«مش روميو وجوليت».. فكر ومتعة على المسرح القومي

«مش روميو وجوليت»..  فكر ومتعة على المسرح القومي

العدد 880 صدر بتاريخ 8يوليو2024

«مش روميو و جولييت» هو عرض مسرحي موسيقي من فكرة وإعداد مخرجه عصام السيد ، شاركه في كتابتة  محمد السوري وصاغة شعرا أمين حداد. العرض عن قضية شائكة يُحذَر دائمًا الخوض فيها، ممثلة في مدرسة مسلمة ومدرس مسيحي يتهمان زورا من قبل مشعلي الفتن والحرائق بأنهما على علاقة غير شرعية وقد نجح عصام السيد أن يجمع هذه التفاصيل في لوحة رائعة يمكن وصفها بأوبرا شعبية عززت مشاعر الحب والصداقة. مؤكدا على العلاقة التي يجب أن تتواجد بين الطلاب بعضهم ببعض وبينهم والمدرسين ومن بعدهم المجتمع كله رافضا التفرقة والحكم على  البشر على أساس طائفي. 
مدرسة ومدرس وضعتهم الشائعات في مواجهة مع الكراهية والضغينة في نفوس البشر. اثنان لم يجمعهما سوى الصداقة والحب والوئام والجيرة في حي شبرا المعروف بأن كل الناس فيه أخوة بمختلف دياناتهم وفئاتهم الاجتماعية والعمرية. وجدوا فجأة أنفسهم متهمين أمام طلابهم بأنهم على علاقة حب كروميو وجوليت. تناولتهما سهام الظن السيء ورؤى العيون القبيحة، مما أدى لانقسام طلاب المدرسة لفريقين بعد أن كانوا فريقًا واحدًا من الأخوة والأصدقاء. فريقان متفوقان دراسيًا أذكياء، لكن السوسة التي خلقها المكر السيء بدأت تنهش في أفكارهم وقلوبهم وتقنعهم بأنهم فريقين لا فريق واحد لابد أن ينتصر أحدهما، فسنوا سيوفهم للنيل من بعضهم.
وفي وسط كل هذا التوتر والقلق، يظهر المدير الحكيم ويقول لنا: الحل هو المسرحية. ويقترح عمل مسرحية تعيد لم شمل أسرة المدرسة مرة أخرى، ولم يجد أفضل من رائعة شكسبير «روميو وجوليت» لحلها. تبدأ البروفات وتبدأ معها رحلة استعادة الطلاب، وليس هم فقط، بل حتى مدرس الدروس الخصوصية المستغل «إبراهيم»، والذي يجسده الممثل آسر علي، وكذلك المدرس الزميل الذي يبحث عن الفتيل دائمًا ليشعله، والمُدرسة التي تحاول سكب البنزين على النار كلما اقتربت من الانطفاء. جميعهم بدأوا في التغيير بعد أن حاولوا منع المسرحية. وسرعان ما تتلاشى الكراهية ويعود الوئام بعد حريق المدرسة، الذي سعى لإخماده كل طالب ومدرس دون أن يفكروا في أنفسهم. ألقوا بأنفسهم جميعًا يدًا واحدة أخمدت النيران، تاركين الأنانية والاستغلال وإشعال الفتيل كما خمدت النيران التي كادت تلتهم «اللي مش روميو ولا جوليت» «يوسف وزهرة».
الديكور خلق أجواء عززت التجربة. فقد صمم بشكل ذكي لتحويل المسرح إلى بيئات متنوعة ومتعددة (من المدرسة إلى مكتب المدير إلى الفصل الدراسي إلى الشارع إلى حي شبرا) مما يعكس واقع الحياة المعاشة. كذلك علقت على الجدران صور لشخصيات بارزة في العلوم والأدب، في إشارة إلى أن هذا هو تاريخنا العلمي والثقافي وهؤلاء من يجب أن نحتذي بهم ومن يجب أن يكونوا قدوة لشبابنا. حتى الألوان المستخدمة في الديكور نفسه كانت توحي بالعمق أحيانًا وبالحب والتفاؤل أحيانًا أخرى. واستخدام الألوان الزاهية والحيوية في الملابس أضفى حالة من التفاؤل والشباب. وحتى في مشاهد الفوضى، كان استخدام الملابس معبرًا، فتأتي أحيانًا الملابس غير مرتبة لتعبر عن الفوضى والصراع بين الطلاب. كما أن اللون الأبيض الذي استخدم في ملابس البرو?ة بين «روميو وجوليت» كان يعبر عن حالة النقاء والتغير الذي حدث داخليا للشخصيات «علي وزميلته»،أو يمكن القول العودة لحالتهم الأولى قبل أن تتمكن منهم الفتنة. أما الاستعراضات التي صممتها شيرين حجازي كانت متناغمة مع الحوار الغنائي والأداء التمثيلي، وقدمها كل الممثلين باحترافية.
ستفاجئنا رانيا فريد شوقي في دور المدرسة «زهرة» بحب خشبة المسرح لها وقبولها. ففكرة أن الحوار غنائي في حد ذاتها يزيد الأداء صعوبة، لكن رانيا أثبتت أنها ممثلة قادرة، تتحرك بسهولة وعذوبة شديدين، مستخدمة أدواتها الداخلية والخارجية بإتقان،مقدمة أداءً غنائيًا متميزًا رغم أنها ليست مغنية.
قدم لنا الفنان الكبير علي الحجار دور يوسف، المدرس الواعي الذي طالته الشائعات، فيواجه صراعًا إنسانيًا وعاطفيًا مع طلابه وزميلته المدرسة زهرة، محاولًا حل الأمر دون الوقوع في فخ الكراهية والتفرقة والعداوة، بعيدًا عن فكرة تعنيف الطلاب. نقل لنا معاناته مع الطلاب ومحاولته أن يشرح لهم من خلال مسرحية روميو وجوليت معنى الحب والصداقة والفرق بين الحب والإعجاب، ونجح في النهاية في تحقيق هدفه. كان رمزًا للصمود عندما وجد زميلته وجارته زهرة قد رضخت للشائعات وحاولت تغيير معاملتها له. تجلت قدراته في انتقاله وتحركه بسلاسة خلال المشاهد من الغناء إلى التمثيل، مما منح الشخصية حياة نابضة على خشبة المسرح. على الرغم من أن البعض ربما قد يرى أن التركيبة الجسدية والشكلية له تجعل من قيامه بدور المدرس أمرًا غير مناسب، إلا أن الحقيقة أن اختياره كان مناسبًا. كان لابد من توظيف ممثل بشخصية وبنية جسدية قوية، وصوت عذب وقوي، فهو صوت الحق ولابد أن يكون قويًا وشاعريًا يؤثر في من يسمعه. يتمتع الفنان علي الحجار بقدرات صوتية استثنائية تتيح له التعبير عن المشاعر بصدق ودقة حيث أضفى عمقا على أدائه التمثيلي، بالإضافة لوضوح النطق ومخارج الحروف التي تؤرقنا من البعض أحيانا . فقد استخدم طبقات صوته المختلفة للتعبير لحظة عن الخوف والتوتر وأخرى للتعبير عن الفرح والحزن مما دعم المشاهد. كما عزز أدائه الجسدي مشاعره وانتقل بسلاسة أحيانا وأحيانا بحركة بطيئة تعبر عن مدى الحزن والانكسار في لحظة خيبة أمل من طلابه وزملاءه والتي سرعان ما يتجاوزها ليعبر جسده عن الثقة والمرونة فقد أظهر فهما عميقا لشخصية يوسف. حضوره وخبرته الفنية جعلاه نقطة جذب أساسية في العرض، حيث جمع بين الحكمة والتوجيه والتأثير العاطفي.
كذلك جاء الفنان عزت زين الذي يفاجئنا دوما بالتنوع في أدواره وأدائه ليجسد دور مدير المدرسة بهدوء وواقعية. فأبرز صورة لمدير المدرسة الذي نحب أن يكونه موجودًا في كل المدارس. فأضفى على الشخصية من روحه. قدم لنا في دور واحد الجدية والحزم وخفة الدم في مناوشاته مع بائع «الحاجة الساقعة»، وكذلك الذكاء والفطنة ليحل المشكلة، فكانت الشخصية نقطة تحول كبيرة في المسرحية.
عزت زين وظف الحركة والإيماءة والمشاعر الداخلية التي ظهرت على تعابير وجهه، والمرونة التي ظهرت في حواره الغنائي، فهو ممثل يمتلك الكثير وما زال لديه الكثير الذي يمكن استغلاله. 
أما ميدو عادل فاختياره كان دقيقًا جدًا من الناحية الجسدية، فشكله الجسدي ووجهه يجعلك تصدق أنك تقف أمام مراهق في مدرسة. وكممثل استطاع استخدام لغة الجسد وأدواته الداخلية في أن ينقل لنا حالة الغضب والفرح والحب التي يمكن أن تخرج من شاب مراهق فجاء أداءوه الغنائي أكثر تماسكا واقناعا.
 وكذلك الفنان الشاب طه خليفة في دور نجاتي، الطالب المتشدد الذي يسعى دائماً لإشعال الأزمة بين زملائه، كان اختياره موفقًا من الناحية الجسدية وحتى طبقة صوته، ليكون بحق هو التلميذ الذي يشكل الظلام وسوء القلب والفكر.كما أظهر تحكما في أداءه الغنائي. 
كذلك تفوق الممثل مايكل سيدهم سواء في صراعه الحاد مع «علي» صديقه المسلم أو في إضفاء روح الكوميديا أحيانًا على ردود أفعاله. والممثلة دنيا النشار التي لعبت دور جوليت في المسرحية داخل المسرحية والطالبة في المدرسة، حيث تميزت بالأداء التمثيلي والغنائي. ظهر أداء الممثلين الذين جسدوا أدوار الطلاب بشكل متقن وجاءت حركتهم متناغمة بدون أي خطأ. كذلك الصوت الجميل والمدرسة التي أحبت دائمًا «سكب البنزين على النار» أميرة أحمد، فصوتها العذب وأداؤها جعل رسالة الأغاني التي تغنت بها تصل للجمهور بمختلف أعماره وفئاته.
«مش روميو وجوبيت» عرض يستحق المشاهدة بما يحمله من متعة ورسالة يحتاجها المجتمع الأن .


روفيدة خليفة