور، فقد انصبت جهود كل فرقة في كتابة نص مسرحي أولى يتخلق من المشكلات الواقعية واستلهام أشكال الاستجابة الحية والتاريخية التي قدمها ويقدمها الشعب في مفهوم المشكلات ومواجهتها.
وعلى حد تعبير “أحمد إسماعيل”، فقد “وضعت هذه الطريقة الأشكال المسرحية التقليدية في موقف صعب، وبالمثل فإن محاولات التجديد تعرضت هي الأخرى لامتحان حقيقي في إثبات ضرورتها وشرعيتها الفنية”.
وقد رأينا أنه خلال شهور قليلة تمكنت الفرق الست المشاركة في المشروع من وضع يدها على مشروعها المسرحي الخاص، بعد أن تبلورت ملامحه ومشاهده وأبطاله وبعد أن شرع أقدر الأعضاء في كل فرقة في صياغة نص مكتوب مستلهما مساهمات الأعضاء الآخرين، وأخذ مخرج الفرقة في اكتشاف وتنفيذ خطة الإخراج وتحديد مساعديه وأدواته.
يضاف إلى هذا الجهد المناقشات الجادة التي دارت حول بلورة فكرة هذا المشروع وشارك فيه مجموعة من المسرحيين الهواة ـ في ذلك الوقت ـ أمثال “بهائي الميراغني وعبير علي وحسن عبده ورءوف جمعة وسهام إسماعيل ومحمد عزت ونهاد أبو العينين ويوسف إسماعيل” وقد ساهمت هذه المناقشات في تطوير الملامح العامة للمشروع، وأسفرت عن قيام المخرج بهائي الميرغني بإعداد دراسة نظرية ناقش ـ خلالها ـ مفهوم الإبداع المسرحي الجماعي في مصر في إطار النموذج التجريبي للمسرح العربي.


عيد عبد الحليم