مســـرح حـــــازم شحاتة

مســـرح حـــــازم شحاتة

العدد 732 صدر بتاريخ 6سبتمبر2021

ينتمي حازم شحاتة إلى “برج الجوزاء” فهو من مواليد 1/6/1959، وهو من الأبراج النارية التي يتسم من ينتسبون إليها بالعبقرية والذكاء الحاد والتقلبات العاصفة في الحياة والفكر والاقتحام والمواجهة بالإضافة إلى صدق العاطفة، وكل هذا الصفات وغيرها تجسدت في شخصيته التي شهدت تحولات نوعية بداية من تخرجه في قسم الهندسة بالكلية الفنية العسكرية عام (1978) وحصوله على درجة البكالوريوس إلا أنه اختار طريقا آخر أحبه وعشقه وضحى بالكثير من أجله وهو المسرح، ولذلك نراه يلتحق بقيم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة والتي تخرج فيها عام (1990) بتقدير جيد جدا، ليستكمل مشواره الأكاديمي ويحصل بعد ذلك بعدة أعوام على درجة الماجستير برسالة تحت عنوان “الفعل المسرحي في نصوص ميخائيل رومان” والتي أشرف عليها د. جابر عصفور ود. هدى وصفي وناقشها د. عبدالمنعم تليمة ود. صلاح فضل وقد حاز البحث على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف من الدرجة الأولى مع التوصية بطبع الرسالة والتي طبعت بالفعل في الهيئة العامة للكتاب. مرتين الأولى عام (1998) والثانية ضمن مطبوعات مكتبة الأسرة لكن لماذا اختار “حازم شحاتة” “ميخائيل رومان” بالذات كمادة للدراسة؟.
على ما اعتقد فإن “حازم” كان من المؤمنين بضرورة التقنية المسرحية ـ باعتبارها عنصرا جماليا واجتماعيا في آن، فهي عنصر من عناصر إنتاج النص بالإضافة إلى كونها عنصرا من عناصر تلقيه أيضا، فإحداث الاستجابة كما يرمي إليها النص المسرحي لن تتحقق إلا بوجود أساس اجتماعي للتقنية يولد مساحة مشتركة بينها وبين الجمهور.
وفي خاصية اقتربت منها تجربة “رومان” (1922ـ 1973) لذلك حاول من خلال دراسته عنه والتي تعد أهم ما كتب عن هذا الرائد المسرحي أن يكتشف خبايا اللغة في نصوصه وأنظمتها الرؤيوية على اعتبار “أن النص المسرحي تنظيم لغوي يسعى لصنع تقنيات مرئية ومسموعة سوف تعرض تلقى شفاهة أمام متفرج حاضر “الآن” و”هنا” وأن النص المسرحي يكتب كي يكون منتجا لصورة بصرية مسموعة وأن هذه هي خصيصته الأساسية التي لا غنى عنها”(1)
لقد دخل “حازم شحاتة” إلى عالم “ميخائيل رومان” بمقولة “أرسطو” ربما قد يراها البعض كلاسيكية لكنها ـ وللحق ـ مازالت مشاركة وبقوة في عملية إنتاج النص المسرحي وهي “الدراما تمثل أشخاصا في حالة الفعل” ولذلك صاغ “شحاتة” مصطلحا خاصا به مفاده أن “فضاء النص يتشكل وفقا لفضاء العرض المسرحي فالكاتب يضع نفسه موضع المتفرج حتى لا يغيب عنه شيء من طبيعة النص المسرحي”.
وهي رؤية تذكرنا بمنهج “أنطوان” رائد المسرح الحر في باريس في أواخر القرن التاسع والذي كان يعتقد أن المشهد يجب أن يصمم في الذهن بحوائطه الأربعة دون اهتمام بالحائط الرابع الذي ينزاح فيما بعد كي يتيح للمشاهد النظر إلى ما يحدث”(2)
وإن جاءت رؤية “حازم” مختلفة نسبيا بما يتناسب مع المنهج الحداثي حول نظرية المسرح حيث كان يرى ضرورة إدخال التنقية التكنولوجية والتي هي بطبيعة الحال نتاج تغير اجتماعي بالأساس، وهي عامل مساعد على إيجاد نوع من “المسرحة” تربط الكاتب المسرحي بجمهوره وقد استفاد ـ كثيرا في هذه النقطة من مقدمة “يوسف إدريس” لمسرحيته “الفرافير” والتي قدمها المسرح المصري في نهاية الستينيات وكان يهدف في مقدمته إلى إيجاد صيغة خاصة بالمسرح العربي تعتمد على آليات الفرجة الشعبية.
وإذا كان المسرح الإليزابيثي التقليدي يقوم على فكرة “النص المهيمن بحيث يصبح الحوار الذي كتبه المؤلف هو كل العرض وما عداه من طرق الأداء تابع له لذلك رأينا “أرسطو” ـ مثلا ـ يقول: “إن التراجيديا لا تتوقف على التمثيل أو على الممثلين”(3).
فإنما “حازم شحاتة” يختلف مع هذه المقولة مؤكدا أن “النص المكتوب هو مرحلة من مراحل فن المسرح تسبق العرض المسرحي فهو أحد مكونات العرض، وهو يحاول أن يصف تقنيات الخشبة من أجل أن يقرأها مخرج وممثل ومجموعة ممارسي العرض المسرحي لتتحول إلى لغة أخرى من لغات التواصل مع المتفرج: حركة، انفعال، إيماءة، إضاءة، منظر مسرحي، هذا بالإضافة إلى حوار الشخصيات الذي راعي فيه أن يلقي شفاهة أمام المتفرج، لذلك يدخل فيه علاقة المؤلف بجمهوره.
فالحالة المسرحية والتي شهدت تحولات عاصفة في النصف الثاني من القرن العشرين باتت تستلزم البحث عن آليات مغايرة تضع في اعتبارها الوسيط المعرفي، والتقني والذي لابد وأن يقع في مخيلة الكاتب لحظة الكتابة وما يسبقها من عملية التحضير “فالتحضير ماثل في أية لحظة أمام المؤلف أثناء الكتابة” فالمؤلف العصري قد نزل من برجه العاجي ليصبح مفردة من مفردات العرض المسرحي وليس كل العرض، فما يسرده هو مجرد اقتراح مكتوب يتلقاه مبدعون آخرون” وقد صدقت “آن هولبرين” حين قالت “لقد أصبحت أرى الفنان في ضوء جديد وإنه لم يعد تلك الشخصية البطولية المتفردة لكنه بالأحرى دليل ومرشد يثير الفن الذي بداخلنا وهذا هو المدلول الحقيقي والصحيح للمسرح الخصيب”(5)
ولأن الخطاب المسرحي الحديث المعتمد على أنماط تجريبية أصبح ابن اللحظة الراهنة فلابد من أن يعتمد على خبرات بصرية وسمعية أكثر من الخبرات اللفظية، وبالتالي نرى كثيرا من الفرق العالمية ـ الآن ـ تتحاشى الصياغات اللفظية المثقفة وتخاطب شعور المتفرج حيث يكون المسرح مثار انفعال حقيقي للجمهور أو على حد تعبير جوليان “يحس بالألم وهو في احتفال عام” فإن هذا فقط يصبح طريقنا لمعاونته على العودة لمشاعره الحقيقة”.
لقد باتت اللحظة الراهنة تتطلب مسرحا “يتحدث إلى الإنسان في شموله حياته كما قال “بيتر بروك، وربما ذلك هو الذي جعل “حازم شحاتة” يرى أن كل شيء على خشبة المسرح لا يمثل نفسه وإنما يمثل شيئا آخر غير نفسه وعلى النص أن يكون قادرا على تنظيم الأشياء كي تظهر على خشبة المسرح أمام الجمهور، وهي تمثل شيئا آخر غير نفسها أي يكون قادرا على إنتاج فعل مسرحي وليس فعلا أدبيا فقط”.
وقد تعددت الأنشطة النقدية التي قام به “حازم شحاتة” والتي تفرعت إلى عدة اتجاهات منها:
1 ـ اهتمامه بالمسرح الإقليمي ودعوته إلى النهوض بالحركة المسرحية في أقاليم مصر المختلفة من خلال توفير المناخ اللازم والإمكانيات المادية وتشجيع المواهب الجديدة وإلغاء فكرة المركزية في الأداء.
2 ـ مشاركته الفاعلة في إحياء حركة المسرح الحر وحيث كان من أوائل من وقفوا بجانبها وكان أحد المؤسسين والمنظرين لها مع بدايتها الجديدة في عام (1990).
3 ـ اهتمامه بضرورة إيجاد صيغة لتضفير العرض المسرحي بالتقنيات الحديثة وليس أدل على ذلك من أن رسالته للدكتوراه والتي سجلها عام (2001) كانت تحت عنوان “وظائف التقنيات المسرحية في نص الستينيات” بالإضافة إلى ذلك محاولته الدؤوبة في الفترة الأخيرة من حياته إلى إنشاء موقع خاص للمسرح المصري على شبكة الإنترنت من خلال المركز القومي للمسرح والفنون الشعبية برئاسة د. “سامح مهران”، وقد بدأ بالفعل بتأسيس مجلة الكترونية تحت عنوان “المسرح المصري” وكان يتمنى أن تتسع الدائرة لإنشاء شبكة خاصة للفرق المسرحية في مصر تهتم بعروضها وتقديم الدعم المادي والفني لها، مثلما يحدث في أمريكا وفي دول العالم الأخرى ويكون أحد أولويات عملها إيجاد نوع من التواصل بين هذه الفرق وبين المنظمات الدولية.
وفي مجال التأليف المسرحي قدم “حازم شحاتة” عملين هما “حكاية ناس النهر” وعرض على مسرح الطليعة عام (2000)، و”نوبة دوت كوم” وعرضت بمدينة النوبة بأسوان عام (2003) والعملان من إخراج ناصر عبدالمنعم.
كما قدم للمسرح المدرسي مجموعة من المسرحيات منها” هذا كل ما في الأمر” و”السيف الذهبي” و”حكاية لم تنته بعد”.
هذا بجوار عمله الأكاديمي في جامعة حلوان في الفترة ما بين أعوام (1998 ـ 2002) والجامعة الأمريكية (2003)، بالإضافة إلى كتاباته النقدية في مجموعة من الجرائد المصرية والعربية مثل”الأهالي” و”مجلة المسرح” والتي تولى إدارة تحريرها في أواخر التسعينيات وتأسيسه للقسم الثقافي بجريدة “الشرق” القطرية والتي عمل بها أثناء إقامته في قطر في الفترة ما بين (1987 ـ 1998).
وإذا كان هو القائل: “إن الكاتب المسرحي أو المخرج يتحرك في المساحة التي تحددها ثقافته وخبرته وقدرته على الإبداع” نقول له هنا ـ في مشهد النهاية ـ لقد أعطيتنا مساحة لنتأمل نظرية خاصة في المسرح تحتاج منا إلى دراسات معمقة.

هوامش:
1 ـ الفعل المسرحي في نصوص ميخائيل رومان ـ حازم شحاتة ـ الهيئة العامة للكتاب ـ2005ـ ص 7.
2 ـ المسرح التجريبي من ستانسلافكي إلى اليوم تأليف “جيمس روس ايفاز” ترجمة فاروق عبدالقادر ـ دار الفكر المعاصر ـ القاهرة 1979 ـ ص 20.
3 ـ أرسطو طاليس في الشعر تحقيق وترجمة شكري محمد عياد ـ دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ـ القاهرة 1967.
4ـ الفعل المسرحي مرجع سابق ص 27.
5 ـ المسرح التجريبي مرجع سابق ص 104.


عيد عبد الحليم